تتناول هذه الدراسة بشيء من التفصيل حياة النمر العربي في شبه الجزيرة العربية، من ناحية توزيعه الجغرافي وحالته الراهنة وتقارنه بأمثاله الأفريقية لسبر أغوار بيئاته المفضلة، وغذائه، وسلوكياته الاجتماعية، ونطاق حركته، وتكاثره، وذلك لندرة الدراسات عليه وطنياً واقليمياً.
وتستعرض الدراسة الجهود الإقليمية والوطنية للمحافظة عليه من خلال وضع الاستراتيجيات وخطط العمل، وتختم الدراسة بسرد أدبي لانعكاس وجود النمور والفرائس في الشعر العربي ومستويات هذا الانعكاس الفنية، في محاولة لربط جهود المحافظة ببعدها الثقافي العربي باعتبار النمر أحد الرموز البيئية والثقافية والجمالية في شبه الجزيرة العربية.
أكتب من خلف طاولة صغيرة، أمامها نافذة تطلُّ على حديقة تنتصب فيها نخلةٌ وحيدة. وحولها تنوع غريب من أشجار الياسمين الهندي، والمغربي، والتين البنغالي، وشجيرات من كل حَدَبٍ وصوب من هذا العالم الفسيح. ومزيج من طيور اليمام والحمام والعنادل، تختلف على فضاء الحديقة. تذكرّني النخلة الوحيدة بسموها وتفردها وأصالتها ما أنا مقدم على كتابته في هذه الدراسة الضافية عن النمر العربي. فوجوده محاصر بما لا يحصى من التحديات، مما يستدعي بعض التفصيل لكسر العزلة، ومن أعماق الذاكرة يحضر أبو الطيب المتنبي في بيته الشهير ليلخّص هذا المشهد الغريب:
وَلَكِـنّ الفَتى العَـرَبي فِيـهَا :: غَريبُ الوَجْهِ وَاليَدِ واللّسَانِ
وأنا لا أكتب عن النمر العربي بصفتي باحثاً مستقلاً، فمن الصعب أن أسُلّه مني بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصحبة الطيبة، ولكن بصفتي شاهداً، وجزءًا من المشهد، في قصة سيد الجبال. إذ يتربع وحده في سراتها، على قمة الهرم الغذائي كأكبر مفترس لازال باقياً في شبة الجزيرة العربية. النمر العربي بجماله وجلاله تحول إلى رمز للقوة والغموض والنفوذ. وكان ولازال بعده في الثقافة العربية عميقاً رغم صعوبة رؤيته، ولكنه الغائب الحاضر. قوة النمر العربي التي تكالبت عليها التحديات بحاجة لوقفات قبل " أن تفرَّ دنانيره من البنان" قبل أن نفقد هذا السجل المهيب والثري لحياتنا الفطرية، وقفات تعمل باقتدار لتحوله من قوة ضاربة في الطبيعة إلى قوة ناعمة في المحافل الدولية.
للنمر العربي فرادة في الشكل والحجم والبيئات التي يشغلها، تميزه عن غيره من النمور، فلونه يميل إلى الأبيض المرقط ببقع سوداء على الجسم، كل ثلاثة أو أربعة بقع تعطي شكل الوردة، ويمتاز بصغر حجمه، إذ يتراوح وزن الذكور بين30-35كجم، بينما الإناث بين 20-25كجم. فهو يعادل تقريبا نصف حجم النمور الإفريقية والآسيوية المماثلة له في التصنيف على مستوى النوع.
ولكن النمر العربي مصنف: تحت نوع sub speciesخاص بشبه الجزيرة العربية، وأعطي تحت النوع الاسم العربي في التصنيف العلمي اللاتيني Panthera pardus nimr.
ورغم أن النمور عموما مصنفة في العالم كأنواع معرضة للتهدد vulnerable إلا أن النمر العربي صنف في درجة أكثر ندرة تحت نوع مهدد بالانقراض بشكل حرج Critically Endangered، وقد استند هذا التصنيف على أن تقدير الأعداد المتبقية من النمور العربية في كامل نطاق توزيعه الجغرافي أقل من 250 نمرًا بالغًا، وأن تدهور الأعداد لازال مستمرًا. وكذلك تجزؤ بيئاته الطبيعية ومجموعاتها إلى مجموعات صغيرة منعزلة، أقل من 50 نمرًا لكل منها.
كما قدر انحسار انتشاره إلى 1% فقط من نطاق توزيعه الجغرافي التاريخي. وبذلك يمكن القول إن النمر العربي واحد من أكثر القطط البرية تهدداً في العالم، ويحتاج إلى إجراءات عاجلة لإنقاذه من حافة الانقراض.
نوقش وضع النمر العربي في ورشة عمل عقدت في الشارقة في عام 2000 م، حضرها ممثلون من دول الانتشار من السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن والأردن باستثناء فلسطين، وبعدها بثلاث سنوات عقدت ورشة أخرى في الشارقة نوقشت فيها حالة النمر العربي، بعد إجراء ممثلي الدول مسوحات ميدانية لتقييم الحالة في بلدانهم، وتم عرض العمل ومناقشته مع مختصين من الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة IUCN، وتحديدًا من المجموعة المختصة بالسنوريات Cat Specialist Group.
ثم جمع الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة نتائج الورشة وطبعها في تقرير خاص ونشرها في 2006 م.
وحّدد هذا التقرير المعرفة المتاحة عن حالة النمر العربي في دول الانتشار من ناحية التوزيع الجغرافي والبيئات والحماية، مما أتاح إمكانية التخطيط الإقليمي الشامل للمحافظة.
ثم عقدت سلطة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة في 2007م ورشة عمل خاصة للتعاون مع دول الانتشار، والاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة، والمجموعة المختصة بالسنوريات، لعمل استراتيجية إقليمية للمحافظة على النمر العربي.
وفرت هذه الاستراتيجية الركائز والأهداف الأساسية والأولويات للمحافظة على النمر العربي. ومبادئ إرشادية لإعداد وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية لكل دولة من دول الانتشار، وهو ما حصل في المملكة في 2011م وتم نشرها في 2017م.
أشارت الاستراتيجية الإقليمية للمحافظة على النمر العربي ان التوزيع الجغرافي الإقليمي للنمر العربي صورته ضبابية بسبب ندرة المعلومات. فيعتقد أن انتشاره يمتد على طول غرب وجنوب شبه الجزيرة العربية، وكذلك في جبال الحجر شمال عمان، وجنوب شرق الإمارات العربية المتحدة. وفي كل الأحوال انحسر انتشاره الحالي كثيرًا ليشغل فقط 1% من انتشاره التاريخي، مع وجود مجموعات معروفة في عمان واليمن وربما في المملكة العربية السعودية، وقد كان للنمر العربي تاريخياً وجود في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين.
كما أن وجود النمور العربية في الأردن عانى من الانحسار في النصف الثاني من القرن العشرين وليس هناك أي تسجيلات مؤكدة منذ 1987م. فيما أثبتت تحاليل وراثية لعينات من فضلات النمور في فلسطين وجود مجموعتين صغيرتين من النمور العربية في مرتفعات النقب - خمسة نمور- وفي بَرّ الخليل ثلاثة نمور. وهذه العينات المفحوصة جمعت في عامي 2001 و2002 م وليس هناك دليل على استمرار وجودها. وهناك تقارير منعزلة عن تسجيل نمور في الإمارات العربية المتحدة في مطلع التسعينيات الميلادية 1990م، ولكن آخر تسجيل لها كان في 1992م وهناك تسجيلات غير مؤكدة في عامي 2000و2001م.
بينما سجلت مجموعات من النمور العربية في منطقة ظفار جنوب سلطنة عمان، وفي اليمن. ونظراً للحرب الأهلية في اليمن فإن استمرارية وجود النمور فيها غير واضحة. فقد أسرت 3 نمور في عام 2021 م أحدها تم إنقاذه، ونقل إلى مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية بالطائف باتفاق رسمي بين الحكومة اليمنية والسعودية، وكانت أنثى عولجت من إصابات بليغة أثناء أسرها وأدخلت ضمن برنامج الإكثار في الأسر في المركز.
