الخط والهوية التشكيلية في الفنون البصرية المعاصرة بالعالم العربي:
من العلامة إلى الصورة
"حقيقة واحدة يجب إدراكها لكيْما نفهم الحركة الفنية العربية اليوم: وهي أن الفنانين العرب، مهما يكونوا ثوريين فكرا وطموحا، فإن ثمة روحا من التراث لصيقة بهم، لا يستطيعون، ولا يريدون، أن ينفضوها عنهم. ومهما يتفقوا على فكرة "عالمية" الفن الحديث، فإنهم لن يتزعزعوا عن إيمانهم بأن هويتهم لا يمكن تَجوْهُرها إلا بتجذير أنفسهم في تراث هو تراثهم، يضفي على عملهم صفة التميّز، ويبرزهم بين الآخرين كمبدعي ومطوري حضارة قومية".
جبرا إبراهيم حبرا، جذور الفن العراقي، ص. 12.
مع أن فن الخط ممارسة فنية تعود إلى العصور الأولى للإسلام، وارتبط بفنون الوراقة والعمارة <span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">يمكن العودة، لمزيد من التفصيل إلى هذا المصدر الشامل: ريتشارد إينغهاوزن وأوليغ غرابار ومارييلين جنكينس مدينة، الفن الإسلامي والعمارة، ترجمة عبد الودود بن عامر العمراني، منشورات هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2012، أبو ظبي.</span></span>، فإنه اكتسب أهمية فنية وجمالية ذات طابع فكري وثقافي جديدين منذ الخمسينيات، حين بدأ الفنانون التشكيليون والمفكرون العرب (مديحة عمر، شاكر حسن، بلند الحيدري) يمنحونه أدوارا جديدة، لا في تشكيل اللوحة فقط وإنما في الوعي الجمالي بالهوية. ومع ظهور الحروفية وتوطينها في العديد من البلدان العربية كممارسة فنية "مستقلة"، أضحى فن الخط اختيارا جماليا يطرح العديد من الأسئلة على الفكر التشكيلي العربي المعاصر.
ثمة في تجربة استلهام الخط توجهان أساسيان يفرزان أسئلة نقدية وفكرية متنافرة إن لم تكن متضاربة: فن الحروفية باعتباره لعبة تشكيلية حرة أو متناغمة على الخط قد تكون أحيانا ذات معان واضحة، وقد تستخدم فقط التلاعب الاعتباطي بالحروف باعتبارها علامات؛ وإدماج الحرف في اللوحة باعتباره مكونا بصريا يتعرض للتلبيس والتشتيت ليتحول إلى صورة تشكيلية يتمثلها الفنان في ذاتها في غيبة المعنى المرجعي. هذان التوجهان اللذان سادا الحركة التشكيلية العربية منذ السبعينيات، سوف يترسخان بشكل واضح ويفرزان نقاشا جماليا وفكريا ونقديا بين من يعتبر الحروفية فنا عربيا زخرفيا تأصيليا ومؤسسا لهوية العروبة، وبين من يعتبرها تعبيرا سطحيا عن وهم الهوية.
بالمقابل ثمة فنانون معاصرون شباب سوف يحولون فن الخط، في الألفية الجديدة، إلى لعبة بصرية تندمج في سيرورة التحولات المعرفية والبصرية التي عرفتها الفنون التشكيلية عالميا ومحليا، مستعيدين الأصول لمساءلة الهوية من منظورات جديدة مبتكرة.
لقد مرّ أكثر من نصف قرن على صدور بيان البعد الواحد الذي يعتبره الكثيرون دعوة فنية وجمالية للحروفية. وفيما مارس عدد من الفنانين علاقة مشوبة بالحرية والإبداع مع الحرف العربي، اعتبره آخرون وسيلة لخلق أشكال وصور لا تخرج عن بنية الحرف والكلمة الهندسية، على خلفية لونية تعتبر ذات طابع تشكيلي. يهدف هذا البحث إذن إلى مساءلة دخول الخط العربي إلى مجال التجربة الفنية الحديثة والمعاصرة، ومتابعة تحوله من صنعة حضارية إلى ممارسة فنية، وتحليل هذا الحضور الذي أفرز تيارين سوف نسعى إلى استبانة أبعادهما واستراتيجيتهما: تيار الحروفية وتيار العلامة الحرة.
هذا الاختلاف، أفرز على المستوى النظري والنقدي، موقفين جماليين: الأول اعتبر اللجوء إلى الحرف مجالا لبلورة الهوية العربية الإسلامية معتمدا في ذلك على قواعد فن الخط وعلى الأبعاد المقدسة والدينية للحرف العربي؛ أما الثاني فيعتبر أن الحرف علامة مثل باقي العلامات، وأن استعماله ينبع من حرية التفاعل الرمزي الإبداعي.
بيد أن الطابع الجمالي للخط والحرف العربيين سيدفع بنا، انطلاقا من التجارب العينية، كما من تنظيرات جماعة البعد الواحد وبلند الحيدري وشربل داغر وغيرهم، إلى طرح الأسئلة الجوهرية لهذا الاستخدام: ما علاقة الحرف العربي بمسألة الهوية؟ وما العلاقة بين الطابع الزخرفي للحرف وطابعه الفني؟ وماذا أضاف توظيف فن الخط للفن العربي بأسناده المختلفة (من لوحة ونحت وحفر وسيراميك) للتجربة الفنية العربية الحديثة والمعاصرة؟ هل تشكل الحروفية فعلا حركة فنية مستقلة؟ وما دلالات عودة بعض الفنانين الإنشائيين والإنجازيين المعاصرين للخط والحرف؟
لا يمكننا تناول هذا الموضوع من غير التطرق إلى البعد التاريخي لفن الخط العربي، الذي يشكل سندا للتجارب الحديثة والمعاصرة، وفي الآن نفسه إلى التجريدية التي استشرت في الفن في السبعينيات وكان الخط، بطابعه المجرد والزخرفي أحد حواملها الرئيسية. هذا التناول المنهجي المزدوج يجعل مقاربتنا للحرف العربي في الفن، ثم للحروفية، مقاربة سياقية وتاريخية وتحليلية وتأويلية في الآن نفسه. إنها أيضا مقاربة ستخرج بالحرف من بعده الكتابي إلى بعده كعلامة يتمّ تمثلها في الفن بطرائق ومقاصد مختلفة ومتباينة. من هنا سيكون سؤالنا الرئيسي متمحورا حول انتقال الفن العربي من الحرف والخط (بمعاييره الزخرفية المتوارثة) إلى ما نسميه العلامة/الصورة، التي تأخذ الحرف سندا لتحوله إلى علامة بصرية ورمزية وإلى صورة (الزندرودي، رشيد قريشي، مهدي قطبي وغيرهما).
انطلاقا من هذه التمفصلات نروم المقارنة بين مواقف النقاد والمنظرين من تجربة الحروفية العربية وعلاقتها بالهوية ومساءلة مراميها، وموقع هذا التفكير بإرساء فكر جمالي عربي ممكن.
إذا كان الفن الغربي قد انطلق من التشخيصية البصرية فإن مسيره الطويل قد أفضى به في منعطف القرن العشرين إلى التجريدية، وكأن الحداثة الفنية كانت عبارة عن مسار طويل يروم تشذير المرئي. ولعل لظهور الفوتوغرافيا، بصرامتها التناظرية دورا كبيرا في استلاب البورتريه والمناظر الطبيعية من حوزة التشكيل الصباغي، والدفع به إلى البحث البصري في اللامرئي والشذري، أي إلى التفكير بالعين والبصر في أمور لم تعد الكيانات المشخصة والمناظر الطبيعية تسمح بها. بيد أن الفن في العالم العربي والإسلامي والثقافات المحيطة به أو المندرجة في نسيجه (أمازيغية وكردية وغيرها)، سوف تعرف هذا المنحى التجريدي باعتباره مصيرها الجمالي والفني منذ البدايات. أما المنمنمات، والمجسمات التي عثر عليها في الحفريات في الأردن التي تعود إلى العصر الأموي، كما الرسم التشخيصي بالخط (الذي ازدهر في العصر العثماني) <span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext"> "تُحول بين الفينة والأخرى حروف هذه الكتابات، دون إفراط في الزينة، إلى أشكال حيوانية ولا سيما الطيور المائية طويلة المنقار والعنق، وهي أول نقوش حيوانية تظهر في الأقاليم الإسلامية، مما يبرر مجدَّدا الطبيعة المدنية لهذه المنتَجات". المرجع نفسه، ص. 135.</span></span>، فيمكن اعتبارها انفلاتات تشخيصية أو تجسيمية هامشية لم تخرق قاعدة سيادة التجريدية في الفنون الإسلامية. بيد أن "القطيعة" مع هذا الإرث التجريدي سوف تتطور مع بداية الحداثة الفنية في أواسط القرن التاسع نحو التشخيصية التي تعتمد البورتريه ورسم الطبيعة.
