يُعد السامري أحد أنواع فنون الأداء التقليدية العريقة في المملكة العربية السعودية، يركز الباحثان في هذا المشروع على دراسة السامري دراسة توثيقية تحليلية، باعتباره أحد أشكال التعبير الثقافي والاجتماعي، من خلال النظر له من عدة زوايا مختلفة: اجتماعية، وتاريخية، وفنية.
في هذه الدراسة البحثية نُظِر للكثير مما كُتب عن فن السامري من: مراجع، ودراسات، ومخطوطات؛ لمحاولة وضع خط زمني، وتقديم بناء نظري لفكرة نشوء السامري عبر التاريخ، والمناخات الاجتماعية والسياسية التي أسهمت في تشكله.
أجرى الباحثان مقابلات ميدانية، في مناطق مختلفة شملت: الرياض، الخرج، بريدة، عنيزة، الأحساء. واعتمدا خلالها على الكثير من الروايات الشفهية لرواد فن السامري ممن عايشوا كبار الشعراء وأشهر المؤدين. بالإضافة إلى إجراء عددٍ من المقابلات مع قادة الفرق الشعبية، والإيقاعيين، والشعراء، وبعض الفنانين التشكيلين الذين ألهمهم السامري وحاولوا تجسيده في أعمالهم. واستعان الباحثان بعدد من المفاهيم النظرية؛ لتقديم بعض التفسيرات، وخلصا إلى عدد من النتائج، والتحليلات الخاصة.
يعكس التراث التقليدي تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية التي ترتبط بجغرافية المكان، وتاريخه، وعقائده، وحياة أفراده في مختلف الأقاليم: الجغرافية، الصحراوية، والجبلية، والساحلية. ويعرَّف التراث على أنه كلمة شاملة لمجموعة من الممارسات تتضمن: المعتقدات، والتقاليد، والطقوس الدينية، والأدب الشعبي، والألعاب والفنون؛ حيث إنه لا يمكن دراسة وبحث أي فن دون فهم للسياقات المختلفة التي ترتبط به، بشكل مباشر، وغير مباشر. ولذلك يُنظر للفنون الأدائية التقليدية -والتي يعد الغناء والرقص أحد أهم عناصرها- على أنها نافذة يمكن من خلالها دراسة المجتمع بتقاطعاته التاريخية، والاجتماعية، والثقافية.
كما تعد الفنون الأدائية التقليدية حالة استثنائية ذات أقطاب متعددة: ثقافية-نفسية، وفردية-جمعية، لها طقوس وأغراض، وأنواع متميزة، تحمل مجموعة من الدلالات التي تعبر عن ارتباط الإنسان ببيئته، وأرضه، وممارساته في الحياة اليومية. حيث تتضمن في ألحانها، ونغماتها، وطريقة أدائها؛ المشاعرَ الإنسانية في لحظات كالفرح، والحزن، والشكر. والقيمَ الأخلاقية العليا مثل: الحميّة، والإيثار، والتكافل، والسعي، والإيمان بالقدر.
وتشترك الفنون الأدائية في وجود الغاية من ورائها، إما الفرح والابتهاج، أو العزاء والمواساة، أو الاحتفاء بالتمرحل الذي يعيشه الإنسان جزءاً من طقوس العبور، في مناسبات: الولادة، والبلوغ، والزواج، وأهازيج جني الحصاد، واستقبال المحاربين بعد المعارك، وغيرها. إلا أنّ العناصر المكونة للفن الأدائي تختلف من فن لآخر، لكنها بشكل عام تتضمن عناصر: الكلمة، الأداء الجسدي، الزي، اللحن المغنّى، أو المجرور الأقرب إلى النحيب والحداء، أو المرفوع الذي يقوم على النداء واستدعاء الجماعة للمشاركة.
وبالنظر إلى الرقص مكوناً رئيسياً في الأداء الفني؛ فإنه يعد من أهم وأقدم الأنشطة الفنية للإنسان، والتي ظهرت في مرحلة مبكرة من نشوء وتطور المجتمع الإنساني، حيث كان يقوم بمهام ذات معانٍ أوسع؛ مقارنة بالرقص المعاصر الذي يرتبط فقط بالترويح عن النفس. فالرقص فن احتفالي، يستطيع الإنسان من خلاله التعبير عن مشاعره تجاه واقعة ما، وهو يحدث على الأغلب في طقوس قد تكون تلقائية، لكونه يمتلئ بحالة كرنفالية غامرة من النشوة (يوسف، 2015). لذلك يُصنَّف الرقص ضمن المصادر التي يمكن أن تعطي دلالات مهمة إن عُولجت، ودرست، على ضوء طريقة محدثة، ومتناسبة مع خصوصية هذه المرحلة التاريخية من تطور المجتمع (كاظم، 1981 م). وتظهر فيه صورة المجتمع في أكثر أشكاله جمعيةً، مجسدة مشهداً يعكس تجلياً واضحاً للترابط، والتآزر الاجتماعي.
وبالتركيز على فن السامري بوصفه أحد أهم الفنون الأدائية في المملكة العربية السعودية، والمتصلة من عهود غابرة؛ والتي لا يمكن التنبؤ ببداياتها تحديداً، لكن يمكن ملاحظة عمق الجذور التاريخية لهذا الفن الأدائي الفريد.
اسم فن السامري مشتق من السمر والسامر؛ لأن هذا النوع في الغالب لا يؤدَّى إلا ليلاً؛ حيث يجتمع القوم للسمر، ويعد هذا النوع من أغنى أنواع الشعر بأنغامه وموضوعاته، حيث يجتمع السُّمَّار في الليالي في حلقات ليطرقوا أشهر موضوعاته المتنوعة بين: الغزل، والشكوى من الهجر، والجوى، والحنين إلى الأحباب (الكمالي، 1964م). ويشكل بذلك صورة للمجموعة في أوضح تضامنها المادي والرّوحي: وحدة الصوت، ووحدة الأداء، ووحدة المعنى، ووحدة الصف.
تسعى هذه الدراسة إلى البحث في تاريخ فن السامري عبر وضع فرضيات لبداياته، وبناء سردية تاريخية اجتماعية وفق منظور أنثروبولوجي يركز على السياق (الجغرافي، والنفسي، والاجتماعي) لأداء فن السامري. وينطلق من فكرة أن الأداء الفني يعبّر عن جوهر الأحداث، والقيم الاجتماعية، والأخلاقية بشكل مفصّل وواضح. لأن الفرد بالرقص يستطيع التماهي مع المجموعة بفعل الطاقة المنبعثة من حركة وإيماءات الجسم (كاظم، 1981م). وعند تفكيك العمل الأدائي لفن السامري نجده يتكون من ثلاثة مكونات رئيسة: الكلمة والصوت، الحركة والأداء، الزي واللباس. وتكتسب الكلمة أهميتها لا لكونها العصب الأساسي لفن السامري فحسب، بل لأنّ تاريخ العرب كان تاريخاً شفهياً في معظمه، كما أن الشعر يقترن بالغناء؛ لأن أوزان الشعر هي نتيجة تطور الغناء، حيث إن التطور الوزني للشعر نتيجة تطور الغناء (الكمالي، 1964م).
فتسعى الدراسة إلى بحث الفروقات بين أنواع السامري في كل منطقة داخل المملكة العربية السعودية، إذ إن طَرْق أهل الشمال يختلف عن طَرْق أهل الجنوب، وهناك عدة ألحان لها منها: الزبيري، والحوطي، والخماري، والحساوي، والنجدي، والكويتي، واللعبوني، والقروي، والبحري وغيرها.
والسامري، والهجيني تؤدى في عدة مناطق في المملكة مثل: الرياض، الشعيب، المحمل، سدير، الغاط، الزلفي، القصيم، حائل، الجوف، الوشم، عالية نجد، الخرج، حوطة بني تميم، الأفلاج، وادي الدواسر، وغيرها مع اختلاف التسمية، واختلاف الألحان أحياناً (الحمدان، 2005م).
كما تتناول الدراسة التحولات التي طرأت على هذا الفن عبر الزمن، مع استدعاء التأثير الديموغرافي؛ في محاولة للإجابة عن عدة أسئلة تتعلق بممارسة هذا الفن، والبناء الداخلي للنسق وهيكليته: كيف تتشكل المجموعات المؤدية لهذا الفن؟ وكيف توزع الأدوار، والمكانات، داخل المجموعة، وآلية انتظامها، وحركتها؟ باعتبار أن انتقال هذا الفن من جيل لآخر رافقه الحفاظ بدقة على أبسط جزئياته المرتبطة به (كاظم، 1981م). فلذلك نجده يختلف من منطقة لأخرى: كيف يرفع الشاعر عقيرته بالبيت كاملاً، أو بشطر منه، وهل يتناوله الصف المقابل والمقابل له؟ أم أنه يرفع عقيرته ليجاوبه من يجاوبه حتى يأتي بقصيدته؟ (الحمدان، 2005م).
ومما لا شك فيه أن أداء الفن يرتبط بطقوس حِرَفية للإعداد والتهيئة، تشمل: الأزياء، والأدوات، والممارسات، حيث إن للرقص أزياء وملابس خاصة، قد تتمثل في الأقنعة، أو حمل جسد حيوان محنط، أو تعليق بعض النماذج من مواد معينة على الجسد أو الوجه، أو حمل بعض الأجراس أو الطبول (رويس، 1989م).
لذا، تسعى الدراسة أيضاً في دأبها إلى التعرف على الطقوس الحِرفية المرتبطة بإعداد، والتهيئة لأداء فن السامري، من أزياء وأدوات وممارسات، لأن معرفة عناصر الهُوية الخارجية يسهم في تحليل شكل ومعنى هذا الفن، وأبعاده التي تنعكس على الفرد، والمجتمع، والثقافة، وقيمة التراث.
لأي مدى تمتد جذور فن السامري؟
ماهي الفروقات الجوهرية لأنواع السامري بين مناطق المملكة العربية السعودية؟
ما هي الفروقات في ممارسة السامري بين الرجال والنساء؟
ماهي نسقية البناء من الداخل، والأدوار، والمكانات داخل المجموعة المؤدية لهذا الفن؟ وكيف تنتقل من جيل لآخر؟
ماهي الطقوس الحِرَفية المرتبطة بهذا الفن؟
رصد التاريخ الاجتماعي المرتبط بفن السامري.
التعرف على العوامل المؤثرة على السامري جغرافياً، واقتصادياً، وثقافياً.
تحليل البناء النسقي للمجموعة المؤدية لفن السامري، وآلية انتقال، وتبادل الأدوار داخل المجموعة.
توثيق الحِرف والصناعات المرتبطة بفن السامري.
توثيق المفاهيم والمصطلحات المحلية المتعلقة بهذا الفن بالمسميات المحلية لها.
تصنف هذه الدراسة من الدراسات التوثيقية التحليلية، وتعتمد على الوصف والسرد، وذلك بالاستعانة بأساليب المنهج التاريخي، الذي يقوم على التتبع من خلال المصادر الأولية والثانوية، عبر الرجوع إلى المصادر، والاستناد النظري على ما كُتب من أطروحات عن موضوع الدراسة، أو ما يتصل بها، مع الالتزام الكامل بأخلاقيات البحث العلمي.
(1) تحليل الخطاب: مراجعة وتحليل الخطاب المكتوب، والمسموع، والمرئي المرتبط بفن السامري، من قصائد، وتسجيلات صوتية، ومرئية، موثقة، وتفكيك الخطاب الوارد فيها، وتحليلها في سياقها التاريخي، والاجتماعي، والنفسي.
(2) المشاهدات: المشاركة بالملاحظة مع مجموعة من المؤدين لفن السامري، وتدوين الملاحظات الوصفية المتعلقة بالهُويَّة، والمظهر الخارجي، والأداء الحركي، والطقوس.
(3) مقابلة المجموعات المركزة: إجراء عدد من المقابلات الموجهة مع عدد من المؤدين لفن السامري، والصنّاع الحرفيين؛ لتوثيق مراحل التهيئة، والأداء، والصنعة.
ابتكر الإنسان طرقاً عديدة يعبّر بها عن وجوده، فاستعان بالرسم، والكتابة، والغناء، والرقص وغيرها، ثم تحولت مع الزمن هذه الممارسات إلى طقوس فلكلورية للتذكير بالمجد، والتاريخ الحافل، بالبطولة، أو الحنين، وتُعد الفنون الشعبية وأهازيج الإنسان أحد أشكال التعبير وليدة الطبيعة الناشئة الملهمة: ماذا يقول؟ وكيف يغني؟ وطريقة الأداء الصوتي والجسدي. وقد لعبت الطقوسية دوراً بارزاً في بلورة الفنون الشعبية، حيث إنَّ المهن الزراعية، والبحرية، والحرف؛ شكَّلت ممارسات الفن الشعبي من باب التسلية والترفيه عن النفس من مشقة العمل والتعب، وتحفيز القوة الجسدية والنفسية؛ لمزيد من الأداء من خلال بث روح الحماس؛ مما جعل أصحابها يتعلقون بها تعلقاً وجودياً، يُنشئون أغانيهم الخاصة بها، وطريقة الأداء، وأشكالاً مختلفة من الطقوس والإيماءات. من جانب آخر ألهمت البيئة المحيطة؛ النهام وهو الشخص الذي يقوم بالغناء وترديد المواويل البحرية للترفيه وتحميس الغواصين، والمزارعين، والبنّائين، وغيرهم.. لخلق فنون أكثر خصوصية بهم؛ يتميز بعضها عن بعض، فكل مهنة أنتجت شعراءها، وفنانيها، وإيقاعاتها الصوتية، واللحنية.
يتطلب فهم فن السامري العودة للجذور؛ لمحاولة تصّور السياق الذي نشأ فيه، والمناخ الفكري، والإبداعي الذي أسهم في تغذيته، ووضع أسسه وقوالبه، كما إن إحدى أهم ركائز التعرف على أي فن هي طريقة تفاعل الناس معه، وتحليل ممارسته، وتأثير مضامينه، ووقعها على النفس؛ من خلال السردية الشفهية لروايات الممارسين والمتذوقين له، والقوة الساحرة لهذا الفن، وكيف مكنته من أن يتموضع، ويأخذ مكانته بين الفنون الأخرى -الفن التشكيلي مثالاً في هذه الدراسة-.
ومما لا شك فيه فقد لعبت الكثير من العوامل المباشرة، وغير المباشرة الظاهرة والكامنة في تشكيل فن السامري؛ مما جعله يحمل في جوهره ذاكرة اجتماعية، وسياسية، ووجدانية، ليصبح سمة ثقافية بارزة ظهرت من قلب نجد منطلقة إلى العالم تستعرض ذاتاً ثقافية بالغة في العمق، راسخةً في التاريخ. كما أسهمت الثقافة الشعبية المحلية بشكل كبير في تعزيز الطقوسية لهذا الفن بوصفها سيرورة طبيعية للميراث الثقافي التراكمي في المنطقة. لذا يجنح البعض إلى أن الفنون التقليدية بشكل عام هي ممارسات أنثروبولوجية كانت تُمارس لغايات آنية في وقتها، لتحقق أهدافاً محددة، إما طقوساً لاستجماع قوة الجماعة، واستحضار وحدتها المعنوية، أو طقوساً تقرّبية لجاه أو حصانة، أو لتناسي مشقة الأعمال اليومية، لكن مع مرور الزمن تبدلت الغاية، وبقيت الممارسة حاضرة، فأصبح فن السامري في الوقت الحالي جزءاً من الهوية والثقافة، مرتبطاً بها ارتباطاً كلياً وتاماً.