وعموما وجود النمور العربية في اليمن يعاني من انحسار بسبب القتل المباشر لتداخلها مع نشاط الرعاة، أو للاتجار فيها وبيعها للمجموعات الخاصة، فمن المعتقد أن معظم النمور في برامج الإكثار في الأسر أصولها يمنية.
كما يعتقد أن معقل النمور العربية البرية يقع في جبال ظفار جنوب سلطنة عمان، وتمتد هذه المجموعة إلى جبال حوف جنوب شرق اليمن، ولكن سياجات الحدود تحد من حركتها وحركة فرائسها الطبيعية. وفي مسح أجري من1997-2000 م سجل 17 نمراً عربياً في محمية جبل سمحان الخاصة بالنمور في جبال ظفار جنوب سلطنة عمان.
ويعتبر هذا المسح الوحيد لمجموعات معروفة للنمور العربية. بينما أثبت مسح حديث على نفس المجموعة استخدم فحص المورثات DNA في فضلات النمور وجود 51 نمرًا عربيا في جبال ظفار ومدى الأعداد بين (32-79). وهناك مؤشرات لوجود مجموعات صغيرة في مناطق الحدود الدولية بين دول الانتشار، مما يبرز تحديات في اختلافات التنظيمات وتطبيقاتها بين الدول. وكذلك تزايد الأنشطة العسكرية على الحدود وأعمال التسييج لها. كما سجلت النمور في مسوحات سابقة في محافظة صعدة شمال اليمن بقرب الحدود السعودية، ولكن ليس هناك معلومات عن النمور في هذه المنطقة لسنوات طويلة. ومع ذلك لا يستبعد وجود النمور في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. (المعلومات من مناقشة ورشة العمل الدولية للمحافظة على النمور العربية المنعقدة في الرياض في 2021م)
إن المعلومات المتوفرة عن انتشار وتوزيع النمر العربي في المملكة العربية السعودية قليلة ومتفرقة بشكل كبير. وقد بدأ الاهتمام منذ تأسيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية في 1986م. وقد كان جزءاً من مسح التوزيع الجغرافي لقرود البابون الممتد بين وادي الأكحل جنوب المدينة المنورة في جبال الحجاز شمالاً إلى الحدود السعودية اليمنية في جبال السروات جنوباً. أجري المسح بين عامي 1987 -1990وركز في جزء منه على المفترسات الطبيعية للقرود وكان على رأسها النمر العربي. ثم في عام 1992م سجلت أول حالة تسمم للنمر العربي في جبال الفِقرة 80كم غرب المدينة المنورة، وتم جمع البواقي والتحقق من الحادثة التي كانت بسبب افتراسه لجمل صغير.
وقد أجرى الدكتور (عوض الجهني) من جامعة الملك سعود بالتعاون مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية مسحاً بين عامي 1998-2001م سجل فيه مقابلات مع الأهالي، أشار فيه لوجود 65 موقعاً لانتشار النمور العربية في المملكة قليل منها ما يمكن تأكيده. وفي تقرير علمي صدر عن الهيئة في 2006م رجح انتشار النمور العربية في جبال السروات بين ارتفاعات 600-3000م. عن سطح البحر بين منطقة الباحة والحدود السعودية اليمنية وكذلك جبال الحجاز شمال المملكة.
وقدرت مساحات المناطق التي تشغلها النمور في هذه الدراسة بين 4000-29724كم2 استناداً إلى نطاقات الحركة للنمور في البيئات الجافة المماثلة في أفريقيا، وقدرت الدراسة أعداد النمور في المملكة تبعاً لذلك بين 16-111نمراً، وتوقع الباحثون في هذه الدراسة انقراض النمور العربية بحلول 2010م.
بينما يعتقد في دراسة أخرى أن موقعين محتملين للنمور في جماعتين معزولتين في جنوب غرب المملكة وأخرى في الشمال قرب المدينة المنورة. وهناك تسجيلات لحالات تسمم مؤكدة تم بعدها جمع بقايا النمور ومسح المناطق المحيطة ومنها حالتا تسمم في 2007م حدثت في عقبة تلاع، حوالي 15كم شمال مدينة النماص في منطقة عسير، وكانت لنمرين يافعين تم تسجيلها بعد مهاجمتهما وافتراسهما لماعز. ثم في 2011م تم تسجيل حالة تسمم في مقسى بالحارث حوالي 90كم جنوب مدينة الطائف. كان ذكراً بالغاً افترس جملاً صغيراً. وكان آخرها في 2014م في وادي النعمان حوالي 40 كم شمال مدينة الطائف وكان ذكراً افترس جملاً صغيراً.
في كل حالات الافتراس المسجلة أجريت مسوحات مكثفة باستخدام الكاميرات الحرارية، ولم يتم رصد أي نمور عربية. كما أجرت فرق المسح المتخصصة دراسات في المناطق المحتملة لانتشار النمور العربية بين 2007-2017م. استخدمت فيها 200 كاميرا فخيّة Camera traps، واستقطبت خلالها العديد من الخبرات الدولية للمشاركة والتدريب. ولم تسفر تلك الدراسات -على أهميتها لرصد التنوع الاحيائي -عن أي صور للنمور العربية. ولكن تزامن ذلك مع برامج توعية بيئية حول الموضوع، وبرنامج مكثف للإكثار في الأسر، أعطى نتائج جيدة سنتحدث عنه لاحقاً.
ومؤخراً أجرت منظمة بانثيرا مسحاً شاملاً من خلال الهيئة الملكية لمحافظة العلا شملت المواقع المحتملة لانتشار النمور من جنوب غرب إلى شمال المملكة وبمشاركة باحثين من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. وقد حددت هذه الدراسة أربعة مواقع محتملة لتواجد النمور العربية فيها ربما تحوي على الأقل 10 إناث من النمور. قدرت مساحات هذه المواقع الأربعة بين 1466-19140كم2 وتغطي إجمالاً مساحات قدرت 26277كم2. (مسودة الاستراتيجية الوطنية المحدثة للنمر العربي2021)
وحددت المواقع المناسبة لانتشار النمور في المملكة على امتداد جبال السروات بين الحدود السعودية اليمنية الى غرب الطائف. وموقعان مناسبان في الشمال تعد جزءاً من محمية الطبيق ضمن محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية، وجبل اللوز ضمن منطقة نيوم. فيما نشرت دراسة مؤخراً من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، اشتملت على نمذجة الكترونية لتحليل البيئات المناسبة لتواجد النمور العربية، وقد حددت مواقع تتضح في الخرائط المرفقة. هذه النتائج تتطابق مع دراسات غير منشورة أجرتها منظمة بانثيرا مؤخراً.
رغم شح البيانات عن انتشار النمور العربية إلا أن الدراسات المكثفة التي أجريت مؤخراً وتم استعراضها كشفت عن بعض الأمل لوجود مجموعات برية صغيرة متبقية في مواقع معزولة في جبال السروات والحجاز.
نظراً لندرة الدراسات عن النمر العربي فإننا سنستعين بمعلومات عن مثيلاتها في القارة الأفريقية والآسيوية، فمن المعروف أن للنمور انتشاراً واسع النطاق يمتد من غرب القارة الأفريقية إلى شرق قارة آسيا، ولكن النوع الذي ينتمي له تحت النوع العربي Panthera pardus والذي تم تصنيفه في بعض الدراسات إلى 24 تحت نوع sub species اقترح ضمها لثلاث مجموعات أساسية: أفريقية، ومجموعة شبه القارة الهندية، وثالثة في وسط آسيا ومن هنا تبرز فرادة النمر العربي التي تطرقنا لها سابقاً.
وعادة ما يرتبط تفضيل البيئات بحجم الحيوان وسلوكه الغذائي، فالنمور تتنوّع في هذه المساحة الشاسعة، حيث تتراوح أوزانها بين 21-71 كجم، وعادة ما يكون الذكر البالغ أكبر من الأنثى البالغة، فمثلاً النمور في منطقة (الكيب) في جنوب إفريقيا، تعد من الأصغر حجماً بين أشكال النمور في العالم، إذ يصل الذكر إلى 30.9 كجم، والأنثى البالغة إلى 21.9كجم.
