الدراسات
أبريل 2025

اﻟﴪدﻳﺎت ﰲ اﻷﻟﻌﺎب اﻹﻟﻜﱰوﻧﻴﺔ

تظهر السرديات في الألعاب الإلكترونية بوصفها سياقًا ثقافيًا، يحوي عناصر عديدة من التراث القصصي، والشخصيات المتوارثة، ويمثل الكثير من هذه العناصر في حبكات مختلفة، يتداولها العالم ويتعرف من خلالها على المستوى الأدبي والفني للمنطقة والثقافة التي يمثلها. في هذه الدراسة تلقي الباحثة الضوء على السرديات وطرق تكوينها والتحديات التي تواجه مطوريها.

مصدر الصورة:
قد تواجه بعض المشاكل في التصفح عبر الجوال عند وجود جداول في المنشور، ولتصفح أفضل ؛ ننصحك بالتصفح عبر شاشة أكبر أو التصفح بعرض الشاشة.

مقدمة

اتخذت المملكة العربية السعودية، وهي البلد المشهود له بإرثه الثقافي وبمواكبته السريعة للعصر، خطوة طموحة، بتأسيسها لصناعة ترفيه مزدهرة. تتماشى هذه الخطوة مع إستراتيجية رؤية 2030 <span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">-إنجازات رؤية 2030 (2016-2020): للاطلاع https://www.vision2030.gov.sa/media/v1dngtew/achievements-booklet_ar.pdf</span></span> الساعية إلى تنويع مصادر دخل البلاد وتوفير طرق جديدة للتنمية تفيد منها الأجيال.

فقد أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، عن الإستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية<span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext">- https://www.arabnews.com/node/2163196/jserrors/session_trace/page_view_event/aggregate</span></span> . لتبدأ حقبة جديدة تتطلع إلى تصدّر السعودية قطاعَ الألعاب ولتكون مقرًا عالميًا لهذا القطاع بحلول عام 2030. وترمي الإستراتيجية إلى تحقيق أهداف رؤية 2030 في تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل في قطاعات مختلفة وتقديم ترفيه عالمي المستوى للمواطنين والمقيمين والزائرين على حد سواء.

يقود الإستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية المواطنون واللاعبون السعوديون بإبداعهم وطاقاتهم، وهم محور هذه الإستراتيجية التي تنطوي على ثلاثة أهداف رئيسة: تطوير تجربة هواة الألعاب، وتوفير فرص جديدة للترفيه، والإسهام بما يقارب خمسين مليار ريال سعودي في الناتج الإجمالي المحلي، على الصعيدين المباشر وغير المباشر لتحقيق الأثر الاقتصادي. كما أنها ترمي إلى خلق تسع وثلاثين ألف فرصة عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030، ورفع ترتيب المملكة في الساحة الدولية وذلك بإنتاج أكثر من ثلاثين لعبة منافسة عالميًا في استديوهات المملكة.

وتعتزم المملكة تنفيذ هذه الإستراتيجية بواسطة ست وثمانين مبادرة، تشمل سلسلة القيمة بكاملها، يطلقها ويديرها أكثر من عشرين جهة حكومية وخاصة. وتضم هذه المبادرات إطلاق حاضنات الأعمال واستضافة الفعاليات الكبرى للألعاب والرياضات الإلكترونية، وإنشاء الأكاديميات التعليمية، وتطوير اللوائح التنظيمية المحفزة التي تضمن مواكبة النمو السريع في هذا القطاع.

نجحت صناعة الألعاب في السعودية في تحقيق عدد من الإنجازات البارزة. وكان للهيئة العامة للترفيه دور فعّال في تعهد بيئة مزدهرة للألعاب محليًا وعالميًا. فاستضافت السعودية عددًا من الفعاليات رفيعة المستوى منها لاعبون بلا حدود، وهي أكبر بطولة خيرية للرياضات الإلكترونية، وبطولة موسم الرياض للرياضات الإلكترونية، وجذبت اللاعبين والمتفرجين من كل أنحاء العالم.

كما تضم إستراتيجية المملكة للألعاب استثماراتٍ في رأس المال البشري والبنية التحتية، تُنفذ بشراكات مع جهات عالمية للألعاب والتقنية، وقد أطلقت مبادرات لتقديم التدريب والتعليم في تطوير الألعاب وتصميمها. وتصدّر الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية والذهنية هذه المساعي في رعايته للرياضات الإلكترونية ودعمه لمحترفي الألعاب ومطوريها من المواطنين.

خطَت الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات في سبتمبر من عام 2021م خطوةً هائلة من خلال إطلاق مبادرة Game mode  قيم مود، بهدف دعم وتمويل الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الألعاب الإلكترونية. وموّلت هذه المبادرة عددًا كبيرًا من المشاريع الابتكارية، وأسهمت في تنمية قطاع الألعاب المحلي وتنويعه<span class="tooltip">(3)<span class="tooltiptext">- هيئة الاتصالات" تطلق مبادرة Game Mode https://www.cst.gov.sa/en/mediacenter/pressreleases/Pages/2021020401.aspx#</span></span>. كما عُد إطلاق هيئة المانغا والأنمي عام 2021م خطوة بارزة في مسيرة صناعة الألعاب السعودية. وتهدف هذه المبادرة إلى استثمار شعبية ثقافة البوب اليابانية في المملكة وتحري إمكاناتها في تطوير الألعاب.

تقف السعودية اليوم على مشارف ثورة في الألعاب، وتحتل سوق الألعاب السعودية المرتبة التاسعة عشرة بين أسواق العالم بوجود أكثر من 21.5 مليون من هواة الألعاب. ويزداد إسهام هذا القطاع في الاقتصاد السعودي ازديادًا سريعًا، إلى جانب زيادة هائلة في فرص العمل والاستثمارات<span class="tooltip">(4)<span class="tooltiptext">- https://intenta.digital/gaming-industry/video-game-industry-saudi-arabia/#:~:text=According%20to%20the%202022%20Boston,players%20pursuing%20full%2Dtime%20careers.</span></span>. ويتوقع أن تشهد صناعة الألعاب في المملكة مستقبلًا واعدًا، بعد تأسيس جهات كالاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية والذهنية وإنشاء استديوهات لتطوير الألعاب. وسرعان ما ستصبح المملكة مقرًا عالميًا لتطوير الألعاب، من خلال الشراكات الإستراتيجية والحملات الابتكارية والتركيز على المواهب المحلية.