كما أسلفنا الذكر، فإن الصورة الحالية لأي فن أدائي، أو منتج ثقافي هي نتيجة لمجموعة من التراكمات الثقافية، والاجتماعية، وجراء أطوار عديدة من المؤثرات الداخلية والخارجية؛ لنصل في النهاية إلى نتيجة، أو حتى ممارسة قد تكون هي الأخرى عرضة للتغير في المستقبل القريب أو حتى البعيد.
وتحليل فن السامري يتطلب البحث والتقصي العميق في الثقافة المحلية، وجمع أكبر عدد من الشواهد والمراجع المكتوبة، والاستعانة بالذاكرة الشفهية والروايات، وتحكيم المتخصصين للمساعدة في تحليل عناصر السامري. ويعد الشعر النبطي (الشعر العامي) أحد أهم هذه المصادر؛ باعتباره سجلاً اجتماعياً وثقافياً، وقاعدة أساسية لفن السامري، لأن الشعر هو اللسان الناطق بأحوال الأمة، والناقل لها، والموثق لتاريخها وأبرز أحداثها. كان الشعر حاضراً مزدهراً في عصور مختلفة، وكان الشاعر يلعب دوراً فعالاً في المجتمع؛ سيداً في قومه يذود عنهم، ينثر أمامهم الآمال والأماني، ينطق بالحكمة، ويسدي إليهم المواعظ والنصائح، لذلك فعلاقة إنسان الجزيرة العربية بالشعر غائرة في القدم، ووثيقة مقارنة بغيره من الفنون الأخرى.
الشاعر تصنعه بيئته، يتطبع بطبعها، ويتلقى منها ثم يعطيها، في محاولة مستمرة منه للتعبير عن التحديات والمشاعر والصعوبات التي تواجهه خلال حياته اليومية البسيطة أو المحورية، أو في محاولات من بعض الشعراء للتجديد بطريقة أو بأخرى وتقديم ما هو مختلف، بل إن تَرحال الشاعر، واستقراره في بيئة أخرى مختلفة يؤثر في مساره الإبداعي، وإنتاجه الشعري.
يعد الشعر النبطي أساس فن السامري، وشكلاً من أشكال التعبير، وسجلاً اجتماعياً تاريخياً، ومما هو معروف أن العلاقة بين النبطي والفصيح موضوع شغل اللغويين؛ حيث لم يستطع المؤرخون تحديد الزمن الذي تبدلت فيه العربية إلى العامية في الجزيرة العربية، ذلك أن أقدم ما وصل إلينا من الشعر النبطي أو العامي في نجد هو أشعار بني هلال، وهذا ما أورده ابن خلدون في مقدمته؛ والغريب أن هذه الأشعار لا تختلف عما هي عليه الآن من أشعار أهل نجد.
وإن كانت أشعار بني هلال الواردة لا تخلو من التحريف، والزيادة، والنقص؛ بسبب تناقلها بين الرواة الذين ليسوا في الأصل من البادية أو حتى من أهل نجد؛ ومع ذلك فإن لهم قصصًا قصيرة تناقلها الناس في نجد وضفاف الخليج العربي، حيث يقيم أبناء عمهم بنو عقيل؛ ومن ذلك ما يروونه لعليا حبيبة أبي زيد الهلالي من قصيدة أُرسلت له من نجد، وأولها:
يا ركب يا اللي من عقيل تقللــــــــــــوا
على ضمور شورى الحنايـــــــا تحايـــل
قولوا لابا زيد ترى الوادي امتـــــــــــــــلأ
وكل شعيب من مغانيـــــــــه سايــــــــــل
وقولوا لابا زيد إن بغانــــــــــــي بغيتـــــــه
وإن دور البدلا لقينـــــــــــــــا البدايـــــــــــل
والله لولا البحر بينــــــــــــــي وبينـــــــــــــــــه
جيته على وضحى من الهجن حايــل
أبا زيد تنساني وتنســـــى جمايلـــــــــــــــــي
وتنسى جميلي يا نكــــــــــــــور الجمايــــــل
يبيعون ما باعـــــوا ويشـــرون ما شــــروا
ولا غبن إلا بالنضــــــــــــــــــــــــــا والحلايـــــــل
هذا الشعر قيل في القرن السابع الهجري، وهو لا يختلف عن الشعر العامي في نجد. يسمي أهل نجد هذا النوع من الشعر بالنبطي، وهذا دليل واضح على أنه أتاهم من العراق ومشارف الشام، فهم يدعونه بالنبطي، أو شعر النبط، وكانوا يطلقون اسم الأنباط على فلاحي سواد العراق، وبدو وفلاحي مشارف الشام. يقول ابن خميس عن تاريخ الشعر العامي، أو النبطي: (تشير المراجع التي بين أيدينا إلى أن أقدم ما عرف من تاريخ النبط يعود إلى أوائل القرن الرابع قبل الميلاد) (ابن خميس، 1982م). يعلّل طلال السعيد في كتابه:)الشعر النبطي) انتشار الشعر النبطي بين القبائل بوداي الجزيرة العربية من اليمن حتى العراق، وفي قبائل بوداي الشام، وسيناء، والسودان، والمغرب، بسبب هجرة بني هلال الطويلة إلى المغرب، ومرورها واحتكاكها بالقبائل والبوادي التي تقع بالقرب من تلك المنطقة، وحتى استقرار بعض بني هلال في تلك الأمصار والبوادي (السعيد، 1981م).
لحق التحول والتبدل في اللغة العربية في العراق والشام قبل الجزيرة العربية، لأنها أولاً أعجمية الأصل؛ وثانياً لسرعة اندماج الفاتحين العرب بالسكان؛ فدخلت الأعجمية على الألسن. وعن مساكن الأنباط يقول ابن خميس مستنتجاً: (وفوق أن هذه الأدلة تعطينا دليلاً على قدم هذا الجيل، فهي أيضاً ترشدنا إلى أن سكناهم لا ينحصر في العراق، بل في الشام وعمان والبحرين وغيرها) (ابن خميس، 1982م).
في الجانب الآخر يرى الدكتور سعد الصويان أن تسمية الشعر النبطي بهذا الاسم ليس له علاقة بالأنباط، وأن كلمة نبطي تعني أن لغته عامية وليست فصيحة، وأن علماء العربية توسعوا فيما بعد بإطلاق هذا المصطلح على أي لهجة عربية لا تخضع لقواعد اللغة العربية الفصيحة (بن لعبون، 1997م).
بعد هذا العرض لعلاقة الشعر النبطي بفن السامري، نخلص إلى استنتاج أنّ الشعر غذَّى السامري حتى تشكلت ملامحه ونضجت، ثم لعب الثاني -أي السامري- على أوزان الشعر؛ فبدّل، وعدّل، وأثّر بشكل مباشر على الحركة الشعرية وأثراها.
يُعرف السامري بأنه رقصة من الرقصات الشعبية المعروفة لدى سكان إقليم نجد، والتي كانوا يمارسونها قديماً، وما تزال موجودة حتى الآن بذات الاسم "السامري"، وهي رقصة تؤدى جماعياً، بحيث يقف صفان متقابلان من الرجال، يبدأ أحد هذين الصفين بقول بيت من الشعر برفع صوته لدرجة معينة، لينقله أو يردده الصف الآخر بالدرجة، والمستوى نفسه من نبرة الصوت والإيقاع واللحن، وهكذا حتى نهاية آخر بيت من كل قصيدة يغنونها. والسامري رقصة سلمية، الغرض منها تسلية الناس وترفيههم، وهي أبسط وأسهل من "العرضة"؛ لكون الأخيرة تتطلب تجهيزات واستعدادات كبيرة لأدائها (الرشيدي، 2015 م).
بعد التقصي عن أصل ودلالة معنى مفردة "السامري" نلمح الاتفاق الصريح بين الباحثين أن كل الدلالات تشير إلى أن أصل كلمة السامري مشتقة من السمر، والذي يعني السهر تحت ضوء القمر، وتبادل الأحاديث المؤنسة للنفس، والترويح عنها، وعليه فإن فن السامري مشتق من السمر، خصوصاً أن هذا الفن يؤدَّى في وقت مضى وسط الصحراء ليلاً وعلى ضوء القمر.
ويُقال في اللهجة المحلية: "تعال نسمر"، أي هلم لنضرب الطار ونؤدي فن السامري، و"فلان سامر": أي أنه يؤدي، أو سيؤدي فن السامري هذا المساء. ويذكر الباحث الدكتور يعقوب الغنيم في كتاب (الأغاني في التراث الشعبي الكويتي) بأن السامري غناء جماعي ويشير إلى أنه سمي بذلك نسبة إلى سمر مجموعة من الناس. يكمل الباحث معرفًا السامري بأنه يتكون من قافيتين إحداهما للشطر الأول والثانية للشطر الثاني من أبيات القصيدة المغناة. وقد خرج بعض المغنين عن هذا الأداء، فأصبح يغني والمجموعة ترد عليه بمطلع الأبيات (الغنيم،2000م).
وبحسب الروايات الشفهية يُستعان بالسامري أحياناً لإنقاذ الأرواح، خصوصاً أنه قديماً كان يتعرض الكثير لقرصات القوارض، والحشرات السامة، وكانوا بعد أن يقوموا بمداواة المقروص يضربون الدفوف مجتمعين حول رأسه لغناء السامري حتى لا يفقد الوعي، ويتمكن منه السم.
وكما هو معلوم فقد كانت الخرافة والأساطير جزءاً من الثقافة الشعبية، والتي قد تكون من غير وعي، وإدراك واضح، وإنما هي نتيجة للميراث الثقافي المتراكم في هذه المنطقة. يجنح البعض إلى أن الفنون ممارسات أنثروبولوجية تعد وسيلة من وسائل التواصل والتقرب للإله (إله النعمة، إله الصيد، وإله الزراعة). لكن سياق الأساطير والخرافات لم يكن هو الوحيد المسيطر على الفنون؛ فقد أصبحت الفنون في الوقت الحالي جزءاً من الهوية والثقافة، ومرتبطة بها ارتباطاً كلياً وتاماً.
ومما يجب الإشارة إليه توارث الأجيال قصائد السامريات وألحانها عبر الزمن، ونتيجة لهذا التناقل الشفهي قد تنسب قصيدة ما إلى غير شاعرها الحقيقي الذي فُقد خلال التواتر؛ ومع ذلك اعتمد أغلب المؤدين على ذاكرتهم في استحضار القصائد والألحان التي ساعدت بدورها في قدرة المؤدي على بناء بدائل للكلمات المنقوصة من الشعر العامي المحفوظ بنفس النسق، وأيضًا تمكنه من كتابة شعر مناسب للسامري بنفسه. يبحث الملقن في العادة عن قصائد مناسبة للأداء من مختلف المصادر؛ أحدها الشاعر نفسه، أو عن طريق سامعٍ لها من مؤدٍ أو ملقن آخر، وهذا أحد الأسباب التي تجعل من قصيدة ما تغنى في عنيزة؛ تردد في الكويت، أو الأحساء.
بدأت التجربة الغنائية مع الإنسان في شبه الجزيرة العربية من الحداء الذي يقوم به عادة الرعاة، ثم تعددت أنواعه وتفرعت إلى النصب، فالركباني، فالسناء، فالهزج. ونتيجة لتطور تلك الترنمات بألحان أكثر دقة وعذوبة ظهرت لتلك الفنون أسماء جديدة، منها فن السامري. (باغفار، 1994م).
وبالتأمل، فمن الصعب الفصل بين عملية الغناء وسلوك الرقص؛ ذلك لأن الأول شرط أساسي للثاني، إلا أنه -عملياً واستقرائياً- تجبرنا الدراسة على النظر إلى كل منهما بشكل مستقل تماماً؛ لما لكل واحد منهما من خصائص، فالغناء يعتمد على الصوت والكلمة، ومع تطور التجربة البشرية مع الصوت دخلت الآلة، فعرف الإنسان البدوي الناي، ثم تطورت تجربته لتكون أكثر تعقيداً، فركّب الربابة وصنع آلة وترية، ثم بعد ذلك الآلات الأخرى، وبدأ يعبّر بالغناء عما يختلج في صدره وما يمر في ذهنه، لاسيما وأن البدوي شاعر في أصله ومتمكن من ترجمة وجدانياته.
أما الرقص فيعتمد بشكل كبير على حركات الجسد: الميل والانحناء، الخطوات والقفز، الاهتزاز، والارتعاش المفتعل ردةَ فعل لتأثير الصوت، ويقترن بعض الأداء الراقص باللياقة العالية؛ ليتمكن الجسد من مجاراة الرغبة، وأحياناً بعض السمات الجسدية -خصوصاً للمرأة- مثل الطول، والرشاقة، والشعر الطويل.
وليس الأمر مجرد رقصات عبثية لا معنى لها، بل هو فن تمارس فيه الجماعة جوانب من حياتها الفكرية والثقافية في شكل عروض موسيقية راقصة، وأمسيات شعرية، وفي عروضها الترفيهية تمثيل لعاداتها، وتقاليدها الفنية والثقافية، التي تشد أواصر الأخوة والمحبة، وتوثق عُرى التآزر والتفاهم في تشكّل جماعي مشترك (بوشيبه، 2014م).
ويعد الرقص على وجه الخصوص ظاهرة ثقافية مركبة تتفاعل في تركيبها العناصر المختلفة من مكونات البناء الاجتماعي، بما يشمله من: بيئة إيكولوجية، وعادات، وتقاليد، ومعتقدات، وأنساق احتفالية، وإيقاعات، وأغانٍ، وملابس.. إلخ. والتي تؤثر كلها بالضرورة في صياغة أشكال ومضامين الرقصات الشعبية لهذه الجماعة (جابر، 2002م).
ويتضمن أداء فن السامري مضامين مادية، تتمثل في الزي والأدوات، ومضامين غير مادية، كالأغنية التي تتكون من القصيدة واللحن والحركة، والمتأمل في الأداء الحركي يلمح بوضوح الانسيابية المتدفقة للصفوف، حيث تبدأ الجماعة بالتراص في صفوف متقابلة بعد نداء قائد الفرقة بأبيات من الشعر، ثم يبدأ بما يسمى بـ "الونين" -مأخوذ من الونّة-، وهو بمثابة الافتتاحية لبدء العرض الأدائي، وحسب رواية سالم البوفلاسه الشفهية (مؤد وإيقاعي في فن السامري) فإن النزعة هي الصدح بغناء الشطر الأول لبدء العرض الأدائي "السامري". وتحدد النزعة جودة السامري، وكلما كانت جودة النزعة أعلى كان الأداء أفضل لذلك يجب أن يكون الونين والنزعة متجانسين. قبل التعديلات التي أضافها الحقباني للسامري كان الونين منفصلاً عن لحن السامري، فمن الممكن أن يكون الونين على لحن، والسامري على لحن ثانٍ. وبحسب رواية البوفلاسه الشفهية أن للسامري نوتة موسيقية لها بداية، ولها نهاية، وفيها مراحل يكون الأداء في أعلى مستوياته. والسامري سلمٌ تطلعه طلوعاً، فإن كان هناك ضعف في الأداء، أو الونين، أو حتى "النزعة"؛ فذلك مما يؤثر على أداء السامري بشكل عام، والعكس صحيح. ولكل عضو من الفرقة تأثيره في الأداء، والموقع، وبما أن السامري فنٌ جماعي؛ فمن المهم ظهوره وتأثيره على الأداء العام، والشكل النهائي للسامري.