ويعتبر النمر العربي الأقرب لتلك الأوزان، بينما في المتوسط يكون وزن ذكور النمور في مناطق أخرى في أفريقيا وآسيا بين 50-60 كجم، ونظراً للنطاق الواسع الذي تشغله النمور في العالم، فقد سجلت في أنماط بيئية مختلفة، من الصحراوية في كالاهاري وجنوب افريقيا في مناطق الكثبان الرملية والقليل من الأعشاب والأشجار، فقد تبين في دراسة في صحراء كالاهاري على النمور أنها تصبر عن شرب الماء إلى 10 أيام. ويميل سلوكها في هذه البيئات الجافة جداً لاستخدام جحور النيص وخنازير الأرض لاتقاء حرارة منتصف النهار. وكما هو معروف فإن النمور العربية تستخدم الكهوف في الجبال عوضاً عن ذلك، ولكن الصحراء نمط بيئي متطرف لعيش النمور. فقد سجلت في المناطق الرطبة والسافانا والغابات المتساقطة وكذلك في بيئات الغابات المطيرة في وسط و غرب إفريقيا، إذ يصل معدل الأمطار فيها الى 1500ملم في العام.
كما سجلت النمور في ارتفاعات منخفضة في الصحاري، إلى مناطق جبلية عالية، تصل إلى 5200م فوق سطح البحر في جبال كشمير وباكستان، وسجلت في المناطق الثلجية الباردة جداً شرق روسيا، وتفضل المناطق التي لا يزيد ارتفاع الثلج فيها عن 15سم. كما يمكن للنمور العيش في بيئات قريبة من الناس، إذا لم يشكلوا ضغوطاً عليها، ويمكنها الوصول لمواقع آمنة في الكهوف القريبة، فعلى سبيل المثال سجل في كامبالا في أوغندا ثلاثة نمور تعيش في محرك قطار قديم في محطة القطارات بالمدينة. هذا الاستعراض للبيئات المتنوعة للنمور يتقاطع مع ما تم تسجيله من حالات للتسمم أو حوادث متفرقة للنمر العربي في المملكة، فقد سجل في ارتفاعات متفرقة، من بضع مئات الأمتار عن سطح البحر، حتى قمم السروات إلى 3000م. كما سجل في وادي النعمان حادثة في قرية قرب الطريق السريع، وكذلك الحال في تسجيلات اليمن وعمان.
النمور في العالم متأقلمة على طيف واسع من الفرائس الصغيرة والكبيرة، في المتوسط من وزن 5-45 كجم. ويمكن للنمر أن يتغذى على ظلفيات ضعف إلى ثلاثة أضعاف وزنه، كما يمكن أن تكون الفرائس صغيرة جداً.
سجل في الدراسات العالمية 92 نوعاً من الحيوانات كفرائس للنمور في أفريقيا، والنمور القريبة من القرى تتغذى على الأغنام والكلاب والقطط والماعز وعجول الأبقار والخنازير، ومعظم حالات التسمم في المملكة كانت بسبب افتراسه لجمال صغيرة، وبعضها بسبب افتراس الأغنام. ومن المعروف ولع النمور بافتراس الكلاب، ربما بسبب وفرتها كحيوانات ضالة، تحديداً حول التجمعات البشرية، ولكونها مفترسات منافسة. كما يشتمل غذاء النمور على الوبر والأرانب وقرود الرباح (البابون) والمفترسات الصغيرة كالثعالب، وعلى الطيور. وقد أشارت دراسة أجريت في محمية جبل سمحان في سلطنة عمان، على اعتماده على الوبر والوعول بشكل أساسي لوفرتها في بيئته.
وكذلك الحال في إفريقيا، إذ تعتمد النمور على الظباء كغذاء أساسي في مناطق وفرتها، فمثلاً في متنزه كروجر الوطني تشكل ظباء الامبالا 78% من غذاء النمور، كما سجل تغذيه على الكودو والعلند والجواميس وعدد كبير من الظلفيات البرية، وسجل غذاؤه على القوارض (كالفئران) وعلى الخنازير والضباع الصغيرة والفهود والقط البري، بينما سجل اعتماده في غابات زائير المطيرة على الرئيسيات (القرود) بنسبة 25% من غذائه، وهي هناك تبلغ 13 نوعاً. تعتمد النمور لقنص فرائسها على حاسة النظر والسمع، وتمشي ببطء في مناطقها لتتبع الطرائد، وهي تفضل الاقتراب من الفرائس إلى أقصر مسافة قبل الانقضاض عليها. ويمثل هذا السلوك تأقلماً لعيشها في البيئات الجبلية، والتي يتعذر معها الطرد خلف الفرائس، كما توفر مواقع مناسبة للاختباء. قوائم النمور القصيرة مهيأة للانقضاض على الفرائس وليس للركض خلفها كما هو الحال في الفهود.
معظم صيد النمور في الليل، لاستغلال الظلام في التخفي. ويعتقد أن صيد الليل أنجح من صيد النهار. في متنزه كروجر في جنوب أفريقيا سجل فشل 13 محاولة صيد في النهار، مقارنة بنجاح محاولتين في الليل. وفي متنزه سرنجيتي نجحت محاولة صيد فقط من كل تسع محاولات، أو ثلاثة من 64 محاولة، خلال النهار في مراقبتين منفصلتين.
ومثل بقية الفصيلة القطية الكبيرة. تقتل النمور الفرائس الكبيرة بصيدها من الرقبة، ولكن الفرائس الصغيرة يتم صيدها من خلف الرقبة أو المؤخرة. تسحب النمور فرائسها لمسافة بعيدة تجنباً للمترممات والمفترسات الكبيرة الأخرى، وتصل مسافة السحب أحياناً الى مئات الأمتار، إلى أن تصل الى المناطق كثيفة النباتات، أو ترفعها على الأشجار، وهي تملك قوة هائلة في السحب، ففي إحدى الدراسات تمكن نمر من سحب صغير زراف اصطاده بوزن 125 كجم إلى شجرة بارتفاع 5,7م، ويشيع سلوك الصيد والسحب للأشجار في أفريقيا بسبب شيوع المفترسات الكبيرة كالأسود والضباع، وهناك فروق فردية في الصيد تعتمد على المواسم والخبرة وموسم التزاوج.
أما عن تردد الصيد للفرائس، فقد سجل في محمية كروجر في جنوب أفريقيا صيد النمور لظبي إمبالا واحدة كل أسبوع، أطول فترة بين صيدين كبيرين كانت 19 يومًا.
وفي متنزه سرنجيتي بأفريقيا سجل صيد النمور لظبي طمسن كفريسة أساسية بمعدل ظبي واحد كل 5-6 أيام.
وفي جنوب أفريقيا، في إحدى محميات الصيد شوهدت أنثى نمر تصطاد 28 فريسة خلال 330 يوم مراقبة، كل فريسة يزيد وزنها عن 10 كجم، مما يعني صيداً كبيراً كل 11,8 يوم. ولوحظ أن الأنثى مع المواليد تصيد في أيام متقاربة أكثر من الأنثى بدون مواليد، وكذلك تصيد الأنثى مع صغارها أكثر مما تصيد الذكور. أخيراً كمية استهلاك اللحوم لذكور النمور قُدرت في متنزه كروجر بأفريقيا بين 3,1-4,7 كجم في اليوم، والأنثى 2.9 كجم في اليوم، بينما في الأسر يستهلك بين 1,2-2,6 كجم في اليوم، والحاجة أقل بسبب قلة الحركة. ولكن النمور العربية لصغر حجمها يقدم لها أقل من 1 كجم من اللحم يومياً في برامج الإكثار في الأسر.
النمور حيوانات انعزالية، أي تعيش الذكور بمعزل عن الإناث، و لا تلتقي إلا في موسم التزاوج، ثم ينفصلان، و ترعى الأم الصغار بمفردها، و غالباً ما يكون نطاق حركة الذكور أكبر و يتقاطع مع نطاق حركة أنثى أو أكثر من أنثى، ويشمل نطاق حركته السنوية مناطق فقيرة في الوفرة الغذائية نظراً لسعة النطاق، وهو ما يفسر تعرض الذكور بشكل أكبر لحالات التسميم .أما الإناث فإنها تتنافس على نطاقات حركة غنية بالوفرة الغذائية لرعاية الصغار، وعادة ما تختار الإناث الصغيرات بعد الانفصال مواقع قريبة من أمهاتها تتراوح مساحة تلك النطاقات بين0.6-100كم2 بينما في صحراء كالاهاري يتراوح حجم تلك النطاقات بين 30.3-100كم2 وفي متنزه كروجر بين 3.5-100كم2.
