تعيش بلادنا الغراء لحظات تاريخية مفصلية تتقاطع فيها خطوط التحديات المختلفة من كل اتجاه، وتكاد تكون أكبر هذه التحديات الوجودية تحدي الهوية، فالعالم من حولنا لا يكاد يتوقف عن التغيير، والتداخل الثقافي والاجتماعي من خلال السفر والإعلام والاتصالات بين أفراده، ويزداد بضراوة غير مسبوقة، والمجتمع السعودي يغلب عليه جيل الشباب الذي من طبيعته سهولة التأقلم والتكيف والاندماج وقبول التغيير. هذا مع بقية التحديات الوجودية الأخرى من سياسية واقتصادية وثقافية لا تكاد تستقر.
كانت رؤية 2030 ميلادًا لخطة واضحة المعالم محددة الأهداف والبرامج، وسفينة نجاة في هذا الطوفان المتقلب، يديرها ربانها الماهر بكل اطمئنان وصبر، واثقًا بربه، وعارفًا بقدرات شعبه، لتشق المملكة العربية السعودية طريقها نحو الأعلى في كل شيء، ولتعزز في نفس الوقت جذورها الراسخة المتينة بهويتها ومبادئها وقيمها. فتجدها تسابق العالم المتقدم في الحلول الرقمية والتقنية، وتكسب ثقة المستثمر باقتصاد مزدهر، وتفتح أبوابها لكل جديد في مجال السياحة والترفيه والفنون، وفي نفس الوقت ترسخ عمقها الحضاري والاجتماعي وتحيي تاريخها الممتد لثلاثة قرون، وتفاخر بهويتها العربية السعودية، وتواصل العناية بالتراث الإسلامي وخدمة القرآن والسنة. بمثل هذا الاهتمام الممتد في كل الأبعاد والاتجاهات أمكن لهذه الرؤية الفتية أن تكسب القلوب والعقول، فينخرط في تحقيقها كل من يطمح لمستقبل مشرق لهذا الوطن.
والعادات والتقاليد المحلية عنصر أصيل في تحقيق الهوية، والتعريف بها والمحافظة عليها أحد البرامج الرئيسية في رؤية المملكة 2030. ومن بين تلك العادات والتقاليد تتميز (القهوة السعودية) بامتدادها التاريخي العريق، وارتباطها الوثيق بكثير من جوانب المجتمع الاجتماعية والثقافية، حيث احتلت مكانة عميقة في البيت السعودي عبر الأزمنة والأجيال، وباتت علامة واضحة على المجتمع لا تخطئها عين الزائر والسائح في الماضي والحاضر.
تهدف هذه الدراسة إلى التعريف بهذا العنصر الثقافي الاجتماعي، وتوثيق العلاقة بينه وبين المجتمع السعودي، مع الإشارة إلى عمق تلك العلاقة وتنوع دلالاتها الوجودية. وقد اشتملت على ستة مباحث، وهي على النحو الآتي:
ويشتمل على التحليل اللفظي لكلمة (قهوة) والارتباط اللغوي بين دلالاتها المختلفة، ورحلة الكلمة في اللغات الأخرى.
ويتناول تاريخ ظهور القهوة ودخولها للجزيرة العربية، والتداعيات المختلفة لذلك الظهور والتداول
ويكشف حضور القهوة في البيت السعودي، وفي المحافل الرسمية، وفي المناسبات الاجتماعية.
أولاً: الثقافة المادية للقهوة السعودية: ويتناول بالتفصيل مكان إعداد القهوة ومحتوياته، والأواني الخاصة بها، ومصدرها وطريقة وصولها، وطريقة حفظها.
ثانيًا: الثقافة المعنوية للقهوة السعودية: ويوضح ارتباطها بالضيافة والكرم، وبالاستقبال، وبالثأر والحرب، وبالشعر، وبطلب الزواج، وبالتواصل الاجتماعي، وبالعقوبة.
وفيه تفصيل لطرق تحضير القهوة السعودية بحسب كل منطقة من مناطق المملكة، ورصد تقارير لشخصيات من مختلف مناطق المملكة حول إعدادها وشكلها النهائي ودلالاتها.
ويتناول حوار القهوة وما يقوله المضيف (المعد) وما يقوله الضيف (الشارب)، وتقاليد حمل الدلة والفناجين، وتقاليد تقديمها وسكبها، وتقاليد مقدار القهوة في الفنجان، وكيفية ترتيب الشاربين وبمن يبدأ، وعدد الفناجين ودلالاتها، والامتناع ودلالاته.
التحليل اللفظي والارتباط اللغوي
تكاد تجمع المعاجم اللغوية العربية <span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة (قهو). ولسان العرب، ابن منظور، مادة (قها). والقاموس المحيط، الفيروزبادي، مادة (قهي).</span></span> على أمرين:
1- أن جذر كلمة (قهوة) له دلالتان:
الدلالة الأولى: الوفرة والخصب، الدلالة الثانية: الشبع المستحكم.
أما دلالتها على الوفرة والخصب، فذلك حين ترد كلمة (القاهي) في أوصاف المعيشة المرتاحة المرفهة، فيقولون في وصف من يعيش تلك المعيشة: "إنه لفي عيش قاهٍ".
وأما دلالتها على الشبع فتأتي في وصف (الـمُقْهِي) حين تطلق على من لا يريد الطعام أو لا يشتهيه. وتتوسع بعض المعاجم في أن (المقهي) ليس من يترك الطعام بسبب الشبع، بل قد يكون لأي سبب، كالمرض وغيره.
وبالتأمل في حال قهوة البن، فإن لها ارتباطًا -من جهة الدلالة- بهذين الأمرين؛ فارتباطها الوثيق بالكرم والضيافة يحيل إلى علاقتها برغد العيش والخصب.
2- أن (القهوة) أحد أسماء (الخمر).
ويرى اللغويون أن العلاقة بين المعاني السابقة وبين الخمر تكمن فيما يحدث لدى شاربها من نفور عن الطعام. فلما كانت الخمر تصد (تقهي) عن الطعام، أصبح شاربها في مثل حال الشبعان.
وتسمية الخمر باسم (القهوة) قد شاعت واستفاضت في الشعر العربي، والشواهد الشعرية لا تكاد تحصر على امتداد تاريخ الشعر، إما وصفًا لها ولمجالسها، أو على سبيل التشبيه بلونها أو شكلها أو أثرها.
فمن ذلك في العصر الجاهلي نقرأ للشاعر المتنخل الهذلي قوله في رثاء ابنه واصفًا شجاعته وفتكه بالأعداء <span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext">الأغاني، الأصبهاني، 24/254.</span></span>:
وَالتَّـارِكُ الْقِـرْنَ مُصـْفَرّاً أَنـامِلُهُ | كَــأَنَّهُ مِــنْ عُقــارِ قَهْــوَةٍ ثَمِـلُ
ويقول حسان بن ثابت في وصف شوقه لمحبوبته ومشبهًا نفسه بمن وقع تحت تأثير القهوة <span class="tooltip">(3)<span class="tooltiptext">ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، ص24.</span></span>:
وَكَـــأَنِّي حِيـــنَ أَذْكُرُهَــا | مِــنْ حُمَيَّــا قَهْــوَةٍ شـَارِبُ
ونقرأ للشاعر عدي بن زيد العبادي قوله عن مجلس شرب في بيت صاحبه بشر <span class="tooltip">(4)<span class="tooltiptext">الأغاني، الأصبهاني، 2/397.</span></span>:
قَدْ سُقِيتَ الشَّمُولِ فِي داَرِ بِشِرٍ | قَهْــوَةً مُــرَّةً بِمَــاءٍ سـَخِينِ
وفي عصر الدولة الأموية يقول شاعر الخمر، الأخطل، يخاطب امرأته التي تلومه على شرب الخمر في الصباح <span class="tooltip">(5)<span class="tooltiptext">ديوان الأخطل، ص121.</span></span>:
أَعاذِلَ ما عَلَيكِ بِأَن تَرَيني | أُباكِرُ قَهوَةً فيها اِحمِرارُ
ويقول وضاح اليمن واصفًا مجلس شرب، وأثر الخمر في جعل الجبان شجاعًا <span class="tooltip">(6)<span class="tooltiptext">ديوان وضاح اليمن، ص44.</span></span>:
تُطِيفُ عَلَينا قَهوَةٌ في زُجَاجةٍ | تُريكَ جَبَانَ القَومِ أَمضَى مِنَ الأَسَدْ
ويقول إسماعيل بن يسار مشبهًا حاله بعد رحيل أحبابه بحال شارب الخمر <span class="tooltip">(7)<span class="tooltiptext">الأغاني، الأصبهاني، 4/414.</span></span>:
كَأَنَّني يَومَ ساروا شارِبٌ سَلَبَتْ | فُؤادَهُ قَهوَةٌ مِن خَمرِ دارومِ
وفي العصر العباسي يطالعنا شاعر الخمر أبو نواس، فيقول واصفًا كأسًا من الخمر <span class="tooltip">(8)<span class="tooltiptext">أخبار أبي نواس (ملحق الأغاني)، ص155.</span></span>:
وَقَهوَةٍ كَالعَقيقِ صافِيَةٍ | يَطيرُ مِن كَأسِها لَها شَرَرُ
وابن الرومي يقول مشبهًا تأثير الكلام الجميل بتأثير الخمر <span class="tooltip">(9)<span class="tooltiptext">ديوان ابن الرومي، 1/60.</span></span>:
مِنْ كَلامٍ يُوْشَى بمدحٍ جميلٍ | وحديثٍ كالقهوة الصَّهباءِ
والبحتري كذلك، لكنه يشبه تأثير العيون الجميلة بتأثير الخمر <span class="tooltip">(10)<span class="tooltiptext">ديوان البحتري، 3/1360.</span></span>:
يَضيعُ لُبُّ الصَبِّ في لَحظِها | ضَياعَهُ في القَهوَةِ القَرقَفِ
وابن حمديس الأندلسي يقول مشبهًا جزيرة صقلية <span class="tooltip">(11)<span class="tooltiptext">مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري، 2/72.</span></span>:
وكأنّ هاتيك الشقائقَ قَهْوَةٌ | وكأنّ ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
المعنى الجديد للقهوة (مشروب البن):
ولا تفيدنا المصادر ببدء تسمية مشروب البن باسم (القهوة)، ولكن تشير بعض الكتب <span class="tooltip">(12)<span class="tooltiptext">مقاهي نجيب محفوظ في مرفأ الذاكرة، الذوادي، ص10.</span></span> إلى أن القهوة (مشروب البن) وردت في بعض المصادر الطبية ككتاب الرازي (الحاوي) وكتاب ابن سينا (القانون)، وكان مشروبها يسمى (البنشام)، وكان وروده هنا على أنه من الأدوية العلاجية لا من مشروبات الضيافة.
وإن كان من الصعب التأكد من دلالة كلمة (البن) و(البنشام) في وقت الرازي وابن سينا على ثمرة البن ومشروبها، فتشابه الأسماء وارد. والرازي وابن سينا من أعيان القرنين الرابع والخامس الهجريين، وأما القهوة (مشروب البن) فيغلب أن ظهورها كان بين القرنين السابع والعاشر الهجريين <span class="tooltip">(13)<span class="tooltiptext">كما سيمر بنا في مبحث قادم.</span></span>.
ويقول الزبيدي (1205هـ) في معجمه <span class="tooltip">(14)<span class="tooltiptext">تاج العروس، الزبيدي، مادة (قهي).</span></span>بعد أن ذكر دلالة القهوة على الخمر: "قلت: هذا هو الأصل في اللغة، ثم أطلقت على ما يشرب الآن من البن لثمر شجر باليمن، ... يقلى على النار قليلًا ثم يدق، ويغلى بالماء".
ويبقى السؤال، هل ثمة علاقة بين الخمر ومشروب البن يجعلهما يتشاركان اسم (القهوة)؟
للزبيدي رسالة صغيرة عن قهوة البن وأحكامها وبعض ما قيل فيها من شعر وقصص، وذكر فيها أن وجه الشبه بين قهوة الخمر وقهوة البن يكمن في اللون وفي طريقة الإدارة والشرب <span class="tooltip">(15)<span class="tooltiptext">تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن، الزبيدي، مخطوط، ص6.</span></span>. أي أن بينها وبين الخمرة توافقاً في طريقة شربها والاجتماع لها وإدارة فناجينها على الشاربين.
وكذلك يمكن أن نضيف إلى كلام الزبيدي أن هناك تشابهًا بين الخمر ومشروب البن في حال عشاقهما حال الانقطاع عنهما، وما يقال في التشوق إليهما؛ فاستعار مشروب البن اسم الخمرة.
ومعظم أخبار اكتشاف القهوة كانت في بيئات التدين والعبادة، ولعل هذا ما دفع بعض الباحثين إلى الربط بين تسمية مشروب البن باسم من أسماء الخمرة المحرمة، وأن هذه تسمية أصلها ديني، وكأن العُباد والزهاد وجدوا في مشروب البن البديل المباح <span class="tooltip">(16)<span class="tooltiptext">غواية الاسم، السريحي، ص41-42.</span></span>. ومما يشير إلى هذا التشابه بين قهوة البن وقهوة الخمر، كثرة المقارنة بينهما في الشعر المتأخر.
مما قيل في قهوة البن:
للشيخ البكري أبيات <span class="tooltip">(17)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، السويداء، ص113.</span></span> يشير فيها إلى الحرج من شرب قهوة البن، وذلك لما بينها وبين قهوة الخمر من علاقة في الاسم ولما ثار حولها من خلاف في جواز شربها:
اسقني في الصباح قَهْوَةَ بُنٍّ | وأدِرها واشرب معي بأمانٍ
مثل نارِ الخليلِ تظهر نارًا | أوهجت نارها لهيبًا ووقْدا
وتجاوزْ حدًّا ولا تخشَ حدَّا | وعليه كانت سلامًا وبرْدا
وقال باكثير عبدالمعطي بن حسين المكي مستبشرًا ببدء شرب قهوة البن في مجلس ويشير للونها الأسود <span class="tooltip">(18)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، ص114.</span></span>:
أهلاً بصافي قهوةٍ كالإثمدِ | جُلِبَتْ فزينت بالخمار الأسودِ
وقال أحمد بن شاهين الشامي واصفًا لون القهوة كذلك <span class="tooltip">(19)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، ص115.</span></span>:
وقهوةٍ كالعنبر السحيقِ | سوداءَ مثل مقلةِ المعشوقِ
وقال البديعي مقارنًا بين قهوة الخمر وقهوة البن <span class="tooltip">(20)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، ص117.</span></span>:
جمعْنا قهوتي بُنٍّ وكَرْمٍ | فقالت قهوةُ البُنِّ: اشربوني
لنعلمَ من لهُ ثَبَتَ الفَخارُ | متى شِئتُمْ فقد نُسِيَ العِقارُ
وقال محمد الحريري داعيًا لتقديم القهوة <span class="tooltip">(21)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، ص122.</span></span>:
هاتها قهوةً خلاصةَ بُنِّ | مُرَّةَ الذوقِ تَدْفَعُ النَّومَ عنّي
أسماء أخرى لمشروب البن <span class="tooltip">(22)<span class="tooltiptext">معلومات عن القهوة العربية recipes.qassimy.com</span></span>:
عرفت قهوة البن بأسماء مختلفة باختلاف جهات النظر إليها، وإن لم يتفوق أي منها على اسم (القهوة). ومن هذه الأسماء:
- الكيف: وهو وصف مأخوذ من حالة اعتدال المزاج الذي يحدثه شربها.
- الطبخة: وهو مأخوذ من طريقة إعدادها، حيث تطبخ مدة على النار. ومما يلفت انتباه بعضهم واستغرابه حرص أهل هذه المنطقة الحارة على هذا الشراب الحار، مع كون الأصل أن يبحثوا عن شيء بارد، ونعتقد أن موضوع الحرارة راجع إلى أنه لم يكن ثمةَ وسائل تبريد معتادة عند الناس، فالمشروب والمأكول في الغالب يعد على النار. وليس هذا مقتصراً على أهل البادية، لكن أهل البادية ربما لم يكن لديهم الوقت الكافي لتبريده أو انتظاره حتى يبرد، لأن طبيعة اجتماعاتهم غالبًا تكون عفوية دون مواعيد مسبقة، ولطبيعة تحركهم وكثرة أعمالهم اليومية.