أثناء الونين، يكون كل عضو بالفرقة على معرفة بموقعه في الصف، هنا يبدأ الإيقاعيون بضبط الايقاع بحسب مؤدي الونين، ويبدأ الصف الأول بترديد مطلع البيت الأول، وهو ما يوصف في اللهجة المحلية بقولهم: "يشيل"، ثم يناوله للصف الثاني بعد أن ينتهي منه ويسمى "مرد"؛ لأنه يرد بالإجابة على الصف الأول، ثم يبدأ الأداء بالتزامن مع حركة الجسد. وهنا -عند حركة الجسد- يختلف الأداء بحسب نوع السامري، في حال كان سامري عرضة، أو سامري عنيزة، أو سامري الدواسر، أو غيره، صف مؤدين وقوف أو جلوس. إلا أنه بشكل عام لا تخلو حركة الأداء الجسدي لهذا الفن من التمايل الجذعي لاتجاهات مختلفة، والانحناء حد الجثو على الركب، وهي حركات متزامنة تماماً مع سرعة الإيقاع.
وضع (الواصل، 2014م) نظريته في نشوء فن السامري، وقد أعاد جذورها إلى نواتين، النواة الأولى: الكلمة، حيث استعان بالنص الشعري لفن السامري لتتبع جذوره التي انتهت به إلى القرن التاسع الهجري تقريباً، والحديث تحديداً عن نصوص قطن بن قطن العماني الهلالي، ثم ظهور رميزان بن غشام وجبر بن سيّار (الواصل، 2014م). ويعد قطن بن قطن الهلالي من فرع الجبريين الذين حكموا في شمال عمان، والذي ربما يكون له صلة بالأمير الذي مدحه العليمي. أما العليمي فهو من الشخصيات التاريخية التي ورد اسمها، وشعرها في المخطوطات، لكن لم يُعرف ما إذا كان (العليمي) اسمه أم لقبه، لكن من المؤكد أن أصوله تعود إلى نجد وتحديداً منطقة العارض، حيث يقول في شعره:
من العـــــــــــــــارض إلى وادي عمــــــــــــان
على هجـــــــــن مواطـــــــــــيهن حفيــــــــنا
إلى قطـــن ما عـــــــاد الجــــــود قطـــــــــن
حجـــــــا للجــــار وليـــــــــــف الممحليــــــنا (الصويان، 1421هـ)
واحتوت الكثير من أبياته على إشارات مؤكدة لانتمائه لنجد، حيث يقول:
يا طــــــول خطوتك من نجـــــد إلى ملحِ
ومن دونك الأرض قفر صحصح خالي
أنا بـــــــوادي عمــــــــــــان عنـــــــــك مـــــــنتزح
وأنت بـــــــوادي حنيفة عـــــال الأوشـــــــالِ (المرجع السابق، 1421هـ)
تلا ذلك ظهور شخصيتين في القرن الحادي عشر الهجري تقريباً، هما: رميزان بن غشام، وجبر بن سيّار. رميزان وخاله جبر شاعران متعاصران، فإضافة إلى علاقة الرحم فإنه يربط بينهما إعجاب متبادل، وصداقة قوية جداً، يعززها تقاربهما في السن، واشتراكهما في المزاج الشخصي، وفي طريقة التفكير، وتعد الرسائل المتبادلة بينهما من أقدم النماذج الإخوانية في الشعر النبطي (المرجع السابق، 1421هـ).
ثم بعد ذلك ظهر الشاعر الأكثر حداثة، وهو الشاعر محسن الهزاني الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري ليأتي بعده الشاعر محمد بن لعبون في القرن الثالث عشر الهجري، وهما الاسمان الأكثر شهرة وارتباطاً بفن السامري
لا توجد رواية تجزم بالممارسات الأولى للسامري في نجد، أو غيرها. ومع ذلك تتكرر فكرة تأسيس ونشأة فن السامري على يد محسن الهزاني (1160-1248هـ) كونه أدخل الأوزان المسماة (ذات القافيتين) في فن السامري، وذلك في بداية القرن الثاني عشر الهجري تقريباً، على أن الكثير من المؤدين لفن السامري لا يتفقون مع فكرة تأسيسه لهذا الفن؛ كونه مجرد شاعر كتب العديد من قصائد السامري التي لا زال بعضها يغنى حتى الآن، مثل: "ليلة يجينا السيل يا زيد".
يذكر ناصر المجماج - وهو باحث مهتم بالموروث غير المادي- أن الكل يشير إلى الهزاني كونه صاحب السبق، وأول من وحد قافية الصدر، لكنه لا يرجح هذه الرواية خصوصاً أن أكثر النصوص قبل القرن العاشر الهجري كانت لقصائد هلالية مهملة المصدر. كما يرى أن هناك نصوصاً سبقت الهزاني في شعر المسحوب الذي يحوي قافية الصدر، ويذكر على سبيل المثال لا الحصر قصيدة بداح العنقري الذي عاش خلال القرن العاشر الهجري (ابن يحيى،1387هـ) وعليه يرجح أنه لربما كان هناك خلط في فكرة أول من كتب على هذا الوزن والقافية خصوصاً أن أكثر الشعر المروي قبل بداح كان هلالياً، يركز في غالبه على رواية الأحداث، والنقد الاجتماعي. علماً أن حميدان الشويعر كان أحد أهم شعراء الشعر الهلالي في القرن الثاني عشر الهجري.
قصيدة بداح العنقري:
الله لحـــــد يا ما غزينا وجينـــــــــــــــا ويا ما ركبنا حاميات المشاويـح
ويُضيف أن الشعر الفصيح إذا روي بلسان عامي فاسد يعتبر شعراً هلالياً، ويذكر بيتاً تختلف فيه الروايات إلى من ينسب:
إني بُلِيتُ بِأَرْبعٍ مَا سُلِّطُـــــــــــــــــــــوا إِلاَّ لأَجْلِ شَقَاوَتي وَعَنَائـــــــــــــــِي
إِبْلِيْس والدُنْيَا ونَفْسِــــــي وَالهَوَى كيفَ الخَـــلاصُ وكُلُّهُم أَعْدَائِي
ويذكر على سبيل المجاراة بيتاً ينسب للشاعر الغيهبان المري:
أنا بليت بخبرةٍ لم يخلقـــــــــــــــــــوا إلاّ لسبب شقاوتي وَعَنَائــــــــــــــِي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى وين النجاة وكلهــــم اعدائــــــــــــي
كما يرى أن أشهر ألحان الشعر العامي هو المسحوب، الذي يختلف عن الشعر الهلالي الدارج وقتها؛ بأنه منقوص بحرف واحد. يكتب المسحوب على وزن (مستفعلن مستفعلن فاعلاتن) مثال من شعر المسحوب شطر بيت من قصيدة منسوبة للشاعر دخيل الله الدجيما " يا جر قلبي جر لدن الغصوني"، حيث لو زدنا حرفاً واحداً آخر شطر المسحوب صار هلالياً قصيراً مثال شطر بيت من قصيدة منسوبة لأبي زيد الهلالي: "أبا العلا قدلي مع الدرب ناقتي".
كما يعتقد -المجماج- حسب روايته الشفهية بعدم وجود طروق، أو بحور معينة لفن السامري، وإنما هي مجرد ألحان، هذا ما يسمح للمؤدي غناء أي نوع من الشعر (المسحوب، المعكوس، والهجيني). من ناحية أخرى ساعدت سهولة بناء أو كتابة شعر المسحوب الشعراء على إنتاج ألحان جديدة. مثال على ذلك قصيدة "يا راعي الأوضح مع الزمل الأول" المنسوبة للشاعر محمد عبدالله العوني. حيث إن القصيدة كتبت على شعر المسحوب، وكانت مكتوبة في الأصل بطريقة بسيطة:
يا راعي الأوضاح مع الزمل الأول أجنب القمرا مع الفي يا بـــــاري
هذه القصيدة عدلت بطريقة ما؛ لتتناسب أكثر مع لحن السامري لتصبح بعد تعديلها بهذا الشكل:
مع الزمل الأول مع الزمل الأول يا راعي الأوضاح مع الزمل الأول
مع الفي يا باري مع الفي يا باري أجنب القمـــــــرا مع الفي يا بـــاري
يكمل المجماج روايته الشفهية ذاكراً أن تجديد الشاعر الواعي أحد أهم عناصر الشعر العامي، وهذا ما يظهر جلياً في نموذج الشعر الهلالي والمسحوب. إذ استوعب الشعراء أن نقص الحرف في شطر الشعر الهلالي يجعل منه شعراً على وزن آخر جديد، يستطيعون كتابة وزن له. لذا فإن الإشارة إلى محسن كمؤسس لفن السامري قد تكون بسبب شهرة الهزاني الذي تغنى السامري بالعديد من قصائده.
إن مسألة تأسيس فن السامري تستوجب وجود أدلة أكثر وضوحاً تتعلق بعناصر السامري (الأداء، الكلمة والشعر، الزي) ولشح المصادر وندرة المعلومات يصعب بناء افتراض واحد فقط حول تأسيس هذا الفن وشكله الأول في بداياته. كما لا نستطيع الجزم بأن أول ممارسة لفن السامري كانت لابن لعبون في نجد لعدم وجود أدلة قطعية، وشهادات مكتوبة تفيد بذلك، ومع ذلك لا نستطيع التقليل من دور معرفة وإلمام ابن لعبون لشعر الهزاني، نظراً لأنه كان مطلعاً دارساً للأدب العربي، ملماً بما يتناقله الناس من شعرٍ عامي.
ما صنعه ابن لعبون في الزبير التي استقر بها نحو ٢٠ عامًا (1222 – 1242هـ) يعد عملاً فريداً لأنه لم يستوعب فن الهزاني وشعره فقط، لكنه استحداث أوزاناً وألحاناً مختلفة لا تشبه تلك التي أتى بها محسن من قبله. وهذه السردية وإن كانت تفتقد للكثير من الدلائل؛ إلاّ أنها تشير بطريقة ما إلى أن فن السامري قد مورس أول مرة في نجد وانتقل بعدها إلى الزبير عن طريق من هاجر من سكان نجد في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري، ويؤكد المجماج في روايته الشفهية أن أقدم وأشهر النصوص لشعر المسحوب كان مصدرها نجداً، وأن أغلب ألحان المسحوب كانت هي الأخرى نجدية؛ معللاً ذلك بأن المكون الرئيس لفن السامري هو بحر المسحوب.
"بالتأكيد هناك الكثير من شعر ابن لعبون لم يصلنا أصلاً وخاصة شعره الذي نظمه في الزبير، فمعظم شعره الذي بين أيدينا قاله بعد خروجه منها، وحتى الشعر الذي قاله خارج الزبير لم يصلنا منه إلا القليل. وكدليل على ما ذكرت أقول بأن 23 قصيدة من أصل 78 قصيدة نسخها الشيخ محمد بن حمد بودي ما زالت مفقودة" (بن لعبون، 1997م).
"تغطي منطقة نجد مساحة شاسعة من قلب شبه الجزيرة العربية؛ إذ يُحدها من الشمال صحراء النفود، ومن الجنوب الربع الخالي، ومن الشرق الدهناء والأحساء، ومن الغرب الحجاز. وقد ضمت عدداً من المدن والقرى الكائنة على مشارف الأودية والواحات الزراعية، أما سكانها فينقسمون إلى بادية وحاضرة، وكان اعتمادهم في معيشتهم في ذلك الوقت على الرعي، والزراعة والتجارة، والتي كانت تعد أحد عوامل استقرارهم أو هجرتهم" (عبد الغني، 2014م) (العثيمين، 2005م).
يتطرق ابن خلدون في مقدمة كتابه (العِبرَ وديوان المبتدأ والخبر) إلى نظرية البدو والحضر معرفاً البدو بأنهم المقتصرون على الضروري في أحوالهم بينما يعرف الحضر على أنهم المعتنون بحاجات الترف والكمال في أحوالهم وعوائدهم. ويختلف الباحث سعد الصويان مع هذا التعريف لأنه تعريف لا يصف حقيقة مجتمع الجزيرة العربية وتركيبته السكانية، وإنما هي صورة فيها من العمومية الشيء الكثير دون توصيف حقيقي يحدد شكل المجتمع وتكوينه. يشير الصويان إلى أن أكثر الدراسات الأنثروبولوجية في العصور الحديثة تتبنى المفهوم العربي للبداوة والمشابه للنموذج الخلدوني، والذي يشير إلى البداوة بأنهم رعاة الإبل الذين يرتحلون في الصحراء بحثاً عن المراعي لقطعانهم (الصويان، 2010م).
يعرف الصويان النموذج المحلي لعرب الجزيرة العربية أنه يقسم نفسه حسب اصطلاحهم والعرف الدارج إلى: بدو، وهم رعاة الإبل الذين يعيشون حياة الحل والترحال، وحضر: وهم الفلاحون المستقرون في قراهم الزراعية، ممن يسكنون بيوت الطين، ومن يستعملون الفلح من الغراسة والزراعة. يمثل الأدب والشعر في حياة كل من البدوي والحضري نمطاً يعكس شعور الانسان في الجزيرة العربية، يحددان رؤيته، وتتذبذب بينهما مشاعره وأفكاره. ويمكننا القول هنا إن الفنون الأدائية في شكلها البدائي المجرد من الآلة والأداء لم تكن إلا مجرد شعر يؤدي نفس المهام السابق ذكرها (الصويان، 2010م).
ومن العرف الدارج عند البدو استنكارهم العمل في الحرف اليدوية، ويصفون من يعمل بها أنه من طبقة الصناّع الذين لا يرتبطون معهم نسباً، أو مصاهرةً وزواجاً. وهذا ما يدل على أن شكل القبيلة وكيانها في حالة البدو لم يتغير لفترات، أو حتى ممارسة أشكال مختلفة من المهن تسمح له بالتطور كما هي الحالة في المدن وسكانها من الحضر. يذكر الصويان في كتابه (الصحراء العربية) أن البدو والحضر يجتمعون في عمليات مقايضة، وتبادل (للمصالح والسلع والخدمات). في فصل القيظ "وقت المقاطين" تقطن القبيلة بالقرب من إحدى القرى، أو المدن التي ترتبط بها بعلاقة حلف ونسب. يقوم التبادل التجاري، والمقايضة بين البدو الحضر في السوق، فيقوم البدوي بجلب: الماشية، والصوف، والإقط، والسمن. بينما يبيع الحضري: القمح، والتمر، والشاي، والتبغ، والقماش، وغيرها من المنتجات والمصنوعات، التي لا تتوافر في الصحراء (الصويان، 2010م).