هناك اختلافات كبيرة في نطاقات حركة النمور عموماً، وهي تكبر أو تصغر تبعاً لوفرة الغذاء، ففي محمية النيبال الغنية بالفرائس كان نطاق الحركة السنوي لا يتعدى 8 كم2. بينما في البيئات الفقيرة بالفرائس يكبر نطاق الحركة للإناث ليصل بين 128-487كم2. في صحراء كالاهاري تصل في الذكور الى 800كم2تؤثر من العوامل المؤثرة في الحركة اليومية للنمور وفرة الفرائس، فبينما تنخفض الحركة في متنزه سافو Tsavoبين الإناث في اليوم إلى 2.6كم ،وتتراوح بين (0.9-4.2كم/ اليوم) ، كذلك في جنوب غرب الكيب في جنوب أفريقيا، كانت مسافة الحركة اليومية لثلاثة ذكور أقل من 3 كم / اليوم .وقد ترتفع الحركة اليومية، ففي صحراء كالاهاري يتحرك الذكر في اليوم بمتوسط 14.3كم/اليوم والأنثى مع الصغار 13.4 كم /اليوم، بينما تصل أقصى مسافة يومية قطعها الذكر خارج موسم التزاوج إلى 27.3كم / اليوم ،و في موسم التزاوج تزيد لتصل إلى 33كم / اليوم ، وأقصى حركة للأنثى مع صغارها بلغت 24.6كم/ اليوم .
النمور موسمية التكاثر وغالباً يحدث التزاوج في فصل الشتاء، والولادات في فصل الربيع، أما في الأسر فقد تحدث الدورة النزوية estrus للأنثى في أوقات مختلفة، ويستمر تطلب الأنثى أسبوع إلى أسبوعين، ولكن في البرية لا يدوم تطلبها سوى يوم إلى يومين فقط، ولذلك فإن تكاثر النمور في الأسر مسألة صعبة، ولأسباب أخرى سنتطرق لبعضها.
يستمر الحمل لحوالي 96 يوماً، حوالي ثلاثة أشهر، وعدد المواليد يتراوح بين1-3مواليد. وسجل في العالم حالات نادرة 6 مواليد، ولكن معظم الولادات تضع فيها الإناث شبلين. تستخدم الإناث الكهوف أو التشكلات الصخرية للوضع، فهي لا تضع في العراء أبداً. وفي الأيام الأولى بعد الوضع غالباً لا تغادر الأنثى الكهف، وهي تأكل المشيمة وتلعق الصغار لإزالة اثار الدماء ثم تغادر بعد أيام للصيد، وتغيب بين 24-36 ساعة تصبح الصغار خلالها عرضة للافتراس. لذلك معظم وفيات الصغار تحدث في الأشهر الأولى بعد الولادة. الصغار الأكبر سناً تتركهم الأم عادة لفترات أطول، ففي دراسة شمال شرق ناميبيا تركت الأم صغارها وهم بأعمار ثلاثة أشهر لمدة بين 1-7أيام تكون فيها مشغولة بالصيد. عادة تبدأ الصغار بالحركة للخروج من الجحور بعمر شهر، ثم ترافق أمهاتها للصيد بعمر 3 أشهر أو أكبر عندما يصبح وزنها 3-4كجم. وهناك تسجيل لصغار بعمر 5 أشهر اصطادت أرانب وفرائس صغيرة، ولكن تحسن الصغار الصيد عادة بعمر 7-8 أ شهر عندما تظهر أنيابها الدائمة.
ثم بعمر12-18شهراً تستقل الصغار عن أمهاتها، ولكن وقت الانتشار وتكوين نطاقاتها الخاصة يكون بعمر 15-36 شهراً من الولادة. بصفة عامة النضج الجنسي عادة ما يكون بين2-3سنوات.
نظراً لأن النمور حيوانات انعزالية، فإن برامج الإكثار في الأسر تتطلب عناية خاصة تقدم فيها الذكور للإناث في موسم التزاوج بشكل متدّرج للحد من الاشتباك الحاد، ولذلك تصل مساحة مسيجات الإكثار إلى حوالي 400م2 مقسمة إلى ثلاثة مسيجات، يمكن أن يرى الذكر الأنثى من خلالها، ولكن لا يتصل بها، ويستمر الحال إلى أن يتآلفا، و يستمر التقارب الذي قد يطول لأكثر من موسم إلى أن تفتح البوابات للاتصال المباشر، مع مراقبة دقيقة للفصل بينهما بتيار مائي مندفع في حالة الخطر.
يلاحظ في الاتصال الجنسي أن الاعتلاء من الذكر للأنثى يكون قصيراً ومتكرراً، وخلال فترة تطلّب الأنثى قد يصل إلى عشرات المرات. ففي الجاكوار قد يصل إلى 100 مرة في اليوم، و في النمر العربي يصل إلى 70 مرة في اليوم. يعتقد أن الاحتكاك مهم جداً لمساعدة الأنثى في إفراز البويضة وإنجاح التلقيح.
بعد التأكد من حمل الأنثى يتم عزل الذكر في مسيج بعيد، وتراقب الأنثى بالكاميرات بشكل مستمر لحين الوضع والرعاية، أو فصل المواليد للرعاية الصناعية عند الضرورة.
بدأت برامج الإكثار في الأسر للنمور العربية في الشارقة وعمان منذ الثمانينيات، وفي المملكة العربية السعودية بدأ البرنامج بمحاولات بسيطة في فترات متقاربة، ولكنه انطلق فعلياً بشكل منتظم منذ 2007م ونجح في رفع أعداد النمور في الأسر في مركز الأمير سعود الفيصل بالطائف من زوج إلى 19 نمراً. ومن المهم إدارة البرنامج وراثياً ورسم شجرة النسب، لتجنب الانغلاق الوراثي، والحصول على إنتاج سليم صحياً، وقابل في المستقبل لإعادة التوطين.
قبل الشروع في شرح مستقبل النمر العربي في المملكة، علينا أولاً معرفة الأسباب الرئيسية التي أدت لتدهور النوع وتهدده بالانقراض بشكل حرج، وهي تتلخص في أربعة أسباب أساسية:
1. فقد البيئات وتجزؤها نتيجة لضغوط التنمية المتسارعة والعشوائية، والرعي والاحتطاب الجائرين، وحرائق الغابات، وفتح الطرق العشوائية، والتلوث بكل أشكاله.
2. القتل المباشر من الرعاة لافتراسه بعض المواشي، وما ذلك إلا بسبب الإفراط في صيد فرائسه الطبيعية، والأعداد الضخمة للمواشي التي ضغطت على الموائل الطبيعية وانتشرت في كل مكان، والقتل يكون غالباً بشكل غير مباشر من خلال تسميم بواقي الحيوانات المفترسة الكبيرة التي عادة ما تعود إليها النمور لصعوبة سحبها إلى أماكن آمنة.
3. صيد فرائسه الطبيعية كالوعول الجبلية والظباء العربية والوبر والأرانب البرية، وغيرها من قِبل هواة الصيد والإفراط في ذلك، مما يدفعه للبحث عن بدائل في المواشي.
4. الاتجار غير المشروع للنمور الحية ومنتجاتها، مما يدفع بعض السكان في المناطق النائية لصيدها وبيعها بأثمان عالية.
عنيت الدولة بالشأن البيئي منذ عام 1981م، عندما أعيدت هيكلة المديرية العامة للأرصاد، المنشأة في عام 1950م، ليصبح مسماها الجديد: مصلحة الأرصاد وحماية البيئة ،وأنيط بها المحافظة على البيئة في السعودية .ثم أسست الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في 1986م لتكون مسؤولة عن التنوع الأحيائي في المملكة و المحميات الطبيعية ،وتغير اسمها لاحقاً لتصبح الهيئة السعودية للحياة الفطرية، قبل أن تلغى مع الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة في 2019م، وتم إنشاء خمسة مراكز بيئية تنفيذية، منها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الذي انطلقت أعماله في مطلع 2021 م.