- المر: وهو مأخوذ من طعمها. ولعل هذا مما يثير الاستغراب، كيف لهذا المشروب المتميز بالمرارة أن يكون المشروب الأشهر والأكثر تناولًا. إن التأثير الجميل للقهوة في المزاج تغلَّب على مرارتها، ومع أن هذه المرارة تعالج من خلال التعارف على تناول التمر معها. بالإضافة إلى اللذعة المحببة لدى أهل الجزيرة العربية وما جاورها من بلاد فارس والهند، في كل مشروب أو مأكول فيه مثل هذه المرارة الخفيفة أو الحرارة في اللسان، لذا تجد ذلك من سمات طعامهم بشكل عام. واليوم أصبحت هذه المرارة عرفًا عامًا في أغلب البلدان، بل حتى مثقفوهم وأدباؤهم يتغنون بمرارة كوب القهوة في أشعارهم ورواياتهم، ويجعلون ذلك من مميزاتها.
- الشاذلية: وهذه النسبة إما لنوع من أنواع البن، أو أنها نسبة إلى أبي بكر الشاذلي الذي يقال إنه أول من شربها.
- البن: وهو اسم النبتة التي تصنع منها القهوة.
- البرية: وهو مشتق من نوع من أنواع البن اليمني.
رحلة كلمة (القهوة) إلى اللغات الأخرى:
رحلة الكلمات بين اللغات أمر طبيعي، نتيجة للقاء الحضاري بين الأمم بسبب الخلطة والاجتماع، أو الفتوح والاستعمار، أو التجارة، أو الغزو الثقافي للغالب على المغلوب.
وفي زمن ازدهار الحضارة الإسلامية انتقلت مئات الكلمات العربية إلى اللغات الأجنبية <span class="tooltip">(23)<span class="tooltiptext">شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ص17-20.</span></span>، ككثير من أسماء الأثاث (مثل الصوفا) والمأكولات (مثل الموز) والمشروبات (مثل الليمون) والمنسوجات (مثل القطن)، إضافة إلى أسماء بعض الوظائف والمراتب الوظيفية والعسكرية (مثل أمير الأمراء)، وغيرها من أسماء ارتبطت بعلوم الفلك والكيمياء والطب والرياضيات <span class="tooltip">(24)<span class="tooltiptext">ينظر في كثير من فصول وصفحات المرجع السابق، حيث يمتلئ بالكلمات العربية المقتبسة في اللغات الأوربية.</span></span>.
ورد في قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية <span class="tooltip">(25)<span class="tooltiptext">قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية، 2/589.</span></span> أن كلمة (قهوة) العربية قد انتقلت إلى اللغة التركية فتحولت إلى (قهفة)، ومنها انتقلت إلى اللغات الجرمانية فتحولت إلى (كاهفا cahve)، ثم بعد عدة مراحل أخرى استقرت على شكلها النهائي (كوفي coffee).
تاريخ ظهور القهوة ودخولها إلى الجزيرة العربية
تداعيات الظهور والتداول
تختلف الأخبار التي تتناول الزمن الأول لظهور القهوة، منها ما يعود بها إلى زمن النبي سليمان عليه السلام، وأنها ظهرت في صورة علاج للأمراض، ومنها ما ينسبها إلى أبيه النبي داود عليه السلام، ومنها ما ينسبها إلى الإسكندر ذي القرنين حين فتح اليمن، ومنها ما يعيدها إلى القرن السابع الهجري ظهورًا أوليًا، ثم ظهورًا رسميًا وانتشارًا في القرن التاسع والعاشر الهجريين على يد بعض الرهبان أو العباد الذين لاحظوا نشاطًا غريبًا على الطيور أو البهائم التي أكلت من شجرة البن، فاتخذوا منها شرابًا يساعدهم على النشاط والسهر للعبادة، كما يختلط في أخبارها ذكر المنامات والكرامات والمعجزات <span class="tooltip">(26)<span class="tooltiptext">غواية الاسم، ص19 وما بعدها. و: تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن، ص4 وما بعدها. و: أدبيات الشاي والقهوة والدخان، الكردي، ص38. و: القهوة المشروب الذي تأرجح بين المنع والإباحة، الهلالي، مجلة (العربي) العدد 148، مارس 1971م، ص148.</span></span>.
موطن القهوة الأول وانتشارها في بقية الأقطار:
يظهر من كل المرويات والكتب التي تناولت موضوع القهوة أن منشأها الأول إما إثيوبيا أو اليمن. أو أن منشأها الأول هو إثيوبيا، ولكن منطلق انتشارها هو اليمن. ثم انتشرت في الحجاز، ثم الشام ومصر، ثم تركيا وبقية أوروبا <span class="tooltip">(27)<span class="tooltiptext">ينظر: المراجع السابقة.</span></span>.
أعلام ارتبطت أسماؤهم باكتشاف القهوة <span class="tooltip">(28)<span class="tooltiptext">من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، الأرناؤوط، ص35.</span></span>:
- علي بن عمر الشاذلي (821ه) تعرف على القهوة في الحبشة (إثيوبيا).
- أبو عبدالله بن سعيد الذبحاني (875ه) خرج من اليمن إلى إثيوبيا ورآهم يشربونه، وبعد أن عاد إلى اليمن أصابه مرض فتذكر ذلك المشروب، واستعمله فشفي، ولاحظ آثاره عليه من النشاط والسهر، فاتخذه مشروبًا دائمًا له ولأصحابه من العباد، حتى شاع شربها في اليمن <span class="tooltip">(29)<span class="tooltiptext">القهوة المشروب الذي تأرجح بين المنع والإباحة، ص149.</span></span>.
- أبو بكر بن عبدالله الشاذلي العيدروسي (909ه) تنسب له بعض كتب التراجم أنه مبتكر مشروب البن، وأنه وجد شجرها الكثير متروكًا، فأكل منه فوجد له أثرًا في النشاط والسهر، فاتخذه طعامًا وشرابًا، وأرشد أتباعه إليه ثم انتشر بعد ذلك في اليمن(4). وإليه تنسب القهوة الشاذلية<span class="tooltip">(30)<span class="tooltiptext">من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، ص36.</span></span>.
وجميع هؤلاء الأعلام من المنتسبين إلى الصوفية، وإذ كان السهر والتعبد والذكر الجماعي من الصفات الأساسية في التصوف؛ فقد أسهم ذلك في دخول القهوة ضمن الطقوس التي تتصاحب مع كل اجتماع صوفي، وكان لانتشار التصوف في كثير من الأقطار الإسلامية دور في انتشار القهوة معه في تلك الأقطار.
القهوة في الحجاز وتداعيات الموقف الشرعي:
بعد اليمن، كانت المحطة الآتية هي الحجاز <span class="tooltip">(31)<span class="tooltiptext">غواية الاسم، ص22. و: القهوة المشروب الذي تأرجح بين المنع والإباحة، ص149.</span></span>، ويظهر أنها وصلت الحجاز في مطلع القرن العاشر الهجري، نظرًا لظهور الكتب والمراسلات والفتاوي التي تتداول حكم شرب القهوة في ذلك الزمن <span class="tooltip">(32)<span class="tooltiptext">من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، ص68، 70.</span></span>.
كان انتشار القهوة في الحجاز في بدايته للتقوي على العبادة كما كان في اليمن، ثم بعد ذلك أصبحت شرابًا شائعًا لجميع الناس في كل الأوقات، وأقيمت لشربها أماكن عامة تسمى (بيت القهوة) <span class="tooltip">(33)<span class="tooltiptext">أدبيات الشاي والقهوة والدخان، ص32.</span></span>. ولكن بعض وجوه الشبه بين هيئة تناولها وهيئة تناول الخمر، وكونها كانت تدار على الناس في مجالس خاصة، هذا التشابه أثار حفيظة بعض العلماء، ورأوا أن هذا المشروب يقاس على الخمر في التحريم، وبعضهم ألحق هذا المشروب بالخمر اعتقادًا منهم بأنه يؤدي إلى السكر مثل الخمر <span class="tooltip">(34)<span class="tooltiptext">من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، ص17.</span></span>، وهذا ما نفاه عنها العلماء الذين أفتوا بالجواز، حيث أكدوا أن آثار شرب قهوة البن (كالنشاط وصفاء الذهن والسهر) تكاد تكون عكس آثار شرب الخمر <span class="tooltip">(35)<span class="tooltiptext">تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن، ص1-2.</span></span>. وكان بعض العلماء يتوقف ولا يستعجل في الحكم على هذا المشروب حتى طبخه وشربه بنفسه، أو حضر مجلس من يشربونه وتحدث معهم في أوقات متفرقة ليرى أثر المشروب عليهم، ثم أفتى بجواز شرب قهوة البن، بعد تأكده من عدم تسببها في الإسكار المحرم <span class="tooltip">(36)<span class="tooltiptext">من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، ص19.</span></span>.
هذا الاجتماع على شرب القهوة تحول مع الوقت إلى اجتماعات تجمع اللهو والغناء والرقص، بل وبلغ الأمر إلى خلط قهوة البن بالقهوة الأساسية (الخمر)! وكان ذلك الأمر في بادئه بالخفية ثم شاع وانتشر، مما أدى عودة إلى الصراع حول التحريم والجواز <span class="tooltip">(37)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، ص16.</span></span>. وكان الأصل في شرب القهوة أن يكون في تلك الأماكن المخصصة لها، وفي أوقات صدور فتاوى التحريم أو المواسم التي يمنع فيها الاجتماع للقهوة في محلاتها، كان الناس يصنعون القهوة في بيوتهم، فيشربها الرجال خاصة دون النساء، ثم تحولت إلى تقليد عائلي يومي للأسرة كلها، وشكلاً من أشكال الضيافة <span class="tooltip">(38)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، ص43.</span></span>.
دخول القهوة إلى بقية الجزيرة العربية <span class="tooltip">(39)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، ص43-44.</span></span>:
يعد وصول القهوة إلى قلب الجزيرة العربية (وشرقها وشمالها) متأخرًا كثيرًا عن وصولها إلى الحجاز، بالتزامن مع ظهور الدولة السعودية منتصف القرن الثاني عشر الهجري، حيث إن أقدم ذكر للقهوة لدى شعراء نجد هو في ذلك الوقت، وكان وصول القهوة إلى نجد والشرق والشمال فيما يبدو على يد الحجاج العائدين من مكة والمدينة.
وفي بداية أمرها كانت محدودة النطاق، خاصة بعلية القوم من الحكام والأمراء وزعماء القبائل والكرماء، ولم يكن لها أماكن مخصصة مثل ما حدث في الحجاز (ومصر والشام وتركيا بعد ذلك)، فلم تكن في نجد إلا ضيافة في البيوت، لا يزاحمها مشروب آخر. وعرفت القهوة النجدية بإضافة الهيل لكسر حدة مرارتها، كما أصبحت تشرب مصحوبة بالتمر.
وكذلك كانت -كالقهوة الحجازية المنزلية في بداية أمرها- خاصة بالرجال دون النساء، ثم شاعت وانتشرت في معظم البيوت وشاع شربها للجميع رجالاً ونساءً، كما أصبحت القهوة في كل منطقة من الجزيرة تختلف عن الأخرى بخصائصها وطريقة إعدادها وما يضاف إليها من النكهات.
وعلى خلاف ما حدث في الحجاز، فإن دخول القهوة إلى نجد لم يصاحبه نزاع في حكمها أو فتاوى في تحريمها وجوازها. يعود جزء من الأمر إلى تأخر دخول القهوة إلى نجد بعد أن هدأ ذلك النقاش وانتهى، كما يعود إلى الفرق الكبير بين طبيعة الحياة في نجد والحياة في الحجاز في ذلك الوقت. فمجتمع الحجاز مجتمع مدني، وبما له من مركزية في وجدان العالم الإسلامي فقد كان يقطنه مختلف الأجناس، وتعبر من خلاله مختلف الثقافات والتقاليد، فكان وجود المقاهي في الحجاز كوجودها في مصر والشام والعراق، وكان النقاش الشرعي حول القهوة في الحجاز مثل الذي ظهر حول القهوة والمقاهي في تلك الحواضر. أما المجتمع النجدي، مجتمع الصحراء والقرية والمزرعة، فقد كان بعيدًا عن ذلك كله.
لم تدخل القهوة إلى مجتمع الجزيرة العربية لتكون مشروبًا جديدًا فقط. بل تحولت مع الوقت إلى عنصر اجتماعي مؤثر له بصمته الواضحة على أنماط الاجتماع وطبيعته وتقاليده، وامتد أثره وازداد مع الوقت، كما ستكشف المباحث القادمة.
القهوة العربية في كتابات الرحالة والمستشرقين:
وقد كثرت التآليف والكتابة عن القهوة من الرحالة والمستشرقين، ونشطت في بعض السنوات، وصدرت مؤخراً الطبعة الثانية من كتاب (القهوة والأدب) للمستشرق الفرنسي جيرار جورج لومير <span class="tooltip">(40)<span class="tooltiptext">الكتاب من ترجمة مي محمود، وهو ضمن إصدارات دار ألكا للنشر في العراق.</span></span>، وفي العام 1806م حقق المستشرق الفرنسي الكبير سلفستر دو ساسي رسالة (عمدة الصفوة في حل القهوة) لزين الدين بن عبد القادر الجزيري الحنبلي، على نسختين غير مؤرختين، واحدة في باريس، والأخرى في طوبقو بتركيا. ثم قام اليازجي بتلخيص هذه الرسالة في مجلة الضياء في عامها الأول.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى بدايات القرن الماضي أخذ الاستشراق، والاستشراق الفرنسي خاصة، يعنى بالرسائل المؤلفة حول القهوة من الناحية الاجتماعية والثقافية، كما ظهرت للنور مخطوطات أخرى مثل (تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن) للسيد مرتضى الزبيدي صاحب معجم تاج العروس، و(مقدمة في فضل البن) للعلامة علي الأجهوري، و(السر المكنون في مدح البون) أي البن، لابن علوان، و(رسالة في حق القهوة) لأبي سعيد الخادمي.
وقد أكثرَ الرحالة الذين مروا بأرضنا من ذكر مشاهداتهم المتعلقة بالقهوة، ووصفوها ووصفوا علاقة العربي بها، ودققوا في تفاصيل نادرًا ما ينتبه لها إلا من شغفه المنظر الجميل الذي تحلّى به أهلها من كريم الطباع وحسن المسامرة وإتقان الصنع والتعامل معها.
ومن البليغ ما ذكره الرحالة الأمريكي باول سالوبيكPaul Salobek في رحلته التي سماها (الخروج من جنة عدن) Out Of Eden التي ابتدأها عام 2013م <span class="tooltip">(41)<span class="tooltiptext">قامت بترجمة هذه الرحلة المترجمة آمنة الشيخ لمجلة ناشيونال جرافيك.</span></span>، حين استوقفته القهوة العربية وطريقة تحضيرها، فقام بوصف رحلة فنجان القهوة في صحراء العرب متخذًا منه ومن مذاقه وطريقة إعداده منطلقًا لسرد قصص الخيمة والبدو وخصال التواضع والكرم.
كما خص الرحالة سالوبيك القهوة باهتمام خاص وعدّها طقساً مُلزماً من طقوس الضيافة في صحراء العرب مؤكداً أن تقديمها يمثل شكلاً من أشكال التنوع الثقافي الكبير في المملكة التي اختبرها بنفسه أثناء مروره بها خلال رحلته العلمية.