"سكان إقليم (نجد) قديماً -كغيرهم من أقاليم شبه الجزيرة العربية- ينقسمون إلى قسمين رئيسين هما: (البادية) و(الحاضرة). وهؤلاء – جميعهم بادية وحاضرة كما هو معروف – هم عبارة عن مجموعة من القبائل العربية عاش أفرادها أباً عن جد في هذه النقطة منذ آلاف السنين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض القبائل النجدية هاجرت إلى نجد من مواطنها الأصلية في أنحاء أخرى من شبه الجزيرة العربية لتستوطنها في سياق الهجرات القبلية التي شهدتها المنطقة خلال القرون السابقة لأسباب عديدة قد تكون نتيجة الحروب بين القبائل، أو الجفاف، وقسوة الظروف المناخية، أو انتشار الأوبئة ونحوه. و(البادية) هم البدو الرحل من هذه القبائل التي تحل وترحل بمواشيها وأنعامها حيث الماء والكلأ في أنحاء متفرقة من نجد. أما (الحاضرة) فهم على العكس من ذلك، إذ إنهم السكان المتحضرون المستقرون في القرى والمساكن الثابتة في حواضر الإقليم، أو على ضفاف بعض الأودية التي استوطنوها، وأقاموا عليها الزراعة، أو فلاحة الأرض بصفتها المصدر الرئيس لمعيشتهم واستقرارهم" (الرشيدي، 2015م).
يذكر عبدالله بن خالد الحاتم في كتابه (خيار ما يلتقط من الشعر النبط) أن الشعر العامي منبعه من البادية، ثم تسرب إلى المدن والقرى بسبب تحضر الكثير من البوادي (الحاتم، 1968م). وقد نختلف مع قول الحاتم حيث يكفينا أن نعرف أن أصل الشعر النبطي يعود لبني هلال، ومن ثم انتقاله إلى من بعدهم، لأن حالة الحضر والبدو كانت حالة غير مستقرة تعتمد اعتماداً كلياً على الأمطار، ولقمة العيش المتوفرة. وقد تجدون أنني لم أستخدم عبارة الحاتم المدن والقرى، وإنما استخدمت مصطلح البدو والحضر؛ لأنه أدق في وصف الحالة كما ذكرها سعد الصويان في كتابه (الصحراء العربية) (الصويان، 2010م).
هذه الرفاهية التي اتسم بها مجتمع الحاضرة جعلت الفنون الأدائية أداةً من أدوات التعبير، وعنصراً متطوراً متفرعاً من الشعر، يأتي مدموجاً مع الآلة؛ صانعاً لحناً مميزاً ذا طابع مختلف. وبما أننا فرقنا سابقاً بين الحضر والبدو اعتماداً على: الوظيفة الممارسة، وأسلوب العيش، نستطيع البناء عليها في تمييز الفنون الأدائية للبدو والحضر بما هو متوافر. إن بيان الحالة الاقتصادية السابقة، واعتماد مجتمعي الحضر والبدو، يوضح انعكاسات التحضر والتمدن، والبداوة، وظروف الحياة والمعيشة، وانعكاسها على عملية تطور فنون الأداء، وطريقة ممارستها.
إن نشأة الفنون الأدائية وتطورها؛ لهو نتيجة لأسلوب العيش المتبع، والإمكانات المتاحة. لأن مجتمع الحضر المستقر في المدينة بممارساته الاقتصادية المتعددة مجتمع مفتوح، ويستطيع بقدراته الزراعية تحقيق التبادل التجاري مع البدو عن طريق المقايضة في الغالب، ومع المراكز الاقتصادية المختلفة في المنطقة مثل: البصرة، والكويت، والزبير من جهة أخرى. هذا التبادل التجاري سمح هو الآخر بانتقال الكثير من الحرف والبضائع، ما أسهم بانتقال بعض الممارسات منها لهجات أعجمية أثرت بطريقة أو بأخرى على تغير اللغة العربية إلى لهجة محلية يستطيع الجميع استخدامها للتواصل. ولما كان المجتمع الحضري يعيش حالة أكبر من الاستقرار والرخاء فقد خلق فنوناً موازية، ومواكبة للتطور المعيشي. بينما عاش المجتمع البدوي في حالة من الثبات؛ نظراً لوضعه السياسي الذي يحتم عليه الانكفاء على ذاته، واستخدام موارده الاقتصادية المحدودة التي انعكست بشكل واضح على فنونه الموازية.
مما تقدم نستطيع أن نبني أن المجتمعين - (بدوهم وحضرهم) - في نجد يمارسون فنوناً مختلفة، مرتبطة بواقعهم وحياتهم. ومع أن وصف (حضر) وصف قاصر على الوضع الراهن وغير مكتمل لأولئك الذين يسكنون المدن والقرى ويعملون بالزراعة والتجارة لأنه لا يعكس السردية الكاملة لتاريخ هذه الجماعة وأنّ أغلبهم بالأصل يعودون في أصولهم للقبيلة.
نستطيع أن نفهم أن الحضر يمارسون أغلب فنونهم بشكل جماعي غير فرداني، وأن الفنون بالمجمل لا ترتبط لديهم بسلطة سياسية؛ حيث يستطيع أي شخص بغض النظر عن مكانته المجتمعية لعب دور رئيسي فيه.
أما الفنون البدوية (الحداء، والهجيني، وعزف الربابة) فترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعر العامي في البناء، وتخلو غالباً من الآلة والإيقاعات؛ كونها تعود إلى بيئة بسيطة الموارد (الضامر، 2023م). بينما تدخل "القلطة" أو "المحاورة" و"الخبيتي" في دائرة الجدل عن كونها فنوناً بدوية أو حضرية.
"الاختلاف الثقافي بين البدو والحضر لا ينبغي حمله على محمل أن الثقافة الحضرية أرقى، وأكثر تطوراً من الثقافة البدوية. قد يكون هذا صحيحا في الجانب المادي من الثقافة، ولكننا نخطئ في اعتماد هذا الجانب مقياساً وحيداً للتقدم الثقافي لسببين: السبب الأول أن ثقافة الحضر المادية متاحة للبدو يستفيدون منها، ويتعاملون معها كيف يشاؤون، وعدم استخدامهم لأداة من أدوات الحضر لا يعكس تخلفهم الثقافي؛ بقدر ما يعكس عدم حاجتهم استخدام تلك الآلة كوسيلة إنتاجية." (الصويان، 2000م).
والمتأمل في الفنون الأدائية في السعودية يجد أن المصدر الأكثر ثراءً للفنون الممارسة في نجد؛ أياً كان شكلها وتكوينها هو الشعر العامي. الشاهد في كل هذه السردية أن السامري فن معقد، يلعب فيه شعر المسحوب العامي دوراً مهماً وبارزاً، وهو فن حضري؛ لأن أكثر الأدلة المرتبطة برواده، ومؤديه، وحتى شعرائه أشارت إلى مناطق حضرية يستقر ويعمل بها أهلها.
تمثل دراسة الزبير وتناولها نموذجاً مهماً لدراسة السامري، ومعرفة التطورات الطارئة على عناصره قبل انتشاره بنفس الشكل في الكويت، والأحساء، ودارين، والبحرين، وغيرها.
إن دراسة ومعرفة شكل السامري في الزبير مهمة لعدة أسباب؛ أولاً: أنها أول محطة استقر بها السامري خارج حدود نجد، والتي يتوقع أنه انتقل لها مع الهجرات النجدية. ثانياً: ارتباط العوائل المستقرة بالزبير بصلة قرابة ومصاهرة مع العوائل النجدية، ثالثاً: استقرار أهم ثاني شخصية في فن السامري (ابن لعبون) بها حوالي 20 عاماً.
وبالنظر إلى دوافع الهجرات النجدية إلى الكويت فقد عانت نجد منذ النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، والقرن الرابع عشر ظروفاً قاسية جداً من الناحية الاقتصادية: من ضعف في الموارد، وتوالي سنوات القحط، وقلة الأمطار، ناهيك عن ضعف الأمن، وكثرة الحروب والنزاعات؛ مما شجع كثيراً من النجديين على الهجرة إلى: الأحساء، والكويت، والعراق، وغيرها من البلدان الأخرى بحثاً عن الرزق والاستقرار (العتيبي، 2023م).
"كانت نجد مركز انطلاق الكثير من الهجرات التي خرجت منها في أوقات متعاقبة؛ فقد كانت تُعد مصدراً للإمداد البشري الذي قدم إليها من بلاد اليمن والحجاز، فخرجت منها تلك الموجات البشرية في صورة هجرات فردية أو جماعية، قاصدة مناطق مجاورة لها، أو حتى مناطق بعيدة عنها، وبالتالي أسهم هؤلاء المهاجرون في إعمارها بعد استقرارهم فيها. كانت تلك الهجرات متنوعة؛ فمنها ما كان هجرة مؤقتة تنتهي بانتهاء الهدف الذي خرجت من أجله، ومنها ما كانت هجرة دائمة يتبعها استيطان دائم، وهذا كان يحدث إما اختياراً دون ضغوط سياسية أو أمنية أو اقتصادية على المهاجرين، وإما قسراً واضطراراً، بأن يضطر النجديون إلى الخروج، سواء أكانوا أفراداً أو أسراً، وترك بلدانهم؛ وذلك بفعل عدة عوامل سياسية، أو أمنية، أو اقتصادية ضغطت عليهم للبحث عن مناطق استقرار لهم، مثل: الزبير، والبصرة، والكويت" (العريني، 1989م).
ولعل سنة الصلبة إحدى أهم الحوادث التي وقعت بالزبير سنة 1247هـ، ففيها وقع الطاعون العظيم الذي عم العراق، والزبير، والكويت، وبعض أنحاء الخليج. وليس هو مثل الوباء الذي قبله المسمى "العقاص"، بل هو مرض الطاعون المعروف. وحل الفناء الذي انقطعت به أسر كثيرة، وخلت بعض الدور من أهلها. وبقيت الحيوانات سائبة في البلدة ليس عندها من يعلفها، ويسقيها حتى مات أكثرها، ومات بعض الأطفال عطشاً وجوعاً، وخرَّ أكثرهم صرعى في المساجد، لأن أهاليهم إذا أحسوا بالمرض رموهم بالمساجد، فربما يأتيهم من ينقذهم، وظلت المساجد لا تقام فيها الجماعة. ولما جاء النصف الثاني من شهر ذي الحجة، ارتفع الوباء واجتمع أناس من الهاربين بسببه. ثم أن الصلبة دخلوا الزبير، ونهبوها، وليس لهم صاد ولا راد، وأخيراً رجع من كان مسافراً أو حاجاً، ومن كان قد برئ من المرض أو كان سالمًاً وهم قليلون فضبطوا البلدة، وحموها من الصُليّب (قبيلة عربية تنسب إلى الصلب بن وهب) وغيرهم. فلما علم بذلك أهل نجد وكان أكثر من في الزبير أرحاماً لهم وأصهاراً، سافروا إليها وأخذوا ما وجدوه من تراثهم (البسام، 1971م).
بالإضافة إلى حادثة هجوم العجمان على البصرة في سنة 1262هـ والتي أظهرت حمية أهل نجد ودأبهم لحماية الزبير حين صارت للعجمان شوكة عظيمة مرهوبة الجانب. وقد وجهوا نشاطهم إلى جهة العراق. فأغاروا على البصرة والزبير وأحدثوا خراباً هائلاً في المزارع والبساتين ودب الرعب بين السكان. يكمل البسام سردية الرواية إلى أن يصل إلى ذكر الشاعر السيد عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب المعروف بالأخرس، ممن شهدوا هذه الواقعة وقال قصيدة يمدح فيها الشيخ سليمان آل زهير ننقل منها هذين البيتين في الأسفل (المرجع السابق):
حماها سليمان آل زهير بسيفه منيع الحمى لا يستباح له حمى
تحف به من آل نجد عصابــــــــــــة يرون المنايا لا أبالك مغنمـــــــــــــا
وهذا وصف ودليل قاطع على أن أكثر من كان يسكن الزبير يعود بأصوله إلى نجد.
يذكر الدكتور عبد العزيز بن لعبون في كتابه (أمير شعراء النبط) واصفاً مجتمع الزبير: (انطلق ابن لعبون من مجتمع نجدي في قلب الجزيرة العربية إلى مجتمع نجدي آخر في الزبير أكثر انفتاحاً وتأثراً بالساحل) (بن لعبون، 1997م).
تختلف أنواع السامري، وأسماؤه، وألحانه؛ باختلاف المنطقة الجغرافية. كما ذكرنا أن السامري ينتشر في: منطقة نجد، ودارين، والأحساء، والبحرين، والكويت، والزبير. وبحسب رواية البوفلاسه الشفهية فإن الفرق في أداء هذه الفنون بين كل منطقة يمكن ملاحظته في التيمبو <span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">تيمبو هي كلمة إيطالية في بداية المقطوعة الموسيقية تشير إلى سرعة أو بطء تشغيل الموسيقى من أجل إيصال الشعور. عادةً ما يتم قياس التيمبو من خلال عدد الدقات في الدقيقة الواحدة.</span></span>
(Tempo)، مثلاً سامري البحرين يستخدمون (تيمبو) بطيئاً، بينما سامري الكويت (تيمبو) سريعاً وهكذا. على أن قصائد ابن لعبون كانت أكثر شهرةً من قصائد الهزاني، ولا زالت أحد الروابط المشتركة التي يتغنى بها كافة النماذج المنتشرة داخل المملكة، وخارجها في دول الخليج. وبحسب رواية مؤدٍ وإيقاعي في فن السامري فإن سامري الساحل الأصلي مكون من صفين يحملون الآلات الإيقاعية، والتي تكون في الغالب مجموعة "مراقيع"، و"طبل سيفي" واحد، ويرى أن شكل السامري في الكويت لم يتغير عمَّا كان عليه.
ومن أنواعه "الحوطي" وهو ثقيل وألحانه صعبة، و"الناقوز" يعرف في الكويت بالقروي، والدوسري وهذا يعرف في الكويت بالنقازي، وسامري حائل، مشيراً إلى أن «السامري»، يمكن أن يؤدى بأخف من المعتاد مع تثبيت شكل اللحن، وإذا كانت وظيفة الفن؛ التعبير عن العواطف، فإن السامري استطاع استيعاب طموح الشعراء والفنانين، وهو فن لا يختفي عن أعمال كل الملحنين، لأنه قادر على استيعاب تغير الزمن (الديري، 2019م).
في حالة السامري في منطقة القصيم نلاحظ وجود نوع مختلف عن بقية أنواع السامري الأخرى في كافة المناطق، والمعروف المسمى بسامري عنيزة، والذي لا يتشابه من ناحية اللحن، والأداء مع أي نموذج لفن السامري في المملكة ودول الخليج. من ناحية أخرى يُلعب السامري بأنواع مختلفة كالحوطي (سامري أهل نجد المعروف)، والناقوز (سامري الدواسر) التي تتشابه في عناصرها مع بقية المناطق الأخرى.
