مقدمة
يعد استهلاك الطعام أحد أقدم الممارسات الاجتماعية التي لم يقتصر وجودها وضرورتها على كونها مصدر رزق ووسيلة للبقاء على قيد الحياة، بل غالباً ما تتصل بالآخرين، فهي نشاط اجتماعي، تنمو وتزدهر ضمن سياقات اجتماعية وثقافية وسياسية.
يحمل الطعام في مجال السياحة أهمية رمزية، كعلامة على التمايز الاجتماعي، أو طريقة لاستقبال ثقافات متنوعة للتعرف عليها وقبولها، فالطعام بالنسبة للتجربة السياحية يعبر عن نمط فريد من الإشباع، حيث يقوم بإشباع الحواس الخمس، ويقدم للسياح متعة حسية تمكنهم من تحقيق التجربة، فتجربة تذوق الطعام المحلي، تُعد الجزء الأسهل في أغلب الرحلات السياحية، إذ لا يمكن مقارنتها بغيرها من الأنشطة كصعود المرتفعات، أو التزلج على الجليد، أو القفز بالمظلة.
لقد تزايد الاهتمام مؤخراً بدراسة دور الطعام في التأثير على السياحة، وهل يمكن أن يكون الطعام المحلي مشجعاً على زيارة وجهة دون غيرها، حيث خلصت بعض الدراسات إلى أن اهتمامات وتفضيلات السياح الخاصة بالطعام في وجهة معينة، يمكن أن تلعب دوراً مهماً في التأثير على اختيار وجهتهم السياحية. ولقد أشارت عدد من الدراسات (Bessiere, 1998; Cohen & Avieli, 2004; Hall & Mitchell,2001) إلى أن السياح ينفقون ثلث نفقاتهم السياحية على الطعام في الوجهات المفضلة لديهم، سواءٌ في تذوق طعام الشوارع، أو الطعام الراقي، أو الطعام المحلي، أو تعلم فن الطهي المحلي؛ الأمر الذي يدفع إلى ارتفاع المنافسة بين بائعي الطعام المحليين والمطاعم المحلية، لتقديم عروض اقتصادية أكثر ملاءمة للسائح، هذا بالإضافة إلى تطوير الأطباق المحلية بصورة تناسب مجال سياحة الطعام.
من هذا المنطلق تناولت الدراسة الراهنة هذا الموضوع الحيوي كمحاولة أولية للفهم والتحليل والتقييم، وتنقسم هذه الدراسة إلى قسمين: يتناول القسم الأول منها مناقشة مشروعية دراسة سياحة الطعام وموقعها في العلوم الاجتماعية، ثم تنتقل الباحثة إلى عرض منهجية الدراسة ومفاهيمها، مستعرضة التطور التاريخي لمفهوم سياحة الطعام بصفة عامة وعلاقته بالطبقة الاجتماعية بصورة خاصة، ومن ثَمّ تلقي الضوء على عولمة السياحة وعلاقتها بسياحة الطعام، ودور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الصور المتخيلة وتفضيلات السياح، متجهة إلى مناقشة خطاب الأصالة باعتباره أكثر الخطابات شيوعاً في مجال سياحة الطعام في الوقت الحالي، أما القسم الثاني من الدراسة فيدور حول الكشف عن واقع سياحة الطعام في السعودية بناءً على تحليل محتوى بعض صفحات مواقع الإنترنت ومنصات وأنشطة السياحة الرسمية.
وعلى الرغم من الإضافة العلمية التي ستقدمها هذه الدراسة الاستطلاعية التحليلية لمفهوم سياحة الطعام في المملكة العربية السعودية، كمحاولة بحثية سعت إلى أن تقدم أساساً نظرياً وتاريخياً، إلا أنها ستفتح الباب لمزيد من الدراسات الحقلية والميدانية النوعية والكمية، فالدراسة الحالية حاولت أن تقدم مراجعة لعدد من الدراسات الحديثة وتجارب سياحة الطعام، التي يمكن الاستفادة منها كأساس مرجعي لدراسات قادمة، تهتم بسياحة الطعام من منظور ثقافي ونفسي واجتماعي.
لقد حظيت مجالات تذوق الطعام والطهي والسياحة الغذائية باهتمام متزايد بين العلماء والباحثين؛ مما أدى إلى ظهور فرع متخصص من الدراسات السياحية خلال العقدين الماضيين، يُعنى بسياحة الطعام وفنون الطهي المحلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نقطة انطلاقة التراث النظري الأكاديمي عن سياحة الطعام، كانت تتصل معرفياً بعلم الإدارة، أما منهجياً فهي مرتكزة على الوضعية العلمية، قبل أن تتحول مؤخراً نحو المزيد من الدراسات الثقافية والخطابات التفسيرية والنقدية (Morgan et al. 2018). في حين يشير ترايب Tribe (2006) -في بحثه المعنون بـ"حقيقة السياحة"- إلى ملحوظة إحصائية جديرة بالاهتمام، قام فيها بتحليل محتوى القوائم البحثية في قاعدة بيانات الأبحاث لعام 2002 CABفيما يختص بالأبحاث المتعلقة بالسياحة، وتوصل إلى أن الأبحاث العلمية التي تنطلق من منظور اقتصادي تشكل نسبة 38%، في حين شكلت البحوث والدراسات التي تنطلق من مجال علم الاجتماع نسبة 7%، أما الدراسات التي انطلقت من حقل الجغرافيا فشكلت 6% من مجموع الأبحاث، وحققت الأبحاث في علم النفس 3%، وأخيراً كانت نسبة البحوث في الفلسفة والأنثروبولوجيا 1%؛ مما يوضح الدور المسيطر للاقتصاد في مجال أبحاث السياحة الذي يتعمد الابتعاد عن القضايا الاجتماعية والثقافية، معتبراً السياحة مجرد حصيلة اقتصادية للدخل القومي فقط.
لقد حاولت الأبحاث في مجال السياحة أن تتغلب على الجمود الذي أصابها من حيث اعتمادها على علم الإدارة والاقتصاد، واتجهت إلى فهم أكثر ديناميكية، يرى بونPoon (1993) في هذا الصدد أنه ينبغي أن ننظر بصورة جديدة للخبرة السياحية من خلال نمط ما بعد <span class="tooltip">(الفورديست)<span class="tooltiptext">يعبر الفورديست fordist عن مفهوم اقتصادي متداول نسبة إلى هنري فورد صاحب مصانع فورد في إشارة رمزية إلى خطوط الإنتاج التي كانت تعمل في المصانع، لتحقيق قدر أكبر من الرفاهية بخفض تكلفة الإنتاج والتوسع في التسويق، أما مصطلح ما بعد الفورديست فيشير إلى التغيرات التي حدثت في نهاية القرن العشرين المتعلقة بطبيعة الإنتاج والتفوق الرقمي والتكنولوجي والمرتبطة بنظام الإنتاج والاستهلاك الاقتصادي.</span></span>، وذلك بإعادة النظر في أنماط الاستهلاك السياحي ومحاولة تشكيل أنماط استهلاكية فردية مرغوبة من قبل السائح.
يمكن القول: إن هناك تهميشاً من قبل الأبحاث الأكاديمية التي تركز على نمط سياحة الطعام، خصوصاً من ناحية تناول دلالته الاجتماعية والثقافية والمادية والرمزية. فضلاً عن ندرة الأدبيات التي تفحص هذا النشاط السياحي الذي يحظى بشعبية متزايدة، والذي "تم تجاهله ببساطة أو اعتباره أمرًا مفروغًا منه" (Quan & Wang , 2004, P 299). في الوقت الذي تعد فيه سياحة الطعام وسيلة للترويج الثقافي لوجهات سياحية معينة؛ مما يمكنها من إضفاء معنى على المواد الخام.
ولقد جادل سكارباتو Scarpato (2002) -في بحثه المعنون بـ "فن الطهو كمنتج سياحي"- بأن هناك حاجة إلى نقل سياحة الطعام من «المنطقة الرمادية» للسياحة الثقافية والتراثية، والاعتراف بفرصها الهامة في مجال ازدهار الوجهات السياحية، على اعتبار أن سياحة الطعام منتج ثقافي يعمل كوسيط لتقديم هوية المجتمع وثقافته للسائح.
وفي عام 2003 تقريباً ، كان هناك توسع تدريجي في التقدير الأكاديمي لسياحة الطعام، حيث ظهرت بعض المصطلحات التي تعكس الاهتمام بالطعام في مجال السياحة، مثل "سياحة الطهي"، وسياحة تذوق الطعام"، و"سياحة الطرق الغذائية". وكان هذا الاهتمام الناشئ مدفوعاً في المقام الأول بأربعة كتب سياحية تركز على الأغذية (2003 Boniface, Hall et al., 2004; Hjalager & Richards, 2002; Long,2004) بالتزامن مع العديد من المقالات الصحفية في العديد من التخصصات (Cohen & Avilly, 2004 Everett & Aitchison,2008;). وبدأ البحث في مجال السياحة الغذائية يكتسب زخما بعد أن كان «في وضع منعزل نسبيا على حافة التخصصات الراسخة» (Hjalager & Richards, 2002, p. 233)
في حين خلص عدد من الدراسات إلى أن الطعام المحلي في الوجهة السياحية يصنع الفرق من حيث تنمية الدافعية والرغبة في تكرار التجربة بزيارة البلد مرة أخرى أو العكس، إذ يُنظر إلى الطعام المحلي للوجهة على أنه عامل جذب مهم لتكرار الزيارة (Kim et al., 2011)كما أن هناك عدداً من الدراسات التي تشير إلى أن الأغذية المحلية تؤثر على نية السياح في زيارة الوجهة السياحية مرة أخرى (Henderson , 2009 Ab karim, et al. 2006;).. بالإضافة إلى أن فن الطهي يحتل المرتبة الثالثة بين الأسباب الرئيسة لزيارة السياح لوجهة ما، بعد الدافع الثقافي والطبيعة (UNWTO,2017).
إن أشكال سياحة تذوق الطعام تتعدد وتزداد شعبيتها لدى السياح الذين يتمتعون بفضول الاستكشاف والحريصين على تذوق الطعام في البلدان الأخرى؛ الأمر الذي يجعل من الطعام المحلي وطرق إنتاجه، مجالاً خصباً للرحلات السياحية الثقافية، المتمثلة في زيارات لمنتجي الأغذية ومهرجانات الذواقة والمطاعم والأماكن الخاصة المتعلقة ببعض الأطعمة الخاصة، كتذوق الأطباق المحلية الخاصة، ومراقبة عمليات إنتاجها وإعدادها، بالإضافة إلى مشاهدة كيفية طهي طبق معين، أو رحلات التذوق في مصانع ومعاصر زيت الزيتون، ومصانع التقطير ومنتجات الطهي، وزيارات المطابخ والمطاعم المحلية، وكروم العنب، ومناطق الجذب الأخرى للطهي كالمهرجانات المحلية وجولات الطهي (2005,Hall & Mitchell).