وأضاف أيضاً جملة عجيبة جميلة حيث قال: "إليك ما ستتذكره: ليس مساحة الأوبرا، وليست الحرارة، ليست القمم الحادة المحفورة مثل ماترهورن <span class="tooltip">(42)<span class="tooltiptext">أحد أشهر قمم جبال الأبناين بسلسلة جبال الألب.</span></span>، ولا الجبال التي تبدو كالأنياب، ولا المنارات التي استخدمها ذات مرة الحجاج لترشدهم إلى مكة، لا، إنها أكواب البورسلين الضئيلة البيضاء المغروسة في راحة يد الرجال، الرجال المحترمين المهذبين، اليقظين دائمًا، اليد التي ثقلت بالنسيج الجلدي المتصلب والخشن، والمشروب الساخن المستقر داخل الأكواب، مغلي. اخترعه المتصوفون العرب قبل سبعة قرون بلون أخضر شاحب كلون البحر المتجمد. حين تجد انسيابية نعومة مشروب وسط الكثير من الصلابة!" <span class="tooltip">(43)<span class="tooltiptext">مقال: لماذا استوقفت القهوة الرحالة. علي الحربي؛ آمنة الشيخ. صحيفة تيزار، صحيفة إلكترونية مصرّحة تصدر من منطقة المدينة المنورة. العدد 27، يناير 2022م.</span></span>.
لقد شدت القهوة السعودية نظر العديد من الرحالة وباحثي الأنثروبولوجيا الذين اهتموا بالمكوّن المادي والثقافي للإنسان السعودي، فدرسوا ارتباط هذا المشروب بالثقافة والهوية السعودية، وتعامل المجتمع معها، وكأنهم جعلوا من فنجان القهوة أحد أهم عناصر الهوية السعودية.
تحتل فضيلة (الكرم والجود والسخاء والعطاء) مكانة كبرى في الذهنية العربية عبر التاريخ الطويل، منذ أقدم ذكر للأخبار والأشعار العربية إلى يومنا هذا، يتوارثها الجيل بعد الجيل، وهي موضع الفخر الأكبر، ومحل المدح الأبرز، يسعى إلى تحقيقها العربي -غنيًا كان أو فقيرًا، في خيمة كان أو في قصر- ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويخشى من فواتها ويتبرأ من الاتصاف بضدها من صفات اللؤم والبخل.
وتتجلى أوضح مظاهر الكرم والجود عبر تاريخ العرب الطويل في (الضيافة وإكرام الضيف)، فأشد ما يسعد الكريم أن يحل في بيته زائر يشاركه طعامه وشرابه، وينال عنده قسطًا من الراحة والمبيت، ويظفر منه بطلاقة الوجه وحسن الحديث والاستئناس بإزجاء الوقت.
وقد تنافس العرب في هذا الشأن وأعملوا فيه حيلتهم، فكانت بيوتهم بمواقعها ومداخلها ومجالسها تخدم هذا الغرض النبيل، كما أسهمت الحياة العربية القائمة على التنقل والترحال في استعداد البيوت العربية لاقتناص عابر السبيل، واستضافته عدة أيام، فيخرج منها شاكرًا ذاكرًا أهلها بكل خير، متزودًا منها بما يكفيه ليواصل رحلته حتى يقف على بيت كريم آخر أو يصل إلى مستقره الأخير.
هذا إضافة إلى ما كان من طبيعة البشر عامة من المناسبات المختلفة، والعادات الاجتماعية التي تقوم على اللقاء في البيوت وتقديم الطعام والشراب.
وحين دخلت القهوة إلى المجتمع العربي وتحول تناولها إلى تقليد يومي، كان لا بد أن تأخذ مكانها الطبيعي ضمن أبجديات الكرم وأدبيات الضيافة. ثم تعاظم شأن القهوة، فصارت مفتاحًا للكرم وعنوانًا له، وتعاظم استهلاكها وتناولها، سواء من قبل أفراد البيت أو على سبيل الضيافة أو في المناسبات، وأصبح تناول القهوة أمرًا شائعًا طيلة اليوم والليلة، فكل الأوقات مناسبة لهذا المشروب، وتحول شراء القهوة ومعرفة أنواعها وحمستها وطريقة إعدادها إلى علم لا ينبغي الجهل به.
ووفقًا للإحصائيات الرسمية، يُنفق السعوديون أكثر من 1.16 مليار ريال سنويًا على القهوة، بما يُعادل 3.18 مليون ريال يوميًا، كما سجلت واردات السعودية من البُن خلال عام 2020 حوالي 80 ألف طن.
كما انعكس استهلاك القهوة الكبير على تحريك سوق زراعتها محليًا، وبحسب آخر إحصائية عن إنتاج البن وعدد المزارع والأشجار في المملكة للعام الهجري 1440هـ، بلغ الناتج المحلي من البن العربي 646 طنًا، كما بلغ عدد مزارع البن 847 مزرعة احتوت على 100 ألف شجرة بُن، منها 82390 شجرة مثمرة.
وبعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، فالتأثير الاجتماعي للقهوة لا يخفى، فقد أصبح للقهوة تقاليدها، من ألفاظ مخصوصة تقال عند دعوة الضيوف والترحيب بهم أو عند تقديمها إليهم، وأدوات مخصوصة تميزها، بأشكال اختصت بها لا يشاركها فيه غيرها من المشروبات، كالدلة والفنجان، كما تميزت بمكان مخصص لإعدادها وتقديمها وتناولها، وخصوصية في طريقة سكبها وتقديمها للشاربين، إلى غير ذلك من التفاصيل والتقاليد.
لقد بلغت مكانة القهوة في مفهوم الضيافة السعودية، أنه لو التقى اثنان ولو على سبيل المصادفة في أحد الطرقات، ودار بينهما شيء من الحوار، فلن يكون غريبًا أن تسمع أحدهما يقول للآخر: "فنجال"، كلمة واحدة تختصر في طياتها الدعوة للقدوم إلى المنزل ومشاركة صاحبه شرب القهوة.
وسيأتي تفصيل هذه التقاليد وما إليها في مباحث قادمة إن شاء الله.
القهوة في البيت السعودي <span class="tooltip">(44)<span class="tooltiptext">قام فريق العمل بإعداد استبانة حول القهوة وحضورها في المجتمع السعودي، شارك فيها قرابة 400 مشارك، وكان المشاركون على التقسيم الآتي: المنطقة الوسطى 49.7% ، الشرقية 24.6% ، الشمالية 12.4% ، الغربية 8.9% ،الجنوبية 4.4%. أما بالنسبة للأعمار فـ: من 20 - 30: 10.9% ، من 30 - 40: 29.4% ،من 40 - 50: 35% ،من 50 - 60: 20.3% ، من 60 - 70: 4.4%. وستضاف استجاباتهم في مواضعها من هذه المباحث.</span></span>:
في كثير من البيوت السعودية -باديتها وحاضرتها- يفتتح اليوم بشرب القهوة صباحًا، كما تشرب القهوة بعد العودة من العمل، أو تشرب قبل الأكل، أو تشرب بعد المغرب <span class="tooltip">(45)<span class="tooltiptext">أكد 77.4% ممن شملتهم الاستبانة على أن القهوة السعودية مشروب أساسي وأنهم يتناولونها كعادة مستمرة. كما أجاب 69% منهم بأنهم يتناولون القهوة أكثر من مرتين يوميًا.</span></span>. وأصبح لكل بيت عاداته التي ينشئها الأب فتسير عليها الأسرة بانتظام، فيعرف كل فرد وقت القهوة اليومي ليكون وقت الاجتماع والحديث.
كما يتعارف أهل الحي الواحد على وقت محدد للاجتماع لشرب القهوة في البيوت، غالبًا يكون بعد إحدى الصلوات، فترى أبوابهم مفتوحة ترحيبًا بكل زائر متوقع أو غير متوقع.
وقد بلغ بمركزية القهوة في البيوت أن اتُّخِذ لها مكان خاص في المنزل <span class="tooltip">(46)<span class="tooltiptext">وافق 89.8% ممن شملتهم الاستبانة على أن المجتمع في منطقتهم يهتم بمجالس القهوة السعودية.</span></span>، يصمم بطريقة تناسب إعدادها وتقديمها، بمنطقة من الأرض مخصصة لإيقاد النار أو الحطب لطبخ القهوة، ويكون الجدار القريب منها متميزًا بديكوره الذي لا تخطئه العيون، على شكل رفوف بارزة أو محفورة، تحفظ فيها مكونات القهوة وأدوات إعدادها وتقديمها، وتتحول إلى منظر جمالي يسر الجالسين، وعنوان على مكانة القهوة في هذا المنزل ودلالة على كرم صاحبه. وكما لا تخطئ العيون مكان القهوة في البيوت، فإن رائحة القهوة كذلك تصبح عنصرًا مميزًا للمكان المخصص لها، حيث تبقى عالقة في أجواء الغرفة طيلة الوقت من كثرة ما طبخت وقدمت وشربت فيها.
واتخاذ المكان الخاص بإعداد القهوة لا تختص به المدينة عن البادية، فللقهوة مكانها حتى لو كانت البيوت خيامًا، يعرف بحجارته المرصوفة والحطب القريب والمعاميل والدلال، بل إنه يبقى حتى بعد رحيل الخيام وأهلها، شاهدًا على بيت جود وكرم، بما يبقى من آثار القهوة وإعدادها من الحجارة المصفوفة والرماد.
وفي مجالس القهوة تنسج أكثر الذكريات رسوخًا، وتروى الأخبار والقصص، وتنشد الأشعار، وتعرف الأحوال، وتسمع الحكمة من الكبار، ويتربى الأبناء على كريم الأخلاق والأقوال والأفعال.
القهوة في المحافل الرسمية:
أصبحت القهوة وتقديمها وشربها جزءًا من التقاليد العامة السعودية <span class="tooltip">(47)<span class="tooltiptext">أكد 84% ممن شملتهم الاستبانة على أن للقهوة السعودية تقاليد خاصة، وأن الناس يحافظون عليها.</span></span>، حتى انضمت إلى مراسم استقبال الوفود على أعلى المستويات، ومن أوائل ما يجربه من يزور السعودية زيارة رسمية، سواء كانت تلك الزيارة على مستوى الملوك ورؤساء الدول أو المنظمات الدولية أو السفراء أو الوزراء أو أي تمثيل رسمي دولي، كما يشمل ذلك ضيوف المملكة في الحج والعمرة.
ويعيش الزوار التجربة السعودية في شرب القهوة في مختلف الأوقات، حيث يُستقبل بها الوفد الرسمي في المطارات، ويشربها لدى دخوله مقر اللقاء الرسمي، ويتناولها أثناء الاجتماع، ويشربها لدى الوداع.
كذلك الأمر في المحافل الرسمية الداخلية، كمراسم تكليف السفراء والوزراء والأمراء، وتخريج الدفعات العسكرية وطلبة الجامعات، وتشريف المباريات النهائية في البطولات الرياضية الكبرى، وافتتاح المشاريع الكبرى والمؤتمرات المحلية، إضافة إلى احتفالات الأعياد والمناسبات السنوية المتكررة. في كل هذه المحافل يكون للقهوة حضورها المميز، لدى الاستقبال الأول، وأثناء الاجتماعات واللقاءات، وبعد انتهائها، مع ما يرافق بعضها من وجبات وولائم، ومع التوديع والانتهاء.
ولذلك أصبحت القهوة وما يختص بها عنصرًا رئيسًا في المراسم الملكية منذ عهد الملك عبدالعزيز< span class="tooltip">(48)<span class="tooltiptext">يؤكد كثير من الرواة على أنه بلغ من اهتمام الملك عبدالعزيز بالقهوة أنه كان يجعلها نوعًا من المكافأة لإنجاز عمل ما، وجاء في وثيقة بخط يد الملك رحمه الله في قسم الوثائق بدارة الملك عبدالعزيز أنه كتب: "عطوا الطيارين قهوة وهيل".</span></span>يرحمه الله إلى يومنا هذا، وأصبح لها مسؤولها المباشر، وطاقمها المدرب على الإعداد والتقديم والمباشرة والضيافة في أوقاتها المختلفة، وبالزي الثابت الموحد، مع ما يصحبها من أصناف التمر، وما يصاحبها من العود والبخور.
وقد ذُكِر عن الملك عبدالعزيز اهتمامه الشديد بالقهوة، وذكر الشيخ حمد الجاسر رحمه الله أنه شاهد بسوق الباحة البنَّ المزروع بجبل شدا بتهامة، وهو أحد أجود أنواع البن الذي يُنتقى للملك، ولا تعجب حين ترى في مجلسه آثار بقايا القهوة والهيل منثوراً على السجاد الفارسي الفاخر، حيث من عادات المجالس العريقة أن يُنثر بين خيوط سجادها هذه البقايا لتطييب رائحته، ولا يُنثر في الأرض <span class="tooltip">(49)<span class="tooltiptext">تُسمى بقايا القهوة والهيل (سْرابة)، انظر: كتاب في سراة غامد وزهران، للشيخ حمد الجاسر، ص 66. ومقال: بن شدا عند المؤرخين، للكاتب ناصر الشدوي، جريدة الرياض عدد الجمعة 16 ذو القعدة 1440هـ - 19 يوليو 2019م.</span></span>.
ومن هنا غدت القهوة السعودية عنوانًا من عناوين الثقافة المحلية الرسمية التي يدركها زوار المملكة العربية السعودية بمختلف فئاتهم، وتقليدًا يضرب جذوره في التاريخ <span class="tooltip">(50)<span class="tooltiptext">أكد 56.6% ممن شملتهم الاستبانة اطلاعهم الجيد على معلومات عن تاريخ القهوة وتقاليدها. و28.9% منهم على اطلاعهم القليل على تلك المعلومات.</span></span>، وامتدادًا لعادة الكرم العربي الأصيل.
القهوة في المناسبات:
بعد كل هذا التمازج الشديد بين السعوديين وقهوتهم في البيوت والأحياء، وتناولهم القهوة في معظم فترات اليوم، وكونها من مراسم الاستقبال الرسمي على أعلى المستويات؛ فليس بمستغرب أن تكون من أولويات المناسبات الاجتماعية وأساسياتها. فإذا أضيف إلى ذلك قوة الصلات الاجتماعية بين أفراد المجتمع السعودي، وكثرة المناسبات الداعية لاجتماعهم، سواء كانوا من الأقارب أو زملاء العمل أو الأصدقاء؛ كان من البدهي أن تحضر القهوة.
ففي أكبر المناسبات المفرحة، كالزواج وعودة المسافرين، تولم الولائم ويجتمع الناس، وفي مواقف الفقد والحزن والعزاء، تفتح الأبواب ليتشارك الناس أحزانهم ويصبر بعضهم بعضًا، وبين هذا وهذا طيف عريض من المناسبات يجتمع لها الناس لأسباب مختلفة. وفي كل هذه المناسبات -صغرت أو كبرت- تكون القهوة حاضرة من بدء المناسبة إلى منتهاها.
المتأمل في حال المجتمع السعودي مع القهوة سيصعب عليه كثيرًا أن يجد نموذجًا آخر يشبه القهوة في تأثيرها الشديد على نواحٍ متعددة من كينونتهم. فالتأثير الذي أحدثته القهوة بلغ مداه الأوضح في طريقة بناء المنازل، ويظهر في صورته الجلية في تحولها إلى رمز رئيسي ومقدم من رموز الضيافة (التي تمثل مركزًا من مراكز الشخصية السعودية) وما يتعلق بها من مصطلحات وهيئات وأدوات انفردت بها، واهتمام بتمييز أنواعها وطرق إعدادها، إضافة إلى التغني بها من خلال الأشعار. فلا يكاد يقترب من كثرة تفاصيلها وآثارها أي نوع آخر من المشروبات أو المأكولات، أو غير ذلك مما يستهلكه الإنسان أو يستخدمه.
وسنسعى في هذا المبحث أن نغطي هذه المظاهر والتفاصيل التي اختصت بها القهوة وأدخلتها على الواقع الاجتماعي.
وفي هذا القسم سنتناول ما يرتبط بالوجود المادي للقهوة، من مكان إعدادها وأدواتها المختلفة وطريقة الحصول عليها وطريقة حفظها.
• مكان الإعداد ومحتوياته:
من بين كل ما يقدمه المضيف لضيوفه، تكاد تنفرد القهوة بأنها تعد وتجهز أمام الضيف، حيث تحتل القهوة مكانًا خاصًا في مجلس الرجال، وفي أحيانٍ تكون الغرفة المخصصة لها مستقلة، وتسمى باسمها (القْهَوَة).