أما في حالة سامري الدواسر في الأحساء عبر الدواسر الذين انتقلوا إلى الاحساء، واستقروا بها من الوادي والأفلاج، يتميز هذا النوع بأن له شكلين هما الثقيل والخفيف، وحسب الروايات الشفهية أن الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نفرق بها سامري دواسر الوادي عن غيره؛ أن أهل الوادي لا يعرفون إلا السامري الخفيف ذا الإيقاع الأسرع، وهو ما نقله الأوائل ممن استقروا في الأحساء. بينما يعلل وجود نوع سامري الدواسر الثقيل أنه أتى من مناطق مختلفة تعتمد هذا الفن، وتمارسه منها الأفلاج، وعنيزة القصيم، وحائل، وغيرها. يرى البوفلاسه أن السامري الثقيل قد يكون هجيناً دمج بين السامري الخفيف مع سامري أهل عنيزة، وحائل. يلعب السامري الثقيل والخفيف بنفس الايقاعات حيث نستطيع التفريق بينهما بالتيمبو وسرعة الإيقاع، والذي يتوافق مع الأبيات الشعرية حسب طولها أو قصرها.
ورغم التشابه الظاهري لفن السامري إلا أنه ينقسم لعدة أنواع، وتختلف أسماء السامري تبعاً لاختلاف المنطقة وتاريخها، لذلك وضعنا ثلاث تصنيفات لأنواع السامري: أولاً؛ التصنيف الجغرافي، والذي يُرجع فيه بنوع السامري إلى المنطقة التي نشأ فيها، ثانياً؛ التصنيف الفني، والذي يقسم السامري بحسب الاسم الفني. ثالثاً؛ التصنيف بحسب الايقاع وسرعته.
يعرف مؤدّو فن سامري عنيزة فنهم بأنه: فن طربي يستمتع به المؤدون من خلال أدائهم له (يقوم المؤدي بالضرب على الطبل، والرقص، وترديد أبيات القصيدة في آن واحد). يتطلب سامري عنيزة تدريباً مطولاً يمتد إلى شهرين، أو ثلاثة. وذلك حسب إمكانيات ومهارات الهاوي المتدرب الذي يستطيع تحديدها المؤدي الخبير، فيما يستمتع البقية من الحضور بالاستماع، ومشاهدة الأداء الراقص. ويعدُّ سامري عنيزة من أنواع السامري المميزة؛ نظراً لاختلافه في الأداء عن بقية الأنواع، إذ يتطلب معرفةً ودرايةً بكافة التفاصيل الفنية؛ بداية من حفظ القصائد، والأداء الجسدي الراقص (اللعب)، والعزف (الطق)، وبحسب بعض الروايات الشفهية فإن مؤدي فن سامري عنيزة -تحديداً- يستطيع تأدية أي نوع من أنواع السامري الأخرى، لكن العكس غير ممكن، وذلك لأن الإيقاع لا يكون على نسق واحد، كما أن أداء الراقصين المؤدين يتكون من حركات متكررة، وتشكيل متفق عليه، لا يمكن لأي مؤدٍّ خارجي الانخراط فيه دون معرفة مسبقة.
ويؤدى سامري عنيزة في الغالب سامرياً ثقيلاً، أو خفيفاً (يحدد نوع السامري عن طريق شطر القصيدة إذا كانت أبياتها طويلة أو قصيرة)، ويستخدم لحناً طويلاً أو قصيراً يتواكب مع كلمات القصيدة. ويشتهر سامري عنيزة بالعديد من القصائد أمثال: " يا ذا الحمام" و "سقا صوب الحيا" لمحمد ابن لعبون، "يا ونتاه اللي برت جسم حالي" لسليمان بن شريم، "يا راكب مرسونه" فهد بو رسلي، و "برق سرى بمحلتم" و"قلبي اللي سمر " للشاعر عبد العزيز السليم، وقصيدة "يا علي صحت بالصوت الرفيع".
يُلعب سامري عنيزة على شكل صفين مقابلين من المؤدين، بكل صف منهما أداته (الطبل)، بينما يكون لأحد أفراد الصفين طار كبير يسمى "المرجاف"؛ للتشكيل ورفع صوت الإيقاع لإثارة حماس أكبر في جو الأداء العام. تذكر بعض الروايات الشفهية أن الطارَ مستحدثٌ وليس من أصل السامري بشكل عام، وعلى وجه الخصوص سامري عنيزة، في إشارة إلى أن لعبة السامري كانت تلعب بشكلها البدائي -سامري الهزاني- بالطبل فقط.
ويبدأ فن سامري عنيزة بترديد قائد الفرقة أو الملقن شطر بيت من قصيدة، ثم يبدأ أحد الصفين بترديد الشطر، ويرد عليه الصف الثاني حتى يستوعب الصف إيقاع اللحن المراد غناؤه. بعدها يعطي قائد الصف إشارة الانطلاق، فقائد الصف يراقب المؤدين، ويعطي الإشارة لبدأ الضرب على الطبل، لينطلق الإيقاع مواكباً لحن السامري والأداء الصوتي للمؤدين. يستمر قائد الفرقة أو الملقن في تلقينهم أبيات القصيدة.
ويستمر الأداء الإيقاعي في حالة الثبات، وترتفع أصوات المؤدين من كل صف في حماسة، ومحاولة لتحدي الطرف الآخر. حتى تبدأ حالة التبديل بأمر من قائد الصف، حيث يبدأ أحد الصفين في اللعب، ويأخذ الصف الآخر وضعية الضرب على الطبل بإيقاع ثابت. يبدأ الصف الذي يلعب بالتمايل يميناً ويساراً مع الطبول، ومن ثم ترفع الطبول للأعلى وتضرب، ثم يعود المؤدون لوضعية التخمير (وضع الطبل على الأرض)، ومن ثم يبدأ الصف بالتصفيق والرقص، مع ترديد شطر من بيت القصيدة. وبعدها يرفع المؤدون أياديهم اليمنى إلى الأعلى، ويضربون على الطبول، حتى يعود بعدها الصف لحالة الضرب على الطبل بإيقاع ثابت، سامحاً للصف الثاني بأخذ دوره في التبديل. يكرر اللاعبون هذا الأداء ثلاث مرات في الغالب بطريقة تبادلية قبل أن يشير القائد بنهاية الأداء.
الحالة السابقة واحدة من حالات الأداء التي قد تتغير بارتفاع عدد اللاعبين الذي يستوجب تشكيل صفوفٍ أكثر، هذا بالإضافة إلى حماسة اللاعبين، وجو المنافسة العام الذي قد يؤثر على حالة الأداء، وتجعل منه أداء تقابلياً (كلا الصفين يلعبان) بدل الأداء التبادلي (كل صف يلعب على حدة).
سامري عنيزة حالة استثنائية مقارنةً بنماذج السامري المختلفة في المملكة العربية السعودية، حتى لو قارنَّا نموذج سامري عنيزة بنموذج سامري الدواسر القادم من وادي الدواسر، سنجد أن الأخير قد طرأت عليه تغييرات بالنسبة للكلمة، والشعر، والأداء، وبالتحديد جزئية الصوت من خلال الألحان الجديدة، وأيضاً الإيقاعات المختلفة دون أن تطرأ عليه أي تغييرات تذكر في الأداء. في الجانب الآخر حافظ سامري عنيزة على شكله الراقص، لكنه تطور في الكلمة، والشعر، والأداء في جزئية الصوت من خلال الألحان الجديدة، أو حتى الإيقاع من خلال دخول آلة الطار عليه.
يعد السامري أحد أهم الفنون الشعبية الممارسة في منطقة حائل. وهو لا يختلف كثيراً عن السامري الموجود في منطقة نجد وتوابعها، إلا في خصوصية قصائده، نظراً لأن حائل زاخرة بالشعراء والشاعرات، ولعل من أشهر قصائد السامري المغناة:
الذيــــــب يا يمـــــه عــــــــــوى والجبـــل مربـــــــــــاه
شبعــــان يمـــــــه ويعــــــــوي مـدري وش نوحـه
خلـــــي على الفرقـــا نـــــوى والجـبـــــــل مـربـــــاه
اللي كــــــوى قلــــبي كــــــوي مـدري وش نوحـه
شوفـــــــــه لخفَّاقــــي دوى والجـبــــــل مـربــــــــاه
قلـــــــــبي يضيق ويلتـــــوي مـدري وش نوحـــه
جينــــــا نبي نلعب ســـــــوا والجـبــــــــل مـربــــــــاه
أبيـــه بالملعـب خـــــــــــوي مـدري وش نوحـــه
يقول لي مالـك لـــــــــــــــــوا والجـبــــــــل مـربـــــــاه
وانا بعــون الله قـــــــــــوي مـدري وش نوحـــه
حبل المودة ما انطـوى والجـبــــــل مـربــــــــــاه
واشــوف خلــي منطوي مـدري وش نوحـــــه
عوده من الزيــــن ارتوى والجـبـــــــــــل مـربـــــاه
ضبيٍ وبــه عرق بــــدوي مـدري وش نوحـــــه
يبدأ السامري عادةً بالونين، بعد الونين تتشكل نزعة تحدد الكلمات والأغنية واللحن للسامري المؤدى. بعد النزعة يبدأ الصف الأول الأداء بترديد الأبيات الملقنة له، ومن ثم يرد عليه الصف المقابل بنفس البيت. وبينما يقوم الملقن أو الحاوي أو الشاعر بتلقين الصف الأول الشطر الثاني من البيت، بينما يعطي إشارة للإيقاعيين "بدلوا" لتقوم الإيقاعات بدورها في مجاراة لحن السامري. يقوم الصف بالتوريد (حركة لكسر رتم اللعب "الرقص") وتبدأ من الشطر الثالث، في هذه الأثناء يرتفع صوت الإيقاعات في محاولة لمجاراة الرقصة حتى يعود الصف لحالته الأصلية ليبدأ بعدها الصف الثاني بترديد الشطر الجديد والتوريد أيضاً وهكذا حتى ينهي الحاوي أو الشاعر الأغنية التي يختار منها الأبيات المناسبة دون الحاجة لغناء القصيدة كاملةً.
يتوقع أن فن السامري وصل إلى الأحساء من دول الخليج الواقعة على الساحل، والتي تشترك معه ديموغرافياً، حيث تتشابه فنون أهل الساحل بعضها مع بعض مثل: الكويت، والبحرين، ودارين، والأحساء. كونها مناطق واقعة على شريط الخليج العربي، ولها موانئ عليه، ومع ذلك تميزت الأحساء عن البقية بفنون خاصة بها، حيث يوجد في الأحساء نوعين مشهوران لفن السامري: الأول مشابه لشكل السامري الموجود في دول الخليج الواقعة على الساحل، والنوع الثاني سامري الدواسر. وفي رواية عبدالعزيز الحدندن الشفهية (مؤد وإيقاعي في فن السامري وأحد المؤسسين لفرقة فنون أدائية تقليدية) فإن سامري الدواسر كان قريباً في شكله الأول من سامري الساحل، يتشابه النوع الثاني بأصله الموجود في وادي الدواسر، لكنه يختلف باختلاف الرتم، والايقاع، وتراتبية العدة. والتي أضافها محمد سعد الحقباني (سيتم التفصيل في نموذج محمد سعد الحقباني – الثمانينات الميلادية).
"لقد كان لمجاورة بعض بلدان الخليج لبعض الأقاليم كإيران والهند، والتنقل بين تلك البلدان، وحركة تجارة اللؤلؤ، ووفود أعداد كبيرة من أفريقيا، والنوبة، وزنجبار، كان لها جميعاً أثر في امتزاج الثقافة الشعبية في منطقة الخليج بألوان شعبية مختلفة، ولعلنا نلحظ كثيراً من الكلمات المستخدمة التي ترجع إلى أصول أجنبية. كما أن فن "الطنبورة"، وفن "الليوة" يرجع أصلهما إلى أفريقيا. وكذلك بعض الآلات الموسيقية الشعبية كـ "المنجور"، و"الصرناي" (المحيطيب، 1982م).
السامري الحوطي: السامري الحوطي هو سامري أهل نجد المعروف يشبه شكل السامري في الأحساء، والبحرين، والكويت، ونجد بجميع عناصر السامري، ما عدا الزي الذي تتميز به كل دولة ومنطقة عن الأخرى. يلعب الحوطي على شكل صفين متقابلين من المؤدين الذين يملك كل واحد فيهم أداته "الطبل"، بينما يكون لأحد أفراد صفين طار كبير يسمى "المرجاف" للتشكيل ورفع صوت الإيقاع لإثارة حماسة أكبر لجو الأداء العام. وحسب رواية صالح الفرج الشفهية (مؤدٍ وإيقاعي وقائد فرقة في فن سامري عنيزة) أن الطار مستحدث، وليس من أصل الحوطي بشكل عام. في إشارة إلى أن طريقه لعبه الأصلية كانت باستخدام الطبل فقط. يشتهر الحوطي بالكثير من القصائد المشهورة على سبيل المثال: قصيدة "على شارع الحلة" للشاعر حمد المغيولي، "ناح الحمام" للشاعر عبيد الرشيد، "سقا الله زماني" للشاعر عويض النفيعي، "هيه يا بو اللثام" للشاعر أحمد النعيم.
أحد أنواع السامري التي تتفرع من سامري دواسر الوادي، ويتميز بإيقاعه المتوسط بين الإيقاع السريع والبطيء.
العزف واحد، لكن يختلف الإيقاع، "الرايح" يكون بإيقاع ثقيل، و"البيشي" يكون بإيقاع خفيف.
من أندر أنواع السامري وأبطئها، وقلة قليلة من يجيد أداءها، وللتوضيح هناك بحران يُكتب عليهما السامري: بحر الطويل، وبحر القصير، سامري الفصل يُكتب على البحر الأقصر من القصير، ويتميّز بألحان مختلفة عن السامري المعروف، وتتضمن المقطوعة وجود فراغ صوتي فاصل، أي تكون الضربات منفصلة بحيث يضرب المؤدي ثلاث ضربات "مِسْكت" ويغني، ثم يتلوها بثلاث ضربات "مِسْكت"، يقوم بإعادة الشطر، ومن أشهر قصائد سامري الفصل "ياحمام مال القميزي غنّ".
السامري الناقوز أحد أشكال سامري الدواسر في وادي الدواسر، والأفلاج، والأحساء، وحتى نجد. يتسم هذا النوع من أنواع السامري بالإيقاع السريع والحُر في الأداء، وفي طريقة انتظام الصف، فيقوم بتأديته صفان متقابلان دون طبول، بينما تجلس الفرقة في المنتصف مشكلة دائرة يحتوي أغلبها على "المراجيف" وأنواع أخرى من الإيقاعات (المردات والمراجيف المضافة حديثاً).
يُلعب الناقوز بصفين متقابلين من المؤدين الجالسين على ركبهم بينما يضرب الإيقاعيون على المراجيف (الطار الكبير وله ثلاثة أنواع: راخية وتكون واحدة، حامية أو عالية تكون اثنتين، وسط أو وسطى ويكون عددها اثنتين) هذا بالإضافة إلى المرد والمرقاع (أضيفا مؤخراً بعد التطوير).
ويسمى السامري المجرور، أو سامري السحب. مثال عليه: سلامة العبد الله في سامريته: "يا علي صحت بالصوت الرفيع". ومثل: "يا حمام على الغرباء ينوح" وسامرية "طقيت باب المحبين مصكوك"، وسامرية "عديت في مرقب".
يعد سامري الدواسر أحد أنواع السامري الخفيف. ومن أمثلته سامرية: "أيّست الاخبار من صوبكم يا أهل الجنوب"، وسامرية "ودمع العين همّالي"، وسامرية "جيت في داركم".