يرى المنظور الأحادي السائد في الدراسات السياحية بصفة عامة والبحوث التي تتعلق بسياحة الطعام بصفة خاصة، أن السياحة خط إنتاج اقتصادي في الأساس، فضلا عن تهميشه للأبعاد الثقافية والاجتماعية؛ مما أدى إلى وجود فجوة بحثية في مجال السياحة كتجربة ثقافية وإنسانية، وهو الأمر الذي شجع على ازدهار الأبحاث والدراسات التي اتجهت إلى تناول سياحة الطعام المحلي من جوانب بحثية متنوعة منها ما هو قائم على تقديم دراسات اجتماعية وثقافية ترتبط بالهوية والأصالة، ودور سياحة الطعام المحلي في التنمية المستدامة على الصعيد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وهناك أبحاث تناولت الموضوع من منظور يرتبط باقتصاد العولمة والاستهلاك، ومدى ثقل سوق سياحة الطعام المحلي كسلعة اقتصادية أخذت نصيبها في تحقيق مكان لها في الدخل القومي لعدد من الدول مثل دراسات كل من (Ram, 2004; Wilhelmina, et al., 2010).
لذلك تنطلق الدراسة الحالية، كمحاولة بحثية تهتم بفهم ميكانيزمات سياحة الطعام المحلي من منظور ثقافي واجتماعي، سعياً لسد الفجوة البحثية في المجال البحثي من ناحية، وتقديم تحليل وفهم نظري لسياحة الطعام باستعراض عدد من الأطر التصورية والمفاهيم النظرية من ناحية أخرى، هذا بالإضافة إلى أنها تسعى لتأسيس مجال بحثي جديد، يسهم في تقييم التجارب السياحية المتعلقة بسياحة الطعام وموقعها في مجال السياحة في المملكة العربية السعودية.
تسعى الدراسة الراهنة إلى تحليل ميكانيزمات سياحة الطعام كتجربة إنسانية وثقافية شمولية، على اعتبار أن هذه التجربة لا تنطوي على أبعاد استهلاكية واقتصادية محدودة فقط، سواء للبلد المضيف أو للسائح، ويمكن القول: إن الضرورة البحثية لهذه الدراسة جعلتها تنتمي إلى مجال الدراسات النوعية الاستكشافية، التي تنطلق من فهم الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتجربة سياحة الطعام، ومن ثَمّ تنتقل إلى جانب تحليلي عملي، يتجه إلى استخدام منهج تحليل المحتوى كأداة لجمع البيانات التي نطمح من خلالها إلى التعرف على واقع سياحة الطعام في المملكة العربية السعودية
بناءً على ما يقدم في المنصات السياحية في الإنترنت أو بواسطة الإخباريين في مجال الفندقة والسياحة التي استعانت بهم الدراسة.
يتضح إذن أن دراستنا الراهنة تتطرق إلى موضوع بحثي يُعد من المواضيع البحثية الحديثة في مجتمع الدراسة؛ الأمر الذي استدعى الاستعانة بالتصور المفاهيمي للنظرية المجذرة (Grounded Theory)، والتي يمكن تعريفها بأنها عملية سبر الواقع في العالم الحقيقي وتحليل البيانات دونما تصور مسبق لأي افتراض (Glaser & Strauss, 1976) ، فمن الواضح أن الدراسة الراهنة لا تمتلك أي بيانات أو أطر نظرية سابقة في مجتمع الدراسة حتى تمهد للدراسة منهجياً؛ ولذلك كان الأنسب هو الاستعانة بالنظرية المجذرة كمنهجية تتيح للباحثة فرصة التحرر من جمود النتائج السابقة، وإتاحة فرصة الوصول إلى البيانات التي تساعد على تقديم تصور نظري مبتكر ننطلق منه. إذن، فالنظرية المجذرة لا تعمل كأي إطار نظري معتاد، فهي لا تنطلق من التقصي في الأطر النظرية بل تتوصل إليها بواسطة البيانات التي تقوم بجمعها وتحليلها.
وفقًا لغلاسر Glasser (1992) تتعامل النظرية المجذرة مع النهج الاستقرائي فقط بدلاً من النهج الاستنتاجي للاستفسار. علاوة على ذلك، تم تعريف النظرية المجذرة باختصار شديد أنها : "ليست نظرية على الإطلاق. إنها طريقة، ونهج، واستراتيجية (Punch, 1998, p. 163). وفي رأي الباحثة فإن أفضل تعريف للنظرية المجذرة أنها استراتيجية بحثية تهدف إلى توليد نظرية من البيانات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن البحث في موضوع سياحة الطعام ينتمي إلى الدراسات البينية التي تتسم بكونها عبر-مناهجية Transdisciplinary ، إذ تتقاطع مع عدة طروحات اقتصادية وجغرافية واجتماعية في تناوله كما أسلفنا سابقاً، ويعد هذا التقاطع مع عدد من التخصصات والرؤى المتشابكة Multi-disciplinary من الأمور التي يمكن أن ينظر لها من زاوية إيجابية، إذ بإمكانها تحقيق التكامل المعرفي على مستوى البحث العلمي.
تتداخل ثلاثة مفاهيم في أغلب الأبحاث التي تتناول موضوع سياحة الطعام المحلي، وهي سياحة الطعام Food tourism وسياحة الطهي Culinary tourism وسياحة فن الطهي Gastronomy tourism ، تجتمع المفاهيم الثلاثة في أنها ترتبط بالطعام في وجهات السفر ولكن بتفاصيل مختلفة، حيث تعبر سياحة الطعام عن ظاهرة السائحين الذين يحرصون على تذوق الطعام المحلي والأصيل في وجهة السفر، وهو يُعد أحد الأمور الهامة والحيوية في صناعة السياحة، وسوف تركز عليه الدراسة الحالية كونه المفهوم الشامل للسياحة الغذائية، خصوصاً أن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أصدرت تحت عنوان سياحة الطعام Food Tourism تقريرها الأول عن السياحة الغذائية في عام 2012 وجاء التقرير الثاني بخصوص الطعام في عام 2017 تحت عنوان سياحة فن الطهي .Gastronomy Tourism
تشتق مفردة الطهي كصفة (kū′lin-ar-i) التي تتعلق بما هو مطبخي أو مستخدم في المطبخ. كلمة الطهي متجذرة من اللاتينية culinarius أو culina تعني المطبخ في اللغة الإنجليزية القديمة، وترتبط كلمة الطهي بالطبخ، خاصةً باعتبارها مهارة أو فنًا متطورًا (Oxford, 2012). ولذلك تستخدم مفردة Culinary في الإشارة إلى تعلم فن الطهو Culinary school في مدارس متخصصة. في حين يعبر مفهوم سياحة الطهي عن كونه "تجربة سياحية يتعرف فيها الفرد على موارد الطهي المحلية التي تشكل علامة تجارية من ناحية القيمة والاستهلاك، بعبارة أخرى: تشكل سياحة الطهي تبادلًا ثقافيًا بين السائح والمضيف اعتمادًا على موارد الطهي المحلية" (Xiao & Smith, 2008, p. 289)
من التعاريف الأخرى التي وضعها غرين ودوغيرتي Green and Dougherty (2008, p150) أن «سياحة الطهي هي السعي وراء تجارب فريدة لا تنسى في تناول الطعام والشراب، وتوفير طرق لربط النظم الغذائية المحلية بالتجربة السياحية»، تؤكد هذه التعريفات على بعدين مهمين لسياحة الطهي: أولهما يشير إلى أن سياحة الطهي تجربة لا تُنسى مستمدة من تقدير ثقافة الطعام المحلية للوجهة السياحية. أما الثاني فيشير إلى أن سياحة الطهي ليست مقيدة بطعام محدد. بمعنى أن الأصالة لا تُعد مقوماً أساساً للطعام في الوجهة السياحية، فمفهوم سياحة الطهي قد يتسع لجميع أنواع الوصفات سواء المحلية أو المستوردة أو المبتكرة.
أما مصطلح فن الطهو Gastronomie فإن له وجوداً في المعاجم الفرنسية في الفترة (1800-1900)، وقد تم تبنيه من اليونانية القديمة، حيث تعنيgastronómia. المعدة، بينما nómos تعني المعرفة أو القانون؛ لذلك ، يُفهم على أنه نظام أو قانون الطهي". لقد استمرت مهارات الطهي في التطور كمجال فعلي للدراسة حتى القرن التاسع عشر. فبدلاً من مجرد تعلم كيفية طهي الطعام، بدأ الناس في التركيز على كيف يمكن للطعام أن يكون تجربة تختبر؟ وكيف تتفاعل الحواس لخلق طبق كامل للاستمتاع به؟ وبهذا كانت فرنسا أول من كان لها السبق في ذلك المجال.
يُعد مصطلح «فن الطهي» Gastronomyشاملاً في منهجه وتفسيراته تجاه الطعام والشراب، فيما يتعلق بالعمليات الثقافية والمادية التي تصبح عن طريقها أشياء معينة قابلة للاستهلاك (Scarpato,2002). فمصطلح فن الطهي يلخص كل ما يتعلق بتغذية الأفراد: إنتاج الغذاء، وسائل إنتاج الغذاء، الاقتصاد السياسي للغذاء، معالجة الأغذية وتخزينها ونقلها وتجهيزها وإعدادها وطهيها، الوجبات والآداب، كيمياء الغذاء والهضم، والآثار الفسيولوجية للأغذية، الخيارات والعادات والتقاليد الغذائية (Santich, 1996, p. 2).
على النقيض من ذلك، يتم تصوير «الطهي» على أنه أكثر ارتباطًا بممارسة الطبخ (Long,2004)، بينما يُفهم «الطعام» على أنه إعطاء الأولوية لمفاهيم الاستهلاك على مفهوم الإنتاج. في حين قد يتم تفسير فن الطهي في سياقات خاصة، إذ يمتلك بعدًا للتمايز الطبقي (Bourdieu,1984). فعلى سبيل المثال، في أوائل القرن التاسع عشر في فرنسا، أشار فن الطهي إلى فن الأكل الجيد والشرب، كإشارة إلى الاستمتاع بأفضل ما في الطعام والشراب في الآونة الأخيرة، وهو أمر كان يختص بطبقة معينة حينها. وفي الآونة الأخيرة، ومن خلال السياسات الثقافية واستراتيجيات صناعة الضيافة وجداول الأعمال (مثل شبكة الأقاليم الأوروبية لفن الطهي، ومدن فن الطهي التابعة لليونسكو)، غالبًا ما يرتبط فن الطهي بمفاهيم الأكل الفاخر والابتكار والمدن الإبداعية.(Khoo & Badarulzaman,2014)
في الحقيقة يتسع مفهوم فن الطهو Gastronomy ليشمل سلسلة الحصول على الطعام من الزراعة والاستنبات، وتخزين الطعام، وتجهيز طاولة الطعام، متجاوزاً تلك الحدود إلى البحث ودراسة تجارب التذوق والكتابة عن الطعام وعلاقته بالنظام البيئي، في حين يعبر الطهي Culinary عن عملية جزئية لفن الطهي، فهو في الغالب يدور حول أصول إعداد الطعام والتقديم وابتكار أطباق جديدة. وبهذا يمكن القول: إن مفهوم فن الطهي يُعد مفهوماً واسعاً وشاملاً وله وجوه متعددة فيما يتعلق بسياحة الطعام.
على مر التاريخ، أعد الناس طعامهم من المحاصيل والمنتجات التي يتم الحصول عليها من بيئتهم المباشرة التي كان لها تأثير كبير على حياتهم اليومية فيما يتم استهلاكه أو التخلي عنه، وقد شكل الطعام أحد الأمور الأساسية والهامة التي مكنت الإنسانية من بلوغ الحضارة الحديثة، حيث يرتبط الطعام ببقاء الإنسان وغيره من الكائنات الحية على قيد الحياة، فالأكل ضرورة لجميع الكائنات الحية، ولكن أهمية الطعام وعلاقة الإنسان به تختلف كثيراً عن سائر الكائنات الحية، فالإنسان يمتلك من سمات الوعي والقدرة على التفكير التي تطورت بفعل الطعام، فطوّرت الطعام في جميع صوره سواء بالزراعة أو تنوع المحاصيل أو وصفات الطهي.