إن هذا التطور المتعاكس يعبر عن مصائر متعارضة في الفن، ومن ثم عن حضارات متباينة في تكوينها، وفي علاقتها بالمقدس والديني، من ناحية، كما عن تطورات مختلفة في الحضارة والصنائع والفنون <span class="tooltip">(3)<span class="tooltiptext"> هذه الفرضية المتمثلة في العلاقة التعاكسية بين تطور الفنون الغربية والفنون العربية طرحناها في شكلها الأولي في دراستنا: "من الجسد إلى العلامة. الصورة ورهانات الغيرية" (فريد الزاهي، 2017، 37 وما يليها).</span></span>. لكن مؤرخ الفنون لا يمكن إلا أن يقف على موقف متعاكس آخر كان محددا لتطور الفنين الغربي والعربي. فلقد أضحى الفنانون الغربيون (الاستشراقيون منهم والحديثون)، منذ القرن التاسع عشر، يصوبون نظرهم نحو الشرق، تارة لاستيحاء الموضوعات الغرائبية (الإكزوتيكية)، وتارة أخرى للبحث عن موارد جديدة لمتخيلهم الفني. فعدا البعد الروحاني الذي أكد عليه كاندانسكي <span class="tooltip">(4)<span class="tooltiptext"> Kandinsk Wassily, 1969. كان هذا الكتاب دعوة لفن جديد ينسلخ من العلاقة المباشرة بالعالم لتأمله روحانيا. إن هذا الطابع الروحاني للأشكال التجريدية، يضع المسافة مع الطابع المادي المحسوس للأشكال الطبيعية المجسمة، ويحرر الفن من التبعية للأشكال المعطاة، ليجوله إلى فن تأملي وتفكُّري. وهذا البعد هو الذي كان وراء استلهام الحرف وتوظيف طابعه التجريدي لدى "جماعة البعد الواحد". </span></span>، والذي اخترق كافة المساعي الفنية اللاحقة ذات البعد التجريدي، كان اختيار العلامات والزخرفة والحرف لدى بول كلي وماتيس ثمّ في ما بعد، لدى بولوك وتوبي وماتيو وبروستيل وغيرهم، لا فقط اختيارا شخصيا وإنما تعبيرا عن بحث قادهم إلى حضارات أخرى شرقية وإفريقية وإسلامية. وقد كان لاكتشاف بول كلي لتونس وماتيس للمغرب في بدايات القرن الماضي أثر بالغ على التغير في علاقتهما بالمادة والنور وبالخط والزخرفة الإسلاميين. وهو ما منح للفن الحديث بُعدا كونيا يؤكد على أن الغيرية الثقافية منفتح هام في التطور الثقافي لكافة الحضارات.
بالمقابل، ومنذ انبثاق التشكيل العربي الحديث، مع داود القرم وحبيب سرور وخليل الصليبي ومصطفى فروخ وغيرهم، افتتن هؤلاء بتقنيات ومنظورية الفن الكلاسيكي الغربي، في تصويرهم للبورتريهات والمناظر الطبيعية والمشاهد المحلية الاجتماعية، واكتسبوا تجربتهم تلك بالتكوين في البلدان الغربية كإيطاليا وفرنسا. كما اتبع آخرون، من قبيل عمر الأنسي ومصطفى فروخ وقيصر الجميل التيار الانطباعي في التعبير عن القضايا نفسها <span class="tooltip">(5)<span class="tooltiptext"> محمود أمهز، "الحروفية ما بين الحداثة والتراث"، (2008، 262-263).</span></span>. أما النحت فقد تطور بين التشخيصية بتلاوينها الذاتية (محمود مختار) وبين التحرر منها مع استيحاء معطيات فرعونية وسومرية لدى جواد سليم. وكان من اللازم انتظار الخمسينيات لتظهر بوادر التجريدية المحضة مع اللبناني شفيق عبود والمغربي الجيلالي الغرباوي اللذين كان لتجربتهما الغربية مع مدرسة باريس دور حاسم في توجههما ذاك.
يشكل عام 1971 محطة فارِزة ثانية ومنعطفا لافتا للنظر في مسير تطور الفنون التشكيلية العربية. فلقد اعتادت الساحة الفنية العربية منذ رسوم جبران خليل جبران واللوحات الأولى لداود القرم، وإبداعات محمود سعيد ومن حذا حذوهما على تطور "عفوي" للممارسات الفنية العربية، تخضع في غالب الأحيان للتجربة الفردية ولتوالي المعارض الفردية والجماعية، لا تحركها إلا الطاقة الخلاقة لأصحابها. وإذا نحن استثنينا بيانات مجموعة "الحرية في الفن" في أواخر الثلاثينيات بمصر <span class="tooltip">(6)<span class="tooltiptext"> يمكن الرجوع بهذا الصدد إلى الكتاب الذي أصدره مركز جورج بومبيدو بباريس، بمناسبة معرض الفن والحرية الذي سهر على تنظيمه سام بردويل وتيل فيلراث، عام 2016 (Sam Bardaouil, Till Filrath، 2016).</span></span>، فيمكننا القول بأن معرض "البعد الواحد: استلهام الحرف في الفن" يعبر عن تحول جديد يطرح أسئلة مبتكَرة على الفن العربي تخلُف جوهريا منعطف الفن والحرية وتستعيد بشكل مغاير بعضا من مطامحه.
وحتى نتبين هذه المفاصل الأساس، لِنقُلْ بصيغة التركيب والتحقيب، إن تاريخ الفن العربي يتمفصل في ثلاث "ثورات تحرّرية" أو "قطائع":
- تتعلق الأولى بممارسة التصوير والتحرر من العماء البصري لاسترداد البصر، باعتباره مكونا أساساً في الممارسة الفنية والوجودية، ومن ثم الدخول في حداثة عربية ممكنة تساير بشكل ما رياح الحداثة الفكرية والتقنية التي كانت رياحها تهب على العالم العربي منذ أواسط القرن التاسع عشر؛
- وتتعلق الثانية بالدعوة إلى تحرير الفن العربي، بربطه بالحرية من جهة، وبالعودة للتراث البصري الإسلامي والأمازيغي (خط وعلامات) لبناء حداثة بصرية ذات هوية محلية وعالمية في الآن نفسه، تنبني على التجريد، وتستعيد "روح" الإبداع العربي الإسلامي، وفي هذا الإطار يندرج بيان الفن والحرية (1938)، وبيان "جماعة أوشام" بالجزائر (1967) ومعرض ساحة جامع الفنا بالمغرب (1969) ثم معرض جماعة البعد الواحد ببغداد (1971)؛
- وتتعلق الثالثة بالتحرر من إسار اللوحة وتحرير الفن من الصباغة والسند التقليدي ليغدو فنا فضائيا وتعدديا بامتياز <span class="tooltip">(7)<span class="tooltiptext"> انظر بهذا الصدد كتابنا (فريد الزاهي، 2009)، وفيه نتطرق لتجربة الخروج من اللوحة في الفن العربي المعاصر منذ بداياتها، وبين أن الانتقال من الحداثة إلى المعاصرة في الفنون البصرية العربية لم يتمّ ضربة واحدة، ولا بقطيعة جمالية، وإنما من خلال تجارب ماهدة. </span></span>.
إن هذا التأطير السياقي التاريخي يمكّننا ليس فقط من الإمساك بحركية الفن العربي الحديث، وإنما أيضا من بلورة "تاريخ" مصغر للحروفية ولمآلاتها المتعددة ولسياقاتها، وللتحولات الفردية والجماعية فنيا وجماليا، التي خضعت لها.
لقد تكونت جماعة الفن والحرية بمقاصد ثقافية لمعارضة جمعية محيي الفنون الجميلة وكل الفنانين "الرسميين" الذين ارتبطوا بعلاقة وثيقة مع النظام الحاكم بمصر في ثلاثينيات القرن الماضي، باعتبار دورهم الكبير في الترويج لصور نمطية عن مصر. وعارضت الجماعة كذلك الكثير من الاتجاهات الفاشية والقومية فى ذلك الوقت، وأدانت بقوة الحرب العالمية الثانية.وهكذا اجتمع ثلة من الفنانين والنقاد حول الفنان جورج حنين، صديق الكاتب السوريالي الفرنسي أندري بروتون، وأصدروا البيان التأسيسي لجماعة الفن والحرية الذي حمل اسم "يحيا الفن المنحط" في 22 ديسمبر 1938، وبذلك منحت جماعة "الفن والحرية" لجيل حيوي من الفنانين والمفكرين منصة للتعبير تعنى بالإصلاح الثقافي والسياسي. وكانت هذه الجماعة ذات طابع فني وثقافي، يلتئم في حضنها الفنانون التشكيليون والنحاتون والأدباء والنقاد والصحفيون، بما يعبر عن التواشجات التي كانت تتسم بها الثقافة المصرية بين المبدعين من جميع التعبيرات الثقافية.