هذه الغرفة الخاصة أو الركن الخاص بالقهوة، يتميز بطابع بصري مميز، فعلى الأرض جزء مربع الشكل أو مستطيل منخفض عن بقية المجلس، أو مؤطر بحجارة مرصوفة، مخصص لإشعال النار التي تطبخ عليها القهوة، مع مساحة مناسبة لوضع دلال القهوة مصفوفة بترتيب خاص.
وعلى الجدار المكمل لذلك الجزء المربع، تمتد زخرفات وتأطيرات بأشكال مختلفة، قد تكون مربعة أو مقوسة، وفيها تجاويف بارزة على شكل رفوف، أو محفورة داخل الجدار في ما يسمى الكوة أو المشكاة، وتستخدم هذه الرفوف أو التجاويف والكوى لحفظ أدوات القهوة، كبقية الدلال والفناجين، ومكونات القهوة الأساسية وبهاراتها، من أكياس القهوة والهيل والمسمار والزعفران، وما يدور في دائرة الضيافة من أطباق التمر، ومباخر العود. كما يوضع فيها بقية أدوات إشعال النار كالمنفاخ وأعواد الكبريت وملاقط الجمر وغيرها، كما قد تحتوي على مكان لحفظ الحطب، وبقية الأدوات المساندة كالبيوز والمشاخيل والنجر وغيرها مما يتعلق بإعداد القهوة أو حمل الدلة أو تصفيتها أو غير ذلك. وفوق ذلك يتفنن كل صاحب مجلس بطريقة زخرفة هذه المنطقة، وإضافة بعض التصاوير أو الكتابات على جدرانها.
ومكان القهوة مندمج مع مكان التدفئة، حيث تكون النار مشتعلة في الشتاء طوال وقت السمر، قبل إعداد القهوة وبعد اكتماله، عامرة تبث الدفء والمتعة بمشاهدة لهبها المتراقص والمعارك المستمرة بينها وبين الحطب.
يشكل اجتماع كل هذه الأدوات في مكان واحد اتساقًا بصريًا جماليًا ينم عن ذوق صاحبها في اختيار أحجامها وألوانها وطريقة صفها، كما يسهل على صانع القهوة أن يباشر أدواتها بسهولة، بطريقة لا تجعل عملية إعداد القهوة تقطع عليه مسامرته لضيوفه، فتجده يشاركهم في المسامرة ويبادلهم أطراف الحديث وينشد الأشعار، ويداه تباشران أدوات القهوة ومكوناتها وتتفقد الحطب والجمر وتتأكد من كل شيء، وتضيف كل مكون في وقته، مستبشرًا باكتمال كل مرحلة، وبانتشار رائحة القهوة الزكية، فإذا جهزت باشر ضيوفه بها بكل سعادة.
هذه الغرف والمجالس أو الأركان المخصصة للقهوة، كانت من أقدم الملاحظات التي سجلها المستشرقون الذين زاروا الجزيرة العربية<span class="tooltip">(51)<span class="tooltiptext">ينظر مثلاً: رحلة إلى داخل الجزيرة العربية، يوليويس أويتنغ، ص186 وما بعدها. حيث يصف أحد مجالس القهوة في حائل عام 1883م.</span></span>، فوصفوها بكل تفاصيلها، ورسموها ورسموا أدوات القهوة <span class="tooltip">(52)<span class="tooltiptext">المصدر السابق، كما خصص للقهوة وأدواتها أحد الملاحق، ص525. ومن كتابه أخذت الرسومات الواردة في هذا البحث.</span></span> وشرحوها. كما لاحظوا وجود تصاوير وكتابات على جدران تلك المجالس، تختلف من منطقة إلى أخرى <span class="tooltip">(53)<span class="tooltiptext">أكد 54.5% ممن شملتهم الاستبانة اهتمامهم الشديد بمعرفة تاريخ القهوة السعودية وتقاليدها، وأبدى 27% منهم اهتمامهم القليل بذلك.</span></span>.
ومما جاء في مشاهدات الرحالة الأجانب في مدينة عنيزة خلال قرنين للخويطر على لسان الرحالة السياسي البريطاني سادلير <span class="tooltip">(54)<span class="tooltiptext">هو القبطان جورج فوستر سادلير، سياسي بريطاني، ولد عام (1203هـ/ يناير 1789م)، وعمل ضابطًا لحساب حكومة الهند البريطانية التي أرسلته مبعوثًا سياسيًا دبلوماسيًا من بومباي على بارجة حربية إلى الخليج العربي في صيف عام (1234هـ/ 1819م)، واعتزل الخدمة العسكرية عام (1253هـ/ 1837م) وأصبح عمدة لبلدته (كورك) حتى عام (1272هـ/ 1855م) حيث هاجر إلى نيوزلندا ومات هناك عام (1276هـ/ 2 ديسمبر 1859م). انظر: مشاهدات الرحالة الأجانب في مدينة عنيزة خلال قرنين، لسليمان الخويطر.</span></span>: "وبعد صلاة الظهر مشينا إلى منزل الأمير زامل ودخلنا حجرة القهوة، فإذا هي مفروشة بالحصير الأخضر، ومع الأمير أشخاص قليلون، وكان ابنه عبدالله يدخن ويجهز القهوة، وكان الأمير يتحدث ولكنه لا يصدر أوامر على عادة أمراء العرب" <span class="tooltip">(55)<span class="tooltiptext">خالد بن سليمان بن علي الخويطر. مجلة الواحة، 2010، العدد 25.</span></span>.
وجاء أيضًا: "اقترب مني أحدهم.. وقد كان شاباً لطيفاً أمسك بيدي كعادة العرب هنا وقال: هل يمكنك أن تزور أمي المريضة، وذهب بي إلى منزله… وأدخلني صالة القهوة وكانت مفروشة بحصير جيد من الأحساء، والجدران مزينة… ومفروشة بسجاد عجمي للضيوف في مكان الجلوس، وجلس الشاب يصنع لي القهوة" <span class="tooltip">(56)<span class="tooltiptext">المرجع السابق.</span></span>.
ومما جاء في كتاب قلب الجزيرة العربية لجون فيلبي؛ قوله في وصف بعض المجالس التي زارها: "ومن خلفها رف مركب في الجدار، لتوضع فوقه فناجيل القهوة والأوعية الأخرى، فضلاً عن استعماله مستودعها للبن والشاي والسكر وما إلى ذلك. ومن خلف المدفأة كانت هناك تسع من دلال القهوة دمشقية الصنع. وكان القسم الأمامي من المدفأة مخصصًا للنار ولدلال القهوة المستعملة بالفعل، هذا بالإضافة إلى الماشة والمنفاخ" <span class="tooltip">(57)<span class="tooltiptext">قلب الجزيرة العربية 1/ 452.</span></span>.
وقدّم الريحاني حين زار عنيزة وما حولها وصفًا تفصيليًا لمجلس القهوة، ونقوشه وتصميمه والموقد (الوجار) وطريقة صف المواعين (الأباريق والدلال) والنجر والحجري، ثم ذكر عادات الأهالي في الضيافة وأنها نوعان، منها ضيافة القهوة والتي يحلو فيها الحديث، والأخرى على الغداء أو العشاء <span class="tooltip">(58)<span class="tooltiptext">أمين الريحاني، ملوك العرب، 2/ 607.</span></span>.
وقال عنها أيضًا <span class="tooltip">(59)<span class="tooltiptext">المرجع السابق، 2/ 608.</span></span>: "إنها طويلة فسيحة، عال سقفها، وقد سقف بخشب الأثل، قائم على أعمدة من الحجر مطلية بالجص، لها نوافذ مزدوجة النافذة فوق الأخرى، العالية لدخان الموقد يخرج منها، والواطئة لتجديد الهواء النقي، وعلى جدرانها (القهوة) رسوم هندسية نقشت بالجص فوق أرضية من الطين" .
مع التطور التقني الحديث تطورت أدوات طبخ القهوة، فصارت تطبخ على مواقد الغاز أو الكهرباء، ولكن هذا لم يغير كثيرًا من مكونات مجلس القهوة، فما زالت كثير من بيوت السعوديين تحتوي على ذلك الركن أو المجلس المخصص للقهوة، بزخرفاته ورفوفه وكواه الخاصة بأدواتها ومكوناتها.
• الأواني الخاصة بالقهوة:
عنصر آخر من عناصر تميز القهوة يكمن في أدواتها وأوانيها الخاصة <span class="tooltip">(60)<span class="tooltiptext">أكد 77.7% ممن شملتهم الاستبانة اهتمامهم بصنع القهوة السعودية في منازلهم، وأنهم يمتلكون أدواتها.</span></span>، التي تحولها من حبات البن الخضراء إلى مشروب داكن اللون، بما في ذلك من أدوات حملها وتقديمها وشربها:
المحماس: وهو المحطة الأولى التي تمر بها القهوة في رحلتها الطويلة إلى أن تصل إلى فم شاربها، أداة تشبه المقلاة توضع فيها حبوب البن وتعرض على النار وتحرك بواسطة قضيب طويل. وهذه العملية تسمى (الحمس) وتتحول فيها حبوب البن إلى اللون الأسمر الفاتح أو الداكن بحسب رغبة صانعها، وتؤثر نسبة الحمس على طعم ونكهة القهوة النهائية. وتوضع حبوب البن بعد حمسها في مكان خاص يسمى (المبرد) حتى تبرد قبل طحنها.
النجر: وهو الآلة القديمة لطحن القهوة والهيل، حيث تدق بمقبض حديدي ثقيل داخل وعاء مجوف حديدي مثله، ويتميز النجر بألوانه المختلفة وزخرفته الجميلة، كما يتفنن حامل النجر بالتلاعب بالمقبض على حواف الوعاء مصدرًا أصواتًا جميلة.
في الوقت الحاضر حلت الأدوات الكهربائية محل المحماس والنجر، كما صار من الشائع شراء القهوة من متاجرها محموسة ومطحونة، ولكن ما زالت هاتان الأداتان تزينان مجالس القهوة لدى عشاقها وروادها.
الدلة: وهنا مركز عملية صناعة القهوة وتقديمها، وللدِّلال شكلها المميز الذي لا تخطئه العين، بفمها الممدود كمنقار طويل، ورأسها الشبيه بالقبة المزينة بعمود قصير فوقها، وانحناءة وسطها كالخصر الأهيف ثم انتفاخ قاعدتها. ولكل جزء من الدلة اسم.
وقد وصفها كافن يونغ حينما شاهد التصميم الانيق لإبريق القهوة (الدلة) كما عبّر، حيث قفز إلى مخيلته قبل أي وصف آخر، شكل المنقار فقال: "تسكب القهوة من وعائها الخاص خلال فتحة طویلة مقوّسة تشبه منقارًا"<span class="tooltip">(61)<span class="tooltiptext">كافن يونغ رحالة بريطاني، له رحلة كافن يونغ "العودة إلى الأهوار"، ترجمة الدكتور حسن الجنابي، دار المدى سوريا 1998 ط 1.</span></span>.
وتصنع الدلة بأحجام مختلفة، لكل حجم منها وظيفته في إعداد القهوة، فأكبرها حجمًا التي تصفى فيها القهوة وتكون جاهزة وبالقرب من النار، ثم الأصغر قليلًا وتستعمل لطبخ القهوة في الماء المغلي فقط، وثم الأصغر قليلًا تضاف فيها البهارات الأخرى كالهيل والمسمار والزعفران وتصب عليها القهوة بعد طبخها، والرابعة الصغرى التي تسكب فيها القهوة المبهرة لتكون أسهل في الحمل والسكب والتقديم، حيث تبقى الكبرى على النار الهادئة، وتملأ الصغرى منها كلما فرغت.
وهذا التفاوت في أحجام الدلال مناسب لكل مرحلة من مراحل إعدادها وتقديمها، كما يخدم هذا التنوع في الأحجام في تجميل مجلس القهوة حين تصف الدلال بالتدريج بحسب حجمها. ويحرص أصحاب القهوة أن تكون الدلال من جنس متشابه ولون متشابه. وقد لا تستعمل كل الأحجام الأربعة، فيكتفى بثلاثة منها أو اثنين بحسب العادات. ولكل دلة من هذه الدلال أسماء تختلف باختلاف المناطق.
وقد تغنى الشعراء بإعداد القهوة في الدلال الأربع والثلاث. كقول الشاعر سليم بن عبدالحي الأحسائي واصفًا القهوة المصنوعة في أربع دلال <span class="tooltip">(62)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، ص147.</span></span>:
اللي لها أربع دلالٍ ومهراس
وتشم عنبر طيبها في المحاميس
وقول الشاعر عدوان بن راشد مظهرًا شوقه للقهوة المصنوعة في ثلاث دلال <span class="tooltip">(63)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، ص150.</span></span>:
شَفِّي ثلاثٍ مركياتٍ على النار
سود الخوافي فوقهن كل طربوش
وكما سميت الدلال بأسماء بحسب حجمها ووظيفتها، فكذلك عرفت الدلال بأسماء مشهورة بحسب شكلها أو موطن صناعتها، مثل الدلة البغدادية، والدلة الرسلانية نسبة لأسرة رسلان الشامية، والقريشية المكاوية، والدلة الحساوية، والدلة الحايلية، ودلة نجران، ودلة وارد عساف، ودلة قاسم، وكذلك الدلة الكويتية والإماراتية والبحرينية والحمصية، وغيرها <span class="tooltip">(64)<span class="tooltiptext">الدلة والفنجان رمـزية المعنى وعبق التراث، عبير يونس، مجلة البيان، 23 ديسمبر 2012م.</span></span>.
كل هذا التنوع في مناشئ القهوة واختلاف تصاميمها من منطقة لأخرى، ينبئ عن الأهمية الكبرى التي بلغتها القهوة في نفوس شاربيها.
ومما يتعلق بالدلة من أدوات:
الليف: وهو ما يوضع في فم الدلة حتى تخرج القهوة منه صافية لا يخالطها شيء من بقايا الهيل وغيره من البهارات، كما يمنع دخول أي شيء خارجي كالحشرات إلى جوف الدلة. ويؤخذ الليف من جذوع النخيل.
البيز: وهو قطعة قماش صغيرة سميكة مطرزة، تساعد في حمل الدلة الساخنة.
المركاب: وهو قاعدة حديدية توضع عليها الدلة فوق النار، وهو تطوير لفكرة الأحجار الثلاثة التي توضع عليها القدور قديمًا وتسمى الأثافي.
الفنجان: أو الفنجال، وهو المحطة النهائية للقهوة وفيه تسكب القهوة وتقدم من خلاله للشاربين، وهو كأس أو قدح صغير، يمسكه الشارب بـأطراف أصابعه، وينهي ما فيه برشفتين أو ثلاث، وهو آخر العلامات المميزة للقهوة، فلا يشرب في الفناجين شيء غير القهوة، ولصب القهوة في الفنجان فنون وآداب، ولصوت طرق الدلة بالفنجان نغمة وإطراب، وأصبح اسمه اختصارًا لدعوة الضيوف إلى شرب القهوة <span class="tooltip">(65)<span class="tooltiptext">فبدلاً أن يقال "تقهو" أو "حياك الله على القهوة" صار يقال باختصار "فنجان".</span></span>. كما إن تصاميم الفناجين في تطور مستمر، بألوانها ومواد صنعها وزخارفها.
ولا تخلو كتابات زائري شبه جزيرة العرب، ومن ضمنهم الرحالة القدماء من وصف فنجان القهوة بقولهم: (tiny cups) أي فناجين بالغة الصّغر لا يُقدم فيها إلا القهوة العربية. وقدّموا تحليلاتهم لحجمها فقيل لسبب اقتصادي في ذلك الوقت، وقيل لسهولة حمل أعداد كثيرة منها في يد واحدة، وقيل غير ذلك <span class="tooltip">(66)<span class="tooltiptext">راجع مقال: عبد العزيز المحمد الذكير، جريدة الرياض،21 اغسطس 2011م - العدد 15763.</span></span>.
وقد حافظت الفناجين على ذاتها من الاندثار رغم اقتحام الجديد، فمع حلول الترمس والزمزمية محل الدلة في بعض المجتمعات؛ إلا أن الفنجان استطاع المحافظة على مكانته وشكله سواء في البيوت أو حتى المكاتب الفخمة.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا مما ينبئ عن دفء العلاقة بين أهل هذه البلاد والقهوة؛ أن أدوات القهوة ومكوناتها قد تحولت إلى أسماء للبشر يسمي بها الناس أبناءهم، فنجد اسم (محماس) و (نجر) للرجال، ونجد (دلة) و (هيلة) في أسماء النساء، بل إنه وجد من النساء من اسمها (قهوة). فأي علاقة مميزة تجمع أهل هذه البلاد بهذا المشروب العزيز!
• القهوجي:
بعد الحديث عن أدوات القهوة ومكوناتها ومكان إعدادها، بقي أن نشير إلى هذا المكون الإنساني المرتبط بالقهوة، حيث شاع في بيوت الوجهاء في البادية والحاضرة، وفي المناسبات الكبرى؛ أن يستعان بشخص متخصص في القهوة، خبير بإعدادها ويتولى بنفسه إما طبخها أو تقديمها للضيوف أو كلتا المهمتين، وقد أطلق عليه اسم مشتق من القهوة (القهوجي). وكلما كبرت المناسبة وزاد عدد الضيوف فيها كبرت مسؤولية القهوجي وصار له أعوان ومساعدون يتولون أركان المكان المختلفة، ويباشرون سكب القهوة على الحضور بحيث لا تنقطع عنهم ولا تبطئ عليهم. ولا يختلف ذلك بين البادية والحاضرة.
ويتصف هذا القهوجي بصفات من أهمها تركيز الاهتمام بعمله المتعلق بالقهوة دون الانشغال بغيره من أحاديث أو إدلاء رأي أو حتى الغفلة عن المبادرة في مباشرة القهوة للضيوف، وقد كان بعض المسؤولين كشيخ القبيلة أو بعض الأمراء أو الملوك اليوم يختار لهذه المهمة من يكون حريصاً على عدم إفشاء الأسرار أو نقل الأحاديث أو الاهتمام بما يقال خارج عمله المنصب على القهوة وشؤونها، بل ربما كان هذا القهوجي أصمّ أساساً، وهذا ما أورده بعض الكتّاب حين تحدث عن تبرير فكرة هزّ الفنجان، كي يراه <span class="tooltip">(67)<span class="tooltiptext">راجع مقال: محمد خزعل، مجلة الزمان، عدد 9 أغسطس 2016، بغداد.</span></span>.
كما يتلطف الضيوف كثيراً مع القهوجي وربما سألوه ومازحوه أو قدّموا له بعض الأعطيات أو اختبروه ببعض الألغاز أو الأشعار من باب الملاطفة.
• مصدر القهوة وطريقة وصولها:
سبق الحديث عن أن منشأ القهوة إما اليمن أو أثيوبيا (الحبشة). وانتشرت زراعتها فيما بعد في مختلف مناطق العالم، وبخاصة على حدود الشريط العرضي نفسه الذي تقع فيه اليمن وأثيوبيا. وقد نجحت زراعة القهوة في السعودية في المناطق الجنوبية، في جازان ونجران وبعض مناطق عسير. ويقام في جنوب المملكة مهرجان سنوي لعرض منتجات القهوة المحلية التي وصل إلى مستويات جيدة في الإنتاج كما بينا في مبحث سابق.
وأشهر أنواع القهوة تداولًا في السعودية: البن الخولاني (اليمني المنشأ) والبن الهرري (الأثيوبي المنشأ). وتجارة القهوة من أوسع التجارات في المملكة، نظرًا لما قدمنا به من الاستهلاك الشديد اليومي لها في مختلف مناطق المملكة. فأصبح لها مورّدوها المعروفون ومنافذ بيع معروفة ومتنوعة بحسب احتياجات المستهلكين <span class="tooltip">(68)<span class="tooltiptext">يرى 65.5% ممن شملتهم الاستبانة ضرورة تكثيف أماكن بيع القهوة السعودية، ويرى 7.8% أن أماكن بيع القهوة السعودية حاليًا كافية ولا تحتاج إلى زيادة.</span></span>، ويختلف المشترون في كمية ما يشترون في المرة الواحدة بحسب استهلاكهم وبحسب جودة المنتج وسعره.
• طريقة حفظها:
كما قدمنا من أن استهلاك السعوديين للقهوة كبير <span class="tooltip">(69)<span class="tooltiptext">أشار 12.5% ممن شملتهم الاستبانة إلى أن حضور القهوة السعودية في منطقتهم بدأ يضعف في السنوات الأخيرة، فيما نفى ذلك 68.4% منهم.</span></span>، ولذلك فالغالب شراؤهم للقهوة بكميات كبيرة، للحصول على سعر مناسب، وليضمنوا توفر القهوة لمدة طويلة. ولكن كيف تحفظ القهوة خلال هذه المدة؟
ولأن للقهوة أهميتها التي لا تخفى، ولأن طعم القهوة ونكهتها في المقام الأول من الأهمية. فقد لاحظ خبراؤها أن القهوة في غاية الحساسية، وتتأثر بالأشياء القريبة منها، فتلتصق بها الروائح والنكهات المحيطة بها، كما أن طول مكثها في درجة حرارة غير جيدة، أو بإغلاق غير محكم؛ يفقدها شيئًا من لذتها وتميزها.
أول ما يشار إليه هنا أن القهوة المناسبة للحفظ الطويل هي القهوة التي لم تطحن بعد، فهذا يجعلها تحتفظ بخصائصها ونكهاتها ما دامت في شكلها الصلب، أما بعد الطحن فيستحسن استهلاكها سريعًا لئلا تفقد مزاياها وخصائصها. ولذلك صار من الشائع الاحتفاظ بالكميات الكبيرة غير مطحونة، وطحن ما يكفي لاستعمال الأيام القريبة. ثم ينبغي الاحتفاظ بالقهوة في أماكن ذات حرارة منخفضة، في أكياس محكمة الإغلاق. والكلام نفسه ينطبق على (الهيل) المطحون وغير المطحون، سوى أن الهيل يحتاج أن يحفظ في أوعية زجاجية.
وكما خصص الناس مجلسًا للقهوة في بيوتهم، فإن القهوة ترافقهم في رحلاتهم القريبة والبعيدة، فابتكرت محافظ مصغرة للقهوة ومكوناتها وأدواتها تناسب الرحلات وتكفي لإعداد القهوة خارج المنازل، فلا تخلو مراكب عشاق القهوة وسياراتهم من (عزبة) تحوي كل مكوناتها وأدواتها. وكما يتفنن الكريم بتصميم مجلس (القْهَوة) في بيته، فهو يجتهد في اختيار العزبة المناسبة له، التي تكفي للوازم قهوته ومكوناتها.
وسنتناول هنا ما يتعلق بالدلالات والمفاهيم والقيم التي ارتبطت بالقهوة، وهذا الأمر يعزز من دورها الاجتماعي والثقافي، ويعطيها وزنها الكبير في الوجدان السعودي، ذلك الدور والوزن الذي لا يقترب منه شيء من بقية المشروبات والمطعومات أو غيرها مما يستهلكه الناس.
• ارتباطها بالضيافة والكرم:
لقد استفاض الحديث فيما مضى في هذا الأمر، وجرت الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين القهوة والضيافة، فرأينا كيف أصبحت مفتاح كل وليمة، ومقدمة كل اجتماع، وفي استقبال كل زائر وتوديعه، وركنًا ركينًا في المراسم الملكية، وغدت عنوانًا للتقاليد المحلية، فللقهوة حمولتها الثقافية الكبيرة التي تشكل وعياً ومستنداً وإرثاً مؤثراً لا يستهان به.
وما تقدم من كونها ذات مكان ومجلس خاص، وكل ما يتعلق بذلك من إعدادها عند الضيوف وإدارتها بينهم بكل حفاوة واستبشار، حتى صارت كلمات مثل "تقهو"، "فنجال"، "اقدع"، عبارات محورية في أعراف الكرماء يتربى عليها الأبناء، وشعارًا من شعارات الكرم والضيافة، ودعوة مباشرة لعدم التوقف والاستمرار في شرب القهوة.
وقد بات من علامات رجولة الشباب أن يتولوا صب القهوة في مجالس آبائهم، وأن تتعود ألسنتهم على عبارات الترحيب والتقديم، وأساليب الحث على المزيد من شرب القهوة، إضافة إلى ثقافة القهوة عمومًا من حيث تمييز أنواعها والحذق في شراء الجيد منها والإحسان في طبخها، حتى إن كثيراً منهم يرى أن الذي لا يُجيد عمل القهوة يكون قد رَبِيَ في بيتٍ غير ذي كَرَم <span class="tooltip">(70)<span class="tooltiptext">أكد 86.8% ممن شملتهم الاستبانة معرفتهم الجيدة بطريقة تحضير القهوة السعودية.</span></span>.
وما سبقت الإشارة إليه من اتفاق أهالي الحي على أوقات قهوة ثابتة، لا تغلق فيها الأبواب، وتفوح من بيوتهم روائح القهوة الزكية معلنة حالة الاحتفاء المسبقة بكل زائر متوقع.
كل ذلك وغيره من الملامح والشواهد، يدل دلالة واضحة على الارتباط الجوهري بين القهوة والضيافة والكرم.
• ارتباطها بالاستقبال:
لا شك أن لحظة اللقاء الأول من أهم اللحظات في تقاليد الكرماء، وقد جرت العادة -كما أشير إليه سابقًا- أن يكون في الولائم الكبيرة، استعداد تام لتقديم القهوة طوال الوقت، ويبدأ هذا منذ دخول الضيف من الباب، ويستمر طوال جلوسه، ويستقبل به مرة أخرى بعد قيامه من الوليمة التي تناولها، وكلما انتقل من مكان إلى آخر وجد في استقباله من يحمل الدلة والفناجين ليقدم له القهوة. كما أن الوفود الرسمية والسياسية التي تزور المملكة تتلقى أول فنجال قهوة في ساحة الاستقبال في المطارات، كما تتلقاه عند استقبالها في مقر الاجتماع.
• ارتباطها بالثأر والحرب:
من التقاليد المروية بتواتر وتداول كبير في ثقافة الجزيرة العربية؛ أنه إذا اعتدى شخص على فرد من قبيلة، وكان هذا الاعتداء يمس شرف القبيلة بأسرها، فمن واجب شيخ القبيلة أن يدعو أفرادها إلى اجتماع عام، يلقي من خلاله كلمة يوضح فيها أهمية الأخذ بالثأر من المعتدي، حفاظًا على سمعة القبيلة ومنزلتها بين القبائل الأخرى، وبعد ذلك يطلب الشيخ من أحد الموجودين أن يصب فنجانًا من القهوة، ثم يتناوله بيده ويقول: "من يشرب فنجان فلان" ويذكر اسم المعتدي، فإذا شرب أحدهم الفنجان، أصبح لزاماً عليه أن ينتقم من المعتدي.
وهذا يدل على أهمية وقدسية القهوة عندهم. فإذا ما تخاذل هذا الشاب عن أخذ الثأر، فمعنى ذلك أنه نكث بأعز شيء تحترمه القبيلة وتقدسه، فيصبح غير أهل للاحترام والتقدير، أما إذا شرب الفنجان وثأرَ للقبيلة من المعتدي، فقد حظي بالتقدير والاحترام وصار موضع أحاديث القوم، بالشجاعة والولاء للقبيلة <span class="tooltip">(71)<span class="tooltiptext">القهوة في الثقافة العربية والشعبية، صلاح عبد الستار الشهاوي، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد 11.</span></span>.
فهذا الفنجان الذي من الممكن أن نطلق عليه فنجان الشجاعة أو فنجان الثأر، وقد عبّر عنه الشاعر في قوله ضمن قصيدة طويلة في أسرار الفنجان:
ما بين من يشربونكْ | وقاتل وقـتـيـــــلٍ
ومن يموتون دونَكْ | وحالفٍ أن يصونَكْ
وفي بيت شهير للشاعر الكبير رشيد الزلامي:
حنّا ليا حمْيِت الهيجا وحصْل الزحامْ | نشرب فناجين خلق الله ونرمي بها
وقد اختلف في معنى (ونرمي بها) هل هو عائد إلى الرجال، أي نرمي بهم عن ظهور الخيل في المعركة موتى، أم عائد إلى الفناجين، أي نرمي بالفنجان بعد شربه كدلالة على قوة التحدي والاستعداد له، أم أن رمي الفنجان يكون حينما يقدم للفارس وهو على ظهر جواده، فليس لديه الوقت الكافي للجلوس لشرب القهوة وإنما يتناولها وهو على ظهر الجواد ويرمي بالفنجان بعد ذلك ليدخل في القتال.
• ارتباطها بالشعر:
شكلت القهوة ارتباطًا وثيقًا بالشعر، وذلك بسبب التصاقها بالمجالس الطويلة، ولقاءات الأصدقاء، وهذه المجالس هي ميادين رواية الأخبار والقصص، وفيها تروى الأشعار، فإذا كان المتجالسون فيها من الشعراء، فلا شك أن الشعر سينال نصيب الأسد من أحاديثهم ومسامراتهم.
ومن ناحية أخرى، فالشعر الذي قيل في القهوة كثير جدًا، سواءٌ القصيد الذي خصص بكامله للحديث عن القهوة وما يدور حولها -وهو هنا يشبه كثيرًا شعر الخمريات، لولا خلوه من مظاهر السكر- أو الشعر الذي يأتي ذكر القهوة فيها عرضًا إما في معرض التفاخر بالكرم، أو في جعلها مفتاحًا يدخل منه الشاعر للقصيدة.
وهناك كلمات وعبارات اشتهرت ضمن تقنيات القصيدة الشعبية بسبب تأثير فكرة القهوة وشيوعها، من ذلك قولهم: احمس لنا - قم سوّ - قم صبّ - يا ما حلا الفنجان - البنّ الأشقر - كيفٍ من البنّ - الدلّة اللي.. وغيرها.
وفي غالب الأشعار لا يُشار إلى محتوى الفنجان، للإجماع على أنه لا يحتوي إلا القهوة.
ومن أشهر القصائد التي ذاع ذكرها قصيدة الشاعر محمد القاضي في طريقة إعداد القهوة <span class="tooltip">(72)<span class="tooltiptext">القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، ص155. وينظر حديث خاص عنها ص236.</span></span>، فبعد أن افتتحها بالحديث عن همومه وهواجسه، يبدأ من بيتها الخامس الذي يقول:
دنّيت لي من غالي البنّ ما لاق | بالكف ناقيها عن العذف منسوق
وينطلق في خمسة عشر بيتًا من التوصيف الشامل لمراحل إعداد القهوة، حيث يوصي صانعها بالانتباه لخطوات إعدادها بدءًا بحمسها إلى آخر مراحلها، بكل دقة، وألا يكون عجلًا ولا متهورًا، وذكر فيها من معاميلها ومكوناتها مع الوصف البصري بالألوان والحركات ما جعلها قصيدة خالدة.
• ارتباطها بطلب الزواج:
حضرت القهوة أيضًا في مجتمع الجزيرة العربية في مناسبة الزواج من خلال كونها عنصرًا أساسيًا في بدء الخِطبة والطلب، فحين يفكر شخص في الزواج من فتاة معينة، فإن عائلته تسارع إلى توسيط عدد من الوجهاء الذين يذهبون إلى بيت أهل الفتاة حيث يستقبلون بالترحيب، وبعد أن يأخذوا أماكنهم في المجلس تدار عليهم القهوة، فيتناول أكبرهم جاهًا أو سنًا فنجاناً ويضعه أمامه، ويمتنع عن شربه حتى يحصلوا على الموافقة على تزويج ذلك الشاب من تلك الفتاة. وبعد الحصول على الموافقة، يشربون القهوة، شاكرين لأهلها كرمهم وحسن استقبالهم <span class="tooltip">(73)<span class="tooltiptext">فنجان القهوة مفتاح السلام والكلام، ياسين صويلح، مجلة تراث، العدد 80، يوليو 2005، ص105.</span></span>.
وأحياناً يصدر هذا التقليد عن أهل العريس، حيث يُعرِضون عن شرب القهوة، ويضعون الفناجين على الأرض بانتظار الجواب، وعندما يتوافقون، تدار فناجين القهوة، كمراسم الزواج عند بعض أهل البادية، وينتهي الأمر بقول والد العروس: "اشربوا قهوتكم وأبشروا".
لقد جعلوا الفنجان والقهوة التعبير الأمثل في مثل هذه المواقف الحساسة، وما ذاك إلا لأهميته وقدره في ثقافتهم.
• ارتباطها بالتواصل الاجتماعي:
إن قِيم التواصل الاجتماعي التي تتجلى في مظاهر المناسبات الاجتماعية وتبادل الزيارات والتهاني والمواساة؛ تؤكد في مجملها على محورية القهوة، فهي تقوم بتمثيل خاصية الدبلوماسية الشعبية إن صح التعبير، وتتجلى فيها عبقرية التواصل الاجتماعي، وتعزيز العلاقات الاجتماعية.
ومما يجدر ذكره هنا هو حضور القهوة في مناسبة العزاء على سبيل المثال، وهي مناسبة لها أثر كبير في تقوية أواصر العلاقات وتبادل المحبة والوفاء، فحين يزور الناس العائلة المصابة لأجل المواساة، فإن القهوة تدار عليهم، والعرف أن لا يتناول الشخص أكثر من فنجان واحد في هذا المجلس، ويعيد الفنجان مع إلقاء بعض العبارات التي يواسي بها الناس مثل "عساها آخر الأحزان" أو "صدقة واصلة"، وأمثالها من العبارات <span class="tooltip">(74)<span class="tooltiptext">المصدر السابق.</span></span>.
• ارتباطها بالعقوبة:
يمثّل تقديم الفنجان رمزية عالية في المجلس، وقد يقدّم إلى أشخاص معينين يتمتعون بسلطة أو مشيخة أو شُهِد لهم بأفعال محمودة لها أثر عام كالزعيم الفارس الشجاع الذي يقود الحروب وله صولات وجولات في ميادين المعارك، والكريم الذي يضحي بماله في سبيل جماعته ويقوم بواجبات الضيافة، وقد يحجب عن آخرين.
وقد جاء في قصيدة دغيّم الظلماوي الشهيرة في القهوة، في من يجب أن تصب لهم القهوة إكراماً لأفعالهم:
صبّه لقرمٍ صرفته ما حسَبْ بهْ | وصــبَّه لمنــــعورٍ ومن جاه نـبَّـهْ
يوم البخيل مْكَنْهِب الوجه هابي | يرخص بعمره والدخَن له ضبابي
فذكر هنا "القرْم" الكريم الذي لا يحسب لصرف المال ولا يبخل به، في حين يتولى البخيل بوجه عبوس في مواقف الكرم، وذكر أيضًا "المنعور" الشجاع الذي يجيب كل من دعاه ويُرخص عمره في ساعات الحرب.
كما يحجب الفنجال عن الجبان والخائن وعديم المروءة فأولئك يحرمون من تناول القهوة مع الرجال، وكل من ارتكب عارًا في حق قبيلته أو جماعته، ويسمى "معقّب الفنجان"، وفي نفس القصيدة يقول الظلماوي:
وعدّه عن اللي ما يداري المسبةْ | اللي يدوّر بالقصير الغيابي
إنه ذلك الشخص الحقير الذي لا يترفع عن الأسباب التي تجلب له ولأهله المسبّة، ويستغل غياب جاره ليسيء إلى محارمه. ويعتبر حجب الفنجان وتعديته إهانة كبيرة جدًا، بل من أكبر الإهانات أن يعيّر الرجل بأنه مْعَقّب الفنجان، أي أن هذا الرجل إذا وصله الساقي يتجاوزه ولا يناوله القهوة لأنه ليس من الرجال الذين يستحقون الفنجان.
جاء في معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية <span class="tooltip">(75)<span class="tooltiptext">معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية، سليمان بن ناصر الدرسوني، مادة (ع ق ب)، وهو باحث ومؤلف في اللهجات، وعضو الجمعية السعودية للهجات والتراث، وعضو مشارك معجم اللغة العربية فرع اللهجات المحكية.</span></span>: "عَقَّبَه الفنجان: تجاوزه وأعطاه للذي يليه: أي عند صب القهوة للضيوف في المجلس والوصول إلى هذا الشخص يصب للذي بعده ويتركه، وبهذا قد تَعَقَّبَهُ الفنجان وتعداه للذي بعده، إمعاناً فيه وإذلالاً أمام الجميع، ويعقَّب الفنجان للرجل إذا عمل عملًا يخالف العادات والتقاليد، فهو هنا يؤدب ويهان، ولا أحد يريد هذا الموقف الحرج أمام الناس الآخرين.. وقيل: يُعقَّبْ الفنجان أي يقلب فنجان القهوة ويصب له القهوة في الفنجان وهو مقلوب على عقبه، ليكون بهذا العمل لا قيمة له في المجلس وهو لا شيء، ويأمر صاحب المجلس من يقوم بصب القهوة أن يعمل هذه الطريقة لفلان الجالس بين الضيوف، وتعد إشارة مبطنه، فيفهم القصد".
إذن قد يستخدم الفنجان لرمزية العقوبة والتنكيل لمن يرتكبون بعض التصرفات التي يكون أثرها كبيرًا على القبيلة أو المجتمع، فهو نوع من التعزير الجماعي العلني الذي يمارس في حق الشخص المذنب بذنب لا يُغتفر.
ويمكن أن نستشف أن أبرز الأسباب التي تعطي الحق في تعقيب الفنجان هي:
الطريقة الغالبة لدى معظم سكان المملكة العربية السعودية تكاد تكون متشابهة، حيث توضع حبوب القهوة (البن) في المحماس الموضوع على النار، أو المحماس الكهربائي الذي ينوب عنه اليوم لدى معظم الناس، ثم يباشر صانع القهوة تحريكها وتقليبها بيد المحماس، أو تتقلب آلياً في المحماس الكهربائي، حتى يتم التحميس <span class="tooltip">(76)<span class="tooltiptext">التحميس بالسين هو التحميص نفسه، لكنها اللهجة الدارجة في السعودية.</span></span> بصورة جيدة لجميع الحبوب.
وخلال عملية التحميس يجب أن ينتبه القهوجي لقهوته حتى لا تحترق، ويكون التأكد من انتهاء عملية التحميس بتغير لون الحبوب إلى اللون البني المصفر، كما يخرج مع هذه العملية زيت القهوة الذي يتطاير وينشر رائحة زكية، رائحة كثيرًا ما تغنى بها شعراء الفصيح والعامي في البادية والحاضرة. يقول محمد القاضي في قصيدته الشهيرة في القهوة:
ليا اصفَرّ لونه ثم بشّـت بالأعـراق | وعطّت بريـح فاخـرٍ فاضـحٍ فـاق
صفرا كما الياقوت يَطرب لها المـوق | ريحـه كما العنبر بالأنفـاس منشـوق
وبعد عملية التحميس توضع الحبوب في النجر أو الطاحونة الكهربائية، فتطحن وتتحول الحبوب إلى مسحوق ناعم، يوضع هذا المسحوق في الدلة الكبيرة التي تسمى المطباخة أو القمقم، وهي قد وُضع فيها الماء المغلي مسبقًا.
ويوضع الهيل المطحون طحنًا متوسطًا في دلة أخرى أصغر تستخدم للصب والمباشرة، وقد تكون أكثر من دلة حسب عدد الضيوف.
بعد أن تغلي القهوة وتستقر قليلاً وتصفو؛ يقوم القهوجي بسكبها في الدلة الصغيرة فوق الهيل، وتسمى هذه العملية "الزلّ"، فتمتزج القهوة مع الهيل، ليكونا خليطاً مميزاً ذا نكهة عالية اللذة.
ثم تصبّ في الفناجين، وقبل أن يشرب الحاضرون يتناولون شيئاً من التمر (القدوع) <span class="tooltip">(77)<span class="tooltiptext">انظر للاستزادة: القهوة العربية، أحمد بن محارب الظفيري، مجلة الكويت، العدد 213، ص 15.</span></span>.
وبعد الانتهاء من مباشرة القهوة واكتفاء الضيوف؛ يقوم القهوجي بتقريب الدلة من النار أو يضعها على السخّان الكهربائي لتبقى محتفظة بحرارتها، ويعاود الصب مرة أخرى حين يطول المجلس.
هذه هي الطريقة الأساسية، وقد يضيف الناس بعض الأصناف الأخرى حسب رغبتهم وأعرافهم.
وقد ذكر القاضي في قصيدته أن غاية ما يمكن إضافته على القهوة خمسة أشياء (أرناق) <span class="tooltip">(78)<span class="tooltiptext">ورد ضمن استفتاءات المجمع اللغوي الافتراضي على (تويتر) أن كلمة "رنق" بمعنى نوع أو قِسم، وتجمع على أرناق، وأنها مستعملة اليوم في حائل والوشم ولدى بعض القبائل كغامد وحرب، ورجح الباحث في التراث عبدالعزيز الذكير أن أصلها Range الإنجليزية التي تعني الرتبة والصنف، أو من كلمة Rank التي تحمل أيضًا ذات المعنى. انظر: جريدة الرياض عدد 11638 يوم 1 / 2 / 1421هـ.</span></span> في قوله:
زلّه على وضحىً بها خمسة أرناق | مع زعفرانٍ والشمطري الى انساق
هيل ومسمار بالاسباب مسحوق | والعنبر الغالي على الطاق مطبوق
فالهيل معروف، وهو أساسي كما ذكرنا سابقًا، يقول الشاعر الأمير تركي بن حميد:
وبهارها هيلٍ بليا حواسيس | وكيفٍ يعدّ للنشامى القرومي
والمسمار هو القرنفل الذي يطحن ويضاف بكمية قليلة جدًا لتضفي اللذعة المحببة في اللسان، والانتعاش في المزاج، ويسمى أيضًا العويدي، يقول الشيخ راكان بن حثلين:
راعي دلالٍ كنهن الغرانيق | فيها العويدي واشقر البن فاحي
كما يضاف الزعفران المعروف الذي يتغالاه الناس ويهتمون به، وله رائحة ولون مميزان.
وأما الشِّمَطْري فهو مما يزيد القهوة عطرًا ورائحة زكية <span class="tooltip">(79)<span class="tooltiptext">اختلف في أصل وحقيقة الشمطري المذكور، فهناك من يرى أنه نبات يزرع في شبه الجزيرة العربية، ويتميز بفوائده الكبيرة، يشبه النعناع أو النفل، ويضاف قليل منه إِلى القهوة لإِكسابها الرائحة الزكية، وهناك من يرى أن المعنى أخلاط وبهارات متداخلة وليست نباتًا واحدًا، وقد ذكر الشيخ العبودي الشمطري وقال عنه: "نوع من الزباد كان كثير الاستعمال عندهم، فكانوا يستعملونه لطيب النساء، وكان بعض الرجال يضعون منه على رأس عود في إناء القهوة التي يشربونها، وأصل الكلمة (السومطري) نسبة إلى جزيرة سومطرة التي هي الآن في اندونيسيا، لأنه كان يجلب منها، أكثَرَ الشعراء من ذكره في أشعارهم العامية"، راجع كتاب: كلمات قضت، للشيخ محمد بن ناصر العبودي، دارة الملك عبدالعزيز، مادة (ش م ط ر).</span></span>، وله استخدامات أخرى لإضفاء الرائحة العطرية كوضعه على شعور النساء، يقول الشاعر محمد الخس:
من فوقهن شقرٍ تغذى على الطيب | ريح الشمطري في طرفهن يعجّي
وأما العنبر فهو الزيت العطري المعروف، لونه يميل إلى السواد، يضاف شيء قليل جدًا منه كرائحة للقهوة، وربما لم يعد الناس يستعملونه اليوم مع القهوة.
رصد تقارير لشخصيات من مختلف مناطق المملكة حول ثقافة القهوة:
لقد استعنّا في بحثنا هذا بتقرير أعددناه خصيصًا من خلال سؤال بعض المختصين في كل منطقة من مناطق المملكة عن ثقافة القهوة وطريقة إعدادها ومقاديرها، نظرًا لوجود بعض الاختلافات التي تطرقنا لها في ثنايا هذا البحث.
عسير:
ففي سؤال وجهناه للأستاذ (م. م. الشهراني) أحد المهتمين بالقهوة في المنطقة الجنوبية وتحديداً منطقة عسير، أفاد أن منطقة عسير تتميز -أساساً- بوجود زراعة لشجرة البن في بعض النواحي وإن كانت ليست بالحجم الكبير.
وأشار إلى أن اللون السائد للقهوة في عسير هو اللون المعتدل بين الغامق والفاتح (وسط)، وأن أشهر ما يضاف لها هو الهيل وهو شيء أساسي، كما تضاف النخوة أو النانخة <span class="tooltip">(80)<span class="tooltiptext">هي نبات حولي له أزهار لونها أبيض، له رائحة عطرية وطعم حاد، وتعرف النخوة بعدة أسماء مثل نانخة ونانخوة، وهي كلمة فارسية، انظر: عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب، أبو الخير الإشبيلي، 1/367.</span></span> بمقدار متفاوت حسب المنطقة، ففي المناطق الشرقية من منطقة عسير وخصوصًا في البوادي تكون إضافتها أقل من غيرها، ويرجع ذلك إلى الرغبة والاعتياد، فهي تعتبر نكهة إضافية للقهوة، وهذه الإضافة غالبًا ما تكون في قهوة البيوت، أما قهوة الضيف فعادة ما يضاف الزنجبيل والقرنفل والزعفران.
أما بالنسبة لمقدار القهوة في الفنجان فالمتعارف عليه أنها إلى نصف الفنجان تقريبًا، وربما في البوادي يجعلونه إلى أقل من النصف قليلًا، بخلاف المناطق التي في حافة السروات فقد يصل إلى أكثر من النصف قليلًا.
وأضاف أن القهوة ما زالت تحتفظ بقيمتها المعنوية وحضورها المهم، خصوصًا لدى كبار السن ومتوسطي الأعمار، حيث يتناولونها يوميًا في الصباح والمساء، وربما في الجيل الحالي استغنى بعضهم عن قهوة الصباح واكتفوا بقهوة المساء.
كما نوّه الأستاذ (م. م. الشهراني) إلى وجود ما يسمى بالصَّلَل، وهو مكان منخفض في زاوية المجلس القديم المرتفع المبني من اللبِن، يكون فيه موضع الجمر الذي يُستدفأ به وتوضع حوله القهوة. وهو وإن كان نادراً إلا أنه ما يزال موجودًا في بعض البيوت القديمة.
جازان:
في جازان مناطق متعددة لزراعة شجرة البن، ومؤخرًا بدأت بعض المشاريع الواعدة المهتمة بزراعة البن بالتمكن والانتشار.
وأفاد الأستاذ (ع. م. ز.) أحد مثقفي جازان المهتمين بالقهوة في المنطقة؛ بأن اللون السائد للقهوة في جازان هو اللون البني الفاتح. كما وضّح أن القهوة في منطقة جازان نوعان:
قهوة البن: وهذه يضاف إليها الهيل والزعفران وأحيانًا النخوة أو النانخة، وفي رمضان تحديدًا يضاف لها السكر وتسمى حينئذ قهوة حالية، في حين بدأت إضافة السكر في بعض النواحي تقلّ أو تكاد تختفي.
قهوة قشر البن: ويميل لونها إلى الأحمر الفاتح لأنها من القشر الصافي فقط، وهذه يضاف إليها القرفة والزنجبيل.
وتختلف الجهات والنواحي في منطقة جازان في كمية المضاف، فجازان منطقة كبيرة متنوعة الثقافات والأعراف في الأطعمة والألبسة واللهجات.
وأفاد الأستاذ بأن المتعارف عليه في غالب قهوة أهل جازان أنها تميل إلى التركيز والثقل نوعًا ما، وأنهم في الغالب يملؤون الفنجان.
ولا يزال أهل جازان يحافظون على القهوة مشروبًا أساسيًا في الضيافة، في حين لم تعد تُشرب يوميًا في البيوت.