تسعى دراسة الحالة إلى استقصاء صناعة الألعاب في السعودية، لتحاول تحديد التفاعل بين الأصالة الثقافية وحركة السوق ومطالب السوق العالمية ضمن سياق تطوير الألعاب. وتهدف الدراسة إلى تحقيق تصور شامل للمصاعب المتعددة الأوجه والمنظورات التي تواجهها الصناعة من خلال استقراء تفسيرات مطوري الألعاب المحليين إلى جانب إستراتيجيات السوق والأنظمة التعليمية. وسيتسع نطاق التركيز ليشمل معرفة أثر المزج بين السرد الثقافي والنهج الموجه بالسوق في تلقي الألعاب المطورة في المملكة محليًا وعالميًا. ومن خلال سبر حركة السوق والمبادرات التعليمية وتطور السرد في الألعاب، تسعى الدراسة إلى الوصول إلى نقاش أوسع حول تشجيع صناعة ألعاب سعودية تتسم بالنضج والقدرة على المنافسة عالميًا، وتتماشى مع الأهداف الوطنية لرؤية 2030.

مراجعة الدراسات السابقة

استعراض عام لصناعة تطوير الألعاب في المملكة

يذكر سسلر (2008) أن المملكة العربية السعودية شهدت أوائل الثمانينيات [من القرن العشرين] ولادة سوق الألعاب فيها بعد ظهور آلة الـﭘونغ، وأعقبها إطلاق جهاز نينتندو فاميكوم عام 1984م وتزامن ذلك مع إنشاء كومبيوتر هاﭘس وهي وكالة رائدة لمتاجر الألعاب. وأحدث الظهور اللاحق لجهاز سيغا جينسس نقطة تحول أخرى، فقد قدم الشخصية الأيقونية سونيك القنفذ لهواة اللعب السعوديين. غير أن الـﭘـلايستيشن الأصلية غيرت مشهد الألعاب في السعودية من خلال اجتذابها للاعبين بعناوين ملفتة من قبيل سبايرو وتيكن وﭘرو إﭬوليوشن سوكر وكراش بانديكوت. ولكن في جل هذه الألعاب، عُمد إلى تبسيط تنوع الهويات الإثنية والدينية وثرائها في العالم العربي وأعيد تشكيلها إلى فئات اجتماعية عديدة، وضُمنت كلها في سياق أوسع يتمركز حول موضوعات الإرهاب والعداء. وظهر حاجز اللغة في الوقت نفسه ليشكل تحديًا مستمرًا أمام اللاعبين المهتمين بالألعاب القائمة على السرد.

إن سوق الألعاب في السعودية آخذة في الاتساع في الآونة الأخيرة بمعدل باهر يبلغ 41.1% في السنة، فأدى ذلك إلى إحرازها المرتبة التاسعة عشرة في كبريات الأسواق العالمية (غلوبل نيوز واير 2022). ولئن كان 18% فقط من اللاعبين الغربيين هم من ينفق نسبة مئوية ملفتة من ميزانيتهم على ألعاب الهواتف، فإن 32% من اللاعبين السعوديين يظهرون ميولًا شرائية مختلفة في هذا الإطار. والجدير بالملاحظة أيضًا أن 12% من اللاعبين السعوديين يندرجون تحت فئة كبار المشترين، وهي أعلى بكثير من نظيرتها في أوروبا الغربية التي تبلغ 4%. وتُعد ألعاب تركيب الأحجيات والرياضات والسباقات والمغامرات أكثر الأنواع شيوعًا في ألعاب الهواتف في المنطقة. وتبلغ نسبة الأشخاص الذين يشاركون في فعاليات الألعاب أكثر من 67% من سكان المملكة، وهذا يعني عددًا كبيرًا من الناس. وتقدّر دراسةٌ حديثة للمجموعة الاستشارية في بوسطن (2022) أن 21.1 مليون شخص يشتركون في الألعاب الإلكترونية، إما بصفتهم هواة أو شبه محترفين.

وبالاستناد إلى هذا الزخم، طرحت رؤية الحكومة السعودية 2030 عددًا من النظم لتعزيز صناعة الألعاب، ويتجسد هدفها برفد الناتج الإجمالي العام بخمسين مليار ريال بحلول عام 2030 وتقديم نطاق واسع من فرص التوظيف في هذا القطاع. وبتأمل هذا الالتزام، نجد ازديادًا ملحوظًا في عدد شركات الألعاب الناشئة في السعودية، إذ تضاعف العدد تقريبًا من 13 عام 2021 لتصبح 24 في عام 2022 (ناين66. 2022).

السياق التاريخي والثقافي للقصص في المملكة وتأثيره في مطوري الألعاب من المواطنين

ظهر الالتقاء بين اللعبة الجيدة والسرد القصصي بصفته تيارًا سائدًا في صناعة الألعاب، فقد عُد العنصران مكونين لا ينفصلان في عملية الابتكار. ويلاحظ في جل ألعاب الفيديو غربية الصنع مسألة المبالغة في تعميم الهوية العربية في الكثير من الأعمال لدى تصوير العرب، ولا سيما التي ابتكرها مؤلفون من خارج الوطن العربي. ويتضح هذا الجانب في تأكيد كليمنت على السمات المشتركة بين المجتمعات المسلمة المتنوعة في المنطقة (كليمنت، 2019، ص122)، وتقليل الفراج من تأثير التنوع الثقافي (الفراج 2019) بصرف النظر عن الانقسام الطائفي الحاد والاختلافات في المنطقة، وسياسات الحكومة وضبط المحتوى وقوانين حفظ الحقوق والوضع الاقتصادي بين الدول العربية الاثنتين والعشرين.

غير أن السياق التاريخي والثقافي للقصص في السعودية مشبع بتقاليد شفاهية غنية، ومكمل لفهم السرديات التي يبدعها مطورو الألعاب من المواطنين. وتؤكد ثقافة البدو، تقليديًا، على أهمية توارث القصص شفاهيًا عبر الأجيال، وهذا ما يخلق ثقافة سردية متينة عميقة الجذور.

يؤثر هذا الإرث تأثيرًا لاحقًا في صناعة المحتوى المعاصر، ومنه تطوير الألعاب، من خلال إدراج البنى السردية في وسائط حديثة. ويُظهر الاستقصاء الموسع للتطور الاجتماعي السياسي والثقافي للبلاد الحكايات التي تتردد في أوساط الشعب السعودي، ولذا يميل مطورو الألعاب السعوديون إلى استقصائها وتمثيلها (الرشيد 2010).