وبين بيان جماعة الفن والحرية وبيان جماعة البعد الواحد، لا يمكننا أبدا القفز على تظاهرتين مؤسستين في بلدان المغرب العربي يمكن اعتبارهما، كل واحدة على طريقتها، متواشجتين فكريا وأسلوبيا وثقافيا مع معطيات جماعة البعد الواحد. يتعلق الأمر بمعرض جماعة أوشام (وشوم باللغة العربية) وببيانها الذي يؤكد بوضوح على العودة للعلامات المحلية العتيقة: "لقد أكدت العلامة ذات الطابع السحري الحفاظ على الثقافة الشعبية، التي تجسد فيها لزمن طويل طموح الأمة، بالرغم من أن الانحطاط طاول في ما بعد هذه الأشكال بتأثير من التأثيرات الأجنبية. وهكذا، ولمدة طويلة، أبان الفنانون الحِرفيون من خلال أعمالهم الفنية عن صرامة فكرية، تتسم بها حضارتنا، من الشمال إلى الجنوب، وذلك بميسم هندسي بالأخص. هذا التراث الأصيل والحقيقي هو ما تؤكد "جماعة أوشام" استعادته والعثور عليه، ليس فقط في بنية الأعمال الفنية، وإنما أيضا في حيوية الألوان ونصوعها؛ وذلك بعيدا عن مجانية معينة للتجريدية الغربية المعاصرة، التي نسيت الدروس الشرقية والإفريقية" <span class="tooltip">(8)<span class="tooltiptext"> انظر نص البيان بالفرنسية (عمّارة كحلي، 2015، 47). وقد قمنا بترجمة الشاهد. كما أن التشديد من لدنّا.</span></span>.
أما المعرض البيان الذي نظمته جماعة مدرسة الدار البيضاء في ساحة جامع الفنا، فقد جاء تعبيرا عن الرغبة في تغيير علاقة الفنان بالجمهور، وسعيا نحو بناء فن تشكيلي منفتح على قضايا المجتمع، ويتسم بالدعوة إلى استيحاء الفنون البصرية التقليدية والموروث البصري المحلي. وقد لخصت الناقدة طوني مارايني (زوجة الفنان المغربي محمد المليحي) ذلك في المقدمة التي خصصتها مجلة أنفاس عام 1967 كل هذا مركزة على الطابع التجريدي والغرافيكي الذي يميز مدرسة الدار البيضاء ومعها مجمل المشهد التشكيلي المغربي الحديث <span class="tooltip">(9)<span class="tooltiptext"> Toni Maraini, in Souffles, N° 6-7, Casablanca, 1967, p. 15-19.</span></span>.
في هذا السياق، يبدو أيضا أن الوضع في العراق في السبعينيات بات يستدعي، بالتوازي مع الأحلام القومية، حركية فنية جديدة تدعو لحرية من نوع آخر، لا تكتفي فقط بالانفتاح على المعطيات الفنية والثقافية العالمية، وإنما تسعى لبناء هوية خصوصية تميز الممارسة الفنية العربية الحديثة. فبالتوازي مع ما كان يعتمل بالجزائر ولبنان والمغرب والجزائر من بحث في التراث والخط والعلامة والسعي إلى بناء حركة فنية تجريدية تتلاءم مع معطيات الفن والثقافة العربية الإسلامية، جاء المعرض (المذكور آنفا) الذي أشرف على تنظيمه وعلى تصميم كتابه شاكر حسن آل سعيد بمساهمة من جميل حمودي وضياء العزاوي وآخرين ليمنح لهذه الحركية طابعا جماعيا وتوكيديا وليؤسس لما سيعرف في ما بعد بالحروفية ويمكّنها من طابعٍ مشروع ونظري ستمتد آثاره طويلا في الساحة التشكيلية العربية.
وليس من الغريب أن هذه التجمعات وبياناتها قد تكثفت في فترات متقاربة على طول العالم العربي، مشرقه ومغربه، مما يدل على الطابع التاريخي الذي اتخذته ثقافيا، من ناحية، وعلى كونها استجابة داخليه لحتمية التطور الفني والجمالي للفنون العربية، من ناحية ثانية. كما لا يخفى أن هذه الحركات كانت، بشكل ما، تعبر عمّا كان يسمى تصفية الاستعمار ثقافيا وما أضحى ينعت بما بعد الكلونيالية، أي الوعي بالذات وبلورة مشروعات ثقافية تعتمد الهوية والحداثة والخصوصية.
حين اخترنا الانطلاق من معرض البعد الواحد، باعتباره الحدث المؤسس لما يعرف اليوم بالحروفية، كان مرمانا ليس تأريخيا فقط بقدر ما هو أركيولوجي (مشيل فوكو) وتحليلي تركيبي وتأويلي. "لقد كان هذا المعرض استجابة لتجميع الفنانين العراقيين الذي يستلهمون الحرف عن تقصّد أو عن غير تقصّد. وتلح مقدمة كتاب المعرض على أن القيمة الحقيقية للخط كشكل وكبعد، ظلت مجهولة طيلة العصور المتقدمة على عصرنا الراهن، حتى قُيض لها أن تُعرف بعد البحث الموضوعي الجهيد والكشف الروحي المضني، ومن قِبَل الفنان العالمي المعاصر؛ وأن النصف الثاني من القرن العشرين عرف اكتشاف أهمية الحرف العربي نفسه كعنصر زخرفي ثم تكويني في العمل الفني. وأخذ الفنان (...) العربي على عاتقه لأول مرة في التاريخ الحديث مسألة تطوير قيمة هامة من قيم حضارة هو ممثلها الشرعي، فارتأى مواكبة النهضة الفكرية في العالم، في سبيل الكشف عن قيمة الحرف الروحية والمادية معا بواسطة التعبير الحرفي" <span class="tooltip">(10)<span class="tooltiptext"> شاكر حسن، 1971، 11. لنلاحظْ أن البيان يستعمل كلمة الحرفية (لا الحروفية)، باعتبارها تعبيرا لا توجها. </span></span>.
فإذا كانت التجارب السابقة على هذا الحدث تؤشر إلى ما نسميه مرحلة تكوينية تمتد من أواخر الأربعينيات إلى أواخر الستينيات (من القرن الماضي)، فإنها قد طرحت بشكل أو بآخر مسألة الريادة في حركة ستأخذ أبعادا مغايرة وستسلك مسارات مختلفة وأحيانا متباينة. لنسائلْ هذه المرحلة لكي نحدد طابعها المؤسس.
ليس من باب الصدفة أن يكون الفنانان العراقيان مديحة عمر وجميل حمودي، اللذان يتشاطران بشكل أو بآخر ريادة "استلهام الحرف"، قد استكشفا هذا المجال في سياق وجودهما بفرنسا وأمريكا. فالمنزع التجريدي لدى كاندنسكي وبول كلي مثلا (كما يشير إلى ذلك شاكر حسن) قد صادف استخدام الحرف. كما ليس من الغريب أن يكون تعاملهما مع الحرف والعلامات المجردة بصفة عامة، تعاملا حرا لا يبتغي منحه وجودا في اللوحة كما لدى الخطاطين التشكيليين لاحقا، وإنما كان استيحاء يأخذ الحرف كشكل مجرد وكعلامة حرة. فقد سعت مديحة عمر منذ 1944 إلى البحث في الحرف العربي وأقامت معرضا خصصته لهذه التجربة الفنية. وقد بررت ذلك في البيان الذي أصدرته عام 1949 بعنوان: "الخط العربي عنصر استلهام في الفن التجريدي"، دعت فيه إلى تحرير الحرف العربي من أسره الخطي، واجدة فيه عنصرا فنيا لتأليف تجريدية عربية، بعد أن رأت أننا يجب ألا ننظر إلى الخط العربي "كأنه مجرد أبعاد وأشكال هندسية"، بل بوصفه "يتضمن أشكالا تصميمية وتكوينية ملائمة للتجريد" <span class="tooltip">(11)<span class="tooltiptext"> شربل داغر، 1990، 148.</span></span>. هكذا يتبدى هنا، كما لدى جميل حمودي لاحقا، أن المسعى التجريدي كان وراء الانتباه للأهمية الكبرى التي يمكن للحرف أن يأخذها باعتباره أشكالا وتصاميم يمكن أن يتم تجريدها من حرفيتها وقواعدها (كما هو الأمر لدى الخطاط) لكي تندرج في اللوحة باعتبارها عناصر بصرية شكلية وهندسية قابلة للتأويل والتحويل.
مديحة عمر، من الأعمال الحروفية الأولى في الأربعينيات
يبدو إذن أن هذا الوضوح الذي طبع تجربة مديحة عمر منذ الأربعينيات نعدمه لدى جميل حمودي، فقد انساق إلى التجريب في فرنسا وتأرجح بين السوريالية والتكعيبية ثم التجريدية والحروفية. وصلاته بأعلام الفن العربي (جواد سليم وفائق حسن)، والغربي (النحات سيزار وبيكابيا) تدل بشكل قاطع على أن همه التجريبي هو الذي قاده إلى البحث المركز على علاقة التجريد بالحرف العربي. فالفرق بين تجربة مديحة عمر وجميل حمودي يتجلى بالأساس في أن الحرف كان أساسا في البلورة الجمالية للتجربة التشكيلية لدى الأولى، فيما جاء في سياق التجريب والبحث العارض لدى الفنان الثاني.