وبشكل عام معظم السامريات يمكن تحويلها إلى سامري خفيف أو ثقيل، بحسب رغبة المتذوقين والهواة ومهارة المؤدي نفسه؛ فهو يعتمد على الإيقاع وسرعته، وبحسب الرواية الشفهية لرئيسة فرقة السامري النسائية فإن بعض المجموعات "تميل إلى اللعب على السامري السريع، وأغلبهم من أهل الجنوب، ويمكن بالملاحظة العابرة على الألحان أن نلحظ سرعة رتم الإيقاع في الفنون الأدائية في المنطقة الجنوبية، فهي تزداد كلما اتجهنا جنوباً بدءاً من سامري بيشة، حتى الولوج إلى الفنون الأخرى مثل فن الرزفة، ورقصة الطبول، وفن السعب، والخطوة، على العكس من الحال كلما اتجهنا شمالاً حيث تبدأ الإيقاعات بالتباطؤ التدريجي حتى نصل إلى السامري الثقيل. وتُضيف الراوية: (أن بعض المجموعات تهوى السامري الثقيل البطيء، والراكد الهادئ، وأنا أعطيهم على جوهم).
بعد استقراء الخط الزمني للمناخات الاجتماعية والسياسية، التي أحاطت بفن السامري، وأسهمت بإحداث تغيرات في بنية الفن ومضمونه، استنتجنا وجود نموذجين تمثَّل فيهما هذا الفن، يقدمان قراءة تفسيرية لتطور السامري، وأسهم كل منهما في التحكم بعناصر ومركبات هذا الفن. ومع ذلك فإن لكل واحد منهما خصوصية واضحة، حيث نذكر نموذج الشاعر عبد العزيز السليم وتطويره لعنصر الكلمة والشعر في سامري عنيزة، ونموذج محمد الحقباني وتطويره لعنصر الصوت الذي يتفرع من الأداء.
في بداية السبعينيات الميلادية تم افتتاح ملعب السويل في عنيزة، والذي احتوى على ملعب، ومسبح أولمبي، وغرفة جانبية؛ هذه الغرفة استخدمها مؤدو فن السامري لإقامة سهرة مفتوحة للعامة كل خميس. شكَّل ملعب السويل المكان الرئيس لتأسيس فرقة عنيزة، ويتوقع أن الجيل الأول للفرقة بدأ الممارسة خلال أربعينات القرن الميلادي الماضي، والتي كانت حافلة بالشعراء من أمثال الشاعر عبد العزيز الإبراهيم السليم (1325 - 1410هـ) والمؤدين الذين توارثوا الفن من آبائهم، وربما أجدادهم.
ومن المؤكد أن سامري عنيزة اتخذ هذا الشكل في الأداء واللحن منذ زمن ليس بالقصير، وربما طرأت عليه بعض التغيرات حتى وصل إلى شكله الحالي خلال المائة سنة، -بين وفاة ابن لعبون ومولد الشاعر عبدالعزيز السليم-. وهذا ما يترك لنا استنتاج أن شكل سامري عنيزة استمر لأكثر من 200 سنة بهذه الحالة.
يعد السليم شعراً وممارسة أحد رواد نموذج عنيزة، نظراً إلى أن شعره لا زال يتداول حتى الآن، بل ويكاد أن يكون سامري عنيزة ناقصاً إذا لم تحضر قصيدة للسليم. وما ميَّزه عن غيره، وأضفى على نِتاجه قيمة مضافة؛ ممارسته، ومعرفته الأدائية بفن سامري عنيزة. إذ لم يكن عبدالعزيز السليم مجرد شاعر وإنما ممارس استطاع استيعاب الشعر، وفن السامري. كان السليم يكتب شعر المسحوب بغرض تلحينه، وغنائه على السامري " برق سرى بمحلتم". وحسب رواية المجماج الشفهية فإن القصيدة السابقة غنائية بامتياز، ومنظومة بطريقة لا تجعلها متقبلة في شكلها الشعري المكتوب.
في حالة السليم نلاحظ أنه شاعر مؤدٍ -وقد يحدث في حالات أخرى أن يكون المؤدي شاعراً-، هذا ما أسهم في استيعابه لفكرة بناء القصيدة؛ مستخدماً ذات البحور والأوزان والألحان المستخدمة في ممارسته.
ومما يؤكد ارتباط هؤلاء الشعراء بالفن وأدواته مثل حضور "الطار" في مواضع عديدة في قصائد الشعراء المؤدين، ولذلك معنى ومغزى، وكأنه قادر على التعبير عنهم بطريقة ما؛ حيث يظهر الطار في قصائد السليم جلياً كما في قصيدة " أشفق عليـه، وخاطـري يسفهلـي"، التي يقول فيها: "قلبي اللي سمر من حس طار سمر" أيضًا قصيدة " اسجد على الطار وارفع وارخي الهامة"، التي يقول فيها " طقوا الطار، والملعب عليهن عمر". الأبيات الأخيرة تتشابه مع تشبيه ابن لعبون -الشاعر الممارس- في قصيدته ذائعة الصيت التي كتبها إبان خروجه من الزبير سنة 1242 هـ "ذا حس طار، أو ضميرك خفوقه".
أحد أهم النماذج، وصاحب تغييرات كثيرة طارئة على فن سامري الدواسر هو محمد الحقباني؛ نشأ الحقباني في خنشليله "حلة الأحرار". ويعد من الجيل الثاني من الدواسر الذين انتقلوا من منطقة وادي الدواسر، واستقروا في منطقة الرياض. مارس الحقباني فن السامري مع أقرانه من أفراد الحي الذين كان جزء منهم دواسر أتوا من الأفلاج. اشتهر صبيان الحي بأداء السامري كونها عادة ممارسة على الدوام، ومتوارثة من الأجداد.
التحق الحقباني بوزارة الدفاع، وانتظم بالعمل عسكرياً، قبل أن يبتعث في خمسينيات القرن الميلادي الماضي، لدراسة الموسيقى في مدرسة موسيقى الجيش المصري بالقاهرة. وتخصص في آلتي الطبلة والترومبيت، فكان ذلك سبباً رئيساً في تطويره لفن السامري، خصوصاً فيما يتعلق بالآلات الإيقاعية.
أسس أبو سعد فرقته الخاصة (فرقة الحقباني) (1979- 1997م)، وبعد أن انتقل إلى الأحساء سميت فرقة بن مغينيم، وكان يقودها إبراهيم بن مغينيم، وهو مؤد مشهور لفن السامري. أضاف الحقباني لسامري الدواسر تعديلات مفصلية، شملت: الألحان، وتراتبية العدة الإيقاعية، وإدخال آلة المرد "القاعدة". لم يكن هناك نضج موسيقي كاف؛ يستطيع المؤدي من خلاله التفريق بين أصوات الآلات الإيقاعية (تراتبية العدة). قبل التعديلات التي أجراها الحقباني، كانت الآلات المستخدمة مجرد أصوات عشوائية غير منظمة، طيران دون إيقاع مرسوم متجانس. لاحظ الحقباني أن إيقاعات السامري "الطيران" لم تكن ذات إيقاع هارموني <span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext">كلمة يونانية الأصل تعني التوافق والتجانس والاتفاق بين نغمات المقطوعة الموسيقية.</span></span>
(Harmonia)، نظراً لأن الطيران المستخدمة كانت من نوعين: راخية، وحامية. فقام بإضافة إيقاعات جديدة (الوسط) ليكون الانتقال في صوت الايقاعات شبيهاً للتدرج في الانتقال الموسيقي.
حسب رواية يوسف أبو مريرة الشفهية (مؤدٍ وإيقاعي، وقائد فرقة في فن السامري)، فإن معرفة الحقباني الموسيقية هي التي أسهمت في وضع تراتبية للآلات الإيقاعية (دوزان معين)، بطريقة متجانسة تظهر صوتاً واحداً متناغماً بمستويات مختلفة من الإيقاع، اعتماداً على تنوع أصوات الآلات الإيقاعية. وضع دوزان للآلات الإيقاعية مثل دوزان أوتار العود بطريقة موسيقية -"القاعدة"-. اكتمل إيقاع سامري الدواسر عندما أضيفت له آلتا "المرد" و"المرقاع"، وأصبح نغم الآلات الإيقاعية مكتملاً من دون فراغات في الصوت تستلزم إضافة آلة إيقاعية جديدة.
يعرف الحقباني السامري بأنه ثلاثة عناصر: كلمة مثيرة، وعدة (الآلات الإيقاعية) راكدة، صف مغري.
تطور السامري حتى وصوله للشكل الحالي بمجموعة من المراحل، إذ كان لرواده من المؤدين والشعراء -ممن أضافوا لهذا الفن- الفضل الكبير. نستطيع القول بأن المرحلة الأولى التأسيسية المنسوبة للهزاني كانت من خلال خلقه لقالب شعري "شعر المسحوب" بلحن مناسب استخدمه المؤدون في فن السامري. فكانت الكلمة والشعر والأداء -بالتحديد الصوت- هي العناصر الرئيسة والأبرز فيه. أما ما نستطيع تسميته بالمرحلة الثانية فهي المرحلة اللعبونية، التي شهدت انتشاراً أكبراً لفن السامري في مناطق مختلفة، وهذا ما يفسر استمرار المؤدين في أداء قصائد ابن لعبون حتى الآن.
التغيير الذي طرأ على ألحان السامري، بالإضافة إلى تطوير ابن لعبون للكلمة والشعر والأداء بالتحديد الصوت. يجعلنا نقف أمام استنتاج أن التجربة الثانية للسامري كانت تجربة مختلفة تشترك أحياناً مع المرحلة الأولى في الكلمة والبناء الشعري وتختلف بتعدد الألحان، تطوير الكلمة والشعر، الآلات الإيقاعية مثل استخدام أهل الساحل للطبل السيفي، والمراقيع المستخدمة في الأصل في الفن البحري، والطبل المقفل من الجهتين لدى أهل نجد، والمستخدم في العرضة النجدية، قد تكون هناك أسباب مختلفة لاختلاف الآلات الإيقاعية، لكن من المؤكد أن الفن البحري تأثر بطريقة ما بمنطقتي الهند وزنجبار، إذ كانتا مناطق تجارية مهمة. وحسب رواية البوفلاسه أن شكل السامري اللعبوني يشبه كثيراً سامري أهل الكويت، والمسمى "المجيلسي" في الأحساء، ورغم اختلافه مع شكل السامري في نجد إلا أن هناك تشابهاً كبيراً بينهما بعدة عناصر، رغم اختلافه بالتصفيق الموجود في الأداء، والذي يتفرع من مركب الحركة والذي يتشابه مع سامري عنيزة.
في المرحلة الثانية تطور السامري في كافة عناصره تقريباً (الأداء، الكلمة والشعر، الزي)، وقد يعود السبب إلى ممارسي الفنون البحرية، وتجربتهم الثرية.
تعد المرحلة الثالثة الأكثر اختلافاً وتغييراً مقارنة ببقية المراحل؛ فهي مرحلة النماذج الخاصة المختلفة في عدة مناطق. وتم خلالها تطوير عناصر السامري:(الأداء، الكلمة والشعر). ومنها القصيم، ووادي الدواسر، والأحساء. حيث بدأ المؤدون باستيعاب فن السامري، وعناصره في مرحلتيه الأولى، والثانية ليساعدهم على خلق نماذج متطورة مستندة على استيعاب المؤدين، والشعراء. ونضج تجربتهم، ورغبتهم في صنع تجربة تلائمهم شكلاً ومضمونا؛ً تساعدهم على التفاعل بطريقة أفضل مع السامري. ومرد ذلك لعنصري ممارسة فن السامري والمعرفة التي اتسعت مع اتساع الآلات الموسيقية والأغاني الحديثة وحتى معرفة الفنون الشعبية المختلفة المنتشرة في المملكة؛ لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال عدُّ المعرفة والممارسة جانباً هامشياً غير مؤثر، وإنما هو جانب كان له الأثر والدور الكبيران في إنتاج المرحلة الثالثة.
ظهرت الفنون النسائية بشكل عام لتلبية حاجات الإنسان الفطرية في التعبير عن الفرح، والانغماس في الأجواء الاحتفالية الطربية، التي تساعده على الانطلاق، والانعتاق من أعباء الحياة اليومية، بالإضافة إلى الرغبة في الغناء والرقص، وإشباع الملكات الفنية والغريزية، من خلال نصوص تتغنى بالجمال والطبيعة، وتعبر عن العواطف الجياشة، ولواعج الحب والغرام، في مجتمع يفرض عادات وتقاليد صارمة؛ تحول بين لقاء المحبوب بحبيبته، وتضع الحواجز بين الرجل والمرأة. هذا إلى جانب أن المجتمع أصبح لديه العديد من الممارسات الاجتماعية التي تحتاج إلى أجواء الفرح، والاحتفال، والإشهار (خليفة، 2013م).
وتتسم الفنون النسائية الأدائية بشكل عام بطابع من الخصوصية، وذلك لأنها تؤدى في أماكن مغلقة بعيداً عن الأعين، على العكس من الفن الرجالي المتسم بالانفتاح، والذي يؤدى في الفضاءات المفتوحة (السكك، والأفنية، وساحات الأسواق). ومع ذلك فهناك الكثير من الطقوس والتفاصيل في أداء فن السامري النسائي، وهناك العديد من الفرق الشعبية النسائية اشتهرت بأسماء سيدات معروفات في المجتمع، حيث كن يؤدين الفنون في الأفراح، مثل: السامري، والخماري، والدزة، والطرارة، ولهن نظام فني وأدائي في غاية الجمال، بطريقة تجعل الفرح والمناسبة طقساً احتفالياً (الضامر، 2015م). كما أن الرقص واللعب كان يتضمن في الأزمان السابقة وجود العنصر النسائي داخل الصف، لإلهام اللاعبين وبث الحماسة بينهم، وقد كانت المرأة تشارك في عرضات الحرب، ثم بعد انتهاء سبب الحرب تحولت إلى تقاليد، ثم انسحبت المرأة من ساحة لعب الرجال (الشقير،2021م). كما أن المرأة كانت تشارك الرقصات مع الرجال؛ لعدم وجود عادات وتقاليد تمنع المرأة من ممارسة الفنون، والغناء، والرقص (خليفة، 2013م).
كما يمكن للمرأة أن تعبِّر عن الحالات الإنسانية من خلال الشعر، وتصدر قولاً أدبياً شفوياً ما بين الإنشاد والتغني، ومن ذلك بعض قصائد السامري التي جاءت مغنّاة في قالب موال "الونة"؛ استهلالاً للسامري مثل قصيدة لعلياء بنت حميان بن عبد العزيز في أوائل القرن التاسع عشر تقول فيه:
يا نور عيــــني يا مـــــودة فـــؤادي
ماكني إلا من حـــــمام الدراويش
جلون بالقيظ الحـــمر عن بلادي
ديرة هلي فوقي كما غية الــهيش
وأيضاً قصيدة موضي العبيدي التي تقول فيها:
قلت آه من علــم لفا به قرينيس
يا ليـــت منهو ميــــتٍ مـــا درى بـــه (الواصل، 2014م)
ما سبق يدل على أن المرأة أسهمت في بناء الموروث الغنائي الشفوي بالتناقل والوراثة، وشكلت فصلاً مهماً في هذه الوثيقة الاجتماعية.