شرقاً:
وفي حديث مع الأستاذ (م. ط. ج) أحد المهتمين بالقهوة في المنطقة الشرقية، وتحديداً منطقة الأحساء؛ قال إن اللون السائد للقهوة في شمال الأحساء يميل إلى البني الفاتح، بينما يغمق لونها أكثر في النواحي الجنوبية والجنوبية الشرقية.
كما أشار إلى أن أشهر ما يضاف لها هو الهيل، ونادرًا ما يضاف أشياء أخرى، هذا هو المتوارث، إلا أنه في الأجيال ما بعد السبعينات بدأت فكرة إضافة بعض المحسنات كالزعفران والزنجبيل، وكذلك القرنفل الذي أصبح في بعض النواحي ينافس الهيل.
أما المقدار المتعارف عليه فإن التقليل في الصبة هو الغالب، فهي إلى ربع الفنجان تقريباً في أكثر المناطق.
وأضاف أن القهوة ما زالت تحتفظ بقيمة معنوية لدى أهل الأحساء، فهي رمز الضيافة، حيث تقدّم بشكل أساسي للضيوف قبل الشاي. في حين يُقّدم الشاي قبلها في بعض المكونات الاجتماعية في الأحساء.
وأشار الأستاذ (م. ط. ج) إلى أن أهل الأحساء لا يتركون ما اعتادوا عليه من الاجتماع للقهوة في أيام الجمعة من كل أسبوع، في حين قلّ الاهتمام بها بصفتها عادة يومية في البيوت، مع بقاء واستمرار تقديمها في الضيافة.
شمالاً:
وفي سؤال وجهناه للأستاذ (ح. م. الشمري) أحد المهتمين بالقهوة في المنطقة الشمالية وتحديدًا منطقة حائل، أفاد أن اللون السائد للقهوة في مناطق الشمال عمومًا هو اللون الغامق المحمرّ، وأن أشهر ما يضاف لها هو الهيل والمسمار (القرنفل) والزعفران.
أما مقدار القهوة في الفنجان، فالمتعارف عليه المتوارث في كل المناطق الشمالية من مملكتنا الحبيبة أنه مقدار قليل عموماً، ويتراوح -حسب المناطق والنواحي- من ربع الفنجان، وتتناقص حتى تكاد لا تغطي إلا قاع الفنجان فقط.
وأضاف أن القهوة ما زالت تحتفظ بقيمة معنوية عالية في الضيافة، ولا يمكن أن يتهاون فيها أحد، وكذا في البيوت التي اعتادت على تناول القهوة يوميًا أكثر من ثلاث مرات، وأن حضورها في المجالس المعتادة اليومية ما زال قويًا، بل قد يزيد عدد المرات أكثر من ذلك بالنسبة لأولئك الذي يتزاورون ويتسامرون في أوقات متعددة في اليوم.
المنطقة الوسطى:
أما المنطقة الوسطى التي تمثلها نجد والوشم وسدير والعارض؛ فقد حصلنا على الإجابات التالية من الأستاذ (م. ع. الزيد) أحد المهتمين بالقهوة في المنطقة الوسطى وتحديدًا منطقة الرياض، حيث ذكر أن اللون السائد للقهوة في المنطقة الوسطى هو اللون الفاتح (وسط)، وأن أشهر ما يضاف لها هو الهيل والقرنفل وأحيانًا يناوبون بينهما.
وبالنسبة لمقدار القهوة في الفنجان فالمتعارف عليه أنه أقرب إلى النصف أو أقل بشيء قليل.
وأضاف بأن القهوة ما زالت تحتفظ بقيمة معنوية عالية في الضيافة، وبحضور أساسي في البيوت يوميًا، قبل الإفطار وفي أواخر الضحى وبعد المغرب.
المنطقة الغربية والحجاز:
أما في المنطقة الغربية والحجاز بشكل عام، قمنا بسؤال الأستاذ (س. م. ط) الذي أفادنا بأن القهوة الحجازية لا تختلف كثيراً عن باقي مناطق المملكة وإن كانت أقرب في طريقة إعدادها ومكوناتها إلى قهوة الجنوب، فاللون السائد يكون خفيفاً يميل للبني الفاتح، ويضاف إليها الهيل كمكوّن أساسي، ويضاف أيضاً وإن كان قليلاً القرنفل، كما تضاف النانخة، وفي بعض البيوت تستعمل قهوة القشر. أما مقدار ما يسكب في الفنجان فهو يعادل نصف الفنجان تقريباً.
وأضاف الأستاذ أن الناس ما زالوا يعتبرون القهوة رمزاً مهماً وأساسياً وشيئاً مما يحبون إظهاره لا سيما للزوار من الحجاج والمعتمرين كنوع من الثقافة المحلية الأساسية للشعب السعودي. وقال إن البيوت لازالت تستمتع بالقهوة كمشروب أساسي مرة في اليوم على الأقل، كما يجتمع لها الناس في المجالس الشعبية العامة التي تكثر في منطقة مكة والمدينة والطائف كنوع من العادات والتقاليد في الحارات وقريباً من الحرمين.
المبحث السادس: أعراف وتقاليد
لما كانت القهوة أحد أهم عناصر الضيافة التي هي أهم عناصر الكرم الذي هو سمة العربي ومحل مفاخرته وهاجسه الأول؛ كانت بالضرورة لها طقوس من التعظيم والتكريم من باب شرف المكانة التي تحتلها الضيافة أصلاً.
وهذا المبدأ طبيعي، مثله مثل باقي المفاخر التي ارتبط بها بعض البروتوكولات والضوابط والثقافات، كعقد النكاح مثلاً، وكاحتفالات الأعياد أو الجنائز.
وههنا نعرض لبعض البروتوكولات التي ارتبطت بالقهوة وتراكمت وتأصلت، حتى صارت أعرافًا عامة في أغلب المجتمعات العربية، ولن نتحدث عن الترحيب وما قبل تقديم القهوة من عناصر، كربط راحلة الضيف والاهتمام بها أو تقديم الماء مثلاً وإبداء الحفاوة، بل سنتحدث عن ما يتعلق بالقهوة فحسب.
حوار القهوة: ما يقوله المضيف (المعد) وما يقوله الضيف (الشارب):
عادة ما يكون من يعدّ القهوة هو أحد الأبناء، بشرط أن يكون كبيرًا وليس طفلًا، لأن الاعتناء بانتقاء القهوة والدقة في عملها شيء أساسي ويعتبر من حسن الضيافة، وأي خطأ ولو كان بسيطاً سيكون له أثر كبير على النتيجة النهائية في طعمها ولونها.
كما أن العادة أن تكون القهوة جاهزة دومًا، وأن يصب للضيف من الجاهزة التي تسمى "الوالمة"، وأنه إن أتى ضيف مفاجئ يصب له من الوالمة، ويصنع له قهوة جديدة احتفاء به على وجه الخصوص، وتسمى "البِكر" <span class="tooltip">(81)<span class="tooltiptext">ذكر جون فيلبي في معرض ذكره لما شاهده في بيوت ومجالس الناس في الجزيرة العربية مثل هذا كثيرًا، ومما قال :" أما القهوة فكانت جاهزة دومًا". قلب الجزيرة العربية 1/ 138.</span></span>.
وقبل البدء بالشرب يقدّم التمر، ويسمى التمر في هذا المقام "القدوع" <span class="tooltip">(82)<span class="tooltiptext">أصل كلمة قدوع عربي فصيح، مأخوذ من قولهم: أقدع من هذا الشراب، أي اقتطع منه، والتمر يؤكل تمرة تمرة، وهو لا يسمى قدوعًا إلا إذا كان مع القهوة في إناء مخصص، وهذه العادة أصبحت شيئًا لازمًا لا يختلف في تقديمه أحد، حتى إن البعض أصبح لا يستسيغ شرب القهوة قبل التمر. ينظر: لسان العرب مادة (ق د ع).</span></span>.
ويقوم الذي أعدّ القهوة بتذوقها قبل البدء بصبها، ليتأكد من جاهزيتها وطعمها، ثم يصبها للحضور.
وحين أجرينا حوارًا مع أحد كبار السن؛ ذكر أن بعض القبائل كان من تقديرهم لهذا الأمر أن الأب ربما صنعها بنفسه احترامًا للضيف وحرصًا منه على جودة القهوة وطعمها.
وعلى كل حال، فقد يكون -وهذا الغالب- أن يتولى إعداد القهوة شخص ويقوم بصبها شخص آخر.
ويقوم من يتولى صب القهوة بحملها من مكان إعداده، وحمل الفناجين، وعادة ما يحمل عددًا من الفناجين يتوافق مع عدد الضيوف، ثم يقبل على الضيف ويسكبها له أمامه وليس بعيداً عنه، مبادرًا بقوله: "سَمّ" أو "يا هلا"، وإضافة اسم الضيف في الترحيب مثل: "حيا الله أبو فلان" أو "يا مرحبًا بابن فلان" أو "بالعزيز أو الغالي".
ومن المتعارف عليه كثرة الترحيب وعبارات الانشراح والبِشر بلقاء الضيف في هذا المقام، سواء من الذي يقوم بصب القهوة أو صاحب المنزل نفسه، مع التبسم للضيف وإبداء غاية الأنس به.
هذا مع الفنجان الأول، ويستمر الترحيب والحفاوة، وحين يعلن الضيف عن اكتفائه يقوم صاحب القهوة بمحاولة إقناعه بفنجان آخر من خلال قوله "تقهو" أو "واحد" للدلالة على أنه راغب في إكرامه أكثر، وأنه يخشى أن يكون منعه الحياء من طلب الزيادة فتكون المبادرة هنا محمودة.
ويقول الضيف حين يصب له الفنجان الأول عبارات الشكر المناسبة مثل "تسلم" أو "سلمت"، ويتناول فنجانه ويشربه، ويكون سكوته حين إعادة الفنجان لصاحب القهوة بمثابة الرضا أو الرغبة بفنجان آخر، وحين يكتفي فمن المعتاد أن يقول كلمات الاكتفاء مثل كلمة "بس" أو كلمة "دايمة" أو غيرها من الكلمات الدالة على الشكر والاكتفاء، مع هز الفنجان بخفة بأصابع اليد، وهي إحدى دلالات الاكتفاء المتعارف عليها، وأحيانًا يكون هز الفنجان وحده كافيًا عن أي عبارة منطوقة.
هذه أشهر العبارات المتوارثة، وإن كانت هذه المسألة تتدخل فيها الأعراف وتختلف أحيانًا من منطقة إلى أخرى، ومن لهجة إلى أخرى.
كما أن هذه العبارات قد لا يُحرص عليها كثيرًا اليوم في الزائر المعتاد الذي لا يعتبر ضيفًا، كالجار أو الإخوة والأقارب فيما بينهم.
ولا يضع الضيف بأي حال من الأحوال الفنجان من تلقاء نفسه على الصينية أو على الأرض، بل يعطيه لحامل الدلة الذي يقوم بوضعه في الإناء المخصص لغسل الفناجين بالماء <span class="tooltip">(83)<span class="tooltiptext">القهوة العربية، مجلة الكويت، العدد 213، ص17.</span></span>.
تقاليد حمل الدلة والفناجين:
بما أن الفنجان سيقدم للضيف، والتقديم والتناول يكون باليمين عرفاً وسنةً؛ كان لا بد أن تُمسك دلة القهوة باليد اليسرى والفنجان باليد اليمنى.
ويحمل من الفناجين بعدد الضيوف الذين يكونون عادة اثنين أو ثلاثة، وإن زاد العدد أو كانت المناسبة عامة وحضورها كبير فإنه يستعان بشخص آخر يساعد في حمل الفناجين.
ونشير هنا إلى أنه في السابق كان عدد الفناجين محدودًا وربما اضطر صاحب القهوة إلى أن يستعمل فنجانين فقط، ويعيد الصب بنفس الفنجان أكثر من مرة، بحكم الظروف المعيشية.
ويضع المقدّم طرف دلته على طرف الفنجان لمنع القهوة من أن تسيل، ويكون صوت الفنجان بحركته وملامسته للدلة تنبيهًا للضيف بأن القهوة أصبحت جاهزة للتقديم.
ويستقبل الضيف القهوة ويتناول الفنجان بيده اليمنى، ويشربها، ومن غير المقبول أن ينفخ في فنجانه مثلاً لتبريدها، بل يقوم بتحريك الفنجان قليلاً للمساعدة في تبريدها.
كما يحرص من يصب القهوة على نظافة الفناجين وتعاهدها بالماء الساخن، ويحذر من اختيار فنجان غير مستقيم الحواف أو مكسور الطرف <span class="tooltip">(84)<span class="tooltiptext">للاستزادة انظر: العادات والتقاليد عند القبائل والعشائر، عياد إلياس.</span></span>.
تقاليد تقديمها وسكبها:
يتقدم من يصب القهوة بتؤدة وهدوء وابتسام حاملاً دلته، ويقف قريباً من الضيف، ولا يبتعد عنه بعد تقديم القهوة، بل ينتظر حتى ينتهي من تناول القهوة.
ويقوم الضيف بتعديل جلسته إن كان متكئاً، ليأخذ الفنجان.
ومن الأعراف هنا أن لا يتلهّى الضيف وينشغل بالحديث ويترك صاحب الدلة واقفاً وقتاً طويلاً، فقد يكون ذلك من غير اللائق.
وهناك طريقة مخصوصة لسكب القهوة في الفنجان يحرص العربي في الجزيرة على تطبيقها، وهي طريقة تشعر بالاهتمام والتقدير، كرفع الدلة للأعلى فتنسكب القهوة مع علوّ، ويكون صوتُ انسكابها مسموعًا، مع الاهتمام بإبراز صوت التقاء طرف الدلة بطرف الفنجان، مما يضفي على المشهد لذة إضافية.
ولأن القهوة في الجزيرة العربية نادرة وقليلة؛ يكتفي الناس بشرب القليل منها، وهذا ما يجعل من يصب القهوة يظل واقفاً <span class="tooltip">(85)<span class="tooltiptext">ينظر: الدلة والفنجان رمـزية المعنى وعبق التراث، مجلة البيان، 23 ديسمبر 2012م.</span></span>.
تقاليد مقدار القهوة في الفنجان:
بمرور الزمن تتحول الأعراف إلى ما يشبه القوانين، وتكون مخالفتها أمرًا شنيعًا.
وقد كانت القهوة عند أهل الجزيرة سابقاً عزيزة ونادرة وثمينة، مع كونها من عاداتهم الفاخرة وأحد أصولهم وواجباتهم تجاه الضيف، وكانوا يصبونها بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص، ويستنكرون حين يتغيّر هذا المقدار لأنه صار كالقانون، فالإخلال بالعادات قد يكون موضع استهجان أو انتقاد.
وهذا المقدار قد يتفاوت بنسبة قليلة جدًا حسب المنطقة، والغريب -والجميل في نفس الوقت- أن هذا المقدار يتناسب مع جغرافيا المملكة تناسبًا ملحوظًا، فيكون معتدلاً إلى نصف الفنجان تقريباً في وسط المملكة وفي المنطقة الغربية والشرقية، وتزداد الكمية كلما اتجهنا جنوبًا حتى تصل إلى قريبٍ من أعلى الفنجان، كما تقلّ الكمية كلما اتجهنا شمالًا حتى تصل إلى قاع الفنجان، وهي أعراف متنوعة وجميلة.
ولفت بعض المهتمين إلى أن بعض أهل المملكة لا يقدمون القهوة في الفنجان ممتلئًا لأن في ذلك دلالة على الكرم، واستمرار خدمة الضيف، كلما رغب في مزيد من القهوة، وكلما قلت كمية الفنجان في القهوة، يعاد تقديم الخدمة، حتى يقابل الضيف المضيف بالشكر والثناء والتقدير على حسن ضيافته وخدمته والحفاوة فيه، وفي ذلك دلالة على استئناس المضيف بالضيف <span class="tooltip">(86)<span class="tooltiptext">رحلة حبة القهوة، عدنان الغزال وآخرون، جريدة الوطن، عدد الخميس 02 يونيو 2022.</span></span>.
ترتيب الشاربين وبمن يبدأ:
اعتاد الناس على البدء بالضيف قبل جميع الحضور، إكرامًا له واحتفاء بمقدمه، ثم يستكمل التقديم على يمين الضيف وهكذا.