ولأن شاكر حسن يعترف (في الكتاب نفسه) بأن مديحة عمر في الواقع قد ساهمت في إدخال الحرف إلى ساحة الفن التشكيلي منذ الأربعينيات، إلا أنها لم تُعرف به في العراق إلا في أوائل الخمسينيات. لكنه يعزو هذه البدايات إلى صديقه جميل حمودي، وهو ما يشكل في نظرنا غيابا للنظرة التاريخية التي تبناها شاكر حسن في التأسيس لهذه الظاهرة الجديدة. فبعد أن أشار إلى استخدام رائد الفن العراقي الحديث جواد سليم للعلامات يصرح: "كان جميل حمودي (المنذري منذ عام 1947) قد اتخذ من الكلمة المكتوبة ضمن عالم اللوحة المرسومة عنصرا جديدا في البناء الفني، مستعينا بسحر ورشاقة الخط العربي وبذخ الألوان وانعكاسها العطري في الشرق على عقلانية علم الجمال الأوروبي وإنسانيته في بناء اللوحة. ومع أنه لم يكتشف إمكانية استخدام الحرف كقيمة تجريدية، إذ كان قد سبقه إلى ذلك باول كلي، ولا إمكانية استخدامه كثيمة تعبيرية، كالتي طورها ماتيوس، أو سوريالية كما يظهر في بعض أعمال أندري ماسون، فقد شقّ لنفسه ولا شك طريقا خاصا به منذ ذلك الوقت المبكر" <span class="tooltip">(12)<span class="tooltiptext"> شاكر حسن آل سعيد، 1971، 30.</span></span>. ومع ذلك يمكن أن نجد تواشجا وتوازيا بين طبيعة التعبير بالحرف لديه والأسلوب "الحروفي" الذي اختطته مديحة عمر لنفسها. ومن ثم فإن "بداياته الحروفية ترقى إذن إلى السنوات الأخيرة من الأربعينيات، دون أن تكون هذه البدايات قاطعة من ناحية توجهها الحروفي" <span class="tooltip">(13)<span class="tooltiptext"> شربل داغر، 1990، 24. </span></span>.
جميل حمودي، رمز قرآني كريم، حبر صيني، 1945
جميل حمودي، خطوط، 1948
لقد أكد معرض "البعد" الواحد"، في تصوره لاستلهام الحرف في الإبداع التشكيلي، على ضرورة التحرر من الحرف باعتباره حرفة، كما كان الأمر في التراث الإسلامي، وباعتباره صورة نمطية مسكوكة في مجموعة من الأساليب الخطية المتنوعة (الكوفي والنسخ والمغربي وغيرها)، للتعامل معه بوصفه "بُعدا" لا موضوعا سكونيا. فالموضوع يخضع بشكل أو بآخر لذاكرة التراث الخطي، ولقواعده؛ ومهما تم التحرر من هذه القواعد والصيغ، فإن ذلك لن يعدو أن يكون بلورة تظل مشدودة إلى الطابع العيني للكتابة الخطية الفنية. فالقوام الحقيقي للخط كما تصورته تلك الجماعة هو الحركة والاتجاه.
شاكر حسن آل سعيد، تأملات موضوعية، 1981
شاكر حسن آل سعيد، 1984
لا يخفى إذن أن هذا التحديد يصب مباشرة في مسألة التجريد أو اللاتشخيص أو اللاتشبيه. فلقد أدرك الفنانون التشكيليون العرب منذ الأربعينيات، في معايشتهم لمصائر الفن الغربي، أن المجاوزة التي عاشها الفن الغربي للتصوير التجسيمي والتشبيهي قد أخذت وقتا طويلا مع الحداثة الفنية، من الانطباعية إلى الفن التجريدي، مرورا بالتكعيبية والسريالية والوحشية. وكان يكفي الفنان العربي أن يدير وجهه نحو تراثه البصري، المعماري منه والحرفي والكاليغرافي، لكي يدرك بأن ذاكرته الفنية مشحونة بالمكونات البصرية التجريدية التي انتبه إليها قبله فنانون غربيون من قبيل بول كلي وهنري ماتيس في رحلتهما إلى تونس والمغرب، ودرسها مستشرقون ومنحوها أهميتها الخصوصية. وليس من الغريب أن يرتبط الفنانون العرب المحدثون الأوائل الذي استلهموا الخط العربي بالتجريدية، من مديحة عمر إلى رافع الناصري، مرورا بجميل حمودي وشاكر حسن ووجيه نحلة. وقد اهتم شاكر حسن بشكل خاص، بالنظر إلى اهتماماته التنظيرية المستمرة، بهذه العلاقة وطابعها الاصطلاحي، معتبرا أن الحضارة العربية ذات طابع تجريدي، وأن الخط ذو طابع لاتشخيصي non figuratif <span class="tooltip">(14)<span class="tooltiptext"> يخصص نزار شقرون فصلا خاصا لهذا الإشكال الاصطلاحي والمفاهيمي (نزار شقرون، 2010، 156 وما يليها)؛ معتبرا أن شاكر حسن يفضل اصطلاح "اللاتشخيص" لأنه يميل أكثر إلى تعريف بول كلي للتجريد في الفن باعتباره لا يعني معادة التشخيص وإنما ممارسة علاقة حرة بمعطيات الطبيعة (161-162).</span></span>. بيد أن هذا المنطلق، إذا كان أكيدا لدى الفنانين الرواد، سوف يخضع للتحول والهجنة، لدى فنانين من قبيل ضياء العزاوي، وسوف يمنحنا مزيجا جديدا لا يمكنه إلا أن يخصب تجربة استلهام الحرف. ذلك ما يؤكده شربل داغر في مسار تطور الحروفية: "هل تنتسب الحروفية إلى التجريدية هذا ما ننطلق منه كفرضية. وهي فرضية بديهية، لأن الحروفية لا تحاكي العالم التشبيهي. هي فرضية للعمل وحسب، لأننا سنتبين لاحقا أن الحروفية تقيم علاقات متداخلة وملتبسة بين الفنين: التشبيهي والتجريدي!" <span class="tooltip">(15)<span class="tooltiptext"> شربل داغر، 1990، 57، هامش12.</span></span>. لكن هذا الالتباس، لا يلزم أن ينسينا أن هذا المزج لا يرتبط فقط بالطابع الزخرفي والغرافي للخط وإنما يجاوزه إلى الطبيعة الجسدانية للخط. فالحرف المخطوط هو جسد اللغة التي تعتبر نَفَسا وصوتا. واستيحاؤه هو تصوير يجعله، مهما كان مجردا عن المعنى والترابط بحروف أخرى لتحقيق الإبلاغ والتواصل، ذا وجود مستقل، جسدي ورمزي في الآن نفسه. ولا أدل على ذلك من رمزية الحروف سواء في القرآن الكريم أو لدى الصوفية أو في المتخيل العربي الكلاسيكي.
هذا الترابط هو الذي يخلق في نظرنا، جماليا وتاريخيا في الآن نفسه، علاقة مباشرة بين الحركات الفنية التي مالت إلى استيحاء الرموز والعلامات الشعبية (ذات الأصول غير العربية) ببلدان المغرب، وبين المنادين باستلهام الحرف (العربي طبعا) بالمشرق، منذ الأربعينيات حتى حركة البعد الواحد <span class="tooltip">(16)<span class="tooltiptext"> نجد الرأي نفسه لدى شربل داغر في كتابه سالف الذكر وإن بشكل ضمني، إذ لا يتردّد في الإشارة إلى مدرسة الدار البيضاء المغربية.</span></span>. فإذا كان الهم المحرك والباعث المحدد في استيحاء الحرف العربي يتمثل، بشكل أو بآخر، في تملُّك التراث البصري المحلي، العربي الإسلامي، فإن الباعث نفسه قد تأكد لدى حركة أوشام (شكري مسلي، مصطفى عدنان، دونيس مارتنيز، سعيد السعيداني، محمد بنبغداد)، كما لدى مدرسة الدار البيضاء (محمد المليحي وفريد بلكاهية ومحمد شبعة)، وبالأخص لدى أحمد الشرقاوي في استيحائه للوشم.
فريد بلكاهية، أصباغ طبيعية على الجلد، 1982م
وليس من الغريب، في هذا الإطار أن ينزع أحد تلامذة شاكر حسن إلى المزج بين العلامة والحرف في تجربة خاضها على طريقته. فهيمت محمد علي أدرك جيدا دروس أستاذه فزاوج بين الحرف والعلامة ومستوحيا بذلك اللاتشخيص بشكل ملفت للنظر.
هيمت محمد علي، 2008
وقد انتبه المفكر عبد الكبير الخطيبي مبكرا إلى هذه العلاقة، لا في ممارسته التحليلية للخط العربي والإسلامي، وإنما أيضا في دراسته للعلامة لدى أحمد الشرقاوي <span class="tooltip">(17)<span class="tooltiptext"> نشر الخطيبي في وقت مبكر كتابا عن فن الخط العربي بفرنسا عام 1976 ترجمه محمد برادة إلى العربية عام 1980. ثم أعاد نشره في دار غاليمار، باريس، 1994 في صيغة معدلة أضحت مرجعا لكافة دارسي فن الخط. وقد أضاف إليه في هذه الطبعة فصلا عن فن الحروفية. </span></span>. من ثم، يمكن القول بأن تواشج الخط والعلامة في التجربة المغاربية يشكل توازنا جماليا بين الأصول الحضارية العربية الإسلامية والتراث المرتبط بها (ومن ضمنه الخط) والتراث الأمازيغي التليد الذي تشكل علاماته ورموزه معينا لا ينضب. ونحن نجد لدى شاكر حسن إشارات واضحة إلى الحضارات السابقة على الحضارة العربية الإسلامية وخاصة منها السومرية.