أما القصيدة السامرية الأشهر فهي ما نظمته نورة الحوشان، المشتهرة في ذات المثلث النجدي، والتي تعبّر عن جرأة المرأة في التعبير عن مشاعرها وتولهها، إضافة إلى كشفها عن مشاركة المرأة في الحياة العملية، وممارستها للسقاية، والضيافة، والفلاحة. وتُغنَّى هذه القصيدة من ضمن فن السامري البطيء مع الرجال، والسريع القروي مع النساء، تقول فيها:
يا عين هلّـي صافي الدمـــع هــليّه
واليا قضى صافيـه هـــاتي سريبــــه
يا عين شوفي زرع خلك وراعيـــــــه
شوفي معاويده وشــــوفي قليبـــــــه
إن مرّني بالدرب ما اقدر احاكيــــه
مصـــــيبة يا ويــــل والله مصيبــــة
اللي يبينا عيت النفـــــس تبغيـــــــه
واللي نبي عيّا البخت لا يجيبـــــــه (المرجع السابق)
وفيما يتعلق بالإيقاع في الأداء النسائي يُلاحظ تميزه بالبطء عما يغنيه الرجال، ويؤكد ذلك ما ورد في إحدى المقابلات الميدانية. وبحسب الروايات الشفهية، والمشاهدات الميدانية، فيما يخص السامري الثقيل مثلاً، فإنّ فن سامري عنيزة - وهو فن ثقيل الإيقاع والأداء- فنٌ رجالي لا تؤديه النساء.
فالممارسات الحركية والأنساق الاحتفالية لكل جماعة -(للرجال أو النساء)- لا بد أن تحمل في تفاصيلها ومجملها مضامين ومعاني كامنة في فكر هذه الجماعة، فالرقصة الشعبية تؤدي بشكل عام إلى مرحلة التوازن النفسي والجسدي معاً (سمير، 2002م)، وبالطبع يلعب الجسد، وهيئة الجسد دوراً كبيراً في تشكيل طابع الرقص والأداء، كما يخضع الجسد لمجموعة المعايير الثقافية والاجتماعية، ومن منظور سيوسيولوجي تعد تمثلات الجسد ظاهرة اجتماعية، وثقافية، ومادة للرمز وموضوعاً للتمثلات والمتخيل، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياق الاجتماعي والثقافي، الذي يخوض فيه الإنسان الفاعل. وما يحمله من جانب دلالي تتجلى فيه واقعية علاقته بالعالم الخارجي، والمكونة من الأنشطة الإدراكية، والتعبير عن المشاعر، والخضوع لطقوس التفاعل مع الآخر. (لوبروتون، 1997م).
وفي بعض الأحيان يُنظر للجسد على أنه كيان مشترك يتمحور حوله حس مشترك، بل وربما يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه "الأنا الثاني"، ومن هنا ظهرت المبارزة الثنائية بين الجسد ومالكه؛ تفترض بطريقة تجريدية وجود جسد يمكن تحليل وضعيته بعيداً عن صاحبه -الإنسان الحقيقي والملموس-. (المرجع السابق)، ويمكن تفسير فكرتين عن الرقصة الأدائية لفن السامري وفق هذا المنظور؛ الفكرة الأولى: أنّ جسد المؤدي بشكل عام يخضع لقوة وسرعة الإيقاع، والإيقاع يعد عاملاً خارجياً مستقلاً عن المؤدي، لكنه مؤثر فيه وموجّه له بشكلٍ صارم. ولو حاول المؤدي الإيقاعي أن يُفلت بنفسه من هذا الإيقاع أو يخرج عنه، لخرج عن إطار وقالب فن السامري الذي يؤديه، والأمر نفسه بالنسبة للمؤدي الراقص، لذلك فالجسد في أداء فن السامري هو كيان مشترك يُفضي إلى تجسيد معنى التضامن الاجتماعي.
أما الفكرة الثانية: فهي خضوع الجسد في أداء فن السامري النسائي إلى المعايير الاجتماعية والثقافية، فرغم التشابه الجوهري بين السامري الرجالي والنسائي، إلا أنه لا يؤدى بشكل متطابق تماماً، بل يتحوّر الأداء بما يتناسب مع طبيعة جسد المرأة، وإمكانياتها العالية في اللياقة، والليونة، ومظهرها الخارجي كالشعر الطويل ( الذي تلفح به)، والزي الواسع لتغطي به أجزاء من الجسد وترقص بالجزء المتبقي، أو تغطي به نصف وجهها، ويمكن القول إن المرأة المؤدية لفن السامري تأخذ بعين الاعتبار معايير القبول الاجتماعي، والجمال؛ فهي لا تحاول كسر العادات والتقاليد، بل تسعى إلى الاستمتاع بالرقص والطرب، وربما كسب إعجاب الحضور.
ولا بد أن نفرق بين أداء فن السامري نوعاً من أساليب الاحتفال (سابقاً) وأدائه نوعاً من استعادة الماضي، والتراث الشعبي (الفلكلور). حيث أوضحت الروايات الميدانية أن بعض المؤديات لفن السامري حالياً يشترطن لباساً محدداً لتهيئة الطقوس ذاتها التي كان معمولاً بها في السابق، فيشترطن ارتداء الثوب التقليدي، والشيلة والبراقع؛ لإحياء أمسية سامري نسائية في فضاء مغلق؛ بهدف تذوق جماليات العزف، والغناء.
تختص النساء بهذا الفن كونهنّ يعتمدن على الخمار في الرقص، ويقال بأنه قد سمّي بهذا الاسم لأنه يخامر العقول أثناء غنائه (المحيطيب، 1982م)، حيث يبدأن في الرقص على أنغام الإيقاع بعد أن يغطين رؤوسهن ونصف وجوههن بالخمار، وقد يؤدي الإيقاعات مجموعة من الإيقاعيين النساء أو الرجال، لكن اللعب أو الرقص يقتصر على النساء فقط.
تختلف أزياء النساء المؤديات لفن السامري تبعاً لاختلاف المنطقة، وأحياناً يختلف الزي من قبيلة إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، فالنساء في القرى والمحافظات داخل منطقة نجد يؤدين رقصة السامري وهنّ يرتدين "الكرتة"، وهي ثوب مصنوع من قماش خفيف، يكون مزموماً من منطقة الخصر، أو يرتدين "الدراعة"، وهي اللباس المتعارف عليه عند نساء نجد في ذلك الوقت، وهي ثوب فضفاض يصل طوله إلى الكعبين، بعض أنواعه خاص بالمنزل، وبعضها خاصة بالمناسبات (العقل، 2016م)، بينما نساء المنطقة الشرقية -نظراً لقربها من منطقة الخليج- يرتدين "المسرّح"، وهو ثوب من قماش "المنيخل"، تزخرف أطراف الأكمام والثوب وفتحة الصدر من الأمام والخلف بالتطريز الذهبي والفضي (المرجع السابق).
أما نساء وادي الدواسر فيؤدين رقصة السامري بثيابهن اليومية، أي أنه لا يوجد زي مخصص للرقص، وقد يأخذن بصحبتهنّ أحياناً الثوب المسرح في الحفلات أو الأمسيات استعداداً لأداء رقصة السامري.
عند الحديث عن الزي الرجالي في السامري يجب التفريق بين أنواع السامري، لأن فن سامري العرضة له زي محدد، يُرتدى فقط لأداء العرضة، والتي تؤدى في مناسبات الفرح، أو الاعتزاز واستعادة الأمجاد، فمثلاً في سامري العرضة يرتدى "ثوب أبو ذلايق" أو "المرودن"، والذي يتميز بخفّه القماش وبرودته، ويُخاط أحياناً من القطن، أو خام "التترو"، أو "الشاش". وله أكمام طويلة، وهذا الثوب يعد اللباس المحلي لأهل نجد قديماً؛ لما يتسم به الخام وملاءمته للطقس في منطقة وسط شبه الجزيرة العربية، كما أنه يتسم بالعملية حيث يقوم الرجال -أثناء أداء أعمالهم- بربط أطراف الأكمام "الذلايق"، ثم رفعها خلف الرقبة خصوصاً عند التوضؤ للصلاة وغيره. وبالإضافة للثوب المرودن يرتدي المؤدي "الجنبيّة" التي تحتوي على السيف، أو الخنجر "المنجد". وهي عبارة عن أحزمة جلدية تربط على الكتفين، وتتقاطع عند منطقة الصدر والظهر، و"المقمّع" أو "الفرد" وأحياناً يحل سلاح "البندق" محله الذي يستخدم للإعلان، أو الإشهار لعلو صوته. أما "الدقل" فترتدى في فن العرضة في مناسبات الزواجات والأعياد. وسابقاً كانت النساء تقوم بخياطة الزي الرجالي للسامري، لكنها تحولت إلى مهنة رجالية مع الوقت، وبعض القطع تُستورد من الخليج، وتحديداً البحرين، لكن -وبشكل عام- يمكن أن يؤدى السامري دون التركيز كثيراً على الزي، وأحياناً قد لا يشكّل أي أهمية في الأداء، مثل سامري عنيزة، أو سامري الدواسر.
الطار أو الطبل:
وهو عبارة عن جلد مشدود على الخشب.
المرجاف:
يستخدم لإصدار صوت (الدوم).
المصقاع أو المقلاب:
يستعمل للمرد (الرد على الصوت الرئيس).
المرد الأساسي:
أصغر من المصقاع. بالإضافة إلى الزي، والمرثع، أو الهاجري (أبو وجهين).
يجب أن يكون جلد الطار مشدوداً بدرجة ملائمة للضرب والصوت المطلوب، ويُقال للجلد المشدود أكثر مما ينبغي "قاحي"، ولمعالجة الطار القاحي يتم صب الماء بداخله حتى يرتخي، ويصل إلى درجة الليونة المطلوبة؛ ويعطي الصوت المطلوب، والسامري ذو الجودة العالية يكون خالياً من "الطِيران القاحية"، ويمكن تحقيق هذه الجودة بالموازنة بين توزيع الطيران، ففي حال كانت أربعة يكون اثنان منها شادّين "قاحية" واثنان راخيين؛ للوصول إلى صوت (الدوم) المطلوب. ويكون التوزيع كالآتي: راخي، شاد، راخي، شاد.
ربما نستطيع القول بأن فن السامري من الفنون الأقرب للوراثة منها للدراسة، فوفق الملاحظة والمشاركة الميدانية للممارسين المؤدين، تبيّن أن النسبة الأغلب من الممارسين المؤدين لهذا الفن وُجِدوا داخل فضاء السامري؛ بفعل وجود نسق قربى سابق داخل هذا الفضاء، واكتسبوا كل المعرفة المتعلقة بهذا الفن بشكل تلقائي.
وبحسب الرواية الشفهية التي دونت ميدانياً لمغنية سامري، وقائدة فرقة في منطقة الخرج أنها تعلمت إيقاعات ضرب السامري عن طريق الوراثة من جدتها ووالدتها في عمر التاسعة. بأبسط الأدوات حيث كان "الطق" على "طشت الغسيل"، بينما قائد فرقة السامري الذي مثَّل المملكة في أيام ثقافية خارجية كان جده من كبار المؤدين. وعند إجراء مقابلة مركزة للإيقاعيين اتضح وجود علائق قرابة بالمصاهرة والدم بين أعضاء الفرقة.
لكن هذا الاستعراض لدور الوراثة في تشكل الفن، واكتساب المهارة والحرفة؛ ليس هو الطريقة الوحيدة التي تسهم في وجود، وتنشئة شخصية مؤدي السامري، بل تلعب الجماعة دوراً كبيراً في إكساب الأفراد من خارج النسق هذا الفن، ولا نجزم أن هذا التوريث للفن كان لأهداف معينة، بل كان يُمارس -والطرح هنا بافتراض أن للفن وظيفة يؤديها في كل زمان ومكان- نوعاً من التأكيد على تضامن الجماعة واستعراض قوتها، لاسيما في سامري العرضة، ثم تحولت الوظيفة مع الوقت -شأن أغلب الفنون- إلى الأداء لغرض اللهو والترفيه.
عند هذه المرحلة تحديداً ظهر مهتمون ومتذوقون بفن السامري، وهذه هي الطريقة الثانية؛ فن السامري المكتسب بالتعلم والدراسة، وقد برز عامل أسهم بشكل كبير في حفظ موروث السامري، وهو وجود رغبتين داعمتين، هما: رغبة الاكتساب، تقابلها رغبة النقل، حيث خصّص بعض المهتمين فضاء خاصاً يجمع الهواة والمحترفين لتعلّم هذا الفن، وصقل مهارات المحترفين بالأداء الدؤوب والمستمر، كما يعد تجمّعاً للمتذوقين للاستمتاع بالأداء، بالإضافة لحرص البعض من كبار رجالات المنطقة على الدعم والتمكين للمؤدين للفن.
رئيس الفرقة:
يعد رئيس الفرقة بمثابة المتحدث الرسمي نيابة عن المجموعة، وغالباً يختاره الأعضاء طوعاً، وتوكل له مجموعة من المسؤوليات، فعلى سبيل المثال: يتولى رئيس الفرقة جمع الأعضاء في كل مناسبة لأداء هذا الفن، ويقوم بتحضير المعدات المطلوبة، والاحتفاظ بها، والتأكد من إعادتها لمكان التخزين، وصيانتها دورياً، كما يقوم بتحديد ملابس الأعضاء، بالإضافة إلى تقسيم وتوزيع العائد المادي، ويتولى أي مهام إدارية إضافية تتعلق بمجموعة الأعضاء، من إدارة للأزمات والنزاعات داخل وخارج النسق، وغير ذلك من المهام.
صف الأداء:
يتخذ أحياناً الأداء أشكالاً وتوزيعات مختلفة؛ بحسب نوعية السامري، فقد يكون على شكل صفين متقابلين: صف يبدأ وصف يرد، وقد يكون التراص على شكل صف بحلقة دائرية -وهي غالباً تكون لسامري النساء-، أو قد يكون عدة مجموعات على شكل دوائر لكل مجموعة وظيفة: مجموعة الإيقاعيين، مجموعة المؤدين للقصيدة، ومجموعة اللعب أو الرقص.
أما بالنسبة لمواقع المؤدين في الصف فهي تعتمد بدرجة كبيرة على مهارة المؤدي، وهناك مجموعة من الاعتبارات يُختار، ويُقيم المؤدي على أساسها:
(1) القدرة على حفظ القصائد والألحان.
(2) جودة العزف (الضرب على الطبل).
(3) إجادة الرد: (معرفة الرد على المُلقّن) خصوصاً في السامري الثقيل.
(4) سلامة النطق النجدي.
(5) التمييز بين أنواع السامري.