وفي حال لم يكن هناك ضيف وكانت القهوة المعتادة للاجتماعات العادية؛ فإنه يبدأ بأكبر الحضور سنًا، ثم من على يمينه إلى نهاية الحضور.
ومن الأمثال المشهورة في هذا المقام قولهم: "القهوة يمين ولو كان أبو زيد يسار <span class="tooltip">(87)<span class="tooltiptext">انظر: العادات والتقاليد في محافظة السويداء ـ عطاالله الزاقوت، دار علاء الدين بدمشق، ط الأولى. ويقصدون أبا زيد الهلالي: أحد أمراء بني هلال بن عامر من هوازن في القرن الخامس أو السادس هجري، وتعتبر شخصيته شخصية مشهورة في التراث الشعبي حيث نُسجت حوله الكثير من القصص والأساطير في الشجاعة والفروسية والحكمة.</span></span>".
على أن للضيف أن يقدّم غيره على نفسه، لمنصب أو مكانة اجتماعية أو لأي سبب، وهنا اعتاد الناس على بعض المجاملات الحميدة التي تدل على حسن التقدير والذوق والاحترام.
عدد الفناجين ودلالاتها:
كما قلنا سابقًا إن تناول القهوة ليس لريّ العطش، بل هو مشروب اجتماعي له قيمته المعنوية بذاته لا بكثرة كميته، لذا فإن الناس يكتفون بالقليل منه، خصوصًا في المناسبات العامة.
وقد ارتبط عدد الفناجين التي يتناولها الضيف ببعض الأفكار والتحليلات التي تقدّم تفسيرًا لبعض ما كان يجري من التقاليد في السلم والحرب في فترة ما، وتعميمها اليوم قد لا يكون له وجه، لكون تلك التقاليد التي هي سبب في ذلك قد اندثرت، ونعرض هنا بعض ما اشتهر في الروايات الشفهية لتلك العادات.
إن لذة القهوة لدى سكان الجزيرة قديمًا في الفنجان الأول الذي يسمونه "فنجان الراس"، وهو الفنجان الذي يحفز الإنسان ويعيد له نشاطه الذهني وتركيزه بعد التعب.
ثم يأتي الحديث عن الفنجان الثاني الذي يرفع مستوى التركيز ويشتد به البأس، ويسمونه "فنجان الباس".
يلي ذلك "فنجان العْماس" أي الذي يزيل العماس وهو النعاس، ويصفي العقل ويطرد الصداع.
وتتحدث بعض المصادر الشفهية <span class="tooltip">(88)<span class="tooltiptext">أحمد بن محارب الظفيري: القهوة العربية، مجلة الكويت العدد 213 ص 17.</span></span> أيضًا عن اختلاف في المسميات مع الاتفاق على الفكرة إجمالًا، والذي يبدو أن تغيّر الأحوال ما بين سلم وحرب له أثر في ذلك، فيجعلون الفنجانين الثلاثة كالتالي: فنجان الضيف، فنجان السيف، وفنجان الكيف.
ففنجان الضيف هو كالترحيب بالضيف واستقباله، وهو فنجان لا بد منه ومن حق أي أحد، ولا يجوز الامتناع عنه إلا لعلة او مرض مثلاً.
ويكون فنجان الكيف للشخص المعتاد على شرب القهوة، والذي عادة ما يكون من جلساء صاحب القهوة الدائمين والذين يأنس بهم باستمرار.
أما فنجان السيف ففي شربه مغزى يشير إلي أن شاربه أصبح في جملة أهل القبيلة التي نزل فيها، يشاركهم بسيفه إذا داهمهم غزو أو خطر، ومشاركة مضيفه في رد أي عدوان يقع عليهم <span class="tooltip">(89)<span class="tooltiptext">فنجان القهوة، مفتاح السلام والكلام، مجلة تراث، العدد 80، يوليو 2005، ص104. و: الدلة والفنجان رمـزية المعنى وعبق التراث، مجلة البيان، 23 ديسمبر 2012م.</span></span>.
الامتناع ودلالاته:
من نافلة القول أنه من غير اللائق لدى جميع الشعوب أن يرد الضيف ما يقدمه له مضيفه، ينطبق هذا على تقديم القهوة ربما بشكل أكثر حرجًا وتشديدًا.
وقد ارتبط رد الفنجان والامتناع عن أخذه لدى أهل الجزيرة بكون الضيف له حاجة يرغب في تلبيتها، أو حجة يود إسماعها، وهو مطالب بطرحها حين يرفض الفنجان، أما مجرد الرفض دون أي سبب فهو دلالة على تكدّر الصفو في العلاقات، ويجب أن يحرص المضيف على إعادة صفو العلاقات من خلال السؤال عن السبب وتلبيته قدر المستطاع ما دام أنه قد أضافه واستقبله.
غالباً ما يتوقف الضيف عن شرب فنجانه حين يريد تحقيق طلب معين، كزواج أو طلب عفو وما شابه ذلك، فيبادر صاحب المكان بتطمينه بأن حاجته مقضية وعليه إكمال شرب فنجانه مطمئنًا ومرتاحًا.
قام فريق العمل بإعداد استبانة حول القهوة وحضورها في المجتمع السعودي، شارك فيها قرابة 400 مشارك، وكان المشاركون على التقسيم الآتي:
<div><table><span id="docs-internal-guid-ba021e4d-7fff-e9fc-38a0-e80df11d4096"><div dir="rtl" align="left"></div></span><colgroup><col width="106"><col width="107"><col width="107"><col width="107"><col width="107"><col width="107"></colgroup><tbody><tr><td><p dir="rtl"><span>المنطقة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الوسطى</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الشرقية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الشمالية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الغربية</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>الجنوبية</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>النسبة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>49.7%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>24.6%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>12.4%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>8.9%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>4.4%</span></p></td></tr></tbody></table></div>
<div><table><span id="docs-internal-guid-efa4b618-7fff-5f92-f4e5-1a35fbfcfc47"><div dir="rtl" align="left"></div></span><colgroup><col width="106"><col width="107"><col width="107"><col width="107"><col width="107"><col width="107"></colgroup><tbody><tr><td><p dir="rtl"><span>العمر</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>من 20 - 30</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>من 30 - 40</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>من 40 - 50</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>من 50 - 60</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>من 60 - 70</span></p></td></tr><tr><td><p dir="rtl"><span>النسبة</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>10.9%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>29.4%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>35%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>20.3%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>4.4%</span></p></td></tr></tbody></table></div>
وقد كانت استجاباتهم لجمل الاستبانة على النحو الآتي:
[1] تعد القهوة السعودية مشروبًا أساسيًا وأتناولها كعادة مستمرة:
الذين أجابوا بالإيجاب كانوا أكثر من ثلاثة أرباع المستجيبين للاستبانة، فيما مثل الذين أجابوا بالنفي .513% وفي هذا دلالة واضحة على مركزية القهوة السعودية في الحياة الاجتماعية السعودية.
[2] أهتم بصنع القهوة المنزلية وأمتلك أدواتها:
الذين أجابوا بالإيجاب بلغت نسبتهم 89.6%، وهذا يتناسب مع السمة الغالبة في تصاميم بيوت السعوديين من وجود المجالس المخصصة للقهوة ومعداتها، بتصاميمها المميزة التي تدل عليها.
[3] أعرف طريقة إعداد القهوة السعودية:
بلغت نسبة الذين أجابوا بالإيجاب 86.8%، وهو متسق مع ما أشار إليه البحث من أن القهوة والاهتمام بها وبإعدادها يدخل في صميم تربية الأبناء، كما يتسق مع مركزية القهوة في الضيافة السعودية، ومركزية الضيافة في المجتمع السعودي.
[4] أعرف معلومات عن تاريخ القهوة وتقاليدها:
كان مجموع نسب المستجيبين بالإيجاب %85.5 مقسومة بين من يعرفها جيدًا ونسبتهم 56.6% ومن يعرفها قليلاً ونسبتهم 28.9%. مع بقاء نسبة 14.5% أجابوا بالنفي. ولا شك أن هذه المعرفة بتاريخ القهوة لم تأت من خلال المناهج الدراسية ولا البرامج الإعلامية، بقدر ما جاءت من خلال الثقافة الشخصية والتربية المنزلية. ولعل مثل هذا البحث يكون له دور في رفع نسبة المعرفة بتاريخ القهوة وتقاليدها.
[5] أهتم بمعرفة تاريخ وتقاليد القهوة:
لم تختلف كثيرًا نسب المستجيبين لهذه النقطة عن النقطة السابقة، مع ازدياد نسبة غير المهتمين بمعرفة تاريخ القهوة وتقاليدها إلى 18.6%، ولعل هذا يعزز من أهمية ضخ المزيد من الرسائل الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالقهوة وتاريخها وتقاليدها عبر الإعلام الذي يمثل عنصر الجذب الأكبر.
[6] في منطقتي يهتم المجتمع بمجالس القهوة السعودية:
سيطرت الإجابة الإيجابية على هذه النقطة، حيث لم يجب بالنفي سوى 2.1%. وهو ما يؤكد الاهتمام الواضح بمجالس القهوة في المجتمع السعودي باديته وحاضرته عبر تاريخه الطويل.
[7] في منطقتي ضعف حضور القهوة السعودية في السنوات الأخيرة:
أكد 68.4% من المستجيبين خلاف ذلك، وأن القهوة ما تزال قوية الحضور، فيما أجاب 19.1% من المستجيبين إلى أن هناك بداية ضعف في حضور القهوة، كما أجاب بالإيجاب 12.5%. وهو ما يشير إلى مزاحمة مشروبات أخرى كثيرة للقهوة السعودية في الآونة الأخيرة، كما يشير إلى بعض التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع وطرق الاجتماع وأماكنه وكيفيته، حيث برزت المقاهي المختصة بالقهوة الأجنبية وطرق إعدادها المختلفة، كما أن رتم الحياة السريع، والضخ الإعلامي الكبير للثقافات المختلفة له دور في هذه التحولات.
[8] في منطقتي توجد تقاليد لتناول القهوة، والناس يحافظون عليها:
تتسق إجابة هذا السؤال مع السؤالين الرابع والخامس، فوجود التقاليد في المجتمع المحيط وكون الناس يحافظون عليها ينعكس مباشرة في انتشار ثقافة القهوة ومعرفة الأفراد بها. وقد كانت نسب الاستجابة متشابهة بين هذه الأسئلة الثلاثة.
[9] نتناول القهوة في منطقتنا أكثر من مرتين في اليوم:
بلغت نسبة المستجيبين بالإيجاب 89.9%، وفي هذا إشارة إلى أن القهوة سلوك اجتماعي ثابت غالب، كما يلزم منه المعرفة الكبيرة بأنواع القهوة وطرق إعدادها، كما يشير إلى القيمة الاقتصادية والسوق الكبير للقهوة في السعودية.
[10] لا بد من تكثيف أماكن بيع القهوة السعودية:
هذا هو أكثر محور اختلفت فيه الإجابات بين موافق بشدة وموافق ومحايد وغير موافق. مع تفوق نسبة الموافقين، حيث نسبة الموافق (35.9%) والموافق بشدة (29.6%)، وهو ما يشير إلى شعور غالب بأن القهوة السعودية ينبغي أن تحافظ على مكانتها أمام المنافسين الجدد.
في ختام هذا البحث، وبعد حمد الله وشكره على توفيقه وتيسيره، نورد أبرز ما عرضناه في ثنايا البحث:
المراجع العربية
الكتب:
الأخطل، غياث بن غوث،
ديوانه، دار الكتب العلمية، ط2، 1994م.
الأرناؤوط، محمد،
من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، جداول للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 2012.
الإشبيلي، أبو الخير،
عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب، تحقيق: محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، 1995م.
الأصبهاني، أبو الفرج،
الأغاني، تحقيق: إحسان عباس وآخرون، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م.
أويتنغ، يوليوس،
رحلة إلى داخل الجزيرة العربية، ترجمة محمود كبيبو وعماد غانم، دار الوراق للنشر، بيروت، ط1، 2014م.
البحتري، الوليد بن عبيد،
ديوانه، دار المعارف، القاهرة، ط3، دون تاريخ.
ثابت، حسان ابن،
ديوانه، دار الكتب العلمية، ط2، 1994م.
الجاسر، حمد،
في سراة غامد وزهران، دار اليمامة، الرياض، ط2، 1397ه.
الدرسوني، سليمان،
معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية ، مكتبة الملك فهد الوطنية برقم 5183، ط1، 1433هـ.
الذوادي، رشيد،
مقاهي نجيب محفوظ في مرفأ الذاكرة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2008م.
الرومي، علي بن العباس،
ديوانه، دار الكتب العلمية، ط3، 2002م.
الريحاني، أمين فارس،
ملوك العرب، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2021م.
الزبيدي، محمد،
تاج العروس من جواهر القاموس، مطبعة حكومة الكويت، ط2، 1987م.
تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن، مخطوط مصور.
السريحي، سعيد،
غواية الاسم، سيرة القهوة وخطاب التحريم، النادي الأدبي بالرياض، والمركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط1، 2011م.
السويداء، عبدالرحمن،
القهوة العربية وما قيل فيها من شعر، دار السويداء، الرياض، ط1، 1410ه.
العبودي، محمد،
كلمات قضت: معجم بألفاظ اختفت من لغتنا الدارجة أو كادت، دارة الملك عبدالعزيز، ط1، 2002م.
العمري، شهاب الدين،
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: كامل الجبوري ومهدي النجم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2010م.
فارس، أحمد ابن،
معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الفكر، 1979م.
الفيروزآبادي، مجد الدين محمد،
القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر
والتوزيع، بيروت، ط8، 2005م.
فيلبي، هاري سانت جون،
قلب الجزيرة العربية، العبيكان للنشر، الرياض، 2002م.
الكردي، محمد،
أدبيات الشاي والقهوة والدخان، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، ط3، 1984م.
منظور، محمد ابن،
لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414ه.
هونكه، زيغريد،
شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، دار الجيل، بيروت، ط8، 1413ه.
يونغ، كافن،
العودة إلى الأهوار، ترجمة حسن الجنابي، دار المدى للطباعة والنشر، 2012م.
البحوث والمقالات:
إلياس، عياد،
العادات والتقاليد عند القبائل والعشائر، مجلة مجلس القبائل والعشائر، العدد 15 مارس 2019م.
الحربي، علي، وآمنة الشيخ،
لماذا استوقفت القهوة الرحالة، صحيفة تيزار، صحيفة إلكترونية مصرّحة تصدر من منطقة المدينة المنورة. العدد
27، يناير 2022م.
الخويطر، خالد سليمان،
مشاهدات الرحالة الأجانب في مدينة عنيزة خلال قرنين، مجلة الواحة، العدد 25، 2010م.
الذكير، عبدالعزيز،
أرناق، جريدة الرياض، العدد 11638، 5 مايو 2000م.
فنجال وعلم رجال، جريدة الرياض، العدد 15763، 21 أغسطس 2011م.
الشدوي، ناصر،
بُنّ شدا عند المؤرخين، جريدة الرياض عدد الجمعة 19 يوليو 2019م.
الشهاوي، صلاح عبد الستار،
القهوة في الثقافة العربية والشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، العدد 11، 2010م.
صويلح، ياسين،
فنجان القهوة مفتاح السلام والكلام، مجلة تراث، العدد 80، يوليو 2005.
الظفيري، أحمد بن محارب،
القهوة العربية، مجلة الكويت، العدد 213.
الغزال، عدنان، وآخرون،
رحلة حبة القهوة، جريدة الوطن، عدد الخميس 2 يونيو 2022.
الهلالي، عبدالرزاق،
القهوة المشروب الذي تأرجح بين المنع والإباحة، مجلة العربي، الكويت، العدد 148، مارس 1971م.
يونس، عبير،
الدلة والفنجان رمزية والمعنى وعبق التراث، مجلة البيان، 23 ديسمبر 2012م.
المراجع الأجنبية
Murray, James A. H.,
A New English Dictionary, Oxford Univercity, 1st Edition, 1893.
Euting, Julius,
Tagbuch einer Reise in Inner-Arabien, Leiden, Brill, 2nd Edition, 1896.