إن عدم تمييزنا الحاسم بين الحرف والعلامة ليس له فقط أساس تاريخي بل أساس جمالي أيضا. فإذا كان شاكر حسن منذ بداية ولادة "الحروفية"قد ربطها بالعلامات الأخرى، وإذا كان شربل داغر لا يتردّد في الحديث، في دراسته التأسيسية عن "العلامية" لدى الشرقاوي وغيره، فإن هذا الانفتاح يجعل من العلامية بُعدا خصوصيا وعموميا في الآن نفسه من أبعاد استلهام الحرف. ولا أدل على ذلك من أن ما يقوم عليه هذا التقريب هو طبيعة الحرف باعتباره علامة ورمزا، وطبيعة العلامة باعتبارها صورة. هكذا تلتقي التجارب العربية من خلال عدم تعاملها الحرْفي التقديسي للحرف العربي مع التجارب التي تستوحي العلامات الأمازيغية والوشوم والرموز المحلية في تحويل هذا التراث البصري إلى صورة ذات بعد أنثربولوجي وجمالي في الآن نفسه. ولا يخفى أن هذه الحرية في التأويل والتشكيل والتعديل البصري، لدى العديد من الفنانين، هي ما يجعلهم يتقاطعون بشكل واضح في تجاربهم الفنية، بحيث لا يمكننا الفصل جماليا وتشكيليا بين التجربة الحروفية للزندرودي وعبد الله الحريري أو ضياء العزاوي وشاكر حسن وبين مقاربة أحمد الشرقاوي ورشيد قريشي ومحمد خدة مثلا للعلامة.
محمد خدة، 1980
إن هذه المصائر المشتركة هي التي تمنح سياقا شاملا للفهم التاريخي والجمالي لاستلهام الحرف في الفن التشكيلي العربي والمعاصر، وتحررنا من اعتبار الحروفية النظامية (كما يسميها شربل داغر)، المرتبطة بمرجعية تراثية حصرية منغلقة على هوية ماضوية، أفقا وحيدا لربط التراث بالمعاصرة. إنها مصائر تفتحنا باتجاه البعد التشكيلي والجمالي للتجربة الفنية العربية الحديثة والمعاصرة في تعدديتها، أو بالأحرى في بلورة هويتها المتعددة. إنها هوية عربية إسلامية وأمازيغية... لا يمكنها إلا أن تكون غنية بتعدد مصادرها التراثية.
إن هذا التعدد الثقافي يدفع بنا إذن إلى إدماج الخط في العلامة وتمييزه عنها في الآن نفسه في الممارسة الفنية الحروفية. فأصول هذه الظاهرة، كما وقفنا على ذلك، لا ترتبط بممارسة الخط وتطويره فنيا وتشكيليا فقط، وإنما أساسا بتعامل قصدي مع الحرف ضمن بحث تجريدي يجعل من الحروف مكونا بصريا ذا أبعاد تجريدية. ومن ثم، فالحرفية ليست في أصلها مدرسة وإنما تجارب وأساليب متناثرة ومتنافرة، قد تلتقي أحيانا في تظاهرة فنية معينة أو في البيانات من غير أن تكون بالغة الانسجام. ومع ذلك سعى الباحث التونسي محمد عزيزة بشكل مبكر إلى تصنيفها بالشكل التالي <span class="tooltip">(18)<span class="tooltiptext"> Mohamed Aziza,1978, 83.</span></span>:
1. فئة تلتزم بظاهر الحرف "بشكل تبجيلي"، بحيث إنها تحافظ على مقروئية الحرف أو الكلمة أو الآية مستخدمة في ذلك تقنيات الخطاطين؛
2. فئة تتعامل مع الحرف والكتابة بتصرف وحرية، إذ يعمد أصحابها إلى تغيير المظهر البصري والمقروء للحروف مركزين على معناه الرمزي والتشكيلي. وهؤلاء هم الفنانون الحروفيون؛
3. وفئة ثالثة تتعامل بجرأة تفكيكية مع الحرف بحيث تفقده هيكله ويغدو مادة تعبيرية تندرج في التركيب التشكيلي والبصري للوحة. الحرف هنا يغدو موضوعا مجردا من أصوله الكتابية واللغوية.
والواقع أن هذا التصنيف، بالرغم من وقوفه على الاختلافات الجوهرية التي تحيط بما يسمى جزافا بالحروفية العربية، لا يمكن إلا أن يشكل فقط وصفا علائقيا، يطرح نوعية التعامل في مقصدياتها ومراميها. ينتقد شربل داغر هذا التصنيف لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الأساليب الفردية قائلا: "إن هذه المحاولة [في التصنيف] تتسم بقدر أكيد من التبلور المنهجي، فنحن نلحظ ثلاثة مستويات في التعامل مع الحرف (والكلمة)، وهي مستويات نلحظها في نتاجات الحروفيين نفسها؛ إلا أنها، من ناحية ثانية، تبقى بعيدة تماما عن عملية الفرز الأسلوبي" (شربل داغر، 1990، 50). بيد أن متابعة الأسلوب تعني، من ضمن ما تعنيه، الحديث عن التجارب الفردية التي لا تتشكل ولا تتناظر إلا في القليل النادر. فالفنانون المستلهمون للحرف يتمايزون بشكل كبير، إذ يمكننا الحديث عن الخطاطين التشكيليين باعتبارهم تيارا فنيا، أما الفنانون الآخرون فإن السمات الأسلوبية لديهم تختلف في إطار التوجه الأسلوبي نفسه. ولنعبر عن ذلك بمثال واحد فقط، لنأخذ تعامل الفنان العراقي قتيبة الشيخ نوري (1922-1979) في فترة معينة من مسيره الفني مع الحرف في شكل مدارات ودوائر ثم التحولات التي عرفها أسلوبه في ما بعد. يقول عنه في ذلك جبرا إبراهيم جبرا: "جاءت فترة في حياة الطبيب الأخصائي قتيبة الشيخ نوري عالج فيها الخط في لوحاته بأسلوب دائري. ولقد قضى بضع سنوات برز فيها كرسام، حين راح يرسم ما يمكن أن نسميه أربسكات تعبيرية، وذلك باستغلال الدائرة على نحو شديد الابتكار والتوليد، قائلا إن الدائرة هي الجوهر الكوني للأشكال كلها. وكانت الخطوة التالية لديه أن يستغل الخطوط الدائرية في كتابة -أو رسم- الكلمات والعبارات، ومن ثمّ توريقاته التي كانت في معظمها سابقا هندسية، ويجعل منها أشكالا تعبر عن حالات ذهنية صوفية، تتخذ لنفسها معاني "لفظية" أيضا" <span class="tooltip">(19)<span class="tooltiptext"> جبرا إبراهيم جبرا، 1986، 43.</span></span>.
يقدم الخطيبي، المعروف بدراساته المميزة لفن الخط، منذ كتابه الاسم العربي الجريح الصادر باللغة الفرنسية عام 1974، تصنيفا أسلوبيا مبنيا على مفهوم العلامة، ومنفتحا على خصوبة التجربة العربية بمكوناتها المشرقية والمغاربية وحتى الإيرانية. وهو في الحقيقة تصنيف شكلي وجمالي في الآن نفسه، أي أنه يعتمد على طبيعة الاستيحاء وعلى أبعاده في الآن نفسه <span class="tooltip">(20)<span class="tooltiptext"> A. Khatibi, M. Sijelmassi, 1989, 81-111.</span></span>:
"يمكننا التمييز في التشكيل الذي يستوحي مادته من اللغة العربية، عدا فن الخط بمعناه الحصري، بين ثلاثة مستويات:
- الحرْفية الهندسية، حيث يبدو الفنان، انطلاقا من التشذير التشكيلي للحروف، مسكونا بحلم ترجمة تلاوة القرآن إلى صور. هكذا يغدو ما يشبه الأنشودة (أو الصلاة) مرئيا في الخط والحركة (انظر مثلا جزءا هاما من أعمال الإيراني الزندرودي).
- تجريد الخط المشكَّل: أي أن الحرف المتناضد على مساحة الألوان يعيد تخطيط اللوحة، ويمنحها من ثمة هويتها الثقافية وسمتها الحضارية المبتكِرة للعلامات (انظر أعمال العراقي شاكر حسن، أو أعمال منير، التشكيلي الحفري البنغلاديشي المقيم بلندن).
- الحرْفية الرمزية، حيث يغدو التشكيل مشهدية مشبعة بالعلامات والكتابات، من حروف عربية وبربرية تيفيناغ، وأرقام سحرية أو طلسمية. كما نجد في أعمال الجزائري رشيد قريشي اهتماما عجيبا بفنون الخط الصينية واليابانية.
- الحرْفية الزخرفية (وهي الأكثر تداولا)، حيث تخضع الكلمة أو الجملة أو النص إلى بناء مقروء يمثل الحرف المخطوط، وذلك استمرارا للتوريق والخط الكوفي بالأخص" <span class="tooltip">(21)<span class="tooltiptext"> عبد الكبير الخطيبي، 2003، ص. 40-41.</span></span>.
إننا هنا أمام تحديدات أسلوبية وجمالية لا تكتفي بالخط العربي في طابعه الحصري والحرفي، وإنما تدمجه في نظام تشكيل العلامات. وهو تصور نجد بعض عناصره لدى شاكر حسن منذ معرض "البعد الواحد"، كما لدى محمد عزيزة وشربل داغر. وهو ما لا تخرج عنه كتابات بلند الحيدري عن الخط في التشكيل العربي، إذ نلفيه هو أيضا يتحدث وإن بشكل غير تصنيفي وغير صارم عن التوظيف الزخرفي والتوظيف الحر والتوظيف الهجين الذي يمزج بين الخط العربي وعلامات أخرى، يجعل منه علامة ممكنة من ضمن العلامات الحضارية الأخرى <span class="tooltip">(22)<span class="tooltiptext"> بلند الحيدري، 1996. </span></span>.
ويمكننا في هذا السياق أن نعتبر المعرض الذي نظمه معهد العالم العربي بباريس عام 1989 بعنوان "تقاطع العلامات"، محطة جديدة في توظيف الخط والعلامة تستعيد هذه التجربة في نضجها، قرابة عقدين بعد تظاهرة بغداد عام 1971. وتتبدى أهمية هذا المعرض سواء من خلال عنوانه، أو من خلال تنوع العارضين فيه، كما من خلال تنوع كتّاب نصوص كاتالوجه. فإضافة إلى فناني تيار البعد الواحد (شاكر حسن، ضياء العزاوي) شمل المعرض أعمال الفلسطيني كمال بلاطة، والتونسي نجا المهداوي، والجزائريين محجوب بنبلة ورشيد قريشي، والمغربي أحمد الشرقاوي... وهو ما يدل على الرغبة في توسيع العلاقة بالتراث العربي الإسلامي الكاليغرافي وإخصابه بالإحالة إلى العلامات الشعبية والأمازيغية التي تتضمنها التقاليد الشعبية المحلية للمغرب العربي.
يقسم شربل داغر الفنانين الذي يمارسون استيحاء الخط في الفنون التشكيلية العربية إلى صنفين: صنف الخطاطين التشكيليين وصنف الحروفيين <span class="tooltip">(23)<span class="tooltiptext"> شربل داغر، 1990، 61.</span></span>. وبالنظر إلى التحليلات التي سقناها، سنقترح تصنيفا جديدا نعتبر فيه أن الخطاطين التشكيليين يمارسون "حروفية محدودة" أو ما يسميه أحد الدارسين "حروفية غرافيكية" <span class="tooltip">(24)<span class="tooltiptext"> انظر بهذا الصدد الدراسة الشاملة (بالرغم من نواقصها في منطقة المغرب العربي)، التي قام بها عبد المستور محمد عن الحروفية كحركة تشكيلية من خلال فنون الجرافيك العربي المعاصر (عبد المستور محمد، 1998).</span></span>، وسنعتبر بالمقابل فناني العلامة والحرف هم ما يسميه داغر وآخرون "حروفيين". وفي هذا الصنف يندرج كل الفنانين العرب الذين يستلهمون العلامات والرموز الشعبية. إن هذا التصنيف الثنائي يفصل بين نمطين من التعامل مع الخط: النمط التراثوي الذي يحصر الهوية في التراث؛ وبين النمط الاجتهادي الذي يجعل البحث الجمالي سابقا على الاختيار الموضوعاتي. فاستيحاء التراث ليس دليلا على هوية حداثية، إذ إن الأدلّ على هذه الهوية هو انفتاحها وطابعها المعاصر واجتهادها في البحث عن أساليب يمكنها أن تمنح للفن العالمي مكونا تشكيليا وفنيا وجماليا جديدا يغنيها.
يسمح هذا التصنيف لنا بالفرز بين الحروفية الزخرفية (التي سماها محمد عزيزة حركة تبجيلية للحرف العربي) التي غدت نمطا رسميا للتشكيل في العديد من البلدان العربية، وبين الفنانين التشكيليين الذي يلتزمون باستيحاء الحرف طوال تجربتهم أو في مرحلة معينة بحرية ومسعى إبداعي قلق. فلا يخفى أن الجمعيات التشكيلية والمؤسسات الرسمية في بعض البلدان العربية تنظم مسابقات خاصة بالحروفية، عازلة أصحابها عن المسابقات والجوائز الأخرى المتعلقة بالفن التشكيلي. الأمر يتعلق بخطاطين تشكيليين يلتزمون بجمالية الخط العربي، ويمارسونه بقواعده من غير حرية أو تفكيك أو استيحاء أو تأويل. ومع استشراء هذا الطابع في العقود الأخيرة، أضحت الحروفية في طابعها الحرفي والحصري هذا تعبيرا عن هوية عربية إسلامية مشدودة إلى الماضي من غير مغامرة حرة لاستشراف الإبداع التشكيلي. إنها حروفية اتباعية حتى حين تضفي اللون على الحروف، وتدخل في خلفية اللوحة مساحات لونية، يكون الهدف منها فقط منح الطابع الزخرفي للخط بعدا "تصويريا". وهو ما يعضده أحد الدارسين المتأخرين بقوله: "لكن الفكر المحافظ لدى الكثير من الفنانين الذين تعاملوا مع الحروفية، وضعوا في حسابهم أنها فن تشخيصي، وأن الحرف العربي يملك بنية مقدسة، ولذلك لا يجوز إظهاره بمظهر الفني الجمالي البحت، وبغير المقصود الذي وجد من أجله. لذلك نجد الكثيرين من الفنانين الذين تعاملوا مع الحرف برؤية فنية حديثة، أصبحت هذه الرؤية مقيدة بمدلولات الحرف الدينية والتراثية والتفاسير التي دارت حوله، الأمر الذي يقمع أي محاولة للخروج بالحرف من شكله الطبيعي إلى بنيته الفنية الجمالية المضمرة، التي قد لا تنسجم وطبيعة موروثه الديني..." <span class="tooltip">(25)<span class="tooltiptext"> ياسين النصير، 2015، 11.</span></span>. بل إن ما يعضد هذا الحصر من جانبا، ما ذكرناه سالفا عن الطابع الرمزي والصوفي والسحري للحروف في التقاليد الثقافية العربية الإسلامية <span class="tooltip">(26)<span class="tooltiptext"> عن الطابع الديني والصوفي للحرف انظر: (آن ماري شيمل، 2008، 77 وما يليها). أما عن دور الحروف في السحر فانظر (إدمون دوطي، 2021، 61 وما يليها).</span></span>. وبهذا الصدد تقول آن ماري شيمل: "ومن المعلوم أن بعض المتصوفة وأهل المذهب الحروفي، قد علقوا أهمية كبيرة على معاني الحروف، وفي تصورهم أن لكل حرف معنى مخصوصا يربطه بالذات الإلهية، أو أنه يكشف عن أسرار الكون أو عن درجات الطريقة" <span class="tooltip">(27)<span class="tooltiptext"> آن ماري شيمل، 2008، 77. </span></span>.
ومع ذلك فقد برز من بين هؤلاء الحروفيين أو الخطاطين التشكيليين أسماء لامعة من قبيل المصري محمد حسني والعراقي عبد الغني غاني واللبناني سيمير الصايغ والسوداني عثمان وقيع الله والعراقييين حسن المسعودي ومحمد سعيد الصكار وغيرهم. وهم في تجاربهم لا يخرجون عن قوالب الخط بالرغم من أنهم يسِمونها بإبداعيتهم الخاصة، معتمدين جمالية زخرفية تمنح للخط رقصاته الأساس التي تتتسربل بها الحروف والعبارات، في تشكيلات تشخيصية أحيانا وتجريدية صوفية أحيانا أخرى. ولا يخفى أن هذا التوجه الاتباعي، إن كان يحافظ على "جودة الخط والتصوير" كما قال ابن البواب، لا يحيد فيه عن مقروئية الحرف والعبارة، ولا يجاوز فيها الأساس الزخرفي للخط كما هو موروث. ليس ثمة هنا من أفق تجريبي، ولا من مقاصد جمالية عالمية، ما بعد حداثية، بل فقط تجويد الخط وتحسينه ومنحه طابعا خياليا شخصيا يتلاءم مع زخرفية الخط. إن هؤلاء الخطاطين التشكيليين، وهم يؤبدون جمالية الخط العربي، وتقنياته الزخرفية، يظلون حِرَفيين فنانين، سليلي النساخين العرب القدماء. وهم بامتلاكهم للتقنيات يحافظون على التقاليد الغرافيكية للخط العربي.
إن المفارقة التي تعيشها الحروفية هو طابعها الزخرفي المحض الذي لا يرتبط بالضرورة بالأبعاد الصوفية والروحية والمعمارية التي منحتها الحضارة العربية لفن الخط من ناحية، وعدم تطوير هذا المعطى التراثي ليتماشى مع محددات الإبداع الراهن وتطور الفنون البصرية العربية. وهذا ما يلاحظه أكثر من دارس معاصر للحروفية، التي غدت "تيارا" هجينا لا يجمع بين مكوناته إلا استخدام الحرف، وتمتزج فيه رؤى وتوجهات وأساليب تسير من التبسيطية الاستسهالية إلى التركيب الفني المبتكر والمبدع: "الأزمة نفسها ما زالت تتفاقم اليوم في البلاد العربية، حيث نشهد تشتتا لتيارات فنية مختلفة باتت تتعايش معا في ظروف اجتماعية واحدة، تلتقي فيها الحروفية مع شتى الحركات الفنية المعاصرة. وفي حين تخلى عنها بعض ممثليها (من جماعة البعد الواحد) لم يزدها غنى إلا في حالات نادرة، العديد ممن التحقوا بها بشكل متأخر. ثمة فنانون آخرون قادتهم تجاربهم الخاصة إلى مسائل تشكيلية أبعدتهم عن أطروحاتهم ومنطلقاتهم الأساسية، وأوقعت بعضهم في السهولة والإغراءات البصرية العابرة التي جعلت من أعمالهم شاشة تشكيلية متألقة تتوجه إلى العين وتكتفي بإرضاء الذوق السائد في بعض البلدان العربية، الذوق الذي يستسيغ ما في هذه الأعمال من سهولة القراءة لعناصرها التأليفية وقرابتها الشكلية من الخط العربي، المحرك لمشاعر الانتماء القومي" <span class="tooltip">(28)<span class="tooltiptext"> محمود أمهر، 2008، 272. </span></span>.
من الجانب الآخر، ثمة تنويعات على استلهام الحرف العربي تمتد من الحرف والرمز والعلامة إلى الكتابة، مرورا بالكلمة. وإذا ما نحن اعتمدنا التصنيف الثنائي الذي اقترحناه، فإننا سوف نجد في الجانب الحر والاجتهادي في الحروفية الأساليب والتوجهات التشكيلية التالية:
سواء تعلق الأمر هنا بكلمة أو بحرف فإن الفنان العربي يتعامل معها كعناصر قابلة للترويض والتحوير. إنها تغدو مكونا تشكيليا يساهم في تجريد الحرف من صورته ويجسده ليندمج في توليفة شخصية من المسطحات والتلاوين. الحرف هنا ليس سوى ذريعة لمنح إيقاع جديد للوحة. إنه يتشكل على هواه ويتراقص أحيانا كما في لوحات يوسف أحمد وجميل حمودي وشاكر حسن ورافع الناصري. لقد كانت تجربة حمودي كما شاكر حسن مع الخط تتميز أساسا بالتفرد بالحرف وصياغته بحرية تامة كي يتناسق ويندمج في فضاء اللوحة ويغدو من ثم جزءا من المكونات الإيقاعية والمساحية للوحة. لقد كان جميل حمودي، كما مديحة عمر يعيان تمام الوعي أن الحرف مدخل لتجريدية مغايرة لتجريدية الغرب؛ أعني تجريدية تمتح من التراث نسغها ومكوناتها، وتكون سندا لتجربة فنية وتشكيلية مغايرة. بيد أن هذه الحروفية سوف لن تكون سوى مرحلة سيمر منها الفنانان نحو آفاق جديدة. ولعل البحث التشكيلي الذي أبان عنه شاكر حسن في ما بعد بالبحث في اللون والمادة وحرق اللوحة، والاشتغال على الشروخ والشقوق وتدمير العلامة والحرف نفسه، يجسد الطابع التجريبي لفنه: فالحروفية لديه كانت مرحلة نحو الهوية الروحانية لا أكثر، وكان من اللازم تدميرها للوصول إلى نسغ الكينونة <span class="tooltip">(29)<span class="tooltiptext"> يقول عنه شربل داغر: "شاكر حسن آل سعيد دخل في الحرف وخرج منه " (شربل داغر، 1990، 80).</span></span>. لكن فنانين من قبيل رافع الناصري سوف يبلورون تجربة خاصة تتميز بحرية كبرى في "تشخيص" الحرف. فهو يولد الحرف ويجعل منه فضاء يتشكل وفقا لتحولات تنطبع على اللوحة فتمنحها زخما تعبيريا سوف يتابعه الفنان حتى آخر حياته.
رافع الناصري، حفر، 1968
وإذا كان يوسف أحمد قد جعل من حروفيته مدخلا لاستكشاف العلامات، كما أثبتت ذلك تجربته اللاحقة <span class="tooltip">(30)<span class="tooltiptext"> انظر بهذا الصدد كتابنا عن يوسف أحمد (فريد الزاهي، 2007) حيث نحلل تطور الفنان من مرحلته الحروفية حتى أعماله الأخيرة في أواسط العقد الأول من الألفية الجديدة.</span></span>، فإن ذلك يؤكد وعي الفنان بأن للحرف محدوديته الغرافية، وأن العلامات كلما تجردت أضحت قابلة لاستيعاب الروحاني باعتباره هوية منفتحة. وهو في ذلك يتبع خطى أستاذه شاكر حسن، في استكشاف مجاهيل الهوية والذات وشروخ الوجود. لهذا تحولت التجربة لديه من الخط إلى التفكير البصري الجداري كشكل من أشكال مساءلة العالم. أما أعمال المغربي عبد الله الحريري، فإنها ذات طابع متماوج، وتحافظ على التوازن بين الخط وسياقاته المعمارية، وإن كانت تنحو في السنوات الأخيرة نحو النتعامل الصوفي مع الحرف وغمسه في فضاءات ومساحات تلوينية تسعى إلى استكناه أبعاده الروحانية.
يوسف أحمد، حفر حروفي، 1972
عبد الله الحريري، 1986
يمكن اعتبار ضياء العزاوي أنموذجا واضحا لهذا التوجه الحروفي. فهو يمزج بين الكتابة في لوحاته عن قصائد المتنبي، وبين الأشكال المشخصة، والحروف التي تكاد تغدو صورا مستقلة. وفي مرحلته الحروفية، التي امتدت بأشكال مختلفة منذ أواخر الستينيات، نراه يزاوج بين المشخص والمجرد، وبين الحرف والوجه والوجه. وعناصر الطبيعة. تلوينيته الوحشية التي تجعل من اللوحة بهجة للعين، هي أيضا اختيار لصدمة العين، ولعنف التواشج في اللوحة. المفارقة هنا لا تعني التلفيق أو المجاورة بين الحرف المتشكل جسدا، وبين الجسد الذي يغدو رمزا. إنها مفارقة التواشج والتبادل الدلالي.
ضياء العزاوي، شوقا لبغداد، 1982
ضياء العزاوي، 1978
ثمة تجارب أخرى يمكن أن تندرج في هذا السياق، كما هي تجربة الجزائري محمد خدة الذي يحول العلامات إلى وجوه وكيانات، وتجربة رشيد قريشي في تحويله للحرف إلى علامة مشخصة تكاد تنطق بإنسيتها. وأيضا في تجربة المغربي نور الدين ضيف الله، الذي تخلى عن حروفيته الأولى ليحول جسد الحرف إلى كيان شبه مشخص يستقر في اللوحة بصورته الهائلة، ويجعلنا نتساءل: كيف يتحول الحرف إلى معمار وصرح بصري؟
يمكننا اعتبار التونسي تجربة نجيب بلخوجة في تحويل هندسة المدينة إلى حروف تجريدية تجربة فريدة لأنها زاوجت بين المرئي والمكتوب ومنحت للهندسة بَعدَ كتابة خصوصية. أما نجا المهداوي، فقد اتجه منذ بداياته إلى تحويل تعامله مع الحرف إلى لعبة هندسية، يتقن تفاصيلها في الفضاء كما في شكل الحرف نفسه. تتواشج الحروف في لعبة معمارية هندسية تطوع الحرف إلى ضرب من التناغم الموسيقي. إنه تناسل منتظم من الحروف التي لا تتشكل في كلمات ولا يبتغى منها إلا صرحها المعماري في اللوحة. وهو من الفنانين الذي ظلوا أوفياء لأسلوبهم، من بداية مشواره الفني.
نجيب بلخوجة، أشكال مدنية، 1964
نجا مهداوي، تشكيل الخط، 1987
بالمقابل، ثمة تجارب أخرى تمتح هندسيتها لا من تصور تشكيلي حركي معيَّن، وإنما من بنية الحرف نفسها. ذلك ما نقف عليه لدى كمال بلاطة في اشتغاله على الحرف الكوفي الذي يجعل منه سندا لعالم متشابك أشبه بالمتاهة. بيد أن بلاطة في حروفيته هذه يسعى إلى بناء الفضاء وتحويل الحرف في هندسيته الطاغية إلى مجال التقاطعات بين الألوان والمساحات، خالقا بذلك عالما متناغما يصور إيقاعه أحيانا وكأنه سمفونية بصرية.
كمال بلاطة، ثورة، كوفي، 1988
لا ريب في أن افتتان الفنانين العرب بالعلامة جاء من انتماء حضاري عريق. فالتشكيليون اليمنيون يمزجون بين الحرف العربي والحرف الحميري، والأردنيون يزاوجونه بالحرف النبطي، والعراقيون يستوحون العلامات الآشورية والسومرية. إن هذا المزيج يمنح للفنان العربي هوية متعددة نابعة من جذور متراكبة، وإن كانت مرتكزة على التراث البصري.
ويمكننا التوكيد على أن الفنان المغربي أحمد الشرقاوي كان من الأوائل الذين جعلوا من العلامة مصدرا لأعمالهم. ولا غرابة في ذلك، فهو كان يشتغل خطاطا قبل الانتقال لدراسة الفن بباريس. وهذا الانتقال من الخط العربي إلى العلامة لا يمكن إدراكه سوى كتجذر في ما يسميه ذاكرة الأم، أي الرموز التي وسمت طفولته وهو يراها موشومة على جسد أمه. بيد أن الشرقاوي، وهو يتعامل مع العلامة، لا يحولها إلى مكون فقط في اللوحة وإنما إلى لوحة، من خلال تكبيرها والتلاعب بألوانها ومزجها بعناصر رمزية أخرى محلية. كما أن العلامة (الوشم) تفقد هنا مصدرها لأنها تتشكل لونيا وتفقد بذلك مصدرها. وفي ذلك يتوافق تصور الشرقاوي مع تصور شاكر حسن في اعتبار الحرف والعلامة كيانا بصريا فقط.
أحمد الشرقاوي، الأخوات الثلاث، 1963
ونحن نجد مثيلا لهذه التجربة وإن بشكل مغاير لدى العديد من الفنانين، كما في بعض أعمال الجزائري محمد خدة في تحويله للأشكال إلى علامة، وبالأخص لدى الجزائري محجوب بن بلة. فلدى هذا الأخير تغدو اللوحة مشتلا للعلامات، التي قد نخالها حروفا. لكن حركيتها والحرية التي تتمتع بها تجعلها أشبه بالعلامات التائهة في فضاء اللوحة. إنها أبجدية الحياة التي لا يمكننا أن نقرأها إلا بعد أن نعيشها، ولا يمكننا فك حروفها إلا عبر عين مغايرة قد تكون هي البصيرة.
محجوب بنبلة، 1989
بالرغم من أن توظيف الخط استشرى لدى العديد من الفنانين الجدد، في كافة البلدان العربية، يمكننا القول بأن الطابع الزخرفي ظل هو الطاغي، في غياب اشتغال شخصي يحول الحروفية إلى تجربة روحانية تستكشف الوجود والعالم وتسائل مصائر الإنسان. وقد انتبه لذلك أغلب نقاد ومؤرخي الفن كما أشرنا إلى ذلك سابقا، معتبرين أن الأصل في الحروفية هو التصور الفني التشكيلي لا القصد باستلهام التراث، وأن بناء تجربة تشكيلية ذات هوية بصرية عربية لا يعني الانكفاء على الذات وتجذير الخصوصية وإنما إخصاب التجربة العربية والعالمية بموروث ما زال حيا.
بيد أن الفنانين المعاصرين الذين يعتمدون على تجريبية المنشأة والمنجزة الفنية (أنسلايشن وبرفورمانس)، لم يقطعوا مع تراثهم ولغتهم. فالعديدون منهم يعودون بقوة وبأشكال مغايرة للتراث الشخصي المحلي والعربي والأمازيغي، يستمدون منه نسغ أعمالهم، ويسعون لبناء مقاربات فنية وجمالية جديدة له، تعتمد على الابتكار والتجديد، من غير الإيمان بهوية معطاة سلفا ونابعة من هذا التراث، وإنما ببناء هوية مشذرة وتعددية انطلاقا من استيحائه.
في هذا السياق يمكننا الإشارة، بعد تجارب الرعيل الأول من الفنانين ذوي المنزع الحروفي والعلامي، إلى أعمال الفنانة المغربية مليكة أكزناي. وهي تستوحي عناصر تجربتها من الفنان الفرنسي هنري ماتيس في مرحلته الزخرفية الأخيرة التي ابتكر فيها أشكالا وعلامات ولطخات متناسجة. هكذا اعتمدت مليكة أكزناي على ما تسميه الطحالب لتنسجها في أشكال متداخلة ومتراقصة في اللوحة، خالقة بذلك عالما أشبه بالكتابة. بل إنها في السنوات الأخيرة حولت تلك الأشكال الطحلبية إلى حروف تتراوح بين المقروئية واللامقروئية، تكتب بها آيات قرآنية وشعارات إنسانية. إنها طريقة مبتكرة تحول جسد الحرف إلى جسد أنثوي بتداويره ورشاقته الفاتنة.
ملكية أكزناي، أماني، 2012
ويقدم لنا منير الفاطمي تجربة مثيرة في التعامل مع الحرف. فهو منذ بدايات الألفية الجديدة استعاد شعار قناة الجزيرة برسمه من خلال خيوط التوصيل البلاستيكية المستعملة في التقاط القنوات، معبرا بذلك عن سطوة الإعلام في الوقت الحاضر. كما شكل كلمات في جمجمة من حجم كبير بالطريقة نفسها، ورسم دوائر مثبتة بنفس الخيوط وحـفـر الكلمات عـلـى دوائـر مـنـشـاريـة تـتـحـول إلـى آلـة مـنـتـجـة لـحـروف تـتـراكـم كـمـا لـو كـان يـعـوزهـا الـمـعـنـى. والفنان بذلك يطرح سؤال الفكر والكتابة في الأزمنة الجديدة التي تهيمن فيها تقنية الاتصال. "لست أرغب في الجذور، أنا بحاجة إلى ذاكرة": هذه الجملة تـغـدو أشـبـه بـشـعـار اسـتـراتـيـجـي إبــداعــي لــدى الـفـنـان، يـسـيـر بــه كـي يـسـتـعـيـد جـسـده ورأسـه ولـغـتـه وهويته <span class="tooltip">(31)<span class="tooltiptext"> Mounir Fatmi, 2008.</span></span>.
منير الفاطمي، 2010
أما المغربي زكريا الرمحاني، فإنه يوفق توفيقا مبتكرا بين التشخيص والتجريد في تجربة فريدة تبدو كأنها مبلوَرَة بتقنيات معلوماتية، غير أنه يمارسها بشكل صباغي يدوي على القماش. يتعلق الأمر ببورتريهات لشخصيات معروفة كباراك أوباما وأسمهان وعبد الحليم حافظ... وحالات ولحظات ينسجها الفنان نسجا بالحروف العربية (وأحيانا اللاتينية) المتشابكة التي تشكل بتلاوينها وتداخلها وتشابكها وتواشجها مكونات البورتريه. يهتم الرمحاني بالوجوه ومن ضمنها وجهه هو. وهو لذلك منحنا الكثير من البورتريهات الشخصية في أوضاع متباينة. بيد أن الوجه لا يتشكل كملامح وإنما كمكونات حركية تنسجها بشكل متداخل لمسات تشبه الحروف، عربية ولاتينية. أشباه الحروف هذه تتمازج وتتشابك وتتشرْنق وتتكثَّف وتتكاتف كما لتصيبنا بالدوار. بيد أن هذا الكل يتسربل في الأخير ويتناغم لونا وحركةً وشكلا كي يمنحنا ملامح وجه، قد نتعرّف عليه، حين يتعلق الأمر ببورتريه شخصي للفنان، ونتعرّف عليه بالتأكيد حين يتعلق الأمر بشخصية كالرئيس الأمريكي. كان البورتريه في تركيبته المشاكسة تلك في السنوات الأولى "بسيطا" ثم صار مع الوقت وتوالي "السلسلات الفنية" يعرف التغير ليغدو مركبا؛ بحيث إنه في السنوات الأخيرة صار موطنا للعديد من البورتريهات المندمجة التي قد لا تحيل بالضرورة إلى الشخصية الرئيسية.
زكريا الرمحاني، وجوه، 2021
الفنانة الجزائرية الشابة زليخة بوعبد الله، اهتمت أيضا بالحرف من خلال اللعب على كلمة "حب". وقد عرضت هذه التجربة لأول مرة منذ سنوات في قطر، وهي عبارة عن منحوتة تجسيمية لهذه الكلمة البسيطة التي لها رمزية كبيرة قدسيا كما أدبيا وفي الحياة اليومية. ثم إنها بدأت تنوع هذه المقاربة فبلورتها في الشاشة في عمل رقمي. لا تهتم الفنانة هنا بجمالية الخط ولا بقوانينه الغرافية المعروفة. فالكلمة كتبت ببساطة، لكن بانسيابية تجعلنا أحيانا نخلط بينها وبين كلمة حرب. إن هذا الالتباس يمنح لهذه السلسة لدى الفنانة بعدا متناسلا، يجمع المتناقضات في موطن واحد. وكأنها بذلك تروض مفارقات الحياة لتمنحها لنا في كامل أشكالها وبشكل مجسد، من خلال التجسيم كما من خلال الصورة.
زليحة بنعبد الله، طقس، معدن مصبوغ، 2009
تطرح علينا دراسة الخط في الفن العربي الحديث والمعاصر مسألة الهوية لا باعتبارها مسألة جاهزة، وإنما بوصفها مسألة بلورة تفصح عن مفارقة حاولنا الإلمام بها هنا: فهل يكفي استلهام الخط لبناء هوية عربية؟ لقد أثبتت التجارب الحديثة والمعاصرة أن الحروفية أساليب وتيارات وتوجهات متباينة، تمتد من الالتزام بقواعد الخط والاكتفاء بمزجه بخلفيات لونية تشكيلية، إلى تحويل الخط إلى علامة بصرية وصورة تجريدية وحرة. وقد سعينا إلى تحليل هذه المفارقة وتبيان خصوبة الاشتغال الإبداعي على الخط لبناء هوية فنية وتشكيلية جديدة يكون فيها التراث البصري العربي الإسلامي موردا ومنطلقا لبناء هوية تشكيلية منفتحة ومتعددة في الآن نفسه.
وقد أثبتنا أن الإبداع وحرية