وكانت المملكة قد أعادت هيكلة قطاع البيئة ضمن قطاعات أخرى بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-يحفظه الله– ملكًا للمملكة العربية السعودية في 2015م. وتم تأسيس وزارة البيئة والمياه والزراعة في 2016م لتكون المظلة العامة للـشأن البيئي وأنظمته في المملكة. ثم اعتمدت الاستراتيجية الوطنية للبيئة في 2018 م، وتضمنت 64 مبادرة لإعادة هيكلة وتفعيل قطاع البيئة، وألغيت على إثرها الهيئات المعنية بالبيئة، وأسست خمسة مراكز وطنية تعنى بكامل الشأن البيئي بكل تفاصيله، وتولى المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية المؤسس حديثًا -انطلقت أعماله 2021 - الاستمرار في برامج المحافظة على التنوع الأحيائي، ومنها برنامج المحافظة على النمر العربي في المملكة.
ثم صدر توجيه لنقل برنامج إكثار النمر العربي والمحافظة عليه للهيئة الملكية لمحافظة العلا، وانتقلت إدارة البرنامج إليها رغم بقائه في مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية التابع للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وتكاملت الجهود لتحقيق تقدم ملموس في البرنامج.
ثم بتوجيه ودعم من صاحب السمو الملكي ولي العهد، أسست الهيئة الملكية لمحافظة العلا صندوقًا للنمر العربي في 2020م بوقف تأسيسي بقيمة 25 مليون دولار، ومن أهداف الصندوق المحافظة على النمر وحمايته من الانقراض، وزيادة أعداده في الطبيعة، ودعم الجهود الوطنية والدولية، وحث المجتمعات المحلية للمساهمة في برامج المحافظة. ويعتبر الصندوق أداة تمكين إقليمية ودولية للبرنامج.
ثم أقرّ مجلس الوزراء في يناير 2022م يوم 10 فبراير من كل عام يومًا للنمر العربي، بهدف نشر الوعي للحفاظ عليه من الانقراض.
للمحافظة على النمور العربية يجب العمل بشكل متوازٍ على محورين
- المحافظة داخل الموقع In – situ
ويعني المحافظة على ما تبقى من النمور في بيئاتها الطبيعية، وحماية تلك البيئات، وإعادة تأهيل المتدهور منها، وتكثيف الدراسات الحقلية.
- المحافظة خارج الموقع ex- situ
وتعني المحافظة ضمن برامج الإكثار في الأسر، لتكوين مجموعات متنوعة وراثيًا ومعاد تأهيلها لإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية.
أعدت الهيئة السعودية للحياة الفطرية الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل للمحافظة على النمر العربي في المملكة في 2011م، استنادًا إلى الاستراتيجية الإقليمية المعدة بمشاركة دول الانتشار والمنظمات الدولية والصادرة من الشارقة في 2010م. وتم نشر هذه الاستراتيجية وخطة العمل في 2017م.
ثم نظمت الهيئة الملكية لمحافظة العلا ورشة عمل لتحديث الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل في 2021م، بمشاركة المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، ومنظمة بانثيرا الدولية، وصندوق النمر العربي، وعديد من الجهات والمتخصصين. ويعتبر هذا التحديث وتطبيقه مستقبلًا خارطة طريق لإنقاذ النمر العربي من حافة الانقراض، وإعادة توطينه في بيئاته الطبيعية في المملكة. وسنستعرض إيجاز مخرجات تحديث الاستراتيجية.
تأسيس مجموعات برية مستدامة من النمور العربية في المملكة العربية السعودية خلال 25عامًا. Thriving wild populations
1. تأسيس ثلاث محميات فاعلة ومدارة في المملكة بحلول 2030م، كل منها قادرة على استيعاب مجموعة برية مستدامة من النمور العربية، يشمل ذلك تحديد المواقع المحتملة لإعادة التوطين أو التعزيز، وتحسين ظروف حماية هذه المحميات من حيث وفرة الفرائس، وتأمين برنامج للمتابعة، ويفضل أن تكون هذه المجموعات متصلة، أو بينها ممرات آمنه، لضمان التدفق الوراثي بين المجموعات.
2. ضمان دعم اجتماعي فاعل من السكان المحليين المحيطين بالمحميات المختارة، ومن عموم المواطنين، لإنجاح برامج إعادة التوطين للنمر العربي، بما في ذلك تحديد التكلفة، والفوائد من البرنامج للسكان المحليين، لزيادة وتعزيز القيمة لوجود النمر العربي والحياة الفطرية، ورفع الوعي البيئي بشكل عام.
3. تكييف وسن تشريعات تنفيذية خاصة لحماية النمر العربي بحلول 2030م، رغم أن إصدار نظام البيئة، وإصدار اللائحة التنفيذية لصيد الحيوانات الفطرية البرية، يعتبر خطوة متقدمة في هذا الهدف، إذ تغلظ عقوبة قتل النمر في النظام إلى 400 ألف ريال كغرامة مالية، عدا الأحكام الأخرى المترتبة على قتل كائن مهدد بالانقراض بشكل حرج.
4. ضمان الموارد الأساسية لاستدامة البرنامج، وأهمها الكفاءات الوطنية لحماية النمر العربي في المواقع الثلاثة المقترحة بحلول 2030م، بما في ذلك تدريب الجوالين من السكان المحليين، والتدريب العام للسكان المحليين، باعتبار البرنامج يعزز الفرص المهنية، وتنظيم برنامج منح للمرشحين المناسبين.
5. تأسيس مركزي إكثار جاهزين لإعادة التوطين، وتحتوي مجموعات متنوعة وراثيًا من النمور العربية، وذلك قبل 2030م، ويشمل ذلك التوسع وتحسين برنامج الإكثار القائم حاليًا في مركز الأمير سعود الفيصل بالطائف بالتنسيق والتكامل مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وتدريب العاملين، وتحسين بروتوكول الإدارة، وكذلك التعاون مع مراكز الإكثار الإقليمية.
6. ترشيح مواقع لإعادة التوطين، وتهيئة ما قبل الإطلاق، على الأقل لخمسة من النمور العربية بحلول 2030م. واختيار أفضل موقع لإعادة التوطين، واختيار النمور المناسبة لذلك، والتحضير للمتابعة المستمرة بعد الإطلاق.
7. تسريع التعاون والتشارك مع الشركاء المحليين والدوليين، والشركاء الأساسيين الآخرين، للتحضير لإمكانية إعادة التوطين في ثلاثة مواقع في المملكة بحلول 2030م يتضمن ذلك تأسيس فريق عمل، للتنسيق لتنفيذ خطة العمل بميزانية خاصة.
8. الاستمرار في البحث عن نمور برية لا زالت موجودة في المملكة، وحماية أي أفراد برية متبقية يتم اكتشافها، ويشمل ذلك إجراء مزيد من المسوحات الحقلية وإجراءات الحماية حال الكشف عن نمور عربية.
الشعر كما يقال: (ديوان العرب)، أي حافظ تراثهم وأمجادهم وتفاصيل حياتهم الطبيعية من حولهم، كيف كانت وكيف تفاعلوا معها. والديوان حريّ به أن يبقى عبر الأجيال. كيف يتسنى له ذلك وهو ضرب من فنون القول، بل أرقاها؟ والمقصد طبعاً قبل عهد التدوين. ربما جاء الإيقاع ليجعل للشعر رابطاً سماعياً يصعب نسيانه عبر بحور الشعر، هذا الجناح الذي طار بالشعر في سماء الذاكرة لم يكن وحده، بل أضيفت له أجنحة من فنون البيان، والتصوير، وفضاءات الدهشة. رغم أن الشاعر العربي كان أمينا في عكس صورة الواقع المحيط به، ومن ضمنه التنوع الأحيائي الفريد، ولكنه كان واقعاً مدهشاً. لذا جاءت صورة الحيوان في الشعر أقرب في بعض حالاتها إلى المشاهد السينمائية في وصف الحيوان، وسلوكه، ووصف مشاهد الصيد. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، بأن تحوّل الحيوان في القصيدة إلى رمز، ثم ارتقى إلى الأنسنة وهي أعلى المستويات الفنية لصورة الحيوان في الشعر العربي.
من التشبيه والاستعارة إلى المجاز
لتقريب الصورة، لابد من شرح بسيط، وبعض الأمثلة الشعرية: فالتشبيه هو مقارنة بين شيئين، والاستعارة هي تشبيه حذف أحد ركنيه – المشبه أو المشبه به –، أما المجاز فهو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، كاستعمال أسد، ويقصد الرجل الشجاع. والفنون البلاغية هذه شائعة في الشعر العربي، لتشبيه عيون النساء بعيون المها العربي، ورشاقتهن برشاقة الظباء، وحسنهن بما حبا الله الظبي من حسن المنظر وتناسق الأعضاء.