ويخلص الخميس (2003) إلى أن اللاعبين والمطورين السعوديين يظهرون ضربًا جديدًا من "السعودة" تنطوي على الهجانة، فتمزج بين الثقافة المحلية والمرويات التاريخية وبين الاتجاهات العالمية في الألعاب. برز هذا التهجين، حتى الآن، في الإستراتيجيات المتبعة في إنتاج الألعاب في الآونة الأخيرة، من خلال إيجاد ألعاب تجمع بين التصميم الغربي والحكايات والجماليات المحلية، يسعى فيها المطورون إلى التعريف بثقافتهم وترويجها من خلال دمجها مع الاتجاهات العالمية في الألعاب.

وأبدى المشاركون مخاوف تتعلق بالحفاظ على الإرث الثقافي، وأبدوا تفضيلهم لإستراتيجيات من قبيل تعديل الألعاب واستنساخها لمواجهة المفاهيم الثقافية المغلوطة والمحافظة على ارتباطها محليًا. وسُلط الضوء على بعض الأمور المقلقة في الإنتاج الياباني الغربي الذي جرى توطينه منها امتهان اللغة العربية وتداول تصورات مسبقة مرتبطة بلهجات عربية محددة.

استطلاع أهمية المرويات ومساعدتها للاعبين

تُسمّى الألعاب في أوساط الأكاديميين "الدوائر السحرية" تأسيًا بمصطلح هويزنغا في هومو لودنز [الإنسان لاعبًا] (1938)، وعدّت في البداية عوالم تحاكي الواقع، وتقدم عالمًا مختلفًا منفصلًا عن الحياة اليومية. تاريخيًا عدت عناصر اللعب كالتحدي والخيال والغرابة عواملَ تنمي الانجذاب (مالون 1981). غير أن دراسات الألعاب الحديثة ترى أن وجهة النظر هذه تفرط في تبسيط العلاقة المعقدة بين الألعاب في أثرها على الأفراد والمجتمعات، وارتباطها بنطاق أوسع من القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية (داير- وذرفورد & دي بويتر 2009).

يعرف مكليلن (2006) سرد القصص الرقمي بأنه "فن وصنعة استقصاء مختلف تطبيقات الإعلام والبرامج لنقل القصص في أساليب جديدة فعّالة، باستخدام الإعلام الرقمي. ولئن كانت الأدوات الرقمية زهيدةَ الثمن وفي متناول الجميع، فإن سرد القصص الرقمي يميل إلى أن يكون شخصيًا جدًا، وعالميًا في آن واحد". ومن أجل هذه الغاية يتفحص رايان (2017) أشكالًا مختلفة من السرد الرقمي منها القصص المنتجة بالذكاء الاصطناعي، والقصص التي أبدعها البشر ونشرت على الإنترنت، والقصص التفاعلية التي تبتكرها الآلات باستخدام بيانات أدخلها البشر. وبغية حلّ ما بات يعرف بـ "مفارقة التفاعل"، تبحث المؤلفة عن أمثلة للسرد القصصي التفاعلي الذي يحسّن الموازنة بين فاعلية المستخدم وبين بنية السرد. وتذكر التشابه بين مفهومي ألعاب التسلية والتعليم لتوضيح الفروق بين الألعاب السردية، التي تغني فيها القصة تجربة اللعب، ومستويات اللعب التي تولّد فيها اللعبةُ القصة. وبينما تؤكد الألعاب القائمة على الحكاية على إكمال الأهداف، فإن القصص القابلة للعب صُممت في أصلها لأجل متعة اللاعب البصرية ومنحه الفرصة ليشهد نموّ عالم الحكاية.

تتألف ألعاب الفيديو، المرتبطة تفاعليًا بالتقنية والثقافة والمجتمع، من عناصر شتى كتقنيات اللعبة وديناميكياتها وجمالياتها. تتضافر هذه العناصر لخلق تجربة آسرة، من خلال تشكيل اللاعبين للقصة في اللعبة (بوليتبولس ومول 2006). وقد ظل الخيال بعد تطور تصميم الألعاب جانبًا مهمًا دراسته، ولا سيما في تداخله مع اللعب (بروفنزو 1991، رايبر 1996). يفترض ديكي (2006) بأن الألعاب في أصلها للترفيه، وقد لا تتسق بناها السردية مع كل الأهداف التعليمية، غير أن عناصر من قصص ألعاب المغامرة قد تقدم آراء قيمة من أجل تصميم محتوى تعليمي جذاب، مع الأخذ في الحسبان جوانب كالتعلم القائم على حلّ المشكلة والقائم على المشروع في بيئات تفاعلية. وتبعًا لذلك يشمل التركيز التقليدي على الحاجات في البنى السردية حكاياتٍ عن الحرب والنصر، ومن ثَم فلا بد من دراسات حول العرق والجنوسة والثقافة من أجل تصميم المواد التعليمية.

وفرّق كلٌّ من مالون ورايبر بين أنواع الخيال؛ فقد قسمها مالون إلى خيال دخيل وآخر أصيل، مؤكدًا على الإمكانات التعليمية للأصيل، بينما جعل رايبر الخيال خارجي المنشأ وآخر باطني المنشأ، مؤكدًا على الإمكانات التعليمية للباطني. وسلط غي (2003) الضوء على دور الخيال في التعليم القائم على حل المشكلات والتعليم متعدد النماذج، مشيرًا إلى توفير الألعاب تجارب جذابة، تسهّل التفكير النقدي وحل المشكلات. إن القصة، سواء أكانت خيالية أم واقعية، بالغة الأهمية في تصميم اللعبة (بروفونزو 1991، رايبر 1996، غي 2003). فكثيرًا ما تنطمس الحدود بين الخيال والواقع، وينظر إلى كليهما بصفتهما نقاطًا في سلسلة. أخيرًا، يساعد إدخال السرد في التعليم على الاستيعاب ويقدم أدوات للاستكشاف، وإن تطلب ذلك مزيدًا من العمل في صنع قصص جذابة تناسب أنشطة التعلم المختلفة (كونلي 2003، لوريلارد 1998).  

ويغربل جونز هذه الآراء (2008)، فيعرّف الألعاب بأنها "أدوات ثقافية يستفاد منها في نشر وبناء وهدم وإعادة بناء وتفسير وإعادة تفسير ونسف وتفجير وتحويل وترجمة أو إعادة ترجمة تجربة قد تكون ذات معنى". كما يقدم جونز رأيًا توافقيًا في ألعاب الفيديو، يؤيد فيه أن السرد قد يتغير تغيرًا هائلًا ويطرح قيوده القديمة، مديمًا حالة الركود بالعودة مرارًا إلى أحداث سابقة.