لقد دفعت الاحتياجات الاقتصادية العملية الأفراد من جميع الطبقات إلى تحسين تكنولوجيا الطهي على مر التاريخ، وبالتالي تحقيق تقدم في تذوق الطعام (Rebora, 2001,P10). ومع ذلك، فإن هذا التقدم يميل إلى أن يكون محدوداً بطبيعته، خصوصاً العصور الوسطى من تاريخ الإنسانية وحتى مشارف القرن التاسع عشر؛ وذلك بسبب الانغلاق الاجتماعي الذي ساد في أغلب المجتمعات الإنسانية وقلة الترحال والسفر، هذا بالإضافة إلى فقر الموارد، فقد يعيش سكان إقليم معين على نمط محدد من المحاصيل الخاضعة للظروف البيئية من مناخ ونوعية تربة ووفرة الماشية، وكذلك بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية للمجتمعات الإنسانية، وهنا يمكن الإشارة إلى اعتماد فقراء أيرلندا على البطاطا بسبب الظروف السياسية التي حرمتهم من امتلاك الأراضي بصورة عادلة نتيجة حكم المملكة المتحدة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكانت حصص المزارعين في امتلاك الأراضي صغيرة جداً، الأمر الذي فرض عليهم زراعة نوع واحد من المحاصيل، حيث كانت البطاطا الغذاء الوحيد لهم حينها، وكانت تستخدم علفاً للمواشي أيضاً، وفي عام 1845م أصيبت محاصيل البطاطا بآفة زراعية قضت على المحصول؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات نتيجة تفشي الأوبئة بسبب الجوع وضعف المناعة في فصل الشتاء، حيث تشير الإحصاءات إلى أنه بحلول عام 1951م بلغت وفيات أيرلندا -نتيجة التدهور الغذائي والمجاعة- حوالي مليون ونصف من إجمالي السكان. وكان لمجاعة البطاطا أثرها الكبير على التركيبة السكانية في أيرلندا، إذ هاجر الأيرلنديون إلى اسكتلندا وانجلترا والولايات المتحدة وكندا. لقد كان من الضروري أن نلقي الضوء على قصة مجاعة البطاطا؛ لتقديم صورة عملية عن دور الطعام في تقدم المجتمعات الإنسانية وتراجعها، وأثره أيضاً على التركيبة السكانية.
تاريخياً، لم يكن السفر المتكرر متاحاً على نطاق واسع، ولم يكن يسيراً وممكناً في أغلب الأحيان، ولكن مع تحسن طرق السفر، أصبح هناك فضول حول "الآخر"، حيث أصبحت فكرة السفر إلى الأماكن المحيطة فكرة جذابة.
هذا بالإضافة إلى أننا لا نعرف الكثير عن طعام المسافرين قديماً، ربما أخذوا معهم بعضاً من طعامهم المعد مسبقاً أو ما يسمى بزوادة السفر، ولكن من غير المرجح أن يدوم لفترة طويلة؛ لذلك كان لكرم الضيافة أثناء السفر دور كبير في الحفاظ على حياة المسافر، وفي نفس الوقت تعرفه على أطعمة متنوعة، الأمر الذي شجع بعض الحكام منذ أكثر من 4000 عام على بناء نزل للمسافرين في طرق القوافل في سومر ( جنوب العراق الآن) Symons, 1998, 302)).
يزخر التراث العربي والإسلامي بأدبيات متنوعة تذكر أصناف الطعام في المدن والعواصم العربية، إذ يشير الرحالة الأندلسي ابن جبير في كتابه "رحلة ابن جبير" أو ما يسمى "تذكرةٌ بالأخبار عن اتفاقات الأسفار"، وهو كتاب ينتمي إلى أدب الرحلات ويقدم تفصيلاً لعدد من المدن والشعوب في القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع الهجري، وفي أثناء رحلته إلى مكة أخذ يقارن بين ما وجده في مكة وما ظن أن الأندلس اختصت به من ألوان الفاكهة وأنواع الأطعمة، فيقول: "وأما الأرزاق والفواكه وسائر الطيبات فكنا نظن أن الأندلس اختصت من ذلك بحظ له المزية على سائر حظوظ البلاد، حتى حللنا بهذه البلاد المباركة، فألفيناها تغص بالنعم والفواكه: كالتين، والعنب، والرمان، والسفرجل، والخوخ، والأترج، والجوز، والمُقل، والبطيخ، والقثاء، والخيار، إلى جميع البقول كلها، كالباذنجان، واليقطين، والسلجم، والجوز، والكرنب، إلى سائرها، وغير ذلك من الرياحين العبقة، والمشمومات العطرة، وأكثر هذه البقول كالباذنجان والقثاء والبطيخ لا يكاد ينقطع طول العام، وذلك من عجيب ما شاهدناه مما يطول تعداده وذكره، ولكل نوع من هذه الأنواع فضيلة موجودة في حاسة الذوق يفضل بها نوعُها الموجود في سائر البلاد، ومن أغرب ما ألفيناه فاستمتعنا بأكله وأجرينا الحديث باستطابته -ولاسيما لكوننا لم نعهده- الرطب، وهو عندهم بمنزلة التين الأخضر في شجرة يُجنى ويؤكل، وهو في نهاية من الطيب واللذة، لا يسأم التفكه به، وإبانه عندهم عظيم، يخرج الناس إليه كخروجهم إلى الضيعة، أو كخروج أهل المغرب لقراهم أيام نضج التين والعنب، ثم بعد ذلك عند تناهي نضجه يبسط على الأرض قدر ما يجف قليلاً، ثم يركم بعضه على بعض في السلال والظروف ويرفع" ( فهيم، 1998، ص 131و 132)، في حين وصف المؤرخ عبداللطيف البغدادي غرائب الأطعمة في مصر في العصر الفاطمي، وأشار البيروني (1958) إلى تفاصيل طعام أهل الهند (المرجع السابق،1998)، ويمكن اعتبار المؤرخ البغدادي صاحب الريادة في تقديم أوائل كتب الطهي مؤرخاً لفنون الطعام في العصر العباسي، متناولاً أدق التفاصيل لوصفات الطهي آنذاك (البغدادي ، 1964).
استناداً إلى ما سبق، فعلى عكس التصور الشائع، نجد أن سياحة تذوق الطعام كسلوك ليست ظاهرة تقتصر على القرن العشرين. في كثير من الأحيان، كان سبب السفر هو الطعام نفسه، والبحث عن أطعمة جديدة وقابلة للتبادل والتجارة، مثل التوابل، التي أصبح لها قيمة اقتصادية كبيرة في أوروبا (Katz & Weaver, 2003: 416). كما كان للتجارة والعلاقات الاقتصادية التبادلية بين الأمم قديما دور كبير في إدراك أن الطعام هو أحد أكثر الطرق فعالية للتواصل مع «الآخر» وثقافته والبدء في فهمها. إذ يمكن حينها كسر الحواجز الجغرافية الموجودة بين الثقافات والأعراق المختلفة.
ويمكن القول: إن للغزوات والحروب الاستعمارية أثراً كبيراً في تطور سياحة تذوق الطعام واختراق الحواجز الثقافية وتدويل الغذاء. فالقوات الغازية تنقل الخيرات الغذائية لمجتمعاتها، في حين أن الجنود الغزاة ينقلون أنواع الأغذية التي يجلبونها معهم من مجتمعاتهم، من فواكه وخضروات ووصفات طهي ( مثل النفوذ الإسلامي في إسبانيا وصقلية، والنفوذ الإسباني والبرتغالي على الأميركتين)، هذا بالإضافة إلى الكوارث والمجاعات التي قد تجبر شعباً ما على الاعتماد على نمط غذائي دون غيره كما أسلفت سابقاً عن أيرلندا.
يشير كل من فرنانديز أرميستو Fernández-Armesto (2002) ولاودان Laudan (2015) أيضًا إلى مفهوم «الجاذبية الثقافية» كقوة غير ملموسة، حيث تحاكي المجتمعات التي تم استعمارها الطرق الغذائية لدى الأمم أو المجتمعات ذات المكانة العليا أو المستعمرة. فالهيمنة العالمية لفن الطهي الفرنسي تُعد مثالاً تاريخياً واضحاً، في حين أن المثال الأكثر حداثة هو ظهور «الغذاء الشمالي الجديد» New Nordic food في عام 2005 (Nordic Council of Ministers 2006). وبمرور الوقت كان للحركات المناهضة للاستعمار دور كبير في إضافة وتبني فنون الطهي الخاصة بالمستعمرات، سواء من خلال المهاجرين أو من العائدين من المستعمرات، مثل انتشار الطعام الهندي والباكستاني في إنجلترا، والطعام الفيتنامي في فرنسا، والطعام الإندونيسي في هولندا.
تشير الأدبيات التاريخية والاجتماعية إلى أن الطعام في القرنين السادس عشر والسابع عشر؛ كان يعد المعيار الرئيس الذي استخدمه المسافرون لتقييم الاختلاف بينهم وبين الأفراد الذين كانوا يقابلونهم في رحلاتهم – وكتبوا عن ذلك من منظور ثقافي واثنوغرافي أحياناً (Mulcahy, 2019).
على غرار ما هو دارج الآن في وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات ومنصات السفر والسياحة، أنشأ الرحالة ومحبو السفر قديماً تراثاً أدبياً موجهًا للمسافرين المستقبليين والمحتملين، وذلك بتقديم المشورة والنصائح لهم استنادًا إلى ملاحظاتهم في رحلاتهم السابقة، كالإشارة إلى المعالم الهامة، وأنواع الطعام كعنصر بارز في التوصيات. فعلى سبيل المثال، وفي عام 1548، قدّم أحد الرحالة اللامعين وهو الإيطالي أورتينزو لاندو (Ortensio Lando)، والذي ربما يكون من أوائل رواد سياحة الذواقة، معلوماتٍ لزوار افتراضيين في نشراته وكتبه، ونصائح حول السفر من صقلية إلى شمال إيطاليا، وتحديداً إلى جبال الألب، موصياً بأماكن التوقف وتناول الطعام المحلي والتخصصات المحلية في فن الطهي والإنتاج الزراعي (Montanari & Brombert , 2013).
وبالمثل، في فرنسا، كتب عالم الطبيعة الفرنسي جان دي سان أمانت Jean de Saint-Amants عن الأطعمة التي واجهها خلال رحلاته في جبال بيرينيه عام 1789، وكان هذا مجرد واحد من 157 رواية عن أسفاره في فرنسا في ذلك الوقت (Csergo 1999: 502).، هذا بالإضافة إلى أن الرئيس الثالث للولايات المتحدة الامريكية توماس جيفرسون، في عام 1801 طلب الحصول على مشورة بخصوص سفره إلى فرنسا من شخصين من الأثرياء الأمريكان آنذاك، إذ قدّما له معلومات بخصوص الأطعمة وأنواع النبيذ، وأهم المعالم السياحية التي تستحق المشاهدة (Levenstein, 1998, P3).
أما في إنجلترا، قدم الشباب الأرستقراطيون من الجنسين وصفاً لجولاتهم في القارة الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر في رسائلهم التي كانوا يبعثون بها إلى الوطن، إذ يصفون بدقة أنواع الأطعمة التي تناولوها، ويذكرون آراءهم فيها (Black 2003).