يواجه فن السامري كغيره من الفنون مسألة أزمة التجديد، وينقسم التوجه إلى رأيين متضادين، الرأي الأول: يرى أصحابه أن فن السامري لا بد أن يلتزم بشكله كما عُرف به، محافظاً على أصالته وهويته، وهم ينتقدون بشدة مسألة إدخال بعض المتغيرات سواء على مستوى الكلمة، أو الإيقاع، أو طريقة العزف. بينما أصحاب الرأي الثاني يرون ضرورة التجديد في هذا الفن ليكون أكثر قابلية للمعاصرة، وليصل إلى ذائقة الأفراد اليوم، فعلى مستوى الكلمة ما عاد الخطاب المتداول في القصائد النبطية يلامس المشاعر كما كان يفعل في السابق؛ ليس قصوراً في المعنى، بل لتلك التحولات في اللغة والدلالة التي أدت إلى وجود فجوة ثقافية أساسها اللغة، لذلك فتوظيف الشعر النبطي المعاصر –من وجه نظر أنصار هذا الرأي- سيجعل من فن السامري أكثر قرباً لمتذوقيه وإدراكهم لمضمونه، ومن ثمّ يكون أكثر قدرة على هز الوجدان والشعور، كما أن التطور الذي طال الموسيقى بشكل عام أسهم بشكل كبير في تشكيل الذائقة السمعية، فوجود فن قائم على آلة واحدة -مثل الطار في فن السامري- يواجه تحدياً كبيراً في إثبات وتمييز ذاته فناً عريقاً قائماً من بين مئات الفنون، لا سيما وأن فن السامري يتسم بالمرونة والقابلية لذلك، من هذا المنطلق فهم يؤمنون بضرورة التجديد لإثبات أن هذا الفن مستمر، وصامد أمام التغيرات.
وأحياناً يكون التجديد لأغراض وظيفية، فبحسب إفادة قائدة فرقة سامري الخرج أنه قد استبدل "المرثاع أبو وجهين" بمجموعة من الأزيرة (جمع زير) نظراً لخفة وزنه، بل هو أحدُّ صوتاً، ويؤدي نفس الغرض.
أيضاً إضافة (مرد) التشكيل، ووظيفته يرد على "المرد" الأساس، وهي تعتبر من الأساليب التجديدية في إيقاع السامري، حيث يرد "المرد" الأساس على المرد التشكيل.
يرى الشاعر حمد البادي في حديثه عن تجدد الكلمة والشعر في السامري؛ أن قصائد السامري ترتبط بشعراء روادها الذين يمثلون أصالة الشعر والفن الممارس-السامري في حالتنا-، إلا أنها قد تكون صعبة الفهم والتداول في الأيام الحالية. ويشير في فحوى كلامه أن فن السامري لديه عناصر مثل الأداء والصوت والشعر والكلمة تحتاج إلى التطوير المستمر لمواكبة التحول في الوعي الفني والتحول في ذائقة الأجيال لتستطيع التفاعل معه وممارسته، بل وحتى إعادة إنتاجه. وُيضيف البادي أن المؤدين لفن السامري طوروا الكثير في عنصر الأداء -ويقصد به الأدوات والأسلوب- لأنه مجالهم، في الجانب الآخر لم تتطور الكلمة والشعر. مع أن تطوير الكلمة والشعر في السامري لا يقل عن أهمية تطوير الأداء.
لا يخلو أداء فن السامري من الإيماءات الجسدية ذات البُعد الرمزي، حيث إنَّ المتأمل لهذا الفن يلمح بوضوح بعض الايماءات والحركات الفردية الخارجة عن الإيقاع العام للمجموعة، هذه الايماءات تحمل دلالة مبطنة تُفهم في سياقها داخل المجموعة بشكل خاص، والسياقات الثقافية بشكل عام.
(1) رمي العقال والغترة أو الشماغ أثناء الأداء:
أثناء أداء عرض السامري يقوم أحد المؤدين داخل الصفوف برمي العقال، أو الشماغ، أو الغترة في المنتصف بين الصفّين، وهي إشارة لبدء النزال، أو التحدّي في الأداء الجسدي بين الصفين المتقابلين.
(2) وضع الطار أو الطبل على الأرض والتراجع عن الصف:
أثناء احتدام المنافسة التعبيرية في الأداء قد يشعر أحد المؤدين بالتعب بعد أداء عدة أشواط (جولات)؛ لذلك يقوم بوضع الطار على الأرض أمامه، ثم التراجع إلى الوراء، والانسحاب من صف المؤدين وهي إشارة إلى الاستسلام.
(3) رفع طبقة الصوت أثناء الأداء:
يبدأ أداء فن السامري بإلقاء شطرين، أو أربعة من القصيدة من قبل قائد الفرقة، وذلك لتنبيه بقية الأعضاء ودعوتهم للانخراط في الصف والاستعداد لبدء الأداء، وبعد بدء الأداء وبين كل شوط يقوم قائد الفرقة -وهو من يحفظ القصيدة السامرية كاملة- بإلقاء البيت الذي يلي السابق لتذكير الأعضاء به ويقومون بغنائه، وقد يقوم صف في أثناء هذا الأداء برفع الصوت والعزف (الطق) أو ضرب الطار على وتيرة أعلى لبث الحماسة ورفع مستوى التحدي للصف المقابل.
(4) تغطية الوجه للنساء:
أثناء أداء السامري بالنسبة للنساء تقوم الراقصة المؤدية بغطاء وجهها بـطرف "شيلة" تضعها على رأسها؛ في إشارة إلى وصولها مرحلة من الانسجام والانتشاء مع الإيقاع وأبيات القصيد.
بعد استقصاء ودراسة، اعتماداً على: مراجع، ومقابلات، وتدوين للشفهي من الروايات؛ تناولت هذه الدراسة البحثية فن السامري بوصفه أحد الفنون الأدائية السعودية. والتي تجاوزت أسباب نشأتها وتطورها، لتصير ملمحاً ثقافياً، وجزءاً من الهوية الوطنية، كما تناولت الدراسة ما طرأ على هذا الفن من تغيرات، وما اتصل بذلك من عوامل زمنية، وديموغرافية.
بحثت الدراسة في أمر جذور التسمية والبدايات، وجدلية البدو والحضر، وعلاقة هذا الفن بالشعر، كما صنفت السامري بناءً على معايير ثلاثة: (الجغرافي، الفني، الإيقاعي)، وفي شأن تطور السامري؛ تناولت الدراسة نموذجين، ونظرت في سامري الرجال والنساء، مستقصية الفروق وأسبابها، وتناولت الدراسة تكوين المؤدين، والوظائف الموكلة لهم، ولم تهمل ما حول هذا الفن، من: أزياء، وأدوات، وإيماءات.
في الختام طرحت الدراسة سؤال التجديد وأهميته، كما بحثت عن انعكاسات هذا الفن على غيره، -وتحديداً الفن التشكيلي-، وتم إضافة ملحق من اللوحات التشكيلية في خاتمتها.
ونظراً لشح المصادر التاريخية وضعف التوثيق والدراسات المنهجية، تم الاعتماد في هذه الدراسة على الجولات الميدانية كمصدر إضافي للمعلومات وذلك من خلال المقابلات والروايات الشفهية وتدوين المشاهدات والملاحظات الميدانية وخلصت الدراسة لعدة نتائج من أهمها:
§ أنّ الشعر غذَّى السامري حتى تشكلت ملامحه، ثم لعب الثاني -أي السامري- على أوزان الشعر؛ فبدّل، وعدّل، وأثرّ بشكل مباشر على الحركة الشعرية وأثراها.
§ صعوبة البتّ ببدايات فن السامري رغم ترجيح نشأته في نجد في القرن التاسع الهجري.
§ اختلاف أنواع السامري، وأسمائه، وألحانه؛ باختلاف المنطقة الجغرافية.
§ وجود فروق بين سامري النساء والرجال.
هذا وتوصي الدراسة بأهمية التوثيق التاريخي والتحليلي لفن السامري، خاصة أن أغلب المصادر المقرونة بالممارسة -السامري- مصادر شفهية ما يهددها بالضياع، وقلة الموثوقية مع مرور الزمن، كما توصي بتنوع أدوات التوثيق بين كتابة وتسجيل صوتي ومرئي، مع الاهتمام بما حول هذه الفنون من أزياء، وأدوات، والتعامل معه كمادة فنية خام تجريدية تثري الفنون الأخرى، الموسيقية والسينمائية والأدبية وحتى الأدائية منها، كل ذلك في إطار المحافظة على الهوية السعودية والثقافة الوطنية، وتأمل الدراسة أن تكون قد وفقت في ذلك.
جر اللحن: يشبه الموال ويصاحبه صوت أشبه بالونين.
اللّفح: الرقص والاستعراض بالشعر للفتاة مؤدية السامري ويقال (افصخي عن شعرك أو شيلي الشيلة).
قاحي: وصف لجلد الطار في حال كان مشدوداً أكثر من اللازم.
الونين: موال افتتاحي قبل البدء بشيل السامري، حيث يبدأ المؤدي بإلقاء أبيات من الشعر.
اللحن: هو ما يؤدى فيه الشعر مثال: لحن الهجيني، لحن يؤدى فوق الهجن.
البحر أو الطرق: هو الشعر القائم على وزن التفعيلات.
المراقيع: تستخدم عادة في الفنون البحرية وهي نوع من أنواع الطيران صغيرة الحجم مقارنةً بالمراجيف المستخدمة في السامري وتحتوي براشيم أو دناديش تصدر صوت مواكب للإيقاع.
بالمرجاف: الطار الكبير.
الونين: استفتاح السامري الذي يشبه الموال في بداية الأغنية.
النزعة: الصدح بغناء الشطر الأول إيذاناً ببدء السامري.
التوريد: حركة لكسر رتم اللعب "الرقص".
الراخية: طار صغير الحجم ذو صوت رخيم.
الحامية أو العالية أو المصنقرة: طار كبير الحجم ذو صوت عال.
الوسط أو الوسطى: طار متوسط الحجم ذو صوت معتدل.
المرد: الطار الصغير وهو نوعين منهما ما يستخدم في ضرب إيقاع الأساس بنغمة متوازنة وهو ذا صوت متوسط بين الرخيم والعالي والأخر ما يستخدم في التشكيل بنغمات منوعة مختلفة عن الأساس وهو ذا صوت عالي حاد. يقال إن المرد استخدم في البداية مع فن الخبيتي قبل أن يستخدم في السامري.
المرقاع: طار متوسط الحجم ذو صوت عالٍ أو حاد يستخدم في التشكيل.
"انسحرت"..
كلمة قالها قائد فرقة سامري عنيزة في أول مرة سمع فيها ضرب الطار، لا يخفى على أي متذوق أن للسامري على النفس وقعاً وسحراً تغنّى به كثير من الشعراء. يقول عبد العزيز السليم:
عليه ميلاف قلبي خاشع لرضاه
اسجد على الطار وارفع وارخي الهامة
هذا السحر المحيط بهذا الفن ألقى بظلاله على الفن التشكيلي، فتجسدت أعمال وثقت جمالية الأداء ووقع ضرب الطار على حركة الريشة.
من أعمال الفنان السعودي محمد الجميعة
أعمال الفنانة السعودية نبيلة البسام
من أعمال الفنان السعودي عبد الله بن صقر
زي السامري النسائي – من أعمال الفنان التشكيلي السعودي أحمد المغلوث
- إبراهيم، عبدالعزيز عبدالغني (2014) نجديون وراء الحدود "العقيلات" (1750-1950م). الطبعة الثانية. دار الساقي. بيروت.
- ابن لعبون، عبدالعزيز (1997) ديوان شعراء أمير النبط محمد بن لعبون. دار ابن لعبون. الكويت.
- البسام، يوسف (1971) الزبير قبل خمسين عاماً. المطبعة العصرية. الكويت.
- الحاتم، عبدالله (1968) خيار ما يلتقط من الشعر النبط الجزء الأول. الطبعة الثانية. المطبعة العمومية. دمشق.
- الحمدان، محمد بن عبد الله (2005) ديوان السامري والهجيني. الطبعة الرابعة.
- الرشيدي، حمد (2015) العودة إلى ثقافة القبيلة. طوى للثقافة والنشر. لندن.
- رويس، أنيابترسون (1989). أنثروبولوجيا الرقص. مجلة الفنون الشعبية. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- السعيد، طلال (1981) الشعر النبطي: أصوله، فنونه، تطوره. ذات السلاسل. الكويت.
- الصويان، سعد (1421) الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص. دار الساقي.
- الصويان، سعد (2010) الصحراء العربية ثقافتها وشعرها عبر العصور "قراءة أنثروبولوجية". الطبعة الأولى. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. بيروت.
- الضامر، سمير (2015) البشتخته. كتب مؤلفين.
- عبد الباقي، يوسف (2015) سيكولوجية الرقص. الثقافة الشعبية. أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر.
- العتيبي، نورة (2023) الهجرات النجدية إلى الكويت الأسباب والدوافع 1824 – 1932م. دراسة. المجلة العلمية كلية اللغة العربية بإيتاي البارود – جامعة الأزهر. مصر.
- العثيمين، عبدالله (2005) تاريخ المملكة العربية السعودية. الطبعة الثالثة عشر. مكتبة العبيكان. الرياض.
- العريني، عبدالرحمن (1989) الحياة الاجتماعية عند حضر نجد منذ القرن العاشر الهجري، إلى قيام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. أطروحة دكتوراة. كلية العلوم الاجتماعية -جامعة الأمام محمد بن سعود. الرياض.
- الغنيم، يعقوب (2000) الأغاني في التراث الشعبي الكويتي. دار يعقوب يوسف الغنيم. الكويت
- كاظم، محمد جواد (1981). مدخل لدراسة الرقص الشعبي على ضوء علم الأنثوكرافيا. مجلة التراث الشعبي. وزارة الثقافة والاعلام دائرة الشؤون الثقافية والنشر.
- الكمالي، شفيق (1964) الشعر عند البدو. مطبعة الإرشاد. بغداد.
- الواصل، أحمد (2014) تغني الأرض. منشورات ضفاف
- ابن يحيى، محمد بن عبدالرحمن (1387هـ) مقدمة من ديوان لباب الأفكار في غرائب الأشعار الجزء الأول. الرياض.
- بو شيبه، بركة (2014) دور الرقصات الشعبية في التعبير عن الهوية الثقافية. مؤسسة مقاربات للنشر.
- جابر، سمير (2002) الرقص الشعبي والهوية الحركية. مجلة الثقافة الشعبية. ج 3.
- خليفة، خالد (2013) فنون الفرق النسائية الشعبية في البحرين. مجلة الثقافة الشعبية. العدد
- الديري، جعفر (2019) "السامري" فن غنائي استوعب طموح الشعراء والفنانين. مجلة الأنطولوجيا.
- الشقير، عبد الرحمن (2021) أنثروبولوجيا الرقص واللعب الشعبي، موقع إنتروبوس.
- الصويان، سعد (1421) البداوة والحضارة 2 "نظرة أهل الهلال الخصيب". صحيفة الجزيرة. العدد10185.
- الضامر، سمير (2023) الفنون الأدائية.. ذكريات الأمجاد واستعادة التاريخ العظيم في ذكرى التأسيس. مجلة القافلة الأسبوعية.
- العقل، سمية (2016) الأزياء التقليدية للأميرة نورة بنت عبد الرحمن بن فيصل آل سعود. مجلة الثقافة الشعبية. العدد25.
- المحيطيب، أحمد (1982) الفنون الشعبية في المنطقة الشرقية. مجلة قافلة الزيت.