ومن ذلك قول زهير بن أبي سُلمى (ت609 م).
يصف المها العربي بالإبل البيضاء التي طليت مقدمة قوائمها بالقطران. وتسمى ذكور المها العربي بالثيران، لأنها من الفصيلة البقرية، وتسمى بقر الوحش، وألوانها بيضاء مع علامات داكنة في قوائمها وفي الوجه:
كــأن أوابـد الثـيـران فـيهـا :: هجائنُ فـي مغابنها الطِلاءُ
ثم يستطرد زهير في وصف حبيبته وتسويفها لوعودها، ويربط بين جمالها وجمال المها والظباء:
لَقَد طالَبتُها وَلِكُلِّ شَـــيءٍ :: وَإِن طــــالَت لَجاجَتُهُ اِنـتِهـاءُ
تَنازَعَها المَها شَـبَهاً وَدُرُّ :: الـنُحورِ وَشاكَهَت فيه الظِبـاءُ
فَأَمّـا ما فُوَيقَ العِقدِ مِنها :: فَــمِن أَدماءَ مَرتَعُها الخَـــلاءُ
وَأَمّـا المُقلَتانِ فَمِن مَهـاةٍ :: وَلِلــــدُرِّ المَلاحَـةُ وَالصَـفـــاءُ
أما الخنساء (ت 645م) فحين تصف أخاها صخراً تستعير له صورة الأسد المُدل من (أسود تبالة) وهو وادٍ شهير جنوب الطائف:
كَـــأَنَّ مُـــدِلًّاً مِـــنْ أُسُـــودِ تَبالةٍ ٍ :: يَـكُـونُ لَـهَـا حَـيْـثُ استدارت وَكَرَّتِ
وتضفي عليه صفات الأسود، التي تدافع عن أشبالها وتخضعُ لها الخادرات، وهي الأسود الأخرى، الخادرة في عرينها، حين تسمع زئيره في الفجر، فأن يكون صخرٌ شجاعاً بين شجعان أبلغ من أن يكون شجاعاً بين جماعة من الجبناء:
وَأَحيـا مِــن مُــخَبَّـأَةٍ كَـعـابٍ :: وَأَشـجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبـرِ
هَــرَيـتِ الشَــدقِ رِئـبـالٍ إِذا :: مـا عَدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجـرِ
ضُـبـارِمَـةٍ تَوَسَّـدَ ساعِـدَيـهِ :: عَــلى طُـرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ
تَــــديــنُ الـخـادِراتُ لَــهُ إِذا :: ما سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَـجرِ
من الرمز إلى الأنسنة
الرمز هو أن يتحول الحيوان إلى رمز لشيء يدل عليه لا يصرح به، كأن يكون الحمام رمزاً للسلام، والظباء رمزاً للجمال، والأسد والنمر رمزاً للشجاعة. وهو مستوى فني أرقى من فنون البلاغة والبيان.
فعند زهير بن أبي سُلمى يتحول المها العربي إلى رمز للقبيلة، حين يطلب زُهير من هَرِم بن سنان مساعدة لقبيلته، ليدفع ديات القتلى ويوقف رحى الحرب التي طحنت أبناء القبيلة. يصف زهير حال مهاة مع صغيرها (فرقدها)، وصراعها مع الصيادين وكلاب الصيد، وفقدها، لوليدها، وأنها لجأت بعد ذلك إلى هرم بن سنان طلباً للنجاة. فيفهم هرم أن القبيلة بحاجة لمساعدته فيتدخل لدفع الديات وإيقاف رحى المعارك:
كخنساءِ سفعاءِ الملاطمِ حرةٍ :: مسـافـرةٍ مـزؤدةٍ أُم فَـرقـــــدِ
والخنساء اسم للمها، وتعني ذات الأنف المنخفض، وهو من أسماء النساء، وصفات الجمال فيها. وسفعاءِ الملاطم، أي داكنة لون الخدود، وهو وصف دقيق للمها العربي لأن وجهها الأبيض يتداخل فيه لون داكن من المقدمة والخدين. وهي مهاة مسافرة تعاني في سفرها من ملاحقة الصيادين وكلابهم، ومن المطر والبرد، وتفقد صغيرها (فرقدها).
ثم بعد وصف معاناة المهاة في رحلتها يقول: إنما سيرها بأشكال من الجري، والركض المستمر، في الليل والفجر لثلاث ليال، في صحراء تمتد فيها كثبان الرمال وعروقها (اللوى) فنعم مسيرها الواثق إلى من سينقذها. ثم يثني على كرم هرم بن سنان:
إِلى هَـرِمٍ تَـهجيرُها وَوَسـيجُهـا :: تـَروحُ مِنَ اللَيلِ التَمامِ وَتَغتَدي
إِلى هَرِمٍ سارَت ثَلاثاً مِنَ اللِوى :: فَـنِعـمَ مَسـيـرُ الواثِـقِ المُتَعـمدِ
أَلَـيـسَ بِـفَيّـاضٍ يَـداهُ غَـمامَـةٌ :: ثِمالِ اليَتامى في السِنينَ مُـحَمّـدِ
وكما أن المها هو رمز للقبيلة عند زهير بن أبي سلمى، فإن ذكر النعام (الظليم) هو رمز للعربي في سعيه لحماية عشيرته من أي خطر يتهددها. إذ أن غايته تحقيق الأمن وبث السكينة في الديار كما يرى (سيد نوفل) في تحليله لميمية علقمة الفحل (ت603 م).
وهو يصف ناقته بالخاضب، وهو اسم خاص لذكر النعام ويعني المصبوغة قوائمه بالخضاب، أو الحناء، لأن لون القوائم والرقبة أحمر، ويصف غذاءه من نباتات الحنظل والتنّوم، ثم يسهب في الوصف إلى أن يتذكر النعام بيضه وفراخه قبل الغروب، فيعود سريعًا في ركض شديد ليطمئن عليها، ويتبادل زوج النعام مع الفراخ بأصوات لا يفهمها الشاعر وكأنها تراطن الروم – اللغة التي لا يفهمها - والمشهد طويل منه:
كَـأَنَّـهـا خـاضِـبٌ زُعــرٌ قـَوائِـمُــهُ :: أَجنى لَـهُ بِاللِوى شَـــريٌ وَتَنّـومُ
يَـظَـلُّ فـي الحَنظَلِ الخُطبانِ يَنقُفُهُ :: ومااستَطَفَّ مِنَ التَـنّومِ مَخـذومُ
فــوهٌ كَـشَــقِّ الـعَصـا لَأيــاً تُبَيَّنّـُهُ :: أَسَـكُّ مـا يَسمَعُ الأَصواتَ مَصـلومُ
حَتّــى تَــذَكَّــرَ بيضــاتٍ وَهـيَّجَــهُ :: يَــومُ رَذاذٍ عَــلَيــهِ الريحُ مَـغــيـومُ
فَـــلا تـَزَيُّــدُهُ فـي مـَشـــيِهِ نَفــِقٌ :: وَلا الـزَفـيـفُ دُوَيـنَ الشَـدِّ مَسؤومُ
يَــكـادُ مَنـسِــمُهُ يَـختـَلُّ مُــقـلَـتَــهُ :: كَـأَنَّـهُ حــاذِرٌ لِلـنَـخـسِ مَشـهــــومُ
يَـأوي إِلى خُـرَّقٍ زُعرٍ قَـوادِمُـهـا :: كَــأَنّـَهُــنَّ إِذا بَـرَّكـــنَ جُــرثــــــومُ
وَضّـاعَةٌ كَـعِصِيِّ الشَـرعِ جُؤجُؤُهُ :: كَــأَنَّهُ بِتَنـاهـي الـرَوضِ عُلـجـــومُ
حَتّى تَلافى وَقَرنُ الشَمسِ مُرتَفِعٌ :: أُدِحَيَّ عِرسَينِ فيهِ البـيضُ مَركومُ
يـوحـي إِلَـيـها بِإِنقـاضٍ وَنَقنَقـَـةٍ :: كَـمـا تَـراطَـنُ فـي أَفدانـِها الـــرومُ
أما الأنسنة فهي أن يضفي الشاعر الصفات الإنسانية على الحيوان، فيخاطبه، ويدعوه إلى طعامه، ويقارن نفسه به، ويدافع عنه، ويترجم أحاسيسه. وهو أعلى درجات البيان في الشعر العربي، كيف لا وهو يعطي معنى لكل شيء حوله، ويمنح انسانيته، وحواره، في هذا القفر إلى الحيوان والشجر وحتى الحجر، ألم يتمنَّ تميم بن مُقبل (ت 657م) أن يكون حجرًا تمضي الحوادث عنه وهو ملموم في مكانه
ما أنعم العيش لو أن الفتى حجرٌ :: تمضي الحوادث عنه وهو ملمومُ
وقد شاعت أنسنة الحيوان في الشعر الجاهلي عند الشعراء الصعاليك، الذين نبذتهم القبائل، فآخوا الوحوش، واستبدلوها بأهلهم، فتحدثوا مع الذئاب والضباع والنمور، ودعوها إلى طعامهم، ووصفوها، وتأملوا سلوكها، وقارنوا أنفسهم بها. ومن أشهر ما جاء في ذلك في لامية العرب عند الشنفرى (ت 525م) وهو يستبدل الوحوش بأهله ويعدّدهم: الذئب القوي "سيدٌ عملسٌ"، والنمر السريع " أرقط زهلولٌ"، والضبع الضخمة "عرفاء جَيأَلُ "، وسميت عرفاء لوجود شعر على رأسها ورقبتها ينتفش كالعرف عند استثارتها.