ليس من المستغرب أن يصف الفلاسفة والمفكرون أنواع الأطعمة التي صادفوها في سفرهم، ويمكن الإشارة هنا إلى نيتشه وزيارته إلى تورين وفينيسيا، ووصفه لأنواع الطعام الإيطالي الذي تذوقه ووقع في غرامه في رسائله التي كان يبعث بها إلى موطنه، فهو يذكر فيها البروكلي ويخنة لحم العجل والجيلاتو، على اعتبارها من الأصناف المفضلة لديه (Chamberlain, 1997).
لذا، سواء فيما تم عرضه في أدبيات السفر في أوائل العصر الحديث أو في عصر الوفرة الاقتصادية الحالي، وبينما يُنظر إلى الطعام على أنه "وقود" أو ضرورة للبقاء، فإنه يُنظر إلى سياحة تذوق الطعام على أنها وسيلة لإثراء التجارب، والتعبير عن الهُويات الشخصية، وإضافة إلى نوعية الحياة. لقد زادت العولمة من الاهتمام بالهُويات الإقليمية وجذور ثقافتنا والتركيز عليها. حيث يرتبط فن الطهو بشكل أساس بنوع من "الشخصية" العرقية أو القومية أو الدينية، وكيفية انعكاس ذلك على القيم الاجتماعية والثقافية. ومن الأمثلة على ذلك: العادات الغذائية لدى المجتمعات اليهودية أو المسلمة من ناحية تحريم لحم الخنزير واشتراطات الذبح وفق قواعد معينة، في حين أن الكاثوليك لا يأكلون السمك يوم الجمعة. وعلاقة الإيطاليين بالمعكرونة، والأسبان والتاباس. وايرلندا والبطاطس.
ليس ذلك فحسب، بل يمكن القول: إن فن الطهو يحتل مكانة ذات أهمية متزايدة في وعي الناس، ويظهر ذلك بوضوح من خلال جاذبيته المتضخمة كموضوع للتعليق في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. فمن الواضح أن هناك أدلة على رغبة السائحين بشكل متزايد في مشاركة تجربة سياحة الطعام مع أي شخص قد يكون مهتمًا، ولكن لماذا؟ أكد علماء الأنثروبولوجيا مثل كلود ليفي شتراوس Strauss (1963) أن الأكل ليس مجرد حاجة جسدية أساسية، ولكن أيضا -وربما في المقام الأول- علامة على الانتماء الاجتماعي والثقافي.
في الواقع، هناك مجموعة متزايدة من الأعمال التي ترى أن استهلاك وتجربة الطعام المحلي في السفر أمر أساس، ولكن لم يتم تعميمها حتى الآن: "باختصار، تعد طرق الطعام وفنون الطهو جزءًا لا يتجزأ من نظام السياحة، أكثر من كونها مجرد خدمات الطعام، بل هي تجربة تجعل الأفراد مشبعين بالمعنى الثقافي والخبرة التي تتسم بالديمومة" (Timothy & Ron, 2013 p 99).
لحسن الحظ، وبالنسبة للسياحة، فلا يمكن -حتى الآن- لفن الطهي المحلي السفر بنجاح، إذ يمكن إعادة إنتاج طبق في مكان آخر بافتراض توفر مكوناته. لكن فن الطهو الأصيل للطبق مرتبط بعناصر ملموسة وغير ملموسة مثل الإحساس بالمكان، السياق، والأخلاق، والثقافة المادية، والعادات الاجتماعية، التي يصعب تكرارها بعيدًا عن محيطها الأصلي .(Ramos Abascal 2016)فعلى سبيل المثال، فإن العالم كله تقريباً يقدم البيتزا سواء في مطاعم الوجبات السريعة أو المطاعم الراقية إلا أن تجربة البيتزا في موطنها الأصلي في نابولي تحديداً يجعل منها تجربة ثقافية وإنسانية لا يمكن نسيانها من عدة نواحٍ، على مستوى المكونات المحلية المعدة خصيصاً لصنعها، وطريقة الطهي، والكميات والحصص في توزيع المكونات، فالسائح في هذه التجربة يتذوق قطعة البيتزا فيتعرف بناءً عليها على ذائقة السكان المحليين، في وصفة يتداولها العالم أجمع، فالبيتزا في نيويورك ليست إيطالية سوى بالاسم، ولكنها تعد بما يتناسب مع الذائقة الأمريكية، حجم أكبر ومكونات أكثر، في حين تمتاز البيتزا في موطنها الأصلي بالبساطة، وترتكز على مكونات موسمية تتسم بأنها طازجة.
نستنتج مما سبق عرضه، أن فن الطهو / وسياحة الطعام لا يمثلان فقط فعل الأكل بل يتجاوزانه إلى أبعاد أخرى، نحو خلق علاقة بين المنتج والمستهلك ( مقدم الطعام والسائح)، حيث يختبر السائح فن الطهو في حال حصوله على المعلومات عند نقطة البيع، بحيث يمكن للسائح إجراء اتصالات مع مكان الإنتاج والأساليب المستخدمة وقيم الأشخاص المعنيين (Sage 2003,49) .
توصل مونتاناري (2012) Montnari إلى وجهة نظر مماثلة حيث يذكر أنه : "لا توجد هوية بدون تبادل. يتم تعريف الهوية على أنها البناء الوظيفي لعملية التبادل الاقتصادي والثقافي في آن واحد، والسوق والمهارة، والبضائع والخبرة هم المحرك "(P 163-164).
وهذا بدوره يخلق ويعزز الانتماء الذي يسعى إليه السائحون مع البيئة أو الوجهة السياحية، مما يؤدي حتماً إلى زيادة رأس المال الاجتماعي والثقافي. وبالتالي، فإن الأصالة وأشكال رأس المال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يمكن اعتبارها أهم دوافع البحث عن أنماط السياحة المحملة بالخبرات.
في الواقع، لطالما أراد الناس إخبار الآخرين بتجاربهم، لا سيما عن سفرهم أو خبرات تذوق الطعام، من أجل إظهار رأسمالهم الاجتماعي والثقافي، أو للاستماع إلى معلومات "خفية" حول ما يجب فعله أو تناوله من الآخرين في وجهات سياحية وثقافات مختلفة، وبالتالي اكتساب رأس المال الاجتماعي والثقافي قبل رحلتهم. يشير هذا السلوك إلى أنه -حتى منتصف القرن العشرين على الأقل- كانت هناك مجموعة من المعلومات عن سياحة الطعام تميل إلى أن تكون غير متكافئة، أي من طرف واحد يمثل البائع ( مزودي الأنشطة السياحية في الوجهة ) أمام المشتري ( السائح) وهو غالباً قد يكون كوّن أفكاراً بسيطة عن الطعام في الوجهة السياحية من خبرات مواطنيه ممن قاموا بزيارة الوجهة السياحية، ولكن في عصر العولمة والثورة المعلوماتية اختلفت هذه الصورة، وهو ما سوف نستعرضه لاحقاً.
تقدم سياحة الطعام المحلي صورة ثقافية وإنسانية للسياح، وللوجهات السياحية، بالنسبة للوجهات السياحية تُعد اتجاهاً حديثاً تم استثماره في العقدين الأخيرين بشكل فعال، خصوصاً بعد أن دعت هيئة اليونسكو عام 2003 إلى الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي الذي يشكل "الممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، والتي تَعدها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية" (UNESCO, 2003) .هذا بالإضافة إلى اهتمام اليونسكو بإدراج أنواع الطعام التقليدي في قوائم التراث غير المادي()، في أحيان كثيرة، يطلق على سياحة الطعام "دبلوماسية الطعام" بمعنى أن التجربة ليست قائمة على تذوق الطعام فقط، ولكن تتجه نحو أبعاد ثقافية وتجارب إنسانية للبلد المضيف وللسياح.
يمثل الطعام قاسماً إنسانياً مشتركاً، ويتمتع بسهولة التجربة وجاذبيتها، حيث يتفق عدد من الأبحاث في مجال السياحة وعلم الاجتماع على رغبة السياح في تجربة الطعام المحلي في وجهات السفر المختلفة؛ لذلك اتجهت عدد من البلدان والدول إلى تنمية قطاع الطعام المحلي في مجالات السياحية، ويمكن لنا الإشارة هنا إلى تجربة جمهورية مصر العربية في مجال سياحة الطعام والترويج للمطبخ المصري، فقطاع سياحة الطعام المصري يتمتع بثراء وازدهار لسببين: تنوعه ومناسبته لكافة الأذواق "أصبح علامة تجارية"، ووفرة المواد الخام وانخفاض التكلفة بالنسبة للسياح (يوسف وزهري ،2020).
ولا يفوتنا ذكر تجربة سياحة الطعام النوردي (طعام أقصى الشمال الأوروبي)Nordic Food ، في الدول الاسكندنافية، فمن حوالي خمسة عشر عاماً لم يكن الطعام النوردي على خارطة السياحة أو المطاعم العالمية، وانطلقت تجربة سياحة الطعام النوردي في الدنمارك من جزر فارو التي تكوّن أرخبيلًا من الجزر في المحيط الأطلسي، فالاستراتيجية التي نهضت بسياحة الطعام النوردي كانت تنطلق من أنه في عصر العولمة أغلب الوجهات السياحية متشابهة؛ لذلك كان هدفهم التميز في الطعام، وعملت دوائر تطوير السياحة بمشاركة عدد من الباحثين على إرساء قواعد التميز والجودة، حيث جذبت الأطباق التقليدية والأطباق الحديثة العديد من السياح للجزر، هذا بالإضافة إلى حصول أحد المطاعم على نجمتي ميشلان في عام 2019، حيث ابتكروا استراتيجية هدفها الحفاظ على الطبيعة والبيئة والثقافة المحلية بعد أن شهدوا تزايد أعداد السياح؛ وذلك للانتقال بسياحة الطعام إلى طور السياحة المستدامة، لقد ساعدت حركة الأغذية الشمالية الجديدة بالتأكيد في وضع منطقة الشمال الأوروبي على خريطة العالم لتذوق الطعام وجذبت أعدادًا كبيرة من الزوار .( Nordic Council of Ministers,2019)
تشير الإحصاءات في التقارير السياحية إلى أنه في عام 2017، أنفق السياح الأجانب في السويد 47 مليار كرونة سويدية (4.5 مليار يورو) على الأطعمة والمشروبات، بزيادة 50٪ عن عام 2014. وكان أكثر من 50٪ من المسافرين العالميين إلى البلاد متحمسين للسفر بسبب الطعام والشراب الجيدين. في حين يعتقد واحد من كل خمسة مسافرين دوليين تقريبًا أن السويد تقدم أفضل تجارب الطهي. ويتوقع أن يرى ارتفاعًا كبيرًا في العروض والطلب على تعلم تجارب الطعام -وليس فقط لتذوق الطعام أو الشراب المحلي ولكن أيضًا لمعرفة المزيد نظريًا و/أو عمليًا- على سبيل المثال تقنيات الإنتاج أو ثقافة الطعام أو عادات الطهي. "
تعد سياحة الطعام إذن مصدراً لمجموعة من الخبرات، التي تعبر عن الثقافة والنظام الرمزي، فالطعام بالنسبة للسياح يُعد محوراً للتواصل الاجتماعي، ووسيلة لإثراء التجارب، والتعبير عن الهُويات الشخصية، وإضافةً نوعيةً لجودة الحياة.