تطور السرد في الألعاب

استند التواصل البشري دائمًا إلى القصص بقوة، ولكن المناهج الجديدة للحكاية قد تطورت بظهور الإعلام الجديد كالإذاعة والأفلام والتلفاز. (غلاسنر 2001). غير أن الإعلام التفاعلي يقدم تحديًا فريدًا نظرًا لطبيعته الحيوية، التي قد تخلّ بالطبيعة الخطية التقليدية للقصص. ويقدم الانغماس في البيئة الافتراضية مستوى إضافيًا من التعقيد إذ توفر للمستخدم تجربة من "وهم المكان" فيشعره بأنه جزء من البيئة الافتراضية (كهني وآخرون، 2021).

يؤدي هذا الإحساس الغامر باللاعبين إلى التفاعل تلقائيًا مع البيئة في أسلوب لعب الأدوار، الذي يشبه المسرح، بدلًا من التفاعل في ألعاب الفيديو التقليدية. ويفترض ليوبرا (2012) أن في هذا التفاعل الغامر فرصة في رفع انجذاب المستخدم، لكن هذا يتطلب أيضًا مرونة أكبر في تقديم المحتوى. لذا يقترح الباحثون منهجًا جديدًا يندمج فيه المستخدم في قصة داخل بيئة افتراضية غامرة، مشبهين إياها بأداء دور على مسرح رقمي. ويشرح هذه الظاهرةَ مبدآن: توجيه القصة باستخدام مبدأ العناية الإلهية، ومراعاة حبكات معقدة في الإطار التفاعلي، ومبدأ توظيف استعارة زيليغ <span class="tooltip">(5)<span class="tooltiptext"> - شخص يظهر في أحوال مختلفة ويغير سلوكه أو مظهره. الاسم مأخوذ من اسم شخصية في فيلم لوودي ألن له الاسم نفسه. </span></span> لتسهيل مستوى مقبول من التفاعل بين المستخدم والشخصية الافتراضية. ويتوسع كاردونا ريـﭬيرا وآخرون (2020) في هذه الركائز مستنتجًا أن الأهداف تضم محفزات لانجذاب اللاعب وانغماسه. فهي تقدم، خطوة إثر خطوة، حس التصميم والتوجه، لتجذب اللاعب إلى عالم اللعبة الحكائي.

ويشدد سومردين (2016) على أهمية الصور الشخصية، بصفتها ذوات افتراضية للاعبين، ويمكن تعديلها في المظهر والشخصية فتهيئ للاعبين مستوى من الانجذاب. وينطوي الجانب الإبداعي، خاصة، في سيطرة اللاعب على هذه الشخصيات، مما يجعله الشخصية الرئيسة في اللعبة. وكثيرًا ما يصف اللاعبون تجاربهم في اللعبة بأنهم ينازلون أعداء أو يتصدون لأشياء، ويتجسد اللاعبون في عالم اللعبة من خلال صورهم الشخصية، وإن لم يكونوا الشخصيات عينها، طامسين بذلك الحدّ الفاصل بين الحكاية والحياة الواقعية.

وكما تلتبس الحدود بين اللاعب وبين شخصيته في اللعبة، قد تمتزج العناصر البصرية والنصية للقصة لتقديم تجربة غامرة وجذابة أكثر. ويتضح في الأدب الحديث التركيز المتزايد على السرد التوسطي ودور القَصص في الشعر. ويخلص مكالستر (2014) إلى أن هذا النقاش هو مفهوم "الشعر البصري"، أي الشكل الفني الذي لا يقيم الحد بين التمثيل البصري والمحتوى النصي. وبخلاف البنى الشعرية التقليدية التي يكون فيها المعنى الدلالي أهم، يؤكد الشعر البصري تأكيدًا مماثلًا، إن لم يكن أكبر، على التمثيل البصري للنص. ويقدم ورنر وولف (2011) في هذا الإطار توضيحًا مهمًا، واصفًا السرد بأنه طيف يتراوح بين السرد المكتمل واللاسرد. ويحدد إطار وولف ثلاثة عناصر للسرد: التجريب، وعالم ممكن فيه كيانات مجسمة تمر بتغيرات مؤقتة، ووحدة موضوعية. والجدير بالملاحظة أنه ليس واجبًا توفر كل هذه العناصر لإحراز درجة من السردية.

تبرز بعض الأمثلة المميزة في سياق تطوير الألعاب في السعودية.  فاللعبة ثلاثية الأبعاد "الركاز: في أثر ابن بطوطة"، التي أطلقت عام 2011م وسميت "بأول لعبة إلكترونية سعودية تسوّق في العالم الخارجي"، تمزج بين اللعب التفاعلي والتاريخ والثقافة العربيين، فتصور رحلة أخوين يقتفيان أثر الرحالة الشهير ابن بطوطة في بلدان عربية عديدة، وتبدأ رحلتهما من طنجة إلى دمشق القديمة ويختمان الرحلة في دبي (الوطن 2011). أشبعت اللعبة بالإحالات الثقافية الثرية التي تتجلى في الحوار المستوحى من الثقافة الإسلامية وتمثيلها الدقيق للبيئة الجغرافية والتراث العربيين. كما تعرض جوانب مفصلة كالأسواق الشعبية والمساجد والحرف التقليدية والملامح العمرانية التي تمثل الهوية العربية. وعلى الرغم من ثراء السرد ثقافيًا والعرض المفصل للحياة والتقاليد العربية، فقد أخفقت ركاز في اكتساب الشعبية المتوقعة، وذلك عائد إلى عيوبها العديدة.

أصوات من الميدان: آراء مطوري ألعاب سعوديين

بغية تقديم نظرة أصيلة إلى ميدان تطوير الألعاب في السعودية، أجريت سلسلة من المقابلات مع مطوري ألعاب سعوديين. وترسم آراء المطورين (أ) و(ب) و(ج) عمومًا صورة دقيقة لصناعة تطوير الألعاب الناشئة في السعودية، وكل منها من زاوية مختلفة. وقد كشف كل منهم عن المصاعب والفرص الكامنة في هذا المجال الوليد، راسمين صورة حية للخطوات المطلوبة لتحقيق التطور والازدهار.  وأغفلت كل الأسماء من الذكر، بغية الحفاظ على سرية المقابلات وخصوصيتها.