فقد استبدلهم بأهله لأنهم لا يفشون سرّه ولا يسلمونه في الجنايات.
وَلـي دونَـكُـم أَهـلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ :: وَأَرقَـطُ زُهـلولٌ وَعَـرفـاءُ جَيـأَلُ
هُـمُ الأهلُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ :: لَـدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
وتأبط شراً (ت530م) خاطب الذئب الجائع في البرية عند عوائه ليقول له: إنني مثلك نحيل جدا، وجائع، وإن من يسعى سعينا فيفوّت ما يحصل عليه، لابد أن يصيبه الهزال:
فـقـلت لـه لمـا عـوى إن ثـابـتًا :: قليل الغنـى إن كـنـت لمـا تمـــوّلِ
كـلانـا إذا مـا نـال شيئـا أفـاتـه :: ومن يحترث حرثي وحرثك يَهزلِ
والفرزدق (ت 728م) يدعو ذئبا جائعا ليقاسمه زاده في البرية، ثم يطلب من الذئب أن يعاهده بأن لا يخونه، لأنه اعتاد على الخيانات ورضع من حليبها، فهو والغدر أخوان، ويمنُّ عليه أنه لو جاء غيره لما قدم له طعاما، بل لرماه بسهم أو واجهه بسيف:
وَأَطلَسَ عَسّالٍ وَما كانَ صاحِباً :: دَعَـوتُ لِنـاري مـوهِنـاً فَأَتـانـي
فَلَمّـا دَنـا قُـلتُ اِدنُ دونَكَ إِنَّنـي :: وَإِيّـاكَ فـي زادي لَـمـُشـتَرِكــانِ
فَبِتُّ أسوي الزادَ بَيـني وَبَينـَهُ :: عَلى ضـَوءِ نـارٍ مَــرَّةً وَدُخــانِ
فَقُلتُ لـَهُ لَمّـا تَكَشّـَرَ ضاحِكــاً :: وَقائِمُ سَيفـي مِن يَـدي بِمَـكــانِ
تَعَشَّ فَإِن واثَقتَني لا تَخونَـني :: نَكُن مِثلَ مَن يا ذِئبُ يَصطَحِبانِ
وَأَنـتَ اِمرُؤٌ يـا ذِئـبُ وَالغَـدرُ :: كُنتُما أُخَيَّينِ كانا أُرضـِعا بِلِبـانِ
وَلَو غَيرَنا نَبَّهتَ تَلتَمِسُ القِرى :: أَتــاكَ بِسَـهمٍ أَو شَــباةَ سِنـــانِ
وَكُلُّ رَفيقَي كُلِّ رَحلٍ وَإِن هُما :: تَعاطـى القَنـا قَوماهُما أَخــَوانِ
النمر في الشعر العربي
النمر حيوان انعزالي، لا يلتقي الذكر بالأنثى إلا في موسم التزاوج، ويعيش في بيئات جبلية وعرة، ومعظم نشاطه ليلًا. ربما شكّل هذا الثالوث سببًا لقلة مشاهداته وصعوبة تأمله، فانعكس ذلك على قلة وجوده في الشعر، وإن ذُكر فهو رمز للقوة، ومن أسمائه في اللغة العربية: الأبرد والأرقط والسبنتي والكثعم والضرجع، والأنثى تسمى النمرة والخيثمة والسبنتان والعسبرة، ومن أسماء أشبالها القزر والهرماس. وصوت النمر عند الغضب يسمى الزّمخرة، أما عند الاسترخاء والراحة فيسمى الهرير والغطيط والخرير، ويجمع اسم النمر على أنمر ونُمور وأنمار ونِمارة.
ومن أقدم الإشارات عن النمر في الشعر العربي ما قاله امرؤ القيس (ت 540م) عندما وصف من يحبهم بأن مساكنهم رؤوس الجبال حيث يعدو النمر على شياههم.
أَحَـبُّ إِلـَينا مـِن أُنـاسٍ بِقِـنَّــةٍ :: يَروحُ عَلى آثارِ شائِهِمُ النَمِر
والخنساء (ت 645م) وصفت أخاها صخراً وشجاعته، أنه كان كالنمر يمشي إلى الحروب هادئاً وسلاحه الأنياب والأظفار:
مَشى السَبَنتى إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ :: لَــهُ سِــلاحـانِ أَنـيـابٌ وَأَظـفــــارُ
ويقول دريد بن الصِّمَّة (ت 630م) راثيًا صديقه معاوية أخا الخنساء:
بِشِكَّةِ حازِمٍ لا عَيبَ فيهِ :: إِذا لَبِسَ الكُماةُ جُلودَ نَمرِ
وعمر بن أبي ربيعة (ت 719م) يقول في رائيته الغزلية الشهيرة، أنه كلما زار حبيبته "نُعماً" يتنمر عليه قريب لها:
إِذا زُرتُ نُعماً لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ :: لَـهـا كُــلَّمـا لاقَـيـتُها يـَتـَنَمَّـــــرُ
ويبدو أن لبس جلود النمور كناية عن الاستعداد للحرب. وذات المعنى يتردد بعد قرون عند ابن الرومي (ت 896م):
سرى إليه عداةُ اللَه فانْصَلتوا :: مستأسِدين عليهم جلدة النّمرِ
ويستمر المعنى في ذات السياق عند الثعالبي (ت 1038م)
والدهر من جفائِهِ :: يلبسُ لي جِلد النّمِر
ولكن أجمل وصف للنمر في الشعر العربي ما قاله القتال الكلابي (ت 690م)، وهو من الشعراء الصعاليك الذين فروا إلى جبال المدينة المنورة، وآخى فيها نمراً له كهف يتردد عليه، ولونه (جون)، وهذا من التضاد أي الأسود والأبيض رغم أن ظاهره يدل على السواد. وقد وصف النمر بالصاحب في أجمل صور الأنسنة.
ولكنه صاحب لا يعلّل، والحديث معه صمت دائم، ونظرات حادة كالرماح، وهو يصف النمر وصفًا دقيقًا في شكله وسلوكه ويقول إن عيونه " طحلاء" وهو اللون الترابي المائل للصفرة، كما هو بالفعل، وإن طعامهم (الأروى) أنثى الوعل، يتناوبون عليها - النمر ان لم يستطع سحب فريسته فإنه يتركها ويعود إليها بعد اكتفائه منها -. ويقول القتال: إنني أميط الأذى – أي الفرث- عن الصيد، ولكن النمر يأكل جوفها. وكأن القتال يعرض مشهدًا سينمائيًا في وصف النمر. وأن لهما مجمع ماء جبلي "قلت" يختلفون إليه، يشرب منه من يبتدره أولًا. وإن عداوته مع النمر عداوة مكللة بالاحترام.