يُعد عشاق الطعام وسائحو الطعام بمثابة بناء مركزي للمستقبل الذي ينتقل المستهلكون فيه من عصر الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية الثقافية، حيث أصبح الإنتاج الثقافي بشكل متزايد مهيمناً على صور النشاط الاقتصادي والاستهلاك. وأصبح تأمين الوصول إلى العديد من الموارد والخبرات الثقافية، مثل السياحة الغذائية والطعام، جانبًا مهمًا في تشكيل الهوية. وهكذا أصبحت السياحة الغذائية الآن جزءًا من الحياة الحديثة، وسائح الطعام هو وسيط الثقافة الجديد.
نحاول في هذا الجزء تقديم قراءة عن أثر العولمة على السياحة بصفة عامة وسياحة الطعام بصورة خاصة، في محاولة لجمع شتات التجارب والآراء التي تجعل من سياحة الطعام نمطاً ثقافياً إنسانياً. فالثقافة -عادة- لا تتدفق من اتجاه واحد داخل نظام عولمي كوني، ولكن هناك عدد من النظريات والاتجاهات التي ترى أن العولمة تسير باتجاه واحد، أي من الغرب إلى العالم النامي، إلا أن هذه النظرة ضيقة الأفق، لم تعد مؤثرة في الوقت الحالي، إذ يمكن ملاحظة أن العولمة عبارة عن تبادل ثنائي الاتجاه تتأثر فيه الثقافة الغربية بالثقافات في العالم النامي، خصوصاً في القطاعات الاقتصادية، وهي عملية يطلق عليها "العومحلية" glocalisation وخير مثال لتفسير هذا المفهوم بشكل مبسط تلك المظاهر المختلفة لماكدونالدز التي تراعي فيها القيم الثقافية والدينية لوجباتها سواء في الهند أو الشرق الأوسط. في حين أننا لا نستطيع أن ننكر أهمية العولمة في نشر الأنماط الثقافية المختلفة حول العالم وخلق أنماط عالمية هجينة في الموضة والطعام والموسيقى والاستهلاك وأسلوب الحياة. فالعولمة يفسرها غيدنزGeddens (1990,P 46) على " أنّها مرحلة جديدة من مراحل الحداثة وتطورها، تتكاثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي، وحدوث تلاحم بين الداخل والخارج، وربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وسياسية وثقافية وإنسانية. ولا يعني هذا إلغاء المحلي والداخلي، ولكن أن يصبح العالم الخارجي له حضور العالم الداخلي نفسه في تأثيره في سلوكيات الأفراد وقناعاتهم وأفكارهم، والنتيجة بروز العامل الداخلي وتقويته".
وهكذا يرى ما بعد الحداثيين العولمة كظاهرة إيجابية؛ لأنها أوجدت فئة جديدة من المستهلكين العالميين في كل من العالمين المتقدم والنامي، مع مجموعة أكبر من الخيارات التي يمكنهم من خلالها بناء هوية عالمية مختلطة. ومن ثَمّ يصبح هذا التنوع الثقافي والتعددية هو القاعدة.
إن التطورات التي تحققت في مجال النقل والتي مكنت من التنقل العالمي لها أهمية خاصة. حيث تسمح الطائرات الحديثة وسفن الرحلات البحرية والقطارات ووسائل النقل الأخرى للناس بالتحرك بسرعة وبتكلفة منخفضة نسبيًا.
لقد فتحت طائرات مثل بوينج 787 دريملاينر مسارات جديدة عبر إنشاء طائرة قادرة على الطيران لمسافات طويلة مع حمولة ركاب أصغر. كما مكّنت القطارات السريعة وأنظمة الطرق وحتى برامج تأجير الدراجات في المدينة الأشخاص من التنقل والتجول واستكشاف العالم. كما سمحت هذه التغييرات لعدد أكبر من الناس بالسفر في كثير من الأحيان في وقت أقل، كما ساعدت سهولة السفر على التغلب على حواجز الخوف والإحباط والنفقات. فعلى سبيل المثال، يسمح النظام المصرفي الدولي بالوصول إلى الأموال في أي مكان في العالم تقريبًا. وقد سمحت الشركات متعددة الجنسيات التي توفر الرحلات الجوية والنقل المحلي والإقامة والطعام، بـ "التسوق الشامل" لحجوزات السفر. لقد غيرت الأجهزة المحمولة أيضًا طبيعة السفر فيما يتعلق بما يفعله المسافرون وكيفية تفاعلهم مع وجهة ما، مما يسهل، على سبيل المثال، اختيار مطعم أو التنقل في مدينة كبيرة أو ترجمة لغة أجنبية. نتيجة لذلك؛ ارتفع عدد الأماكن السياحية التي تم استكشافها، وازدهرت السياحة الثقافية بحثاً عن الخبرات الجديدة والغنية بحمولات ثقافية تثري الرأسمال الثقافي على مستوى الطعام والبيئة والمتاحف.
هناك تقاطع بين فن الطهو والسياحة ووسائل الإعلام، ويحتل هذا التقاطع أهمية كبيرة في عصرنا الرقمي، حيث تحل الوسائط الجديدة ( وسائل التواصل الاجتماعي) محل الوسائط التقليدية (السينما والتلفزيون) (Frost et al. 2016)، وإن كان ما يزال هذا الأخير مؤثرًا في هذا المجال، خصوصاً مع ظهور قنوات الكيبل، مما أدى إلى زيادة الطلب على المحتوى المرتبط بالطعام، وربطه بمنصات التواصل الاجتماعي مثل Instagram و Facebook وTwitter، ويلعب مقدمو العروض، غالبًا من الطهاة، دورًا مهمًا في هذه الظاهرة، وأحيانًا يصبحون من المشاهير في هذه العملية .(Bell & Hollows, 2011)
تعمل البرامج التلفزيونية المرتبطة بفن الطهي على قيادة وتشكيل مفاهيم وأنماط سياحة تذوق الطعام، سواء فيما يتعلق بالوجهات التي ارتبطت تقليديًا بالطعام، وتلك التي تظهر كوجهات جديدة لتناول الطعام. وقد تؤدي إلى مزيد من التبصر في التراث الغذائي، وقضايا الاستدامة المرتبطة بإنتاج واستهلاك الغذاء، مثل التأثير على الصحة والبيئة، بالإضافة إلى الوعي بفن الطهو كعنصر من مكونات الثقافة ومسرح الطعام بشكل عام. تتفق عدد من الدراسات على أن برامج الطهي التي تقدم من وجهات سياحية متنوعة، لها تأثير إيجابي اعتمادًا على الصورة التي يتم بناؤها بواسطة البرامج التلفزيونية وزيادة الوعي بمنطقة معينة.
جادل رايلي وآخرون (1998) Riley بأن البرامج التلفزيونية كانت أداة قوية تستخدم لتسويق الوجهات السياحية ، وأكد أن البرامج التلفزيونية يمكن استخدامها كأداة لخلق صورة جديدة، مؤكداً على أن الرخاء الاقتصادي ساهم في خروج برامج الطهي من الأستديو إلى الطبيعة والوجهات السياحية، وارتباطها بطهي وصفات تتسم بالأصالة وتعكس الثقافة المحلية للوجهة أو المكان، على سبيل المثال ، في عام 1991 ، قام الطاهي البريطاني كيث فلويد Keth Floyd بعمل سلسلة من عشر حلقات بعنوان Floyd on Oz. متجولاً في جميع ولايات وأقاليم أستراليا ، وجمع بين وصفات الطبخ ومناطق الجذب السياحي. من خلال الذهاب إلى الموقع والطبخ خارج المسرح والاستديو، صمم فلويد سلسلة تلفزيونية نابضة بالحياة وناجحة والتي وضعت نموذجًا للإنتاج في المستقبل. ما كان ثوريًا أيضًا في هذا البرنامج هو أنه تطور بعد أن قدمت منظمة السياحة الأسترالية الدعم لفلويد، حيث نسقت منظمات تسويق الوجهات السياحية الحكومية وقدمت التمويل له (Hall &Mitchell, 1998).، وعلى نفس الخطى قدم كل من الطباخين الايطاليين جينارو كونتالدو وانتونيو كارلوتشي سلسلة إبداعية من انتاج تلفزيون BBC تدعى " الطماعان الايطاليان" في عام 2011 وتعتمد على فكرة الطهي من وجهات سياحية أو مغمورة في إيطالية، وحقق البرنامج مشاهدات عالية على القناة وكذلك في اليوتيوب.
أما دراسة كلٍّ من تاسبينار وتيملوغلو Taşpınar & Temeloğlu (2018 ) التي أجريت على 391 مبحوثاً بخصوص مدى تأثير برامج الطهي التلفزيونية على اختيارهم للوجهات السياحية، فقد أظهرت نتائجها أن 391 سائحًا شاركوا في سياحة تذوق الطعام تأثروا ببرامج الطهي على التلفزيون. فيبدو أن سمات عروض الطهي بشكل عام، لها تأثير إيجابي على المشاركة في سياحة تذوق الطعام؛ إذ يميل جمهور عروض الطهي إلى المشاركة في سياحة تذوق الطعام. وفقاً لدراسة هال وأوسيليفان (1996) Hall & O’Sullivan التي كانت تدور حول السياحة الآمنة، هناك ثلاثة عوامل أساسية تساعد على بناء السياحة في وجهة ما: أولها الكلام الشفهي، ففي حال انتشر بين السياح بشكل إيجابي سيكون من السهل بناء صورة قوية لوجهة ما. ثانيًا: صنع صورة تتميز باحترافية عالية في وسائل الإعلام، وأخيرًا السياسات والاهتمامات التي تتخذها الهيئات والحكومات.
كما تؤثر صور الوجهة على عملية اتخاذ السائحين لقرارات السفر وسلوكهم تجاه الوجهة، كما أنها تؤثر على مستويات الرضا وتذكر التجربة. لذلك؛ فإن الصور المتخيلة هي أساس عملية التقييم أو الاختيار، وبالتالي توفر الرابط بين الدوافع واختيار الوجهة .(O’Leary& Deegan,2003)
ومما لاشك فيه أن المؤثرين والمشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي لهم دور فعال في تكوين الصورة المتخيلة عن وجهة ما أو طعام محلي في بلد ما، حيث تتفق الدراسات التالية (Ingrassia et al 2022, Vukolic et al 2022, Sebastain &Murali 2017)) على أن الرسائل الترويجية لسياحة الطعام في وجهة ما لها دور كبير في تكوين صور إيجابية وتحفيز للسياح والمشاهدين على زيارة هذه الوجهات السياحية. في السنوات الأخيرة، أصبح سرد القصص استراتيجية إبداعية مهمة للمحتوى في مجال الاتصالات، حيث يتم الترويج للعلامات التجارية والوجهات السياحية وأنواع الطعام المحلي عن طريق القصص التي يتم إنشاؤها وتوزيعها من قبل المسوقين، مع مراعاة عقلية الفئة الموجه إليها السرد القصصي، فيسمح صنع القصة باتباع نهج تشاركي ثنائي الاتجاه، تدعمه منصات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط التكنولوجيا الجديدة (Schouten et al 2019). وكان لتطور صناعة القصص مع دمج جماهير العلامات التجارية في عملية إنشاء المحتوى كرواة للقصص والتجارب في وسائل التواصل الاجتماعي دور رئيس في صناعة القصة التي يمكن اعتبارها علامة تجارية Brand.