المطور (أ): نحتاج مزيدًا من التعليم

يسلط المطور (أ) الضوء على الحاجة الملحة لرعاية تجربة لعب حقيقية تحيط بالثقافة السعودية، خلافًا للاكتفاء بصنع إطار سردي في السعودية. ويشير إلى نقص شديد في الدعم التعليمي المتاح لمطوري الألعاب الناشئين تعاني منه ساحة تطوير الألعاب الناشئة في البلاد. فكثيرًا ما ينحرف الخطاب في المجتمع نحو الجوانب التجارية لتطوير الألعاب، مع التشديد الملحوظ على تنفيذ الخصائص. ويشير المطور (أ) إلى أن هذا المنحى يحدث مأزقًا شائعًا في الصناعة يدعى "زحف الخصائص <span class="tooltip">(6)<span class="tooltiptext"> - مصطلح يطلق على البرامج التي تحتوي الكثير من الخصائص التي لم تكن متوفرة مسبقًا فيه أو ضمن خطة تطويره، وذلك لزيادة الطلب من المستخدمين للبرنامج أو أن يقوم المطورون بإضافة هذه الخصائص لرؤيتهم أنها ضرورية للبرنامج.</span></span> "، إذ يؤدي الحمل الزائد من الخصائص إلى مشاريع خارجة عن السيطرة يتعثر إطلاقها تبعًا لمشكلات في الفعالية.

يتجه الحديث إلى القيمة الجوهرية لفهم تفاعلية اللعب وتصميمها، إذ يشير المطور (أ) إلى قصور واضح في تفهم المصنعين لما يضفي الإمتاع على اللعبة. ويظهر هذا القلق في المقارنات بين الألعاب المشهورة عالميًا من مثل "ذا لاست أوف أس [آخر واحد منا]" و "أن تشارتد [مجهول]" و"غاد أوف وور [إله الحرب]" إذ يشكل فيها المزج المعقد بين القصص واللعب معيارًا لتصميم اللعبة الناجح. ويؤيد المطور (أ) منهجية قوية في تصميم اللعبة، مشيرًا إلى قصور يبلغ 70 بالمئة في النهج المتبع حاليًا في تطوير اللعب في السعودية.

ويلاحظ المطور (أ) لدى تحري ديناميكيات الفريق في مجتمع المطورين مستوى محمودًا من تخطيط المشروع وتنفيذه بين تخصصات علوم الحاسب، في مقابل النقص الملحوظ في العمل الجماعي بين التخصصات الفنية. كما تطرق الحديث إلى ميل الصناعة الواضح نحو استهلاك الألعاب، ولا سيما الرياضات الإلكترونية، مع الافتقار إلى دورات تعليمية متقدمة في تطوير الألعاب. وتحدث عن المعوقات التي تواجه المطورين الطموحين التي تنجم عادة عن قلّة إدراك المنافسة الحامية العالمية التي يغامرون في خوض غمارها.

وأتى المطور (أ) على ذكر "أبو خشم" اللعبة التي أثنى عليها بصفتها حدثًا فارقًا في الألعاب السعودية، ورمز الظهور السعودي الأول في المسرح العالمي من خلال منصات مثل متجر ﭘـلايستيشن. ويستوجب هذا الظهور العالمي، على حد رأي المطور (أ)، معيارًا مرتفعًا من تعليم تطوير الألعاب واختبارًا واقعيًا لمطوري الألعاب الواعدين في السعودية. واختتم الحديث في مطالبة ملحة لمزيد من الدورات المتخصصة في تصميم الألعاب وتشديد أكبر على تعليم الفنون. فهو يرى أن هذا ضروري لتنشئة هيئة من المطورين لا تبرع في المنافسة على المسرح الدولي فحسب بل تقدر على صنع ألعاب تتسق بأصالتها مع القصص السعودية، فتعلو بصناعة تطوير الألعاب السعودية إلى مستويات جديدة.

المطور (ب): تأييد الأصالة وتشجيع المجتمع

يشدد المطور (ب)، المنتسب إلى شركة ملتزمة بصنع تجارب لعب أصيلة، على ركاكة التمثيل الثقافي في الألعاب، وينادي بالتعمق في البحث لكشف النسيج الغني لثقافة شبه الجزيرة العربية، الذي يراه متمتعًا بجاذبية ساحرة. يُظهر الحديث صورة متناقضة يجد فيها الأفراد المفتونون بالتاريخ وتاريخ الفن، ممن هم أكبر عمرًا أو من ساكني القرى، أنفسهم في انفصال مع الجمهور الخبير بالتقنية والمتجه نحو المستقبل.

ويسلط المطور (ب) على مشكلة الافتقار إلى التلاحم في جماعة التطوير، يضاعفه الانقسام بين المطورين المحليين والعالميين. وبينما تضم السعودية مصادر متعددة، فإن الوحدة المفقودة تعوق تقدم الصناعة. ويمتدّ هذا الانقسام إلى ميدان التوظيف، إذ تعاني الشركات الناشئة في العثور على أفراد يتمتعون بالخلفية المطلوبة والخبرة في صناعة الألعاب الوليدة في السعودية. ويلاحظ المطور (ب) أن الموظفين من غير السعوديين يتمتعون بمعرفة بالصناعة، ملمحًا إلى فجوة بين الخبرة والتدريب في الجانب المحلي.

ينتقل الحديث إلى قلة المنصات الراعية لجماعة الهواة والخطاب بين اللاعبين والمطورين على حد سواء. ويرى أن منصات مثل تويتر غير مناسبة لنقاشات دقيقة حول تطوير الألعاب وتحليل الأداء. ويطمح إلى منصة متخصصة يتلاقى فيها الهواة الشباب لتحليل الألعاب وتبادل الآراء ورفع الوعي الجمعي بتصميم اللعبة وسبك الحكاية.

ويرى المطور (ب) أن إنشاء مزيد من الاستديوهات والبيئة المؤاتية تشجع المبدعين على مشاركة أعمالهم بغض النظر عن جودتها المفترضة. ويؤمن أن العروض المفتوحة للأعمال ستكون مقياسًا لتقييم مستوى ما أنجز من السرد حتى اليوم. ويرى السعودية منجمًا من القصص التي تنتظر التنقيب عنها ونقلها بواسطة الألعاب، مع التنبيه إلى أصالة هذه القصص، إذ يشدّد على أهمية البحث الدقيق للتأكد من اتساق القصة مع اللاعبين في موثوقيتها، وتحاشي تنافرها الذي قد يفسد تجربة اللعب. تركز الرسالة الرئيسة من المطور (ب) على منهج مزدوج، يتمثل في رعاية مجتمع تعاوني للاعبين والمطورين، والغوص في بئر الثقافة السعودية لاستخلاص وتأصيل وحَبْك هذه الحكايات على نحو متشابك في نسيج تطور الألعاب الناشئ في السعودية.

المطور (ج): الموازنة بين التعبير الثقافي والجذب العالمي

يصف المطور (ج) الجهود المختلفة في تطوير الألعاب، التي تُعد قناة مثالية للتعبير عن الذات وبلوغ النجاح العالمي. ويشدد على ضرورة صنع محتوى جاذب عالميًا، ولا سيما استهداف أسواق الألعاب الكبرى كالولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل، نظرًا إلى قوتها الشرائية والوقت الكبير المكرّس للعب. ويقول المطور (ج) إنّ السوق السعودية لا تقارن بهذه الأسواق، على الرغم من الاهتمام الكبير من اللاعبين السعوديين.

يتحوّل مجرى الحديث إلى منطقة التمثيل الثقافي في الألعاب، طارحًا ملاحظات مهمة عن المحدودية المحتملة عند الاكتفاء بالتركيز على القصص المتمحورة حول السعودية. إذ يرى المطور (ج) أن هذا التركيز سيضيق بغير قصد نطاق الجمهور المستهدف بالسعوديين والعرب عمومًا، ومن ثمّ قد يحوْل دون الانجذاب العالمي للعبة. ويذكر التحديات التي يواجهها المطور (أ) لفرد في محاولته الترويج للثقافة السعودية من خلال اللعب، ويؤيد الجهد الجماعي لإحداث تأثير كبير.

ويتأمل المطور (ج) ما يشكل ثقافة البوب السعودية المعاصرة، ويوضح التصور الشائع عالميًا المتمركز على  التفحيط (الهجولة) وسلوكيات القيادة المميزة. كما يتساءل عن تمثيل العناصر للثقافة السعودية تمثيلًا فريدًا وما إذا كانت تتمتع بالجاذبية لتغري اللاعبين العالميين. وعند المقارنة مع الصورة المعروفة عالميًا والقابلة للتسويق للساموراي من الثقافة اليابانية، يلمح المطور (ج) إلى الافتقار المحتمل إلى عناصر تسويقية أيقونية ثقافية في الثقافة السعودية، وذكر الصورة الأقل شهرة للخيّال (الفارس) مثالًا.

يتبلور الحديث في وصف فئتين مستهدفتين أساسيتين من السكان: المستهلك المحلي والعالمي. ويلخص المطور (ج) توقعه في اختيار نقطة فاصلة بين هاتين الفئتين، مشيرًا إلى قرار إستراتيجي يؤثر تأثيرًا هائلًا في تصميم اللعب والحكاية والنجاح عمومًا. يمثل هذا الرأي النسيج المعقد من الاعتبارات التي يتعين على المطورين السعوديين استكشافها لتحقيق التناغم بين التعبير الثقافي وإيقاع السوق العالمية، ومن ثمّ إدارة تجربة لعب ذات صدى يتعدى الحدود.

تحليل

تسعى المملكة إلى تحقيق الموازنة الصعبة بين التمثيل الثقافي الأصيل وطلب السوق العالمية، وتُقدّم آراء المطورين المحليين نظرات عملية يتسنى من خلالها تقييم الأطر النظرية المطروحة في الدراسات. ويهدف هذا التحليل إلى سبر الأدوار المتبادلة بين الأصالة الثقافية وحركة السوق والقصص الناشئ في المشهد السعودية لتطوير الألعاب.

بنى تعليمية ونضج الصناعة

تشدد آراء المطور (أ) على الحاجة الملحة لبُنى تعليمية متينة في نطاق تطوير الألعاب. ويتعدى الحديثُ الإشارةَ إلى "أبو خشم" لتمثل موضوع المكانة العالمية والحدّ العالي لمعايير المنافسة العالمية التي يطمح المطورون السعوديون إلى تلبيتها.

وبالتوازي مع هذا الرأي، يتجلى التعاونُ الحديثُ بين نيوم وميس الورد من خلال تحدي نيوم لتطوير الألعاب بصفته خطوة عملية نحو تجسير الهوة التعليمية التي وصفها المطور (أ). إذ تتعاون ميس الورد، وهي الرائدة في ألعاب الجوال، مع نيوم وتدير كلاهما بيئة محفزة للمطورين الطموحين ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة. وتوافق هذه المبادرة مطالبة المطور (أ) بمنصة تعليمية نشطة. كما أن البعد التعليمي للتحدي يستجيب إلى الدعوة الملحّة نحو التعليم المتخصص لتصميم الألعاب، بهدف إعداد الشباب بالعلم اللازم للإبحار في الساحة العالمية للألعاب وصناعة حكايات تتناسب مع قيم الثقافة السعودية.

إضافة إلى أن مبادرات من مثل "برنامج تطوير الألعاب" من مؤسسة مسك يؤكد هذا الرأي من خلال ملء الفراغ التعليمي. فالبرنامج المكثف المقدم على الشبكة في أربعة عشر أسبوعًا، المصمم لإدارة الرحلة نحو الصناعة السريعة، يتوافق مع الرأي العالمي في الأنظمة التعليمية الموجهة. كما يرعى بيئة تحفيزية تحثّ المؤسسات التعليمية الأخرى وأصحاب المصالح في الصناعة على إنشاء برامج مماثلة، ومن ثم إنشاء بنية تحتية تعليمية متينة لتطوير الألعاب في السعودية. وبعد نضج الصناعة وجني المكاسب، سيؤدي المسار التطوري لمثل هذه المبادرات التعليمية دورًا محوريًا في رعاية بيئة نشطة لتطوير الألعاب. أما في الوقت الراهن فإنّ معظم الجامعات في البلاد لا تقدم برنامجًا مخصصًا لتصميم الألعاب، بل توفر مخابر ودورات دقيقة متعلقة بالصناعة <span class="tooltip">(7)<span class="tooltiptext"> - تقدم جامعة الفيصل "مختبر ابتكار الألعاب"، وتقدم جامعة الملك سعود دورة عنوانها "تصميم الألعاب وتطويرها". </span></span>.

الأصالة الثقافية وطلب السوق العالمية

يشدد المطور (ب) على أهمية الغوص في أعماق النسيج الغني للمرويات الثقافية السعودية، مدافعًا عن ضرورة التمثيل الدقيق لثقافة شبه الجزيرة العربية في قصص الألعاب. يردد هذا الرأي خطابًا بحثيًا أوسع نطاقًا يقر بقيمة التمثيل الثقافي الأصيل في إثراء تجربة اللعب. ويحقق السياق التاريخي والثقافي للقصص في السعودية، المتشبع بتقاليد المشافهة، أرضًا خصبة لصناعة حكايات جذابة أصيلة (لاوسن 2011). ويذكر الخميس (2003) مفهوم "السعودة" الذي يشمل الهجنة، ممازجًا بين الحكايات الثقافية والتاريخية وبين الاتجاهات العالمية في اللعب. يتناسب هذا المنهج مع ضرورة مزج التمثيل الثقافي الحقيقي بطلب السوق العالمية، مراعيًا حسًا من التبادل الثقافي والتقدير المتبادل من خلال وسيط اللعب.

مواكبة الاتجاهات في السوق العالمية والمحافظة على الأصالة الثقافية في آن واحد هو مأزق يمر به المطوّرون المحليون. حركة السوق العالمية للألعاب المتسمة بتنافس شديد وتفضيلات مختلفة للمستهلكين، تفرض ضرورة اتباع نهج إستراتيجي في صياغة حكاية اللعب وآلياته ليحقق صدى عالميًا. يستكشف دترنغ وآخرون (2011) في عملهم، على سبيل المثال، توظيف عناصر تصميم اللعبة لجذب المستخدمين على نطاق أوسع، مسلطين الضوء على أهمية فهم حركة السوق وتفضيلات المستخدم.

كما يقدم حديث المطور (ج) عن الاعتبارات العملية لحركة السوق رأيًا أوسع في الدراسات المتعلقة بالاستغلال التجاري وإمكانية تسويق العناصر الثقافية في صناعة الألعاب. يتعمق كلاين وآخرون (2003) في المنطق التجاري لصناعة ألعاب الفيديو العالمية، مبينًا أن اعتبارات السوق كثيرًا ما توجه تمثيل العناصر الثقافية وتقديمها في ألعاب الفيديو. وتشير دراسة العناصر الثقافية الأيقونية القابلة للتسويق الشبيهة بالصورة المعروفة عالميًا للساموراي من الثقافة اليابانية، إلى إمكان صناعة قصة فريدة ثقافية قابلة للتسويق في صناعة الألعاب السعودية. ويؤيد هذا القول رأي باحثين من أمثال كير (2006) الذي يتعمق في الاقتصاد الثقافي العالمي لصناعة الألعاب، ويؤكد على ضرورة فهم حركة السوق العالمية لضمان نجاح وجاذبية الألعاب المنتجة في السعودية في الميدان العالمي.

يحقق هذا الرأيَ المشروعُ الأخير بين نيوم وميس الورد، المتمثل في تحدي نيوم لتطوير الألعاب <span class="tooltip">(8)<span class="tooltiptext"> -نيوم وميس الورد تطلقان تحدي نيوم لتطوير الألعاب. https://www.arabnews.com/node/2383541/saudi-arabia</span></span>. وهو يعني خطوة عملية نحو مواكبة اتجاهات السوق العالمية من خلال احتضان بيئة محفزة للتعبير عن الأصالة الثقافية. تتناسب هذه المبادرة مع آراء الباحثين من أمثال سومينن (2019)، الذي يستقصي ازدهار الصناعات الإقليمية للألعاب من خلال مواكبة حركة السوق العالمية والحفاظ على سرد ثقافي فريد.

إلى جانب ذلك يقدّم "برنامج تطوير الألعاب" الذي تطرحه مؤسسة مسك <span class="tooltip">(9)<span class="tooltiptext"> - برنامج تطوير الألعاب https://hub.misk.org.sa/ar/programs/skills/game-development-program/</span></span> نقلةً محورية أخرى نحو ردم الهوة التعليمية المذكورة، ومن ثم احتضان بنية تحتية تعليمية متينة تَعِدُ مطوري الألعاب الطموحين بالمهارات المطلوبة لتحقيق الدور المعقد المتبادل بين الأصالة الثقافية وطلب السوق العالمية.

حركة السوق

يظهر الازدهار السريع لصناعة الألعاب في السعودية، الذي يؤكده معدل نمو سنوي يبلغ 41.1% سردية جديدة في سلوك المستهلك وحركة السوق. وتوضح الدراسة التي يدعمها رأي المطور (ج)، ديناميكيات السوق الدقيقة، فتسلط الضوء تحديدًا على ميول الإنفاق بين اللاعبين في السعودية وأوروبا الغربية. يؤيد هذا الرأي إعادة معايرة محتملة لإستراتيجية السوق لتتماشى مع هذه الميول الفريدة في الإنفاق، ومن ثم تناسُب عروض المنتج مع توقعات السوق.

يقتضي ازدهار سوق الألعاب في السعودية تطوير الإستراتيجيات بالتتابع للإحاطة بسلوكيات المستهلك المختلفة التي يظهرها اللاعبون السعوديون. كما أنّ مواكبة إستراتيجيات السوق لسلوك الإنفاق اللافت للنظر لدى اللاعبين السعوديين وتفضيلاتهم لا تُعزز طلب السوق للألعاب فحسب بل تبني أساسًا صلبًا لنمو مستدام في هذه السوق النشطة. ويمهد الفهم المعمق لحركية السوق، الذي أكد عليه المطور (ج)، الطريق لمطوري الألعاب من أجل صياغة حكايات وتجارب لعبٍ تناسب الثقافة المحلية وتجذب اللاعبين من المجتمع العالمي في الوقت نفسه. هذا التفاعل المتبادل بين حركة السوق وإستراتيجيات تطوير الألعاب يشكل حجر أساس للدفع بصناعة الألعاب السعودية إلى المنصة العالمية.

خلاصة

ختامًا نقول إن نمو صناعة الألعاب في السعودية تشكل أهمية جوهرية في المشهد الثقافي والاقتصادي للبلاد. غير أن التعمق في البحث لازم لتحقيق فهم أدق لهذا النمو وتعزيز مساره.