وَلي صاحبٌ في الغارِ هَدَّكَ صاحِباً :: هُــوَ الـجَــونُ إِلّا أَنَّـهُ لا يُـعَــلَّــــلُ
إِذا مــا الـتـَقَينا كـانَ جـُلَّ حَـديثِنــا :: صِـماتٌ وَطِـرفٌ كَـالمَعابِـلِ أَطحَـلُ
تَـضَـمَّنَـتِ الأَروى لَنـا بِـطـعـامِـنـا :: كِـلانـا لَـهُ مِـنها نَـصـيـبٌ وَمَـأكَــلُ
فَـأَغـلـِبُهُ فـي صَـنعَـةِ الـزادِ إِنَّـنـي :: أُمـيـــطُ الأَذى عَــنـهُ وَلا يـَتَـأَمَّـــلُ
وَكـانَت لَنـا قَـلـتٌ بِـأَرضِ مَضِـلَّــةٍ :: شَـــــريـعَتُـــنـا لِأَيِّـــنـا جــــاءَ أَوَّلُ
كِـلانـا عَــدُوٌّ لَـو يـَرى فـي عَـدُوِّهِ :: مَـحَـزّاً وَكـُلٌّ فـي الـعَـداوَةِ مُـجـمِــلُ
- Boug, A., Islam, M. Z. & Shehri, A. (2009. Captive-breeding of Arabian leopard Panthera pardus nimr in the Kingdom of Saudi Arabia. Wildlife Middle East News, 4:2.
- Breitenmoser, U., Breitenmoser, C., Mallon, D. & Edmonds, J. A. (2010). Strategy for the Conservation of the Leopard in the Arabian Peninsula. Enviroenment and Protected areas Authority. Sharja, UAE. 24 pp.
- Farhadinia, M. S., Rostro-García, S., Feng, L., Kamler, J. F., Spalton, A., Shevtsova, E. & MacDonald, D. W. (2021). Big cats in borderlands: Challenges and implications for transboundary conservation of Asian leopards. Oryx, 55: 452–460.
- Islam, M. Z., Boug, A. & Al-Shehri, A. (2017). National strategy and action plan for Arabian Leopard in the Kingdom of Saudi Arabia. Cat News, 66:14–17.
- Islam, M. Z.-U., Boug, A., As-Shehri, A. & Jaid, M. (2014). Poisoning of endangered Arabian leopard in Saudi Arabia and its conservation efforts. Cat News, 60:16–17.
- Jacobson, A. P., Gerngross, P., Lemeris Jr., J. R., Schoonover, R. F., Anco, C., Breitenmoser-Würsten, C. & Dollar, L. (2016). Leopard (Panthera pardus) status, distribution, and the research efforts across its range. PeerJ, 4, e1974.
- Judas, J., Paillat, P., Khoja, A. & Boug, A. (2006). Status of the Arabian Leopard in Saudi Arabia. Cat News Special Issue 1: 11–19.
- Mallon, D. & Budd, K. (eds). (2011). Regional Red List Status of Carnivores in the Arabian Peninsula. Cambridge, UK and Gland Switzerland: IUCN, and Sharjah, UAE: Environment and Protected Areas Authority vi+49pp.
- Mittermeier, R. A. & Wilson, D. E. (eds.). (2009). Handbook of the Mammals of the World. Vol. 1. Carnivores. Lynx Edicions, Barcelona. 728 pp.
- Qarqaz, M. & Abu Baker, M. (2006). The leopard in Jordan. Cat News Special Issue 1: 9–11.
- Royal Commission for AlUla (2021). National Strategy and Action Plan for the Conservation of the Arabian leopard in the Kingdom of Saudi Arabia (Draft).
- Spalton, A. (2021). Arabian Leopard: Treasures of AlUla. Assouline Publishing 2021. ISBN: 9781649800794
- Spalton, J. A. & al Hikmani, H. M. (2006). The Leopard in the Arabian Peninsula - Distribution and subspecies status. Cat News Special Issue 1: 4–8.
- Spalton, J. A., Al Hikmani, H. M., Willis, D. & Said, A. S. B. (2006). Critically endangered Arabian leopards Panthera pardus nimr persist in the Jabal Samhan Nature Reserve, Oman. Oryx, 40: 287–294.
- Zafar-ul Islam, M., Boug, A., Judas, J. & As-Shehri, A. (2018). Conservation challenges for the Arabian Leopard (Panthera pardus nimr) in the Western Highlands of Arabia. Biodiversity, 19:188-197.
- Zafar-ul Islam, M., Volmer, R., al Boug, A., Shehri, A. A. & Gavashelishvili, A. (2020). Modelling the effect of competition for prey and poaching on the population of the Arabian Leopard, Panthera pardus nimr, in Saudi Arabia (Mammalia: Felidae). Zoology in the Middle East, 66: 95-106.
- Zafar-ul Islam, M., Gavashelishvili, A., Kokiashvili, L., al Boug, A. & Shehri, A. A. (2021). Modeling the distribution and movement intensity of the Arabian Leopard Panthera pardus nimr (Mammalia: Felidae). Zoology in the Middle East, 67(2), 106-118.
- إبراهيم، محمد أبو الفضل. 1984. ديوان امرئ القيس. دار المعارف، القاهرة.
- أبو سويلم، أنور. 1988. ديوان الخنساء: شرحه أبو العباس أحمد بن يحي ثعلب، دار عمار، الطبعة الأولى.
- البوق، احمد. 2009. النمور العربية من الانقراض إلى الإكثار. الوضيحي 40: 78-84.
- البوق، احمد. 2020. النمر في الشعر العربي تخفي في الطبيعة والشعر. الجوبة، 67.
- السَّقا، مصطفى، والأبياري، إبراهيم وشلبي، عبدالحفيظ. بلا تاريخ. ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان. دار المعرفة، بيروت، لبنان
- حسن، عزة. 1995. ديوان ابن مقبل. دار الشرق العربي، بيروت.
- فاعور، علي. 1987. ديوان الفرزدق. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى.
- فاعور، علي حسن. 1988. ديوان زهير بن أبي سلمى. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
- سبالتون، اندرو. والحكماني، هادي بن مسلم. 2014. النمر العربي في سلطنة عمان. ديوان البلاط السلطاني ومؤسسة ستايسي الدولية.
- شاكر، علي ذو الفقَار. 1984. ديوان تأبّط شرًا وأخباره. دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى.
- عبدالرسول، عمر. 1985. ديوان دريد بن الصمة. دار المعارف، القاهرة.
- يعقوب،أميل بديع. 1996. ديوان الشنفري. دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، بيروت.
- محمد، فايز. 1996. ديوان عمر بن أبي ربيعة. دار الكتاب العربي، بيروت.
- مكارم، سعيد نسيب. 1996. ديوان علقمة الفحل التميمي. دار صادر، بيروت.
- بسج، أحمد حسن. 2002. ديوان ابن الرومي، الجزء الثاني. دار الكتب العلمية، بيروت.
- عبدالله الجادر، محمود. 1990. ديوان الثعالبي. دار الشؤون الثقافية العامة ،آفاق عربية.
- عباس، إحسان. 1989. ديوان القتال الكلابي، دار الثقافة، بيروت.
- حياة الحيوان الكبرى: الشيخ كمال الدين الدميري، وبهامشه كتاب عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات للإمام زكريا بن محمود القزويني. المطبعة العامرة الشرفية، مصر، 1897
- الفارس، أسعد. 1992. عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات لزكريا بن محمد بن محمود القزويني. دار طلاس للدراسات والترجمة، دمشق، الطبعة الأولى.
- هارون ،عبدالسلام. 1965. كتاب الحيوان: عمرو بن بحر الجاحظ ، تحقيق وشرح. مكتبة ومطبعة الحلبي، مصطفى البابي، القاهرة، الطبعة الثانية.
- جمعة، حسين. 2010. الحيوان في الشعر الجاهلي. دار رسلان للطباعة والنشر ، سوريا، دمشق، جرمانا.
- جمعة، حسين. 2011. مشهد الحيوان في القصيدة الجاهلية. دار رسلان للطباعة والنشر، سوريا، دمشق، جرمانا.
- العريفي، سعد عبدالرحمن. 2005. سلوك الحيوان في الشعر الجاهلي دراسة في المضمون والنسيج الفني. رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى.