يُنظر إلى "المنصة" في وسائل التواصل الاجتماعي كعملية ومفهوم ومكان، أي أنها كل هذه الأشياء معا. فهي عملية من حيث كونها تُسهّل الإنشاء والمشاركة والتفاعل مع المحتوى الرقمي. وهي مفهوم حين تُجسّد أفكار المشاركة والشبكات وبناء المجتمع الرقمي. وهي مكان من حيث توفيرها "مساحة" رقمية للمستخدمين للتجمع والتواصل والتعاون.
تمنحنا مرونة "المنصة" فهما أفضل للطرق المتنوعة التي يمكن أن تحدث بها التفاعلات الرقمية فيما يخص موضوع الفن. حيث أسهمت هذه المنصات الرقمية في توسيع قاعدة المتلقين للأعمال الفنية وزيادة الوعي بالتيارات الفنية المختلفة، وهو ما يؤثر بشكل ملحوظ على اتجاهات الفن في كل مكان في العالم، وبالتحديد في المملكة العربية السعودية موضوع بحثنا. يهدف هذا البحث إلى استكشاف دور وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج ونشر الفنون البصرية وتأثيرها على اتجاهات الفن في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى استقصاء تصورات الفنانين ومستهلكي الفن عن الفنون عبر الشبكات والمنصات التقنية. تستند هذه الورقة البحثية إلى استبانة أُجريت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مقابلات مع خمسة فنانين من السعودية. تتناول هذه الدراسة أيضا بالتحليل والنقد خمسين عملاً فنيًا منشورًا ومتداولًا في المملكة العربية السعودية.
الكلمات المفتاحية: الفنون البصرية السعودية، ترويج الفنون، منصات التواصل الاجتماعي، المحتوى الرقمي.
صورة الغلاف <span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">صورة الغلاف: صورة رقمية من المؤلفة باستخدام DALLE.E، أحد برامج الذكاء الاصطناعي التي تولّد أعمالًا فنية من نصوص.</span></span>
في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولعبت دوراً هاماً في تحوّل وتغيير العديد من المجالات، بما في ذلك الفنون البصرية. حيث تسهم هذه المنصات الرقمية في توسيع قاعدة المتلقين للأعمال الفنية وزيادة الوعي بالتيارات الفنية المختلفة، وهو ما يؤثر بشكل ملحوظ على اتجاهات الفن المعاصر في كل مكان في العالم وبالتحديد في المملكة العربية السعودية.
تشهد ساحة الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية تحولاً هاماً في السنوات الأخيرة. وبدعم من المبادرات الحكومية مثل رؤية ٢٠٣٠ والاهتمام المتزايد بالفن، شهدت المملكة العربية السعودية نموًا في المجتمع الفني، حيث بدأ الفنانون المحليون في استكشاف موضوعات ووسائط وأساليب مختلفة تعكس هويتهم الثقافية وتجاربهم الفردية.
من جهة أخرى، أحدث ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في الطريقة التي يتفاعل بها الفنانون وعشاق الفن، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة حيوية في مشهد الفن العالمي، عبر توفير منصات مفتوحة للفنانين لعرض أعمالهم والاحتكاك والتواصل مع الجمهور في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، ساهمت في إتاحة نوع من الديمقراطية في عالم الفن، حيث مكّنت الفنانين الناشئين وغير المعروفين من بناء مسيرتهم الفنية عبرها، وجعلت الفن أكثر قابلية للوصول للجمهور المستهدف. أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وفيسبوك وتويتر مساحات أساسية في تعزيز نمو المجتمعات الفنية، حيث تمكن الفنانين من التعاون ومشاركة الأفكار والاستلهام من زملائهم.
يهدف هذا البحث إلى استكشاف دور وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج ونشر الفنون البصرية وتأثيرها على اتجاهات الفن المعاصر في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى استقصاء تصورات الفنانين ومستهلكي الفن عن الفنون عبر الشبكات والمنصات التقنية. تستند هذه الورقة البحثية إلى استبانة أُجريت على المنصات الاجتماعية شارك فيها ١٢٢ مستخدما، إلى جانب مقابلات مع خمسة فنانين من السعودية. تتناول هذه الدراسة أيضا بالتحليل والنقد خمسين عملا فنيا من المملكة، نُشرت وجرى تداولها عبر المنصات الرقمية.
يتمحور سؤال البحث الرئيس في هذه الدراسة، حول الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج ونشر الفنون البصرية في المملكة، وكيف أثر على اتجاهات الفن المعاصر وتصورات الفنانين ومستهلكي الفن في المملكة العربية السعودية؟
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وتويتر إلى إنستغرام وبينتيرست وغيرها أدوات مؤثرة بشكل كبير في ترويج الفنون البصرية وزيادة التعرض لها. تقدم هذه المنصات الرقمية وسيلة عرض ومشاركة وتداول سهلة ومبتكرة للفنانين لعرض أعمالهم، وتوفر وصولاً غير مسبوق لجمهور واسع من المشاهدين، والنقاد، وهواة وجامعي الفن والمشترين. حيث إنها أولاً، تعمل كقناة تواصل مباشرة وحرة بين الفنانين وجمهورهم، بدلاً من الاعتماد على المعارض التقليدية والوسطاء، كما يمكن للفنانين الآن تقديم أعمالهم للعالم الرقمي بكل سهولة، وإبلاغ متابعيهم بالأعمال الجديدة والأحداث القادمة، والرد على الأسئلة والتعليقات، وهو الأمر الذي يعزز التفاعل والتواصل المباشر مع الجمهور.
ثانياً، توفر وسائل التواصل الاجتماعي فرصة متابعة أعمال الفنانين المفضلين لدى الجمهور، واكتشاف المواهب الجديدة والمغمورة، والحصول على الإلهام عبر مجموعات الأعمال المعروضة.
ثالثاً، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي لجمهور الفنون البصرية مشاركة الأعمال الفنية التي يستمتعون بها مع شبكاتهم الاجتماعية، والتوصية بها، وهذا يدعم توجه ترويج الفنان ويزيد من تعرض أعماله لمساحات وجمهور أكبر.
وأخيراً، تعد وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً أداة تعليمية قيمة. فمن خلال الندوات عبر الإنترنت والورش والمدونات، يمكن للفنانين مشاركة تقنياتهم وإبداعهم مع الجمهور، والتي يمكن أن تكون مفيدة للعموم وبشكل خاص للفنانين الشباب أو المبتدئين. وبالتالي، تتمثل أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج الفنون البصرية عبر توفيرها لوسائل التواصل والتعلم والترويج بطرق غير ممكنة من قبل. حيث إنه بدلا من أن تذهب إلى المعرض، صار بإمكان المعرض أن يأتي إليك عبر التقنية.
تكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على الدور المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على التقاليد الفنية. أصبح بإمكان الفنانين السعوديين الوصول إلى مجموعة واسعة وغير مسبوقة من الأفكار والموضوعات والتقنيات الجديدة، بما في ذلك الفرص للتعاون والتبادل الثقافي الفني مع الفنانين من جميع أنحاء العالم، يُشير ذلك إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي كأداة حيوية في النمو والتطور الفني.
أكثر من ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تفتح بابًا للفنانين للتعبير عن أنفسهم وتبادل أفكارهم بشكل أكثر فاعلية، مما يؤدي إلى توسع الحوارات الفنية والثقافية ويسمح بولادة حركات وتوجهات فنية جديدة. ويدل هذا على أن الدراسات المتعمقة للفن المعاصر ووسائل التواصل الاجتماعي في السعودية يمكن أن تكشف عن تفاصيل أكثر حول كيفية تأثير الثقافة الرقمية على المشهد الفني العالمي. ولذا، تكتسب هذه الدراسة أهمية بالغة في فهمنا لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على تطور الفن وكيفية انعكاسها على تقاليد الفن الثقافي والاجتماعي والتقني، بوصفها منتجًا جديدًا يتغلغل في حياتنا كل يوم.
تهدف هذه الدراسة إلى كل من التالي:
1. دراسة دور وسائل التواصل الاجتماعي في دعم وترويج ونشر الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية.
2. استكشاف تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الفن المعاصر في المشهد الفني السعودي.
3. تقصي تصورات الفنانين ومستهلكي الفن عن الفن الرقمي ودوره في مشهد الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية.
4. توفير رؤى وتوصيات للفنانين والمؤسسات الفنية وصناع السياسات حول كيفية استغلال إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز وتطوير مشهد الفن السعودي بشكل أفضل.
5. إثراء المحتوى البحثي العربي والمحلي بدراسة نوعية والأولى من نوعها حول الموضوع.
لتحقيق أهداف الدراسة، تم اعتماد منهجية مزدوجة تجمع بين البحث الكمي والنوعي حيث تم استخدام:
أولا، البحث الكمي: تم تصميم استبانة إلكترونية ونشرها على الجمهور المستهدف لجمع البيانات الكمية. تضمنت الاستبانة سلسلة من الأسئلة الهادفة لقياس آراء وتجارب المشاركين حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج ونشر الفنون البصرية وتأثيرها على اتجاهات الفن المعاصر في المملكة العربية السعودية.
ثانيا، البحث النوعي: تم إجراء مقابلات مع خمسة فنانين سعوديين. هدفت هذه المقابلات إلى الحصول على فهم أعمق لتجاربهم الشخصية وآرائهم حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على ممارساتهم الفنية والتوجهات الفنية في السعودية.
ثالثا، تحليل الأعمال الفنية: كجزء من البحث النوعي، تم اختيار خمسين عملًا فنيًا معروضًا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي لكلا الجنسين وتم تحليلها وصفيا. هذا التحليل يهدف لاستكشاف موضوعات تلك الأعمال الفنية وتفسير تأثير الفن الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي على الأعمال الفنية وتقنياتها وأساليبها على كلا الجنسين في السعودية.
تتناول الأطروحات التي تفحص دور وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج الفنون مجموعة متنوعة من الأطر النظرية. يتصدر هذه الأطر نظرية الاستخدامات والرغبات، ونظرية انتشار الابتكارات. في هذا الإطار، قام الباحث في وسائل التواصل والتكنولوجيا بورجاتي بدراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع وتعزيز نطاق الأعمال الفنية<span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext"> بورجاتي، س. ب، ميهرا، أ، براس، د. ج، ولابيانكا، ج. (٢٠٠٩). تحليل الشبكة في العلوم الاجتماعية. العلوم، ٣٢٣(٥٩١٦)، ٨٩٢-٨٩٥.</span></span>
. توفر دراستهم تحليلاً مستفيضاً حول كيفية استخدام الفنانين وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لبناء وتعزيز الثقافة الفنية، ولتعزيز الروابط بين الفنانين المحليين والدوليين.
تعتبر نظرية الاستخدامات<span class="tooltip">(3)<span class="tooltiptext"> بلومر، ه. (١٩٦٩). التفاعلية الرمزية: الرؤية والمنهج. جامعة كاليفورنيا للنشر.</span></span>، الركيزة الأساسية في دراسات الإعلام، وهي تستند إلى المبدأ الذي يقول إن المستخدمين النشطين في عملية الاتصال يستخدمون الوسائل الإعلامية بطرق تلبي احتياجاتهم ورغباتهم. في الوقت ذاته، ركز كانغ وزملاؤه<span class="tooltip">(4)<span class="tooltiptext"> كانغ، إكس.، وتشين، دبليو.، وكانج، جاي. (٢٠١٩). الفن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي: تحليل سلوك التفاعل لحسابات الفن على إنستغرام. في Informatics (المجلد ٦، العدد ٤، صفحة ٥٢). MDPI.</span></span> على النقاش حول التفاعلات التي تحدث في حسابات الفن على إنستغرام. توفر دراستهم رؤى ثمينة حول كيفية تفاعل الجمهور مع الأعمال الفنية على وسائل التواصل الاجتماعي وكيف يمكن للفنانين استغلال هذه التفاعلات لتعزيز وجودهم وتأثيرهم ضمن المجتمع الفني.
من ناحية أخرى، تهدف نظرية انتشار الابتكارات<span class="tooltip">(5)<span class="tooltiptext"> روجرز ، إي إم (٢٠٠٣). انتشار الابتكارات (الطبعة الخامسة). الصحافة الحرة.</span></span> إلى شرح كيف ولماذا تنتشر الأفكار والتكنولوجيا الجديدة بمعدلات معينة. في هذا السياق، أجرى روجرز دراسة عميقة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على انتشار الفن الرقمي. وقدم دراسة شاملة توضح كيف يمكن للفنانين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتعزيز وتوسيع نطاق أعمالهم الفنية.
على الرغم من تطبيق هذه الأطر النظرية في العديد من السياقات الثقافية والجغرافية، فإن البحث حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الفن في المملكة العربية السعودية لا يزال قليلًا نسبيًا. توفر هذه الدراسة فرصة لاستكشاف كيفية تطبيق هذه النظريات في سياق خاص بالمملكة العربية السعودية. ووفقًا للدكتور مايكل ستيفانون، الباحث الأمريكي المتخصص في التواصل الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي (٢٠١١)، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تعزيز التفاعلات بين الجمهور وتعزيز الشعور بالانتماء في المجتمع الفني. تهدف هذه الدراسة إلى سد هذه الثغرة في الأدبيات، من خلال النظر في تجارب الفنانين والمستهلكين في هذا السياق.
تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نهضة فنية متسارعة تتمثل في الاهتمام المتزايد بالفن، وذلك بفضل دعم حكومي واسع النطاق وحركة فنية من القاعدة تطمح للتعبير عن التجربة السعودية في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية الهائلة التي تمر بها المملكة. مع زيادة التحولات الاجتماعية والثقافية في المملكة، وفي ظل الرؤية السعودية ٢٠٣٠ التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وفتح المجال أمام الابتكار والإبداع، أصبح الفن مساحة فعالة تعكس هذه التغيرات الأخيرة<span class="tooltip">(6)<span class="tooltiptext"> الهزاع، حنان. (٢٠١٤). إشكالية التلقي في الفن السعودي المعاصر. مجلة التصميم الدولية. https://٢u.pw/pnz٢oG </span></span>. حيث يناقش الفنانون السعوديون في أعمالهم موضوعات متنوعة من القضايا المحلية والجندرية والاجتماعية، إلى التأملات الفلسفية والدينية والبيئية، وذلك من خلال أعمال تتضمن الرسم، التصوير، النحت، الأداء والتركيبات الفنية.مع ذلك، يمكننا القول بأن التحديات ما تزال قائمة. في ظل نقص البنية التحتية التعليمية وأماكن العرض المخصصة، يحاول العديد من الفنانين تخطي هذه العقبات بطرق مبتكرة، مثل استخدام منصات التواصل الاجتماعي وبعض الفضاءات العامة.
ويعتبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الفنانين السعوديين أحد العوامل المهمة في تطور أنماط وتيارات فنية جديدة متفاعلة مع كل الموضوعات والقضايا. فمن خلال المنصات الرقمية، يتمكن الفنانون من التفاعل مع الأفكار والتيارات الفنية العالمية والمحلية والتعلم منها وإيجاد طرق جديدة للتعبير الفني والتواصل مع جمهور أكبر. تمكنت النساء السعوديات من الترويج لفنونهن وإبداء رأيهن في كثير من القضايا التي تتعلق بالفن حيث أطلقن على سبيل المثال في عام ٢٠١٥ حملة " #الفن حلال" والتي تم تداولها عبر الشبكات الاجتماعية داعية إلى هجر الأفكار والممارسات التي كانت تحرّم الفن أو تحد من مشاركة المرأة داخل السعودية فيه<span class="tooltip">(7)<span class="tooltiptext"> العجمي، نوف. (٢٠١٩). التغلب على العقبات: تصوير المرأة السعودية من خلال الفن. كلية الفنون والتصميم، جامعة الأميرة نورة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 10.4236/adr.2019.72006 </span></span>.
من ناحية أخرى، يوفر الدعم الحكومي للفنون دفعة قوية لتطوير المشهد الفني في المملكة العربية السعودية. تُظهر بعض المبادرات الحكومية التي ظهرت منذ ٢٠١٦ والمتعلقة بمجال الفنون بكافة أشكالها، مثل رؤية المملكة العربية السعودية (رؤية ٢٠٣٠) وبرامج هيئة الفنون البصرية ٢٠٢١ ومبادرات وزارة الثقافة، التزام القطاعات الحكومية بتعزيز الفنون ودعم الفنانين المحليين . يشجع هذا الدعم الفنانين على تنمية مهاراتهم والتعبير عن تجاربهم الفنية وتوسيع تأثيرهم في المجتمع الأوسع.
تُشير الكثير من الدراسات إلى أهمية دور الفن الرقمي في الممارسات الفنية المعاصرة، حيث يوفر للفنانين إمكانيات جديدة للتعبير الفني والتواصل مع جماهير متنوعة<span class="tooltip">(8)<span class="tooltiptext"> بوريود، ن. (٢٠٠٧). الإنتاج اللاحق: الثقافة كسيناريو: كيف يعيد برمجة العالم الفن. Lukas & Sternberg.</span></span>
. يستخدم الفنانون الرقميون مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات، مثل الرسم الرقمي والنمذجة ثلاثية الأبعاد والواقع المعزز والافتراضي، لإنشاء أعمال فنية جديدة ومبتكرة<span class="tooltip">(9)<span class="tooltiptext"> بول ، سي (٢٠١٦). الفن الرقمي. التايمز وهدسون.</span></span>.
من جهة أخرى، تعزز وسائل التواصل الاجتماعي قبول الفن الرقمي من خلال تسهيل الوصول إليه وزيادة التفاعل معه<span class="tooltip">(10)<span class="tooltiptext"> ستويانوفيتش، س. (٢٠١٣). وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي. مجلة البحوث الاجتماعية، ٧ (٢).</span></span>. تتيح منصات الشبكات الاجتماعية للفنانين إمكانية تبادل الأعمال الفنية الرقمية والتفاعل مع جمهور عالمي<span class="tooltip">(11)<span class="tooltiptext"> سميث، إم ، وإيفرسن ، إم (٢٠١٦). وسائل التواصل الاجتماعي والفن الرقمي: تدخلات في المجال الرقمي. روتليدج.</span></span>. كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تحويل تصورات المستهلكين حول الفن الرقمي وإظهار الجدارة الفنية لهذه الأعمال<span class="tooltip">(12)<span class="tooltiptext"> جير، سي (٢٠٠٦). الثقافة الرقمية. كتب Reaktion.</span></span>.
يتيح الفن الرقمي للفنانين استكشاف آفاق جديدة وتجاوز حدود التقنيات التقليدية، مما يعزز التجديد والابتكار في الممارسة الفنية المعاصرة. كما يُعد الفن الرقمي تعبيرًا حديثًا عن التجارب الإنسانية وتعاطي الفنانين مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية في العصر الحالي.
للفن الرقمي تأثير كبير على سوق الفن التقليدي وذلك عبر تغيير الديناميكيات التي تحكم إنتاج وترويج وشراء الأعمال الفنية. فبدلاً من الاعتماد على قنوات التوزيع التقليدية، يعتمد الفنانون الرقميون على المنصات الرقمية لبيع ونشر أعمالهم مباشرة للجمهور. يتيح ذلك للفنانين الوصول المباشر إلى الجمهور وتجاوز وسطاء التوزيع التقليديين<span class="tooltip">(13)<span class="tooltiptext"> جراهام، ب.، وكوك، س. (٢٠١٠). إعادة التفكير في القراءة: الفن بعد الوسائط الجديدة. MIT Press.</span></span>.
تعتبر هذه التحولات الرقمية تحديًا للأنماط التقليدية لتقييم وتثمين الأعمال الفنية. يتم تحديد قيمة العمل الفني بواسطة معايير جديدة، مثل الانتشار الرقمي والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبالتالي، قد يؤدي الفن الرقمي إلى تحول في تفضيلات المستهلكين وأساليبهم في جمع وشراء الأعمال الفنية<span class="tooltip">(14)<span class="tooltiptext"> بازيكيللي، ت. (٢٠١٣). الاضطراب المشتبك: إعادة التفكير في المعارض في الفن، الهاكتيفيزم، وأعمال التواصل الاجتماعي. DARC Press.</span></span>.
يُنظر إلى "المنصة" في وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها عملية ومفهوم ومكان، أي أنها كل هذه الأشياء معا. فهي عملية من حيث كونها تسهّل الإنشاء والمشاركة والتفاعل مع المحتوى الرقمي. وهي مفهوم حين تجسّد أفكار المشاركة والشبكات وبناء المجتمع الرقمي. وهي مكان من حيث توفيرها "مساحة" رقمية للمستخدمين للتجمع والتعاون والتواصل.
ومع انتشار الانترنت، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية. حسب الإحصاءات وحتى مارس ٢٠٢٣ تضاعفت الأرقام في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية :(Global Media Insight، ٢٠٢١) <span class="tooltip">(15)<span class="tooltiptext"> جلوبال ميديا إنسايت. (٢٠٢٣، ١٧ مايو). إحصائيات مواقع التواصل الاجتماعي السعودية. https://www.globalmediainsight.com/blog/saudi-arabia-social-media-statistics/</span></span>
ففي تويتر: بلغ عدد مستخدمي تويتر حتى شهر مارس ٢٠٢٣ في السعودية ١٨.٧٩ مليون، ما يمثل ٥٢.٦٪ من مستخدمي الإنترنت في البلاد. الذكور هم الأغلبية بنسبة ٦٣.١٪، والمتوسط العمري للمستخدمين هو ٢٩ عامًا. (موقع تويتر الرسمي).
إنستغرام: لدى إنستغرام ١٢.٥١ مليون مستخدم في السعودية، أي ٣٥.١٪ من مستخدمي الإنترنت. معظم المستخدمين هم من الإناث (٦٣.٩٪)، والمتوسط العمري للمستخدمين هو ٢٦ عامًا. (موقع إنستغرام الرسمي)
فيسبوك: فيسبوك يتمتع بشعبية كبيرة، مع ٦٣.٨٧ مليون مستخدم، أي ١٧٧.٢٪ من مستخدمي الإنترنت في السعودية. الغالبية العظمى من المستخدمين هم من الذكور (٦٣.١٪)، والمتوسط العمري للمستخدمين هو ٣١ عامًا. (موقع فيسبوك الرسمي).
شكل ١: جلوبال ميديا انسايت. (٢٠٢٣، ١٧ مايو).
كما أظهرت الإحصائيات الأخيرة نموًا سريعًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة. في عام ٢٠١٥، كان فقط ٢٠٪ من السكان يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذا الرقم قفز إلى ٧٩٪ في عام ٢٠٢٢.تشير هذه البيانات إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية في تزايد مستمر بفضل زيادة توافر الإنترنت، وزيادة عدد الشباب، والجهود الحكومية لتعزيز استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وبناءً على هذه التوجهات، من المرجح أن نشهد استخدامًا مبتكرًا وإبداعيًا أكثر لوسائل التواصل الاجتماعي في السنوات القادمة.
في هذا القسم تقوم الدراسة بتحليل علاقات خمسة فنانين سعوديين من كلا الجنسين مع وسائل التواصل الاجتماعي. حيث تناقش الدراسة العلاقة والأثر المتبادل بين الفنان ومواقع التواصل الاجتماعي على إنتاج الفنان، من حيث المضمون، التقنيات الفنية، والسعي نحو التوسع والانتشار في التفاعل مع الجمهور عبر قنوات مباشرة. كانت معايير اختيار الفنان في هذا القسم: حضور الفنان في المملكة على مستوى السمعة الفنية، مشاركاته الفنية، إضافة إلى الوجود والتفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما كانت تجارب الوصول خاصة بالنسبة لفئة النساء.
شكل٢: صورة من الصفحة الشخصية للفنان والمؤرخ السعودي عبد الرحمن السليمان، ٢٠٢٣. إنستغرام.
يحلل هذا القسم مقابلةً أجريت لأغراض هذه الدراسة مع الفنان ومؤرخ الفن التشكيلي في السعودية: عبد الرحمن السليمان، حيث تركّز النقاش حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المشهد الفني عموما في المملكة من وجهة نظره، وعلى نشاطه الشخصي. خلال حديثه، يقرّ السليمان بأن المنصات الرقمية أحدثت تحولاً في مشهد الفن، حيث ساهمت في تعزيز المعرفة الفنية وتسارع وتيرة التثقيف الفني. ومع ذلك، يبرز أيضًا العديد من التحديات التي تواجهها. من بينها ما يسميه "المدعين للوجود في المشهد الفني دون جودة حقيقية". فيما يتعلق بالجودة الفنية، يشير الفنان السليمان إلى التحديات التي تنشأ نتيجة ازدياد عدد الأشخاص الذين يمارسون الفن في العالم الرقمي بدون تحقيق جودة فنية حقيقية. وهذا يعني أن الكثير من الأعمال الفنية التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تلبي المعايير الفنية المطلوبة أو لا تحمل مستوى عالٍ من التميز الفني. هذا التحدي قد يؤدي إلى انخفاض مستوى الجودة الفنية العامة وتشويه تقدير الأعمال الفنية على المنصات الرقمية. وبناءً على تجربة السليمان، هناك حاجة ملحة للتركيز على رفع مستوى الجودة الفنية في العالم الرقمي وتشجيع الفنانين على التميز الفني والابتكار. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير مزيد من التوجيه والتعليم الفني، وتعزيز قيمة الجودة الفنية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيع التقييم النقدي والحوار البناء حول الأعمال الفنية. من الضروري أن يكون هناك توازن بين الازدهار الرقمي والتكنولوجي والحفاظ على المعايير الفنية وتقدير الأعمال الفنية ذات الجودة العالية. يمكن تحقيق ذلك من خلال التواصل والتعاون بين الفنانين والمؤسسات الثقافية والجمهور لدعم الجودة الفنية والتميز الفني في العالم الرقمي.
وفي هذا السياق، يلفت السليمان الانتباه إلى نقطة أخرى مهمة حيث يرى أن عرض اللوحة الفنية في معرض لا يمكن مقارنته بعرضها كصورة فقط في مواقع التواصل وأن الإحساس باللوحة لا يمكن أبدا أن يكون ذاته في كلا الموقعين الواقعي والافتراضي. حسب تعبيره الأعمال الفنية كصورة على الانترنت قد تكون أقل جودة مقارنة بعرضها الحقيقي في معرض فني. وبالتالي، التفاعل مع هذه الأعمال أو تقدير جودتها قد يكون غير دقيق. أكدّ الفنان السليمان أنه لم يقم بتجربة معارض الواقع الافتراضي (Virtual Reality exhibitions<span class="tooltip">(16)<span class="tooltiptext"> [٢] يتم تقديم الأعمال الفنية في معارض الواقع الافتراضي بطريقة تسمح للجمهور بتجربة الأعمال بشكل واقعي وملموس عبر المساحات الافتراضية. يتم إنشاء هذه المعارض عن طريق إجراء عمليات مسح ضوئي عالية الجودة أو التقاط صور فوتوغرافية للقطع الفنية المادية. يتم تنسيق هذه الصور وتجميعها في مساحة افتراضية باستخدام برامج تحرير الويب المخصصة مثل VR-All-Art.</span></span>). ويعتقد أن الاستجابة التي تحصل عليها بعض الأعمال في المنصات الرقمية لا تعكس بالضرورة جودتها، ولكن قد تكون بسبب عوامل أخرى مثل شهرة الفنان التي ليس بالضرورة أن تكون بسبب جودة فنه. يشير السليمان إلى أن العرض الرقمي للأعمال الفنية قد يخفض جودتها ويشوه التقدير العام لها في بعض الأحيان. ومع ذلك، يعترف بأنه شخصيًا يتفاعل مع الفنانين الآخرين على المنصات الرقمية للتشجيع والدعم.
من جهة أخرى، يتحدث السليمان عن التأثير الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي على الفنانين الذين يعملون بشكل مستقل، مشيرًا إلى أنها منحتهم الجرأة لعرض أعمالهم. ويثني بشكل خاص على تأثير المنصات الرقمية على الفنانات السعوديات، معترفًا بالتحديات التي واجهت النساء في السابق بسبب قيود الوصول. ويؤكد أن النساء الفنانات في السعودية يجب أن يشاركن في مجال الفن بشكل متساوٍ. وعلى الرغم من تعاطفه مع النساء الفنانات، يذكر السليمان أنه ما يزال هناك بعض التحيز الجنسي في تقييم الفن من منظور جندري.
بالنسبة لتجربته الشخصية، يشير السليمان إلى كيف غيرت الشبكات الرقمية طرقه في التواصل مع الجمهور. حيث أثرت سرعة وصول المستخدمين لتطبيقات الشبكات الاجتماعية على طريقته في الاطلاع والحضور والمشاركة في كل ما يخص المجال الفني السعودي. ويعتقد أن هذه التغييرات أسهمت في زيادة الانفتاح والانتشار العالمي للفن في المملكة، مؤكدًا أنها لم تغير كثيرًا في إنتاجه الفني الشخصي ولم تطوره، بل كان تأثيرها أساسيًا في عرضه لأعماله الفنية خصوصا القديم منها ونشرها من مساحات ضيقة ومحدودة إلى مساحات أوسع وأكثر تواجدًا للجماهير. وأخيرًا، يقر السليمان أيضاً بأنه ما زال يساهم في المجال الفني بنفس القدر مثلما كان قبل ثورة المنصات الرقمية.
بناءً على تحليل الصفحات الرقمية للفنان عبد الرحمن السليمان على فيسبوك وتويتر وإنستغرام، نجد أنه يتفاعل بشكل مستمر من خلال نشر مقالاته الدورية، أعماله الفنية القديمة والجديدة، ومشاركاته في الندوات والمعارض والأحداث الفنية في البلاد. صفحاته على الشبكات الاجتماعية تشهد تفاعلاً جيدًا من المهتمين بالفن، الفنانين، والباحثين الأكاديميين. عدد متابعيه على إنستغرام (٤٨٠٦) (شكل٢)، تويتر (٥٢٩٤)، وفيسبوك (٤٠٦٨). هذه الأرقام أقل مما يتوقع لشهرة عبد الرحمن السليمان في المجال الفني في السعودية. وأخيرًا، تجربة الفنان السليمان الشخصية توفر نموذجًا حيًا يبرز التأثير العميق لشبكات التواصل الاجتماعي على الفنانين الكلاسيكيين. هذه التجربة تكشف عن الأبعاد المعقدة والمتنوعة لتأثير هذه الشبكات على المشهد الفني الكلاسيكي في السعودية.
من خلال مقابلة مع المخرج ومنتج الأفلام السعودي مهند الكدم لأغراض هذه الدراسة، اتضح أنه يحتفى بدور وتأثير الشبكات الاجتماعية في مسيرته الفنية بشكل عام. المهند الكدم يملك حسابا على تويتر بعدد متابعين (١٩٣٠٠)، إنستغرام (٧١٨٠)، (فيسبوك ٧٤٦). شكل (٣).
شكل ٣: تغريدة من حساب المخرج المهند الكدم على تويتر، ٢٠٢٣.
يتحدث المخرج الكدم عن دور وتأثير الشبكات الاجتماعية في مسيرته الفنية. حيث تعكس الحسابات التي يملكها على منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وإنستغرام وفيسبوك، أهمية استخدام هذه الشبكات في توثيق أعماله وتاريخه الفني. يعتبر الكدم أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في التوثيق لأعماله مما ساعده في بناء سمعته وتاريخه الفني.
واستعرض الكدم عدة نقاط وجوانب مهمة تتعلق بالشبكات الاجتماعية وتأثيرها على مسيرته الفنية، حيث يشير إلى التطور التكنولوجي والثورة الرقمية، وكيف تأثرت مسيرته الفنية بهذا التقدم. يروي قصته الشخصية بدايةً من المشاركة في المنتديات وصولًا إلى استخدام الشبكات الاجتماعية الحديثة مثل تويتر وإنستغرام وفيسبوك. يشدد على أن هذه الرحلة الفنية ساهمت في تطوره الفني بصفة شخصية وأتاحت له فرصًا جديدة للتعلم وعرض أعماله والتفاعل مع الجمهور بشكل أكبر.
كما يتطرق الكدم إلى الجانب الاجتماعي للشبكات ودورها في توسيع نطاق جمهوره وإتاحة فرصة للتواصل المباشر مع المتابعين والنقاد. يشدد على أهمية هذا التواصل المباشر في تطوره الفني وزيادة تأثيره كفنان. يشعر بأنه يتواصل مع جمهوره بشكل أكثر فعالية ويتلقى ردود فعل فورية على أعماله، مما يساعده على التطور وتحسين أدائه الفني.
من جانب آخر، يتطرق الكدم إلى التحديات والجوانب السلبية للشبكات الاجتماعية. يشير إلى تسطيح الثقافة والمعرفة نتيجةً لكثرة المعلومات المتدفقة عبر هذه الشبكات، وكيف أن الخوارزميات والترندات أصبحت تسيطر بشكل أكبر على بروز الأعمال الفنية وتقديرها وذلك على حساب كلٍّ من الجودة والابتكار. يعكس هذا التحليل الوعي النقدي الذي ينطلق منه الكدم بدوره كمخرج تجاه التأثيرات السلبية التي يمكن أن تنجم عن الاعتماد الزائد على الشبكات الاجتماعية في الفن.
بالإضافة إلى ذلك، يسلط الكدم من خلال تجربته الضوء على استخدام الشبكات الاجتماعية بوصفها أداة للترويج والنشر. ويوضح كيف ساعدت هذه الشبكات في انتشار أعماله الفنية وجعله معروفًا لجمهور أوسع محليًا وعالميًا، مما ساهم في نجاحه وتأثيره كفنان. يستخدم الكدم هذه الشبكات للترويج لأعماله الجديدة وتواصله مع الجمهور بطرق متنوعة وفعالة، مما يعزز قدرته على بناء قاعدة جماهيرية وتعزيز شهرته كمخرج سينمائي.
أخيرًا، يشير الكدم إلى أهمية الخصوصية في الشبكات الاجتماعية وكيف يحتفظ بحياته الشخصية بعيدًا عن هذه المنصات، مركزًا فقط على استخدامها لعرض أعماله الفنية. مشيرًا إلى خطورة الوقوع في فخ سهولة الوصول للجمهور وضرورة حفاظ الفنان على الحدود بين الجانب الشخصي والمهني عند استخدام الشبكات الاجتماعية. هذا التحليل يكشف عن استيعاب المخرج والمنتج مهند الكدم للتأثير الشامل للشبكات الاجتماعية على مسيرته الفنية. يستثمر الكدم هذه الشبكات بمهارة لتوثيق وترويج أعماله، ولتوسيع نطاق جمهوره والتفاعل المباشر معهم. ومع ذلك، يظل واعيًا للتحديات والجوانب السلبية المرتبطة بالشبكات الاجتماعية، مع الحفاظ على الخصوصية والتركيز على الجودة والابتكار في أعماله الفنية. تجربة الكدم تقدم بالتالي دليلاً على تأثره بوسائل التواصل الاجتماعي كمخرج، وتبرز كيفية استخدامه الفعال لهذه الشبكات في تعزيز مسيرته الفنية.
تعمل الفنانة نورة الشقير حاليًا في جامعة الملك سعود في الرياض، تقوم بإعطاء محاضرات عن موضوعات فنية نظرية وعملية مثل الفن التشكيلي والطباعة حيث تنقل معارفها وتجاربها الفنية إلى جيل جديد من الطلاب. وفقًا لنورة شقير، ومن ناحية أكاديمية، الفن الرقمي كأحد أساليب الفن الحديثة ليس طاغياً على الفن التقليدي في الشبكات الاجتماعية، بل هو فقط أحد الأشكال الفنية التي ظهرت في عصرنا كنتيجة له. فالجيل الحالي قد يتعامل أكثر مع الفن الرقمي لأنه يعتبر أسهل في الوصول إليه والتعامل معه. من جهة أخرى، تشير الشقير إلى أنه في تجربتها الفنية كان هناك تأثير واضح للشبكات الاجتماعية والتقنية وخصوصا على عملها، فحسب قولها أنها استخدمت هذه الأدوات لتعزيز حضورها كفنانة وتسويق أعمالها، ونشاطها الفني، والأكاديمي. حيث تشارك في حسابها على إنستغرام أهم الورش الفنية التي تقدمها، صور للمعارض التي تزورها، والتقنيات والأفكار الجديدة التي تتعلمها. هذا الحضور في العالم الرقمي كان له أثرًا واضحًا في تقييم الجمهور لأعمالها بشكل مستمر، مما ساهم في خلق هوية فنية لها، كانت مشجعة بحسب قولها. (شكل٤).
شكل٤: صورة من أحد تحديثات الفنانة والأكاديمية نوره شقير على إنستغرام، ٢٠١٤.
على الرغم من الفوائد العديدة التي جاءت مع الشبكات الاجتماعية والتقنية، أشارت شقير أيضًا إلى بعض التحديات، مثل شيوع السرقات الفنية في الواقع الافتراضي. ومع ذلك، لم يثنها ذاك عن استخدام الأدوات المتاحة لها، مثل الإبلاغ عن السرقات الفنية عبر مواقع الشبكات الاجتماعية الرئيسية وأيضا الاستفادة من هيئة حقوق الملكية في السعودية لحماية أعمالها. يحتم الوجود الافتراضي النزاهة واليقظة الدائمة للحفاظ على الحقوق وحماية الأعمال من السرقات الفنية.
أكدّت شقير أيضًا أن استخدامها للشبكات الاجتماعية ليس مقتصرًا على التسويق فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المشاركة في المعرفة الفنية وتقديمها للجمهور. وبذلك، تتجاوز تجربة الشقير البسيطة لاستخدام الشبكات الاجتماعية كأدوات للتسويق، إلى أن تصبح جزءًا من إنتاج المعرفة الفنية والمساهمة في الحوار الفني الأوسع. توضح تجربة الشقير كيف يستطيع الأكاديمي الفنان في العصر الرقمي نقل تجاربه إلى المنابر الرقمية، استغلالها كأماكن جديدة للتعلم والابتكار وتوليد المعرفة. تعتبر الشبكات الاجتماعية أدوات ضرورية لتعزيز نفوذه والدفاع عن حقوقه، بينما يقوم بتقديم أعمال فنية معبرة وذات تأثير.
تأثير الشبكات الاجتماعية على الفن النسائي في السعودية هو موضوع يستحق الاستكشاف، وتجربة منى المهدي تعتبر حالة استثنائية لدراسة هذا التأثير. توفر الشبكات الاجتماعية وسائل تواصل فعالة ومنصات عرض جديدة للفنانين السعوديين، وكانت تجربة منى بمثابة شاهد على هذا التحول. بفضل الشبكات الاجتماعية، تمكنت منى من اكتشاف موهبتها ونشر أعمالها والتفاعل مع مجتمعات التصوير الفوتوغرافي المحلية والدولية، مما أتاح لها فرصة الاستفادة من الأفكار الجديدة والتقنيات الفوتوغرافية المبتكرة.
شكل٥: منى المهدي.(٢٠٠٥). صورة لمدينة مكة. صفحة الفنانة على منصة إنستغرام.
ومع ذلك، أظهرت تجربة منى المهدي أيضًا الجوانب السلبية المحتملة للشبكات الاجتماعية. فبفضل التركيز الشديد على خلق العلامات التجارية الشخصية وجلب المتابعين، بدأت تشعر بالقلق حول كيفية تأثير الشبكات الاجتماعية على الطريقة التي يتم فيها تقييم الفن وتقديره. وهذا يتوافق مع القلق العام حول كيفية تأثير الشبكات الاجتماعية على الفن في السعودية، حيث يمكن أن تؤدي الرغبة في الحصول على "إعجابات" ومتابعين إلى تشجيع الأعمال الفنية التي تتناسب مع الأذواق الاستهلاكية، بدلاً من تشجيع الابتكار والتجربة.
بالإضافة إلى ذلك، كانت المهدي قلقة حول كيفية تأثير الشبكات الاجتماعية على الفن، بالنظر إلى أنها قد تحول الفن من وسيلة للتعبير الفني والثقافي، إلى وسيلة فقط للترويج والربح. هذا القلق يشير إلى التحدي الذي يواجه الفنانين السعوديين، الذين يحاولون الموازنة بين استثمار الشبكات الاجتماعية لزيادة الوصول والتأثير، والحفاظ على الحرية الفنية والابتكار.
وبالتحليل لتجربة المصورة الفوتوغرافية منى المهدي، تكشف لنا الشبكات الاجتماعية عن دورها الرئيسي في تشجيع وتنمية المواهب الفنية في السعودية. حيث أصبحت منى عضوًا في مجموعات على الإنترنت تركز اهتماما خاصا على التصوير الفوتوغرافي، حيث وجدت في هذه المجموعات مصدر إلهام لها، وأيضًا فرصة للتعلم والتحسين. هذه المجموعات الافتراضية توفر بيئة تعاونية، حيث يشارك الأعضاء أعمالهم، يناقشون الأفكار، ويتعاونون في حل المشكلات والتحديات التي تواجه مجال التصوير.
حسب منى المهدي لم يكن التأثير مقتصرًا على تحسين مهاراتها فحسب، بل دفع بها أيضًا للمشاركة في المسابقات الفنية المختصة بالتصوير في المملكة. فقد ساهمت المشاركة في هذه المجموعات في زيادة ثقتها بقدراتها الفنية، وتشجيعها على تقديم أعمالها في منافسات على مستوى أعلى. على سبيل المثال ذكرت المهدي أنها فازت بتصويت الجمهور في أحد المسابقات المحلية والتي شاركت فيها بصورة مميزة عن مدينة مكة (شكل٥). أيضا اختير أحد أعمالها من قبل مسابقة أقامتها أمانة جدة في ٢٠٠٩، وتم اختيار مشاركتها لتكون على واجهة موقع الأمانة الإليكتروني.
ومع كل ذلك، فإن تجربة منى المهدي توضّح أيضًا أن الشبكات الاجتماعية ليست مجرد أدوات لزيادة الوصول والرؤية، بل هي أيضًا أدوات للتعلم والتطوير. أظهرت أيضا كيف يمكن للشبكات الاجتماعية أن تعمل كمساحات للتعاون الفني والتفاعل الثقافي، حيث يتم تشجيع الفنانين ليس فقط على تقديم أعمالهم، ولكن أيضًا على تحسين مهاراتهم وفهمهم للفن.ذكرت المهدي أيضا أن التعرّض الشديد للفن في الشبكات الاجتماعية يساهم بشكل مّا في زيادة فهم الفنّ وتحسّن الذائقة الفنية عموما.
تكشف تجربة المهدي بوضوح أن تجربة الفنان في العصر الرقمي تقع على مفترق طرق حيث يلتقي الوجود والتأثير بالابتكار والحرية الفنية. كفنانين، يجب أن يكونوا قادرين على التلاعب بواقع متقلب ومتنوع، واحتضان الحالة القلقة والمتوترة بين الرغبة في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، والحاجة إلى الحفاظ على الصدق والإبداع في تعبيرهم الفني.
إضافةً إلى ذلك، يواجه الفنانون في العالم الرقمي الآن تحديات جديدة من ناحية التواصل المستمر والضروري مع الجمهور عبر الشبكات الاجتماعية، وهي بيئة تتطور بسرعة وتغير شكلها باستمرار. هذه البيئة تتطلب إنتاجًا مستمرًا ومتجددًا للأفكار، ما يشكل بدوره تحديًا للفنانين للبقاء متميزين ومبتكرين، في الوقت الذي يجب فيه أيضًا الاهتمام بجودة وجوهر أعمالهم الفنية. هذا التوازن الدقيق، الذي يتطلب القدرة على التحرك بسلاسة بين القديم والجديد، بين الأبدية والزمنية، هو تحدي العصر الرقمي للفنانين.
فاطمة النمر، فنانة تشكيلية بدأت رحلتها الفنية في العام ١٩٩٩. يمكن رصد تحولات مهمة في مسيرتها الفنية كامرأة فنانة مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، وبالأخص منصة الفيسبوك في ٢٠٠٧. حيث يمكن اعتبار تلك المنصة محورًا هامًا في مسيرتها الفنية. تزايدت شعبية النمر على مر السنين بشكل ملحوظ، مما أتاح لها الفرصة لتسويق أعمالها بشكل أوسع واكتساب تقدير على المستوى العالمي. حسب صفحاتها على الشبكات الاجتماعية، حققت أكثر من ٣٣ ألف متابع على الإنستغرام، مما يبرز الدور الفعال للمنصات الرقمية في تعزيز حضور الفنانات السعوديات.
شكل٦: فاطمة النمر، (٢٠٢٣). جميلة والعود. صفحة الفنانة على منصة إنستغرام.
تحليل دور النمر في استخدام المنصات الرقمية لتعزيز الفن في السعودية يكشف عن نموذج ملهم. فبالرغم من القيود الأولية التي كانت تحد من معارض النساء الفنية، استطاعت النمر التعامل مع هذه التحديات بطرق مبتكرة، حيث استغلت الفيسبوك والإنستغرام كأدوات للتوثيق التاريخي لتجربتها والترويج لأعمالها الفنية.
من الجدير بالذكر أن النمر استطاعت التعامل مع تحديات العالم الرقمي، مثل الحفاظ على التجديد وعدم تكرار الذات، ومواجهة المنافسة الفنية القوية، فظلت تبتكر وتجدد أعمالها. وبعد تطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية في السعودية، أبدت النمر حرصها على حماية حقوقها الفكرية وتسجيل أعمالها.
من الأمثلة البارزة على أثر التقنية على أعمال النمر الفنية، معرض "الخطيئة والغفران" الذي أقيم في ٢٠١٣. في هذا المعرض، استخدمت النمر صورتها الشخصية في لوحات هذا المعرض كأداة لتحدي "ثقافة العيب" بحسب قولها، والتي كانت تمنع ظهور وجه المرأة. باستخدام صورتها الشخصية في لوحات المعرض، أظهرت النمر قوة المقاومة لثقافة الإلغاء الاجتماعي التي كانت تمنع حضور وجه المرأة في المجال العام. إن تجسيد النمر لنفسها في لوحات المعرض يشير إلى استعادة السيطرة على التمثيل الذاتي للمرأة في الفن السعودي.
ومن الواضح أن تجربة فاطمة النمر تتجاوز مجرد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لنشر أعمالها الفنية. بل تمكنت من استغلال هذه الوسائل لتحقيق أهداف أكثر عمقا ونضجا. هذا يتماشى مع نظرية الاستخدامات والرغبات، التي تقول إن الناس لا يستخدمون الوسائل الإعلامية فقط لاستهلاك المحتوى، ولكن أيضا لتحقيق احتياجات ورغبات أعمق، مثل التعبير عن الذات، والتواصل مع الآخرين، والتعلم.
من جانب آخر، نظرية انتشار الابتكارات، التي تدرس كيفية انتشار الأفكار والتقنيات الجديدة، تستطيع توفير إطار مفيد لتفسير استخدام النمر لوسائل التواصل الاجتماعي. كما أنها تعكس قدرتها على استيعاب وتطبيق الابتكارات الفنية والتقنية في عملها. فبدلاً من التقيد بالتقاليد الفنية القديمة، اختارت النمر الانخراط في استخدام التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى جمهور أوسع. حيث أنها تتطلع لاستخدام آليات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز في عملها القادم. وهذا يبرز التزام النمر بالابتكار والتحديث المستمر في السياق الفني، ويعكس رؤيتها للتقدم التكنولوجي كأداة قوية للتعبير الفني.
تتواكب تجربة النمر مع الدراسات التي أجراها بورجاتي حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع وتعزيز نطاق الأعمال الفنية<span class="tooltip">(17)<span class="tooltiptext"> بورجاتي، س. ب، ميهرا، أ، براس، د. ج، ولابيانكا، ج. (٢٠٠٩). تحليل الشبكة في العلوم الاجتماعية. العلوم، ٣٢٣(٥٩١٦)، ٨٩٢-٨٩٥.</span></span>. بفضل استخدامها لهذه الوسائل، تمكنت النمر من تعزيز روابطها الفنية المحلية والدولية، وتعزيز الثقافة الفنية في السعودية. وبشكل عام، يمكن القول أن تجربة النمر تؤكد على الدور الأساسي للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الحياة الفنية، وتوسيع الثقافة الفنية، وتحقيق التواصل والتفاعل الدولي بين الفنانين. وفي الوقت نفسه، تبرز تجربتها الاستفادة العظيمة من استخدام هذه الوسائل في تحقيق الابتكار والتجديد الفني، مما يثبت أن الفن والتكنولوجيا، خطان متوازيان، يمكن لهما أن يلتقيا؛ حين يكون الإبداع هو الهدف المنشود.
في الجزء الثاني من هذه الدراسة، تم تصميم استبانة إليكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحديدًا على منصتي تويتر وإنستغرام، بهدف استقصاء آراء الفنانين والمهتمين بالموضوع. شهدت المشاركة في الاستبانة تنوعًا كبيرًا من حيث العمر والجنس، وقد أظهرت نتائج الدراسة تفاعلاً فعّالًا حيث قام ١١٥ مستخدمًا للشبكات الاجتماعية بملء الاستبانة.
شكل ٧: فئات العمر والجنس المشاركة في الاستبانة
فيما يتعلق بالعمر، تباينت الأعمار بين الفئات المختلفة، حيث بلغ عدد المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٦ و٣٥ سنة ٥٩ شخصًا، في حين كان هناك ٢٨ مشاركًا في الفئة العمرية بين ٣٦ و٤٥ سنة. وبلغ عدد المشاركين في الفئة العمرية بين ١٥ و٢٥ سنة ١٧ شخصًا، بينما كان هناك ١١ مشاركًا يبلغون من العمر ٤٦ سنة وما فوق.
من حيث التوزيع الجنسي، لوحظ أن هناك تباينًا بين الإناث والذكور المشاركين في الاستبانة، حيث بلغ عدد المشاركات لفئة الإناث ٧٩ مشاركة، بينما كان هناك ٣٦ مشاركة لفئة الذكور (شكل٧).
أما بالنسبة لمستوى التعليم، فقد أظهرت النتائج تنوعًا في التحصيل العلمي للمشاركين، حيث كان هناك ٧٠ مشاركًا حاصلًا على درجة جامعية، ٣٣ مشاركًا حاصلًا على درجة دراسات عليا، ١١ مشاركًا حاصلًا على شهادة ثانوية، وشخص واحد حاصل على شهادة متوسطة.
وفيما يتعلق بالوضع الوظيفي، لوحظ تنوع كبير بين المشاركين، حيث بلغ عدد المشاركين الموظفين ٦٨ شخصًا، في حين كان هناك ١٨ مشاركًا طالبًا، و١٧ مشاركًا يديرون مشروعًا شخصيًا، و١٢ مشاركًا غير موظف.
تسلط هذه البيانات الضوء على التنوع الكبير في الفئات التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي، سواء من حيث العمر، أو الجنس، أو المستوى التعليمي، أو الوضع الوظيفي. وتعتبر مشاركة عدد كبير من المشاركين في الاستبانة مؤشرًا قويًا على الاهتمام الكبير بوسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في المجتمع السعودي.
علاقة المعرفات الشبكية بالفن
شكل ٨: اكتشاف الفنانين أو الأعمال الفنية الجديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
أظهرت نتائج الاستبانة أن ٩٢٪ من المشاركين سبق لهم اكتشاف فنان أو عمل فني جديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية. وبشكل مفاجئ، أفاد ٨٪ من المشاركين بعدم الاكتشاف عند طرح هذا السؤال (شكل ٨). هذه النسبة العالية من المشاركين الذين اكتشفوا الفن عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعكس الدور الهام الذي تلعبه هذه الوسائل في تسهيل وتعزيز التواصل والوصول إلى الأعمال الفنية الجديدة. تشير هذه النتائج إلى أن الشبكات الاجتماعية توفر منصة قوية للفنانين والمبدعين لعرض أعمالهم والتواصل مع الجمهور بطرق مبتكرة وفعالة. ومن الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعي تعزز انتشار الفن في السعودية وتوفر فرصًا أكبر للتعرف على المواهب الجديدة والأعمال الفنية المبتكرة.
المنصات الرئيسية لمتابعة المحتوى الفني
في الإجابة على سؤال ماهي المنصات الرئيسية التي يستخدمها المشاركون لمتابعة الفنانين والمحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي (شكل ٩). تظهر النتائج تفضيلات واضحة:
أغلب المشاركين (٩٠ من ١١٥) اختاروا "إنستغرام" كأكثر المنصات التي يتابعون عليها الفنانين والمحتوى الفني.
"تويتر" جاء في المرتبة الثانية، حيث اختاره ٦٢ مشاركًا.
"سناب شات" و"أخرى" (التي لم يتم تحديدها) تقاسمتا المركز الثالث بـ١٩ مشاركًا.
ومن الجدير بالذكر أن بعض المشاركين اختاروا أكثر من منصة واحدة، مما يعكس تعدد الوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى المحتوى الفني والفنانين على وسائل التواصل الاجتماعي.
شكل ٩: أبرز منصات الوسائط الاجتماعية لمتابعة الفنانين أو المحتوى المرتبط بالفن
أنماط التفاعل مع المحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي
يتنوع التفاعل مع المحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين الإعجاب بالمنشور، أو التعليق عليه، أو إعادة نشره. تظهر النتائج لهذا الاستبانة التفضيلات بين المشاركين على النحو التالي (شكل ١٠):
شكل ١٠: التفاعل مع المحتوى المرتبط بالفن على وسائل التواصل الاجتماعي
الأكثر شيوعًا بين المشاركين في الاستبانة هو القيام بجميع الأنشطة المذكورة: الإعجاب، التعليق، وإعادة النشر، حيث اختار ٦٣ من الأشخاص هذا الخيار. هذا يشير إلى نشاط عالٍ ومشاركة في المجتمعات الفنية على الوسائل الاجتماعية.
٤٢ من المشاركين اختاروا "الإعجاب فقط"، مما يشير إلى نوع من المشاركة الأقل تفاعلية، ولكنها تظهر زيادة الوعي والاهتمام بالمحتوى الفني.
٩ من المشاركين اختاروا "إعادة النشر فقط"، مما يدل على الرغبة في مشاركة المحتوى الفني مع الآخرين والمساهمة في نشره.
واحد من المشاركين اختار "الإعجاب والتعليق"، مما يشير إلى تفاعل متوسط.
إجمالاً، هذه النتائج تظهر أن الأفراد يتفاعلون بطرق مختلفة مع المحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي، وتبين النتائج أن هناك مزيجاً من التفاعلات التي تشمل الإعجاب، التعليق وإعادة النشر. من المهم ملاحظة أن هذه النتائج تستند إلى حجم عينة صغير نسبيًا وقد لا تكون ممثلة لعدد أكبر من المستخدمين. ومع ذلك، يعكس هذا التفاعل المرتفع الحاجة إلى التعبير الإبداعي الذي يوفره الفن في عالم يمكن أن يكون مليئًا بالضغوط والتوترات.
الأثر الديمقراطي لوسائل التواصل الاجتماعي على الفن في المملكة
وفقا للبيانات المستقاة من الاستبانة، يوجد توافق كبير بين المشاركين على أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير في إضفاء الطابع الديمقراطي وتقليل الاحتكار في عالم الفن. ٨٦٪ من المشاركين (أي ما يقرب من ٩٩ شخصًا) أجابوا بـ"نعم"، بينما قال ١٤٪ (أي حوالي ١٦ شخصًا) بـ"لا". (شكل ١١).
شكل١١: وسائل التواصل الاجتماعي وإضفاء الطابع الديمقراطي وتقليل الاحتكار في عالم الفن
هذا يشير إلى اعتقاد قوي بين المشاركين في أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا بارزًا في دعم الديمقراطية والتنوع في عالم الفن. وقد يكون السبب في ذلك هو القدرة التي توفرها هذه الوسائل للأفراد على نشر ومشاركة أعمالهم الفنية بشكل مستقل، وتجنب القيود والتحكم الذي قد تفرضه المؤسسات التقليدية في مجال الفن. وهذا يتيح الفرصة لأصوات وأفكار جديدة للظهور والتألق.
ومع ذلك، فإن نسبة ١٤٪ التي أجابت بالنفي تشير إلى وجود بعض التحفظات حول هذا الموضوع. قد يعتقد هؤلاء أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن فعالة بما يكفي في كسر الاحتكارات في عالم الفن في السعودية، أو قد يرون أنها أدت إلى تشكيل نوع جديد من الاحتكارات أو المشاكل داخل المجتمع الفني.
أثر وسائل التواصل الاجتماعي على قيمة الفنون البصرية
في الاستبانة، أظهرت الغالبية العظمى من المشاركين أنهم يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي قد زادت من قيمة الفنون البصرية، حيث أجاب ٨٣ من الأشخاص بهذا الرأي. هذا يمثل حوالي ٧٢٪ من المشاركين، مما يدل على تقديرهم للدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز وتعميق قيمة الفنون البصرية (شكل ١٢).
شكل ١٢: تقدير وسائل التواصل الاجتماعي قيمة الفنون البصرية
هناك ١٨ من الأشخاص، حوالي ١٦٪ من المشاركين، يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي قد قللت من قيمة الفنون البصرية. يعتقد هؤلاء الأشخاص أن الفنون البصرية أصبحت أقل جودة أو أهمية بسبب التركيز الزائد على الرقمنة والجماهيرية الفورية التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي. أخيرًا، ١٤ شخصًا، حوالي ١٢٪ من المشاركين، اعتقدوا أن الوضع لم يتغير. يعتقد هؤلاء الأشخاص أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تؤثر بشكل كبير على القيمة الجوهرية للفنون البصرية بطريقة أو بأخرى.
من المهم الإشارة إلى أن هذه النتائج متوافقة مع الرأي السائد الذي توصلنا إليه في السؤال السابق حول الطابع الديمقراطي لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتقد معظم المشاركين أن هذه الوسائل قد ساهمت بشكل إيجابي في عالم الفن.
أشهر أشكال الفن على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية
من خلال تحليل الأجوبة التي تم الحصول عليها من الاستبانة، يمكننا تحديد الاتجاهات الفنية الرئيسية التي يتابعها الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الفن التي تم الإشارة إليها بكثرة في الأجوبة: الرسومات، واللوحات الفنية، والفيديوهات الإبداعية.
١ . الرسومات: الأكثر تكرارًا في الاستبانة حيث ذكرت ١٧٥ مرة في الردود، الرسومات هي أكثر الأشكال الفنية شيوعا. قد يتضمن هذا الرسم الرقمي والرسم التقليدي. في السياق الفني، الرسومات هي تمثيل بصري يتم إنشاؤه عن طريق استخدام أدوات وتقنيات مختلفة لتنفيذ الأفكار على سطح مادي. يمكن أن تتضمن هذه الأدوات الأقلام، الأقلام الرصاص، الفحم، الألوان الزيتية، أو الأدوات الرقمية. الرسومات يمكن أن تكون تجريدية أو واقعية، ويمكن أن تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات والأنماط.
٢. اللوحات الفنية: تأتي اللوحات الفنية في المرتبة الثانية من حيث التكرار بـ ١٠٩ مرات. تعتبر اللوحات الفنية مصطلحا أوسع وأكثر شمولا من الرسومات، وهو ما يتضمن مجموعة أوسع من التقنيات والمواد والأنماط المتنوعة من الفن التشكيلي، بما في ذلك الأعمال الفنية المعاصرة والكلاسيكية. وهذا يدل على الاهتمام الواسع والشعبية الكبيرة لهذه الأشكال الفنية بين المشاركين في الاستبانة.
٣. الفيديوهات الإبداعية: تم ذكرها ٨١ مرة، مما يشير إلى شعبية المحتوى المرئي الذي يمكن تشاركه بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا قد يشمل كل شيء من الأفلام القصيرة إلى الفيديوهات التعليمية والأعمال الفنية المتحركة.
يُظهر هذا التحليل أن الفن في السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي متنوع للغاية، ويشمل العديد من الأشكال والأنواع. تبدو هناك رغبة قوية في التفاعل مع الأعمال الفنية الإبداعية والبصرية، مما يعكس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي القوي.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الفن الحديثة
بناءً على نتائج الاستبانة، يتضح أن الغالبية العظمى من المشاركين (٧١ من ١١٥) يعتقدون بأن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على اتجاهات الفن الحديثة. يمكن رؤية هذا التأثير في مدى الإبداع والتنوع في الاتجاهات الفنية التي تم التعرف عليها في القسم السابق (شكل ١٣).
شكل١٣: أثر وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الفن الحديثة
وهناك ٣٩ مشاركاً يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت "ربما قليلا" على اتجاهات الفن. يمكن أن يكون هذا نتيجة للاعتقاد بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعكس ببساطة الاتجاهات الفنية الحالية بدلاً من تشكيلها. في النهاية، هناك ٥ مشاركين فقط يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تؤثر على الفن اطلاقا. يعتقدون أن التأثيرات الرئيسية على الفن تأتي من مصادر أخرى، مثل التعليم الفني أو العوامل الثقافية والاجتماعية. هذا التحليل يقترح أن وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لرأي الأغلبية الساحقة من المشاركين، لها دور كبير في تشكيل الفن الحديث. إنها ليست فقط منصة لعرض الأعمال الفنية، بل هي أيضاً قوة محركة للابتكار والتجريب في العالم الفني.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الفنانين وممارساتهم الفنية
تُبرز الاستبانة مجموعة متنوعة من الطرق التي تأثرت بها ممارسات الأفراد الفنية في وسائل التواصل الاجتماعي. ما يقترب من نصف المشاركين (٥٥ من ١١٥) أجابوا بأنهم ليسوا فنانين، مما يعني أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على ممارساتهم الفنية ليس ذا صلة بالنسبة لهم. بينما، للمشاركين الذين ينظرون إلى أنفسهم كفنانين (٦٠ من ١١٥) أو لديهم ممارسة فنية، تظهر اتجاهات مميزة. الكثير منهم (٣٤ من ٦٠) تعلموا فنونًا جديدة من خلال تفاعلهم مع فنانين آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الأرقام تدعم الفكرة التي تم تناولها في القسم السابق حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الفن الحديث. وبالنسبة لبعض المشاركين (٦ من ١١٥)، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة شهرتهم كفنانين، وهو ما يعكس قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على توسيع نطاق الجمهور الذي يمكنه الوصول إلى الأعمال الفنية.
وفي بعض الحالات، وجد الفنانون أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست فقط مفيدة لزيادة التعرض والتعلم، ولكن أيضا كوسيلة لبيع أعمالهم والاستفادة ماديًا (٩ من ١١٥). تظهر هذه النتائج التأثير الكبير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي في ممارسات الأفراد الفنية ومسيراتهم المهنية، سواء من خلال فتح فرص التعلم الجديدة أو توسيع الجمهور أو توفير فرص للربح المادي.
التأثير العام لوسائل التواصل الاجتماعي على عالم الفن
وفقاً لنتائج الاستبانة، ما يقترب من نصف المشاركين (٥٧ من ١١٥) يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير إيجابي على عالم الفن بشكل عام. يمكن أن يتعلق هذا الرأي الإيجابي بمجموعة واسعة من العوامل، بما في ذلك القدرة على تعزيز التعرض للفنانين، توفير منصة للتعبير الفني، وإتاحة فرص التعلم والتفاعل مع الفنانين الآخرين، كما يتضح من النتائج السابقة.
من جهة أخرى، كان هناك عدد كبير من المشاركين (٥٤ من ١١٥) يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير إيجابي وسلبي معا على عالم الفن. هذه النتائج قد تشير إلى وجود مخاوف بشأن الجوانب السلبية المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي على الفن، مثل الإفراط في التجارية، السرقة الفنية، أو التأثير الضار على تقييم وتقدير الفن.
فقط عدد قليل من المشاركين (٤ من ١١٥) يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير سلبي على عالم الفن. وهذا يعكس بشكل عام الإحساس الإيجابي أو المختلط نسبيًا تجاه وسائل التواصل الاجتماعي في سياق الفن.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على ترويج الفنانين لأنفسهم وأعمالهم
وفقاً لنتائج الاستبانة، يتفق الأغلبية من المشاركين (١١٣ من ١١٥) على أن وسائل التواصل الاجتماعي قد غيرت الطريقة التي يروج بها الفنانون لأنفسهم وأعمالهم. هذا يعكس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي المتزايد على مجال الفن والثقافة، وهو ما يمكن رؤيته في مجموعة متنوعة من الجوانب، بدءًا من التسويق الذاتي والترويج للأعمال الفنية، إلى الفرصة لتكوين شبكات والتفاعل مع الجمهور والفنانين الآخرين. (شكل ١٤)
شكل ١٤: وسائل التواصل الاجتماعي غيرت الطريقة التي يروج بها الفنانون لأنفسهم وعملهم
في المقابل، عدد قليل من المشاركين (٢ من ١١٥) يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تغير الطريقة التي يروج بها الفنانون لأنفسهم وأعمالهم. وهذا يشير إلى وجود بعض الفنانين الذين لا يستفيدون من وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج أعمالهم، أو أنهم قد لا يرون قيمة في ذلك.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تفاعل المستهلكين مع الفن
يعتقد أغلب المشاركين في الاستبانة (٦٥ من أصل ١١٥) أن وسائل التواصل الاجتماعي قد غيرت بالفعل الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع الفن وشرائهم له. هذا يشير إلى دور كبير لوسائل التواصل الاجتماعي في تغيير البيئة الفنية، من حيث الوصول والاكتشاف والشراء، بالإضافة إلى توفير قنوات جديدة للتفاعل مع الفنانين وأعمالهم. (شكل ١٥)
شكل١٥: وسائل التواصل الاجتماعي وطريقة تفاعل المستهلكين مع الفن وشرائهم
وفي الوقت ذاته، يعتقد ٤٦ من المشاركين أن وسائل التواصل الاجتماعي قد غيرت طريقة تفاعل المستهلكين مع الفن وشرائهم له "إلى حد ما". هذا يشير إلى أن هناك بعض التحفظات حول قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير المشهد الفني بشكل كامل أو فوري. ٤ من المشاركين في الاستبانة يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تغير طريقة تفاعل المستهلكين مع الفن وشرائهم له. وهؤلاء المشاركون قد يرون التفاعلات الشخصية والتجارب المحسوسة ما تزال ذات أهمية كبيرة في مجال الفن.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على وصول الفن إلى الجمهور
تؤكد البيانات الواردة في الاستبانة على الدور الهام لوسائل التواصل الاجتماعي في توسيع نطاق وصول الفن إلى الجمهور. معظم المشاركين في الاستبانة، بعدد ١١٠ من أصل ١١٥، يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من قدرة الفن على الوصول إلى عامة الناس. هذا يشير إلى القدرة الفائقة لوسائل التواصل الاجتماعي على توسيع الوصول وزيادة التعرض للفنون، والذي كان في السابق مقتصرًا على الجماهير في المعارض الفنية أو المتاحف. (شكل ١٦).
شكل ١٦: وسائل التواصل الاجتماعي ووصول الفن إلى عامة الناس
في المقابل، يعتقد ٥ من المشاركين في الاستبانة أن وسائل التواصل الاجتماعي قد قللت من وصول الفن إلى عامة الناس. هؤلاء المشاركون ينظرون إلى الفن من منظور مختلف، ربما يعتقدون أن الوفرة الشديدة للمحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تشتيت الانتباه، أو أن الفن الموجود على الإنترنت ليس بنفس القيمة والجودة مثل الأعمال الفنية التقليدية.
أمثلة على كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية للترويج للفن
تتمتع وزارة الثقافة السعودية بحضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي ، وتستخدم منصاتها للترويج للمعارض الفنية والعروض والفعاليات. أيضا، يمتلك المتحف الوطني السعودي (شكل ١٧) حسابًا شهيرًا على Instagram ، يستخدمه لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بمجموعته. بينالي الدرعية هو مهرجان فني دولي يقام في الدرعية بالمملكة العربية السعودية. يستخدم حساب البينالي وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأحداثه وللتواصل مع عشاق الفن حول العالم.
شكل ١٧: صفحة المتحف السعودي على موقع إنستغرام، ٢٠٢٣.
هذه مجرد أمثلة قليلة على كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية للترويج للفن ونشره في المملكة العربية السعودية من قبل الجهات الرسمية في البلاد. حسب نتائج هذه الدراسة، ومع استمرار ازدياد شعبية وسائل التواصل الاجتماعي، من المرجح أننا سنرى طرقًا أكثر إبداعًا لاستخدامها لربط الناس بالفن.
تفوق وسائل التواصل الاجتماعي على الإعلام التقليدي في نشر الفنون
تُظهر الاستبانة بوضوح أن معظم المشاركين، وبالتحديد ١٠٩ من أصل ١١٥، يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أفضل وأسرع من الإعلام التقليدي في الكشف عن الفنون ونشرها (شكل ١٨). هذا الاعتقاد يتوافق مع العديد من الدراسات التي توضح أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر للفنانين منصة أكثر ديمقراطية وتفاعلية لعرض أعمالهم، وتمكينهم من التفاعل مباشرة مع الجمهور بطرق لم تكن ممكنة من خلال الإعلام التقليدي.
شكل ١٨: مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام التقليدي ومعرفة الفنون ونشرها
ومع ذلك، هناك خمسة من المشاركين الذين يعتقدون أن الإعلام التقليدي لا يزال الأفضل في الكشف عن الفنون ونشرها. ربما يعود هذا إلى القيمة التي يعطيها هؤلاء المشاركون للجوانب التقليدية من النشر الفني، مثل التحكم الأكبر في الجودة، والمصداقية، والعمق التحليلي الذي يمكن أن يوفره الإعلام التقليدي.
التعريف الذاتي للمشاركين في الاستبانة
وفقًا للبيانات، يبدو أن الغالبية من المشاركين (٤٤ من ١١٥) ليسوا فنانين. هذا يشير إلى أن هذا الاستطلاع يتضمن العديد من الأصوات من الأشخاص الذين يستهلكون الفن بدلاً من خلقه، وهو شيء مهم لتذكره عند التفكير في النتائج العامة للبحث. بالنسبة للأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم كفنانين، هناك توزيع واسع في الأنشطة الفنية التي يشاركون فيها. العديد منهم يعرّفون أنفسهم كرسامين (١٨) ومصورين فوتوغرافيين (١٠). بعض المشاركين أيضًا عرّفوا أنفسهم كمهتمين بالفن الرقمي وإبداع الفيديو.
الجدير بالذكر أن بعض المشاركين يمارسون أكثر من نوع واحد من الفن، مما يدل على أن الحاجز بين الأنواع المختلفة للفن قد يكون أقل صرامة في عالم الفن على الشبكات. يمكن رؤية هذا في الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم كرسامين ومصورين فوتوغرافيين، أو كفنانين رقميين ومصممي فيديوهات إبداعية.
في هذا القسم من الدراسة، تم جمع خمسين عملا فنيًا معروضًا على منصة إنستغرام. وللإجابة على التساؤل حول سبب اختيار منصة إنستغرام، يُمكن القول أولاً، لأنها المنصة الأعلى استخدامًا من قبل المشاركين في الاستبانة الخاصة بهذه الدراسة. وثانيا، إنستغرام هي منصة تركز بشكل أساسي على الجوانب البصرية. فهي مُصمّمة خصيصًا لمشاركة المحتوى المرئي، وتُعنى بتسهيل العرض والتفاعل مع الصور ومقاطع الفيديو القصيرة والقصص البصرية. ومن هنا، تُعد إنستغرام منصة مثالية للفنانين والمبدعين الذين يهتمون بالفنون التشكيلية. تتيح المنصة للفنانين فرصة عرض أعمالهم ومشاركتها مع جمهور واسع، كما تمنحهم القدرة على بناء هوية فنية وإثراء المحتوى الفني المتاح على الإنترنت. أما بالنسبة للأعمال الفنية المختارة، فكان اختيار اللوحات وفقا للضوابط التالية: الجنس، حيث تم اختيار ٢٥ عملا فنيا لكل جنس. كما تم تحديد الفترة التاريخية منذ ٢٠١٣ وحتى ٢٠٢٣ أي السنوات العشر الأخيرة. وتم أيضا مراعاة الفئات العمرية، مستوى الشهرة ، والتفاعل على الموقع، وأخيرا تنوع أساليب الفنون المقدمة. وبالتحليل لهذه الأعمال برزت بعض التوجهات الفنية الرئيسية في المملكة.
يظهر تأثير الثقافة السعودية الكلاسيكية بقوة في كثير من موضوعات هذه الأعمال الفنية، يبرز بصورة كبيرة ما تحدثت عنه الباحثة لمى البدنة في دراستها عن الرموز السعودية في اللوحة الفنية<span class="tooltip">(18)<span class="tooltiptext"> البدنة، لمى. (٢٠٢٣). الرموز الثقافية والاجتماعية في الفن السعودي، المنور. https://www.almanwar.com/publications/cultural-and-social-idols-in-saudi-art</span></span>، وذلك بوجود خمسة عناصر مكونة للعمل الفني في السعودية وهي النخلة، الحمامة، الجمل، التفاحة، البرقع. يتنوع استخدامها بتنوع أساليب كل فنان، ويظهر الإبداع والتجديد فيها بشكل مستمر خصوصا حين يتزامن موضوع اللوحة مع أحداث وطنية مهمة كاليوم الوطني أو أيام الأعياد وغيرها (شكل ١٩). ونرى أيضًا الرغبة في الحفاظ على التراث التقليدي المتمثل في تصوير أهم ما يبرز التقاليد السعودية، من الأزياء المحلية التقليدية إلى المعمار المحلي. وفي الوقت نفسه، تظهر الطرق المبتكرة التي يمكن من خلالها تقديم هذا التراث في سياقات جديدة ومعاصرة.