لا يصف النمو الملحوظ الذي بلغ معدله 41% سنويًا سوقًا رابحة فحسب، بل يشير أيضًا إلى الحاجة إلى دراسة دقيقة لحركة السوق لتصور إمكانات الصناعة في خمس سنوات. ولئن كانت قطاعات كالأزياء والأفلام وفنون الطهي قد تلقت دعمًا جوهريًا ونقاشًا بحثيًا، فإن صناعة الألعاب، رغم ازدهارها الهائل، لا تزال بانتظار مستوى مماثل من الدراسة التحليلية والدعم المؤسسي. تحدد آراء المطورين (أ) و(ب) و(ج)، إلى جانب الدراسات المراجعة، التداخل الجوهري بين النظام التعليمي والأصالة السردية وطلب السوق التي تتطلب مزيدًا من الاستقراء. وتواصل السعودية مسيرها نحو تنويع قطاعاتها الثقافية والاقتصادية، واحتضان بيئة نشطة لتطوير الألعاب من خلال تحسين البنى التعليمية وتحليل السوق والارتباط الأوثق مع المقيّمين الثقافيين، وهذا ما سيمهد الطريق إلى إنشاء ساحة لعب ثرية. إن التفاعل بين المنصة التعليمية وتطوير السرد الأصيل والفهم الحاذق لحركة السوق يفترض أن يدفع صناعة الألعاب السعودية إلى حيز التقدير العالمي والمرتبة التنافسية.

وهكذا فإن تنسيق الجهود بين أصحاب المصالح والباحثين وصناع القرار ضروري لتسخير كافة الإمكانات لهذا القطاع الحيوي، ومن ثم الإسهام في تحقيق أهداف رؤية 2030 السعودية إسهامًا كبيرًا.

المراجع

<div dir="ltr">
 <ul>
   <li>Al Watan (2011). Ibn Battuta, the first Saudi game directed towards the world. Retrieved from https://www.alwatan.com.sa/article/116135</li>
   <li>Al-Rasheed, M. (2010). Kingdom without borders: Saudi political, religious, and media frontiers. Columbia University Press.</li>
   <li>AlKhamees, O. A. S. (2023). Saudi-Arab Emerging Video Game Cultures, Archetypes, Narratives, and User Experiences.</li>
   <li>Boston Consulting Group. (2022). Drivers of global gaming industry growth. Retrieved from https://www.bcg.com/publications/2023/drivers-of-global-gaming-industry-growth</li>
   <li>Cardona-Rivera, R. E., Zagal, J. P., & Debus, M. S. (2020). Narrative goals in games: A novel nexus of story and gameplay. In Proceedings of the 15th International Conference on the Foundations of Digital Games (pp. 1-4).</li>
   <li>Conle, C. (2003). Understanding and designing educational games. The Journal of the Learning Sciences, 12(4), 491-495.</li>
   <li>De Peuter, G., & Dyer-Witheford, N. (2009). Games of Empire: Global Capitalism and Video Games. University of Minnesota Press.</li>
   <li>Dickey, M. D. (2006). Girl gamers: The controversy of girl games and the relevance of female-oriented game design for instructional design. British Journal of Educational Technology, 37(5), 785-793.</li>
   <li>Gee, J. P. (2003). What video games have to teach us about learning and literacy. Computers in Entertainment (CIE), 1(1), 20-20.</li>
   <li>Glassner, A. (2001, September). Interactive storytelling: People, stories, and games. In International Conference on Virtual Storytelling (pp. 51-60). Berlin, Heidelberg: Springer Berlin Heidelberg.</li>
   <li>GlobeNewswire. (2022). Middle East North Africa Games Market Report 2022. Retrieved from https://www.globenewswire.com/news-release/2022/02/23/2390352/0/en/Middle-East-North-Africa-Games-Market-Report-2022-MENA-3-Saudi-Arabia-UAE-and-Egypt-Games-Revenue-Reached-1-76-Billion-in-2021.html</li>
   <li>Jones, D. (2008). Narrative reformulated: Storytelling in video games. CEA Critic, 70(3), 20-34.</li>
   <li>Kühne, O., Edler, D., & Jenal, C. (2021). A multi-perspective view on immersive virtual environments (IVEs). ISPRS International Journal of Geo-Information, 10(8), 518.</li>
   <li>Laurillard, D. (1998). Multimedia and the changing experience of the learner. British Journal of Educational Technology, 29(3), 235-242.</li>
   <li>Lawson, F. H. (2011). Keys to the Kingdom: Current scholarship on Saudi Arabia. International Journal of Middle East Studies, 43(4), 737-747.</li>
   <li>Llobera, J. (2012). Stories within Immersive Virtual Environments. [Doctoral Thesis]. Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 4.0 Spain License.</li>
   <li>Malone, T. W. (1981). Toward a theory of intrinsically motivating instruction. Cognitive Science, 4(4), 333-369.</li>
   <li>McAllister, B. J. (2014). Narrative in concrete/concrete in narrative: Visual poetry and narrative theory. Narrative, 22(2), 234-251. Chicago</li>
   <li>McLellan, H. (2006). Digital Storytelling: Bridging Old and New. Educational Technology, 46(5), 26-31.</li>
   <li>Newzoo. (2020). Playing and Spending Habits in Saudi Arabia’s Games Market. Retrieved from https://newzoo.com/insights/articles/playing-and-spending-habits-in-saudi-arabias-games-market/</li>
   <li>Nine66. (2022). The State of Game Developers in Saudi Arabia. Retrieved from https://nine66.gg/wp-content/uploads/2022/12/Report_-Game-Developers-in-Saudi-Arabia-FINAL-Dec-1-03-10.pdf</li>
   <li>Politopoulos, A., & Mol, A. (2006). Video Games as Concepts and Experiences of the Past. Leiden University.</li>
   <li>Provenzo, E. F. (1991). Video kids: Making sense of Nintendo. Harvard University Press.</li>
   <li>Rieber, L. P. (1996). Seriously considering play: Designing interactive learning environments based on blending microworlds, simulations, and games. Educational Technology Research and Development, 44(2), 43-58.</li>
   <li>Ryan, M.-L. (2009). From Narrative Games to Playable Stories: Toward a Poetics of Interactive Narrative. Storyworlds, 1, 43-59.</li>
   <li>Saudi Vision 2030. (n.d.). Retrieved from http://www.vision2030.gov.sa</li>
   <li>Šisler, V. (2008). Digital Arabs: Representation in video games. European Journal of Cultural Studies, 11(2), 203-220.</li>
   <li>Somerdin, M. (2016). The game debate: Video games as innovative storytelling. The Oswald Review: An International Journal of Undergraduate Research and Criticism in the Discipline of English, 18(1), 7.</li>
   <li>Wolf, W. (2011). (Inter)mediality and the Study of Literature. CLCWeb: Comparative Literature and Culture, 13(3), 2.</li>
 </ul>
</div>

اطّلع على منشورات أخرى

تم تسجيلك .. ترقب ضوء معرفة مختلفة!
عذرًا، أعد المحاولة