في عالم تجتاحه وسائل التواصل الاجتماعي والصور عالية الإخراج والتغذية المرتدة Feedback، أصبح من الممكن التحكم في الوعي الجمعي والذاكرة التصويرية للأفراد، فلم يعد الوضع كسابق عهده، حين كان الأشخاص يكونون آراءهم بناءً على القراءة أو سؤال من مروا بالتجربة خصوصاً كتجربة طعام معين أو وجهة سياحية معينة كما أسلفت سابقاً عن رسائل الرحالة. لقد أصبحت صناعة الحدث وسرده عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلامي على مستوى التلفزيون والسينما من أهم العوامل المثيرة والمؤثرة في خيارات الأفراد.
هناك نقطة محورية ينبغي ألا نتجاهلها في هذا الطرح، وهي أن هوليوود تمكنت من النجاح في تقديم عدد من الأفلام السينمائية التي تتناول وجهات سياحية محددة، يستطيع بواسطتها المشاهد تكوين أفكار واتجاهات إيجابية لزيارتها، فإن الفيلم ليس منتجًا، ولكنه عملية إبداعية تم الكشف عنها عضوياً حيث يشارك المتفرج / السائح في الفيلم / الرحلة عاطفياً وفكرياً؛ لذلك فإن السياحة لا تتعلق ببيع وجهة، بل بالخبرة المكتسبة من زيارتها (Peters et al., 2011).
يمكن القول: إن هوليوود استطاعت تأسيس خطابٍ يقوم على استهلاك الخبرة التي تقترن بالتمكينEmpowerment ؛ للتغلب على الأزمات النفسية والضغوط الحياتية وتقدير ومحبة الذات في أقصى صورها، ويمكن الإشارة هنا إلى فيلمي "تحت سماء توسكان" و"طعام صلاة حب"، حيث تتقاطع القصتان في الرغبة الحثيثة في معرفة الذات والبحث عن السكينة والطمأنينة عبر تجربة خبرات جديدة، وكانت تجربة السفر والانغماس في التجارب المحلية لكلتا السيدتين في الفيلم خصوصاً في جانب الطعام والطهي كأحد الأنشطة التي ساعدتهم على التغلب على مشاكلهم ومنحتهم درجة من التواصل مع المحليين، خصوصاً أن رتابة الحياة اليومية تدفعنا إلى الرغبة في إضفاء معنى على الحياة عن طريق البحث عن خبرات جديدة (العمري ، 2022).
تتحالف مجموعة من العوامل النفسية والسوسيوثقافية في تكوين صورة معينة عن وجهة السفر، وكما أسلفنا تلعب الآن وسائل التواصل الاجتماعي والأعمال السينمائية دوراً كبيراً في الترويج لسياحة الخبرة، فالسفر من أجل السياحة لم يعد قاصراً على الأغنياء وميسوري الحال كما كان في الماضي. فكما أشرنا سابقاً في الفقرة الخاصة بالعولمة، إذ كان لها دور كبير في منح الفرصة للعالم أجمع تقريباً للسياحة، هذا بالإضافة إلى أن الخصائص الديموغرافية للسياح اختلفت عن سابقها، فنحن نتمتع الآن برفاهية لم تكن متاحة من قبل، وهي وفرة الوقت ووفرة اقتصادية، فهناك العديد من الوجهات السياحية الموائمة لمختلف الطبقات الاجتماعية والخصائص الديموغرافية، فوفقاً لتقرير منظمة السياحة العالمية (2010)، ستصبح البيانات الديموغرافية للسياح وتفضيلاتهم مجزأة بشكل متزايد بمعنى أن كل شخص في العالم قادر على السفر سوف يكون هدفاً للترويج السياحي على حسب خصائصه الديموغرافية ووضعه الاقتصادي، وستعتمد القدرة التنافسية للوجهة على قدراتهم على تطوير وتسويق المنتجات السياحية لسكان متقدمين في السن ومتعددي الأعراق، منظمين في نمو سكاني عائلي متعدد الأجيال، متحدية بشكل جذري الافتراضات الحالية عن نمط شيخوخة السياحة، الذي يشير إلى أن أغلب السياح هم المتقاعدون وكبار السن. إذ يتطلع السائحون الأصغر سنًا الذين ما يزالون يعملون بدوام كامل إلى الاسترخاء في الإجازة، في حين أن السائحين الأكبر سنًا الذين لديهم مزيد من الوقت قد يذهبون في إجازة لتجربة أنشطة جديدة.
في الحقيقة نحن الآن، نواجه سياحاً لديهم توقعات مسبقة وصور مخزنة في ذاكرتهم من واقع التجارب السينمائية ووسائل التواصل الاجتماعي والبرامج الوثائقية؛ لذلك نجد أن أغلب السياح في الوقت الحالي ينصب اهتماهم على مفاهيم تتعلق بالخبرات المكتسبة من السفر، فلم يعد السفر يقاس بالتسوق وعدد الأماكن التي يتم زيارتها بشكل كبير كما في السابق، وإنما يقاس بما يكتسبه ويعيشه السائح من خبرات تغذي ذاكرته، وتجعلها محوراً للنقاش والحديث مع الأصدقاء؛ لذلك أصبحت سياحة الطعام أحد أهم أنواع سياحة الخبرة التي تقدم للمهتمين من السياح حصيلة معلوماتية عن الطهي والثقافة وفنون الحياة وآداب وعادات الطعام عند مجتمع ما.
يعد خطاب الأصالة أحد أهم الخطابات التي يروج لها في الوقت الحالي سواء في السينما، أو برامج الطهي، أو كتب المساعدة الذاتية، أو مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وينطوي مفهوم الأصالة على أبعاد فلسفية ونفسية، ويمكن تحديده بالبحث عن تجارب مغايرة ومختلفة ومتميزة، وغالبًا ما يتم تصور الأصالة بصورة عامة على أنها سمة تصف المنتج أو الخدمة أو التجربة على أنها شيء حقيقي أو حقيقي بالنسبة للأصل ( .(Abarca, 2004 وقد تجلى البحث عن الأصالة والتجارب الحقيقية في المجتمع الحديث في صيغة بحث أو اقتناء منتجات أو خبرات جديدة تتسم بالأصالة.
وفي مجال سياحة الطعام تعد "الأصالة" أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الناس يسافرون إلى الخارج بغية الاستمتاع بتجربة "أصيلة". فالخروج عن المألوف، وما هو يومي ومعتاد في أوطان المسافرين أصبح أهم فكرة ملحة لدى سياح ما بعد الحداثة، فالسائح لديه تصور مسبق عن الوجهة التي يقصدها والتجارب التي سوف يختبرها مثل تجربة السفر إلى الخارج، والسكن في أماكن إقامة مختلفة قليلاً (جبال، كهوف، عشش، أكواخ، مراكب بحرية)، وتذوق المأكولات الفريدة، والمشاركة في الأنشطة المحلية، مع استيعاب الثقافات المتنوعة.
لقد نوقش مفهوم الأصالة في التراث العلمي المختص بدراسات السياحة وعلم الاجتماع لأكثر من أربعة عقود ومصطلح "الأصالة" له تعاريف متعددة. ويمكن تلخيصه في بحث السياح بشكل عام عن تجربة أصيلة يمكنهم عن طريقها تجاوز ما أسماه ماسلو "تحقيق الذات"، واكتشاف معنى حقيقي للوجود. فالأبعاد الفلسفية والروحانية لتجارب السفر أصبحت رائجة في عصرنا الحديث، وما هي إلا طريقة للتكيف مع متطلبات الحياة الحديثة التي تتجه إلى التركيز على الأبعاد الثقافية للمجتمعات الإنسانية كوسيلة لفهمها وإرضائها بتجارب بعيدة عن المألوف.
كما أشار كريم (2006) إلى أنه من المعروف جيدًا أن الطعام يلعب دورًا رئيساً في جذب السياح إلى وجهة معينة بسبب قدرته على التعبير الثقافي والترويج لمنطقة محددة بإبراز العادات الغذائية التي تجذب الزوار إلى وجهة خاصة بسبب الطعام الأصيل والمثير للاهتمام.
ومن الجدير بالذكر أن بعض السياح يسافرون إلى وجهة ما لمجرد الاستمتاع بالمأكولات التقليدية أو الأصيلة التي قد لا تكون متوافرة في أماكن أو وجهات أخرى، وكذلك السياح الذين يسافرون للبحث عن مكونات غذائية خاصة. ويشير توريس (2002) في هذا الصدد إلى أنه من المرجح أن يكون السياح في العصر الحديث أكثر عرضة للتجريب والبحث عن الأغذية «الغريبة» و«الأصلية»، الأمر الذي يعزز الطلب على المنتجات المحلية.
علاوة على ذلك، أشار يومان Yoeman (2008) في بحثه عن الأصالة بالنسبة للسياح، إلى أن السياح يبحثون الآن عن التفرد ضمن تغليف الفردية بعنصر البحث عن الأصالة، على مستوى المأكولات المحلية والطازجة وذات الجودة العالية التي تعكس أصالة الوجهة.
إذ تلعب الأصالة دوراً رئيساً في الاستدامة، فالوجهة التي تفتخر بنفسها وبسكانها ومتحمسة للاحتفال بتراثها وطعامها ومناظرها الطبيعية وشعبها، تزدهر سياحياً وثقافياً، ولكن دون الاحتفال "بالتميز المحلي" فإنها تصبح مجرد نسخة من وجهة سياحية أخرى.
قبل أن أختم هذا الجزء الذي حاولت أن أقدم فيه لمحة قد تتسم بالعمق كمحاولة لفهم تاريخ سياحة الطعام وموقعها في مجال السياحة، كان من الضروري الإشارة إلى ماهية السائح الذي يقبل على سياحة الطعام المحلي أو يَعدها عاملاً مهماً، قد يكون مشجعاً له لزيارة وجهة بعينها. ولا يسعني أن أختم هذا الجزء إلا بالاستعانة بملاحظاتي المكثفة التي كنت قد كونتها بصورة ذاتية عن طريق خبراتي كسائحة ومحبة للسفر واكتشاف ثقافات الشعوب والانغماس في الحياة اليومية لمجتمع ما، بداية من الطعام وآداب المائدة إلى اهتمامي بمنتجات البيئة المحلية المادية وغير المادية، قد يكون إقبالي منبثقاً من تكويني العلمي أو شغفي بالبحث وفهم القواسم المشتركة بين الأمم والشعوب، وهو أمر لا أمتاز به وحدي بل هناك العديد من الباحثين ومحبي السفر يتقاسمونه بطرق مختلفة.
في العموم، نحن نواجه الآن سائحاً معبأً بخطابات الترويج السياحي التي أسهمت في الترويج لوجهة معينة دون غيرها، سواء بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق السينما كما أسلفنا، وتتمتع هذه الخطابات بعدد من المفاهيم والصور التي تتطلب مجالات حديثة في سوق السياحة لمواجهة رغبات وطموحات سياح ما بعد الحداثة.
يتجه هذا الجزء من الدراسة إلى مناقشة وتحليل محتوى مواقع بعض الفنادق في الإنترنت؛ للتعرف على مدى اهتمام قطاعات السياحة وخصوصاً الفنادق في الترويج لسياحة الطعام المحلي، وهي دراسة يمكن اعتبارها استطلاعية تمهد لعدد من الدراسات والأبحاث التي قد تقدم نتائج تمكّن من النهوض الاحترافي لقطاع سياحة الطعام.
في البدء، لابد من الإشارة إلى أن قطاع السياحة في السعودية حقق نمواً جيداً بين نظرائه في مجلس التعاون الخليجي، حيث يشير تقرير إحصاءات السياحة في دول مجلس التعاون لعام 2020 إلى توزيـع إجمالي عدد السياح القـادمين إلـى دول مجلـس التعـاون فـي عـام 2020م: "تـوزع عـدد القادمين إلى دول المجلس بواقـع 7.2 مليون سائح إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، و4.1 مليون سائح إلى المملكة العربية السعودية، فيما توزع باقي عدد السياح على باقي دول مجلس التعاون"، وفي حال قمنا بمقارنة عدد السياح في عام 2017 سنجد أن العدد بلغ 16.109 مليون سائح (المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون، 2021، ص 8). مع الأخذ في الاعتبار تأثير الجائحة والإجراءات الاحترازية على صناعة السياحة في العالم إجمالاً. وبالنظر إلى توزيع عدد المنشآت الفندقية في دول مجلس التعاون في عام 2020م، فإنها توزعت بواقع 81.4 %في المملكة العربية السعودية و9.7 % في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبنسبة 4.9 % في سلطنة عمان، والنسب المتبقية توزعت على باقي دول مجلس التعاون. أما على مستوى السياحة البينية أي بين دول الخليج فقد حققت السعودية نسبة 28 %، وتوزعت النسب المتبقية على باقي دول الخليج، وهذا الرقم يُعد منخفضاً مقارنة بالأعوام السابقة، نظراً للإجراءات الاحترازية بعد الجائحة (المرجع السابق، ص9).
إذن نحن أمام قطاع يزدهر لعدة عوامل، من أهم عوامل الازدهار وفرة المقومات السياحية من ناحية البنية التحتية، بالإضافة إلى تنوع التراث المادي وغير المادي في المملكة العربية السعودية، وغناه والترويج له في السنوات الأخيرة بصورة احترافية عالية.
كشفت بيانات هيئة السياحة السعودية عن أن إجمالي عدد الزيارات في المملكة وصل إلى 62 مليون زيارة في 2022، توزعت على 29.5 مليون زيارة من الخارج، و32.5 مليون زيارة من الداخل. وتستهدف هيئة السياحة الوصول إلى 55 مليون زيارة خارجية و45 مليون زيارة داخلية بحلول عام 2030.
ووفقا لمؤشر الأداء لعام 2022، بلغ الإسهام في الناتج المحلي الإجمالي 5.3%، فيما تم توفير 836 ألف وظيفة جديدة (هيئة السياحة السعودية، 2022)
في هذا الجزء من الدراسة قمت بتحليل محتوى مواقع الإنترنت لعشرة فنادق عالمية والموقع الرسمي للسياحة السعودية وموقع هيئة فنون الطهي، كمحاولة لتقييم الوضع الراهن فيما يتعلق بموضوع الدراسة الحالية، خصوصاً أن هناك عدداً من الدراسات مثل دراسة (Hall et al., 2004) التي تؤكد أن أغلب السياح يحصلون على معلومات الطعام المحلي في الوجهة السياحية من خلال الفنادق والمواقع الرسمية للسياحة في الوجهة السياحية المبتغاة. وبالطبع تُعد وسائل التوصل الاجتماعي والمشاهير أحد أهم وسائل الترويج للطعام المحلي في وجهات سياحية معينة، ولكن حدود الدراسة الحالية تجعلها تقتصر على مواقع الويب للفنادق العالمية وصفحات السياحة الرسمية.
جدول رقم (1)
محاور تحليل المحتوى
<div><table><span id="docs-internal-guid-4a883c61-7fff-ed63-fb5c-7fc885c939f4"><div dir="rtl" align="left"></div></span><colgroup><col width="65"><col width="212"><col width="223"><col width="92"></colgroup><tbody><tr><td><p dir="rtl"><span>التسلسل</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الموضوع</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>المحتوى</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>النتائج</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>1</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الخصائص العامة لسياحة الطعام</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>المفهوم والخصائص العامة لسياحة الطعام</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>التنوع</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>2</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>سلوكيات الطعام لدى السياح</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الإشارة إلى سلوكيات الاستهلاك الغذائي للسياح</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>لايوجد أي مؤشر</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>3</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>سياحة الطعام كعامل جذب سياحي</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>تحديد العمليات المستخدمة (خدمات الطعام والأطباق المميزة كعامل جذب</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>جزئي</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>4</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>أبحاث وأوراق عمل عن سياحة الطعام</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>رصد الأبحاث المنهجية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>لايوجد</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>5</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الاستدامة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجانات الطعام والمنتجات الغذائية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>متنوعة ولكن غير مترابطة</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>6</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>هدايا تذكارية غذائية ( هدايا الطعام)</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مدى استخدام أنواع الطعام والمنتجات المحلية كهدايا تذكارية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>جزئي</span></p></td></tr></tbody></table></div>
حاولت في جدول رقم (1) حصر الملامح العامة التي وجهت الدراسة من الناحية العملية؛ لحصرها في نطاق محدد بعيداً عن التشعب، فإذا نظرنا إلى الخصائص العامة لسياحة الطعام في محتوى مواقع الإنترنت للفنادق العالمية في السعودية نجده يتسم بالتنوع المقنن، أي أن ما يتم استعراضه وتقديمه في مواقع الفنادق على الإنترنت هو المعيار في الفنادق العالمية، أو كما يعتقد أنه المعيار، إذ إننا بالمقارنة مع مثيلات هذه الفنادق في دول أخرى نجد أن هناك حضوراً للطعام المحلي في قوائم الطعام أو وجود مطاعم أو مقاهٍ متخصصة في تقديم الأطعمة المحلية، ويمكن الإشارة هنا إلى فنادق القاهرة ( من نفس السلسلة العالمية).
فمن الواضح أن حضور الطعام المحلي في صفحات مواقع الإنترنت الخاصة بالفنادق العالمية في السعودية يكاد يكون غائباً، ويمكن القول: إنه يقتصر من الناحية العملية - حسب إفادة الإخباريين- على تقديم القهوة السعودية أو بعض المرطبات والمشروبات المحلية مثل السوبيا أو قهوة اللوز في بهو الفندق للترحيب بالضيوف، في حين تفتقر صفحات الانترنت الخاصة بالفنادق إلى الإشارة لأنواع الطعام المحلي أو وجود إعلانات عن ليالٍ أو مهرجانات للطعام المحلي، أو تقديم عروض حية أو تعليمية للسياح عن الطعام المحلي ( دورات طهي، أو إعلان عن تجربة الطعام المحلي في بهو الفندق على سبيل المثال)، وعبر مقابلة الباحثة مع خمسة موظفين ( كوادر محلية) في مجال السياحة الفندقية في فنادق عالمية مشهورة، أجمعوا على أن مفهوم سياحة الطعام المحلي في مجال السياحة الفندقية في السعودية عنصر غائب لعدة اعتبارات، من أهمها الاعتقاد أن الوافدين الأجانب يأتون للسعودية للعمل فقط، سواء لحضور أو تقديم مؤتمرات، أو إنهاء ارتباطات عمل، فالنظرة السائدة هي أن الوافد غير مهتم بتجربة الطعام المحلي، وأن توفير قائمة من الطعام العالمي هو الخيار الأمثل لمواجهة احتياجات الوافدين الأجانب دون المجازفة بتقديم أطباق محلية ما لم يتم طلب ذلك من الجهات المتكفلة بمؤتمر ما أو مناسبة معينة. هذا بالإضافة إلى أنهم أشاروا إلى عنصر لا يقل عن سابقه أهمية، وهو أن أغلب الفنادق تميل إلى أن يكون لديها [شيف] كبير متخصص في الأطباق العالمية، وقليلة هي الفنادق التي يكون لديها أكثر من [شيف] متخصص في فن طهي محدد، وقد يعود ذلك إما لأسباب اقتصادية أو كما أشرنا في البداية إلى اتباع ما يعتقد أنه معيار عالمي.
أما على مستوى سلوكيات السياح نحو الأطعمة المرغوب استهلاكها، فقد أشار الإخباريون إلى أن تقييم تجربة الطعام بالنسبة لنزلاء الفندق، يكون من ضمن الأسئلة التي يحتويها استبانات الرضا عن الخدمات، ولكن لا يوجد أي أسئلة عن تفضيلات الطعام المحلي.
وفي حال انتقلنا إلى النقطة الثالثة التي تم تحديدها بسياحة الطعام المحلي كعامل جذب من خلال تحليل بيانات موقع "روح السعودية" visit Saudi الرسمي، فهو يقدم صورة عامة للسائح عن الطعام المحلي السعودي بحسب المناطق، متناولاً تفاصيل الوجبات والأطباق الرئيسة، في حين تقدم الباحثة فيليسيا كامبل المتخصصة في مجال الطعام في الخليج العربي مقالاً لوصف المائدة السعودية والأطباق السعودية المحلية، إلا أنها لم تشر إلى أن المطبخ السعودي خصوصاً في المناطق الساحلية يحوي أطباقاً اثنية؛ نتيجة الاحتكاك الثقافي مع الوافدين والحجاج، فقد اقتصرت في مقالها على الإشارة إلى ازدهار المطبخ العالمي تحديداً في مدينة الملك عبدالله.
يقدم موقع "روح السعودية" في الجزء المخصص للطعام، تفصيلاً عن المائدة السعودية وفن الطهي في أغلب مناطق المملكة العربية السعودية، إلا أنه لم يراعِ تقديم خيارات للنباتيين، هذا بالإضافة إلى أن قائمة الحلويات تشمل الحلويات الشرق أوسطية المعتادة، في حين كان من الأفضل الإشارة إلى الحلويات المحلية، على سبيل المثال (اللقيمات، العريكة، قهوة اللوز، المعمول، الكليجة) التي تَستخدم في العادة المكونات المحلية من إنتاج البيئة نفسها كالتمور والعسل والسمن في طهيها.
بالرغم من أن موقع "روح السعودية" يحوي معلومات قيمة للسياح، إلا أن الجزء المخصص للتجارب السياحية، يخلو من تجارب الطعام المحلي، حيث يشترك الموقع الرسمي "روح السعودية" مع الفنادق التي تم تحليل محتواها في غياب مهرجانات الطعام المحلي، إذ إنها غير مدرجة في قوائم الأنشطة والأحداث المتخصصة (كالغطس، الفروسية.. الخ).
يمكن القول: إن الأبحاث المتخصصة في سياحة الطعام تكاد تكون محدودة في مجال التطوير السياحي الذي تركز أغلب الدراسات فيه على أبحاث تتعلق بمستقبل السياحة في السعودية، ودور السياحة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومجالات السياحة السعودية بصفة عامة، وهو ما يجعل المجال مفتوحاً بشكل كبير لإعداد دراسات استطلاعية ووصفية سوسيولوجية ونفسية عن اتجاهات السياح وميولهم بصورة عامة، ودراسات عن سياحة الطعام كنمط ثقافي محلي يعزز الهوية المحلية ويقدم خبرات سياحية متنوعة بصورة خاصة.
تملي الضرورة البحثية عليّ الإشارة إلى أنه في أثناء بحثي عن الدراسات والأبحاث المحلية حول سياحة الطعام، وجدتُ دراستين: <span class="tooltip">(الأولى)<span class="tooltiptext">Haressy, Mossa. Exploring the Supply Side of Food and Beverage Festivals in Saudi Arabia, 2018</span></span> تهتم بمهرجانات الطعام والمشروبات في السعودية، مستعرضةً أهم المهرجانات والفترات التي تقام فيها ودورها في تنمية واستدامة السياحة عن طرييق الأنشطة التي تقدمها هذه المهرجانات والفعاليات سواء على المناطق التي تقام فيها أو على السياح، في حين كانت الدراسة <span class="tooltip">(الثانية)<span class="tooltiptext">Maspul , Kurniawan. Tourism Development Through Creative Economy in Saudi Arabia: Sustaining Coffee As a Culinary Destination in Buraidah, 2022</span></span> تتركز حول السياحة الذكية من خلال استدامة صناعة القهوة السعودية في مدينة بريدة، واعتبارها وجهة سياحية غذائية متخصصة، خصوصاً أن مدينة بريدة تم إدراجها من قيل هيئة اليونسكو ضمن شبكة المدن المبتكرة في مجال تخصص القهوة، وأشادت الدراسة بدور صناعة القهوة في استدامة الاقتصاد المحلي.