شكل ١٩ عهود سليمان. (٢٠٢٢). يوم التأسيس
ومع ذلك، هناك اتجاه ملحوظ نحو الفنون الحديثة والرقمية. العديد من الفنانين يستخدمون الأدوات الرقمية لإنشاء أعمال فنية تتجاوز الحدود التقليدية للرسم والنحت سواء في الموضوع أو الأسلوب. هناك اتجاه نحو الأفلام القصيرة، التصوير الفوتوغرافي، والفيديوهات الإبداعية التي تجمع بين الصور المتحركة والموسيقى وسرد القصص المحلية مثل أعمال الفنانة فاطمة النمر وغيرها. كثير من هذه الأعمال تصوّر الحياة اليومية للفنان وتعكس التجارب الشخصية التي تنقل الكثير عن الثقافة المحلية بتنوعها من وجهات نظر متعددة (شكل ١٩ وشكل ٢٠).
شكل ٢٠: حسين المحمد. (٢٠٢٢).
ومن الجدير بالذكر أن الفنون النسوية قد اكتسبت بروزًا ملحوظًا في المنصات الرقمية الفنية، حيث تتناول هذه الأعمال الفنية النقاشات المتعلقة بقضايا المرأة، وتجسد تجاربها وخبراتها، وتعكس حياتها داخل المجتمع (الشكل ٢١ والشكل ٢٢). تُظهر عينة الأعمال الفنية المختارة لهذه الدراسة، أن هناك توافقًا عاما في بعض الأفكار مع تنوع في الأساليب الفنية المستخدمة، حيث يتم تصوير موضوعات مثل الحجاب، وقيادة المرأة للسيارة (شكل٢٣)، وقضايا العنف والتحرش ضد النساء (شكل ٢٤)، مما يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه الفنون أولا في تقديم أصوات النساء وتجاربهن المتنوعة، وقوة المنصات الاجتماعية في تداول ونشر هذه الأصوات النسائية ثانيا، وهو الأمر الذي كان محدودًا في السابق، على المستويين: الفني والعام.
شكل ٢١: هالة بنت خالد. (٢٠٢٢). من مجموعة الزوجة هي على حسابها الشخصي.
شكل ٢٢: منال الضويان. (٢٠١٤). شجرة الأوصياء. من حساب أسبوع الفن بجدة على منصة إنستغرام.
شكل٢٣: لينا عامر. (٢٠١٩). هوية المرأة السعودية.
شكل ٢٤: شهد نزار. (٢٠٢٠). التحرش الجنسي.
بالنسبة للتفاعلات على منصة إنستغرام، بدا واضحاً أن هناك تقديراً واسعاً للمشاركة الفنية في هذا الموقع من الجهات الرسمية الفنية كالمتاحف والمؤسسات الرسمية، حيث حرصت مساحات موقع إنستغرام على تشجيع الجمهور على التعليق والمشاركة في النشاطات والحوارات الفنية والثقافية التي تطرحها صفحات المؤسسات، وهذا مما يساعد على تشكيل مجتمع فني متفاعل ومتنوع في المجتمعات الحديثة<span class="tooltip">(19)<span class="tooltiptext"> الدريدج، ايموقن. (٢٠٢١). قوة وسائل التواصل الاجتماعي: كيف يغير إنستغرام عالم الفن. http://surl.li/hvhpq</span></span>. بشكل عام، كشف تحليل هذه الأعمال الخمسين أن الفنون البصرية في السعودية تعبر عن تقاليد ثقافية طويلة الأمد بينما تحتضن أيضاً الابتكار والتقنية الحديثة. كشف أيضا عن قوة تفاعلية من الجمهور في السعودية مع هذه الأعمال المعروضة حيث استطاع الفنانون استثمارها لأغراضهم المتنوعة.
تشير البيانات المستقاة من هذه الدراسة إلى أن أغلبية كبيرة من المشاركين في الاستطلاع يؤكدون على التأثير الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي على المشهد الفني السعودي. وتُظهر نتائج الدراسة التي تضمنت إحصاءات لم تكن متوفرة من قبل للباحثين؛ زيادة تقدير المجتمع للفنون البصرية ومدى توسع نطاق الوصول للجمهور العام. بالإضافة إلى ذلك، يُقرّ معظم المشاركين بأن آليات التفاعل بين الفنانين والجمهور قد تغيرت بشكل جذري بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من ناحية عرض الأعمال الفنية أو التجارة الفنية، أو فيما يخص التوثيق التاريخي للمسيرة الفنية.
وبالنظر إلى علاقة منصات التواصل الاجتماعي بالتوجهات الفنية، يتضح أنها تساهم في تحسين وتطوير المنتج الفني المعروض عليها. يتضح أيضا أن الرسومات بكافة أشكالها واللوحات الفنية وإبداعات الفيديو بكافة أشكالها تتمتع بالسيادة على الساحة الفنية في وسائل التواصل الاجتماعي السعودية. وبالرغم من أن المشاركين في الاستطلاع الذين ليسوا فنانين يمثلون نسبة غير قليلة، إلا أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تفاعلاتهم مع الفن مما لا يمكن تجاهله. وهذا يشمل تعلم أشكال فنية جديدة أو التعرض لتنوعات فنية متعددة. وبناء على كل ما تقدم، يقدم هذا البحث إسهاماً مهماً في دراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة الفنية والتفاعل الثقافي في المملكة العربية السعودية.
بحسب نتائج هذه الدراسة؛ يواجه الفنانون والمؤسسات الفنية في المملكة عدة تحديات عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للفن. أحد التحديات الرئيسية هو ضجيج البيئة الرقمية؛ حيث يمكن أن يعمل الكم الهائل من المحتوى الذي يتم تحميله على منصات التواصل الاجتماعي كعائق لتوصيل الرسائل الفنية بشكل فعال <span class="tooltip">(20)<span class="tooltiptext"> شافي، د.، وإليس-تشادويك، ف. (٢٠١٩). التسويق الرقمي. Pearson UK.</span></span>. بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة التغير السريع للاتجاهات على منصات التواصل الاجتماعي تستلزم استراتيجيات ديناميكية ومرنة يمكنها التكيف مع التقلبات المستمرة<span class="tooltip">(21)<span class="tooltiptext"> كابلان، أ. م، وهينلين، م. (٢٠١٠). مستخدمي العالم، اتحدوا! التحديات والفرص لوسائل التواصل الاجتماعي. أفق الأعمال، ٥٣(١)، ٥٩-٦٨.</span></span>. مزيد من التحديات تتمثل في القدرة على نشر معلومات مضللة أو غير دقيقة عن الأعمال الفنية، أو السرقات الأدبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يسهم في تشويه القيم الفنية والثقافية.
تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن الاستثمار في التعليم الفني الرقمي أصبح مهما في العصر الحالي. وبالنظر إلى النمو المتزايد في استخدام التقنيات الرقمية في مجال الفن، يتضح أنه من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى توفير برامج دراسية متخصصة تركز على هذه التقنيات في المؤسسات التعليمية. هذه البرامج الدراسية يجب أن تتضمن الطباعة ثلاثية الأبعاد، الرسم الرقمي، التقاط الحركة، التصوير الفوتوغرافي ثلاثي الأبعاد، الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وبالطبع: رسومات الذكاء الاصطناعي. كل هذه التقنيات لها أهمية كبيرة في العالم الفني الرقمي، وقد تم استخدامها على نحو موسّع من قبل كثير من الفنانين العالميين. تشير نتائج هذه الدراسة إلى أنه من الواضح أن الاستثمار في تطوير برامج دراسية تركز على هذه التقنيات لن يعزز فرص الطلاب في الحصول على وظائف في المستقبل وحسب؛ بل سيسهم أيضًا في تعزيز الرؤية الفنية للمجتمع بأكمله.
توصي هذه الدراسة أيضا بتعزيز الدور الاجتماعي للفن، ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الفهم المجتمعي للفنّ كأداة للتعبير والنقاش الثقافي. يمكن للفنانين والمؤسسات الثقافية استخدام هذه المنصات لبناء حوارات أكثر عمقًا حول الكثير من القضايا المجتمعية.
توصي الدراسة أيضا بتطوير استراتيجيات التسويق الفني الرقمي. فالفنانون يمكنهم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أعمالهم بطرق جديدة ومبتكرة، كما يجب على الفنانين الذين يسعون لبناء متابعة عبر الإنترنت واكتساب جمهور فني واسع؛ تعلم كيفية الترويج لأعمالهم بطرق تناسب الجمهور الرقمي، وتناسب أيضا التطور المتسارع لهذه الشبكات الرقمية.
كما توصي الدراسة بالاستثمار في تطوير بنية المنصات الرقمية لتعزيز ونشر الفن المحلي الرقمي. هذا يتضمن أيضًا الوصول الكامل إلى البنية التحتية، وذلك عبر المساهمة في تحسين الخوارزميات للتحكم في الرؤية والتفاعل، وإنشاء سياسات فعالة للإشراف على المحتوى. تعتبر هذه العناصر الأساسية لتشكيل استراتيجيات النجاح في تعزيز نشر الفنون المحلية على الإنترنت. وبالتالي، يصبح فهم سياسات البنية التحتية واستغلالها محوراً مركزياً عند الحديث عن وضع سياسات لنشر الفنون المحلية بفعالية عبر المنصات الرقمية.
ولا ننسى بأن منصات التواصل الاجتماعي تسهم في تعزيز القيمة الاقتصادية للفن (البنك الدولي للتنمية، ٢٠١٦)<span class="tooltip">(22)<span class="tooltiptext"> البنك الدولي للتنمية. (٢٠١٦). المكاسب الرقمية: تسخير التكنولوجيا من أجل التنمية. واشنطن العاصمة: البنك الدولي.</span></span>. حيث أظهرت نتائج هذه الدراسة أنه على الرغم من أن بعض الأفراد المشاركين ليسوا فنانين، فإنهم لا يزالون قادرين على الاستفادة من الفن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من خلال بيع الأعمال الفنية أو التعلم من الفنانين الآخرين.
أخيرًا، توصي هذه الدراسة بضرورة التأكيد على أهمية الملكية الفكرية وحفظ الحقوق في العالم الرقمي الفني. حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح فرصًا كبيرة للتعبير الفني، لكنها يجب أن تستخدم بطريقة تحترم حقوق الملكية الفكرية، خصوصا أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات النشر تسهّل استنساخ الأعمال الفنية وسرعة تداولها دون حفظ حقوق فنانيها الأصليين. وهو الدور الذي يجب أن تأخذه على منحى أوسع؛ هيئات الفن والثقافة إضافة إلى قطاعات حفظ الحقوق في المملكة.
نموذج الاستبانة، مرفق1.
أسئلة المقابلة الشخصية، مرفق2.
خمسون عملا فنيًا من منصة إنستغرام، مرفق 3.