أما في إطار السياحة المستدامة، فيمكن القول: إن المجتمعات البشرية الحديثة تتجه نحوها؛ وذلك لعدة عوامل سوسيو-اقتصادية وبيئية، فمن الناحية السوسيو-اقتصادية تؤدي استدامة السياحة إلى الانتعاش الاقتصادي للوجهات السياحية، وتوفير فرص العمل الدائمة والموسمية لأبناء المجتمع، أما على مستوى العامل البيئي، فالبيئة تلعب دوراً كبيراً في النشاط السياحي، خصوصاً أن برامج السياحة المستدامة تعتمد على الوعي البيئي والحفاظ على الطبيعة في إطار تقليل الهدر والبصمة الكربونية والحد من التلوث. ومن هذا المنطلق تقدم هيئة فنون الطهي صورة متميزة في الحفاظ على فن الطهي المحلي والترويج لسياحة الطعام المحلية والعالمية، حيث يشير موقع الهيئة على الإنترنت إلى أهدافهم وأنشطتهم التي تتفق مع التوجه العالمي في التنمية المستدامة من خلال استغلال الحرف والصناعات والأنشطة المحلية المتعلقة بفن الطهي الأصيل واستحداث منصات عرض متنوعة، ويشير الموقع إلى أهم الفعاليات المجدولة في رزنامته السنوية وهي مهرجان فيست السعودي للبحر الأحمر الذي يعنى بطعام المناطق الساحلية، ويقام في شهر ديسمبر، وسوق المزارعين في الدرعية ويقام في شهر يناير، ويُعد الموقع حاضنة للعديد من الأنشطة التي تختص بالطهي سواء بالتدريب أو التطوير أو بناء العلامات التجارية والتسويق.
كذلك تعد مهرجانات الطعام والمنتجات الغذائية المحلية أحد أهم مظاهر تنمية السياحة المستدامة في السعودية (جدول رقم 2)، حيث يوجد ما يقارب (58) مهرجاناً، في جميع مناطق المملكة تقريباً، وتتزامن بعض هذه المهرجانات مع الإجازات والعطلات المدرسية واعتدال الطقس، في حين أن بعض هذه المهرجانات يعتمد على المواسم والفصول، خصوصاً فيما يختص بالمنتجات الزراعية (مهرجانات التمور، ومهرجان الورد الطائفي، مهرجان الرمان) أو الثروة السمكية ( مهرجان الحريد)، وعلى الرغم من كثافة وتنوع مهرجانات الطعام والمنتجات الغذائية إلا أن جانب التغذية الراجعة أو المرتدة feedback من قبل السياح والزائرين يُعد من الجوانب الغائبة لتقييم المهرجانات وتطويرها، وانحسرت جوانب التغذية الراجعة والتقييم على الجهات المنظمة والراعية لهذه المهرجانات (Haressy, 2018).
جدول رقم (2)
الفعاليات والمهرجانات المتخصصة في الطعام والمنتجات الغذائية
<div><table><span id="docs-internal-guid-201f5ee1-7fff-08a3-046b-03544c96015c"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="50"><col width="219"><col width="50"><col width="239"></colgroup><tbody><tr><td><p dir="rtl"><span>م</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الفعالية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>م</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الفعالية</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة مكة المكرمة 13 فعالية</span></p></td><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة الرياض 12 فعالية</span></p></td></tr><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان مانجو في القنفذة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>28</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان جني النخيل</span></p></td></tr><tr><td><ol start="2"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العسل في محافظة العديات</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>29</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الخرج للتمور</span></p></td></tr><tr><td><ol start="3"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>معرض المأكولات والفنادق والضيافة السعودي</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>30</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان البطيخ بالرياض</span></p></td></tr><tr><td><ol start="4"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>سوق المعمول المكي</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>31</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>البطيخ بوادي الدواسر</span></p></td></tr><tr><td><ol start="5"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان التوت والتين الطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>32</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان البطيخ في ساجر</span></p></td></tr><tr><td><ol start="6"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان اللوز بالطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>33</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الألبان بمحافظة الخرج</span></p></td></tr><tr><td><ol start="7"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان ورد الطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>34</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان المطبخ العالمي</span></p></td></tr><tr><td><ol start="8"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العسل بالطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>35</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الذواقة الرياض</span></p></td></tr><tr><td><ol start="9"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الرمان بالطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>36</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الأكل السنغافوري</span></p></td></tr><tr><td><ol start="10"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العنب بالطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>37</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>سوق المزارعين بالدرعية</span></p></td></tr><tr><td><ol start="11"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الطعام العالمي بالطائف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>38</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان التمور بالمجمعة</span></p></td></tr><tr><td><ol start="12"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الفاكهة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>39</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان القهوة والشوكولاتة</span></p></td></tr><tr><td><ol start="13"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان فيست العالمي البحر الأحمر</span></p></td><td colspan="2"><br><p dir="rtl"><span>منطقة جازان</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة الجوف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>40</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الحريد</span></p></td></tr><tr><td><ol start="14"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان زيت الزيتون</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>41</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان القهوة</span></p></td></tr><tr><td><ol start="15"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان تمور الجوف</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>42</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العسل</span></p></td></tr><tr><td><ol start="16"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان السمن والعسل</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>43</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان المانجو</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة تبوك</span></p></td><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>المنطقة الشرقية</span></p></td></tr><tr><td><ol start="17"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الفواكه والورد</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>44</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الاحساء للتمور</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة نجران</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>45</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان صناعات التمور الاحساء</span></p></td></tr><tr><td><ol start="18"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الحمضيات والمحاصيل</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>46</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان النخيل والتمور الجبيل</span></p></td></tr><tr><td><ol start="19"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان منتجي العسل</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>47</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العصيدة</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة عسير</span></p></td><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة حائل</span></p></td></tr><tr><td><ol start="20"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>العسل في رجال المع</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>48</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العنب والتمور</span></p></td></tr><tr><td><ol start="21"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان سفري بيشة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>49</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان السياحة و المحاصيل الزراعية</span></p></td></tr><tr><td><ol start="22"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العنب في بلقرن</span></p></td><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة القصيم</span></p></td></tr><tr><td><ol start="23"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان القمح في بللسمر</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>50</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان تمور بريدة</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة المدينة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>51</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان تمور عنيزة</span></p></td></tr><tr><td><ol start="24"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان التذوق السعودي</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>52</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان رياض الخبراء للتمور</span></p></td></tr><tr><td colspan="2"><p dir="rtl"><span>منطقة الباحة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>53</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان البكيرية للتمور</span></p></td></tr><tr><td><ol start="25"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العسل</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>54</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الكليجة</span></p></td></tr><tr><td><ol start="26"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الموز والكادي</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>55</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان قوت للتمور المغلفة في القصيم</span></p></td></tr><tr><td><ol start="27"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان الرمان</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>56</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان العنب في القصيم</span></p></td></tr><tr><td colspan="2" rowspan="2"><br></td><td><p dir="rtl"><span>57</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>مهرجان السمن والسمين</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>58</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>معرض التمور والطعام في القصيم</span></p></td></tr></tbody></table></div>
المصدر : (Monshi & Scott, 2017) تم تعديله والاضافة عليه من قبل الباحثة.
وأخيراً فيما يتعلق بالهدايا التذكارية الغذائية فإنها تنحصر غالباً في منتجات التمور التي تعرض في السوق الحرة في المطارات السعودية، ويغيب العسل وزيت الزيتون عن منصات العرض في الأسواق الحرة، ولكن يبقى لدى السائح فرصة الحصول على منتجات متنوعة من الأسواق المحلية، غير أنه أحيانا يجد صعوبة في حفظ وتخزين المنتجات الغذائية التي يمكن السفر بها في حال رغب في ذلك، فعلى سبيل المثال يتفنن العاملون في قطاع سياحة الطعام في كثير من الوجهات السياحية المعروفة بابتكار طرق متنوعة لحفظ المنتجات بصورة يمكن السفر بها دون أن تتعارض مع أنظمة الطيران.
تنتمي الدراسة الراهنة إلى مجال الدراسات النوعية الاستكشافية، التي تنطلق من فهم الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتجربة سياحة الطعام، مستعينة بمنهج تحليل المحتوى أداةً لجمع البيانات التي ساعدت على التعرف على واقع سياحة الطعام في المملكة العربية السعودية، متخذة من النظرية المجذرة استراتيجية بحثية لبناء الإطار النظري من خلال البيانات التي حصلنا عليها وفقاً لتحليل محتوى صفحات ومواقع الإنترنت لعشرة فنادق عالمية، وموقع السياحة الرسمي وهيئة فن الطهي.
يتضح من تحليل محتوى البيانات الخاصة بالمواقع الرسمية التي خضعت لتحليل المحتوى أن هناك وعياً بسياحة الطعام كنمط ثقافي واقتصادي، وأن هناك فعاليات متنوعة كمهرجانات الطعام والمنتجات الغذائية المحلية بأنواعها، إلا أنه يمكن القول: إن عنصر الاتصال والترابط مفقود بين هذه المواقع والمنصات، فالتقويم الخاص بالفعاليات والمهرجانات المتخصصة في سياحة الطعام غير مدرج في الموقع الرسمي للسياحة كنشاط سياحي مستقل، في حين يغيب مفهوم سياحة الطعام المحلي عن الفنادق التي قامت الباحثة بفحصها ومعاينة مواقعها على الإنترنت، هذا بالإضافة إلى أن الاخباريين الذين استعانت بهم قد برروا ذلك بالسياسة الفندقية للفنادق العالمية، ولأسباب اقتصادية تختص بتوظيف طاهٍ أو طهاة متخصصين، في حين أنه اتضح من تصفح وتحليل محتوى سلسلة الفنادق العالمية المماثلة في وجهات سياحية أخرى أن هناك حضوراً بارزاً للطعام المحلي، فالصفحات الرسمية للفنادق العالمية في المملكة العربية السعودية تفتقر إلى الإشارة إلى تجربة الطعام المحلي أو إدراج الفعاليات ومهرجانات الطعام ضمن مواقعها على الإنترنت.
من ناحية أخرى اتضح من مراجعة بيانات الفعاليات والمهرجانات غياب عنصر مشاركة السياح بمعايشة التجربة، فأغلب مهرجانات الطعام تنطوي على البيع والشراء والتذوق، دون تفعيل عنصر هام يرتبط بسياحة الطعام، وهو اكتساب الخبرات، وهو أحد العناصر الأساسية التي أشرنا إليها في الجزء النظري، فالأنشطة المتصلة باكتساب خبرات محددة أصبحت هدفاً لأغلب السياح، خصوصاً الشباب (UNTWO, 2017). وهو الأمر الذي يمكن تفعيله من خلال دورات تعلم طهي وصفة محلية بعينها، نوعية البهارات المستخدمة، جني الثمار في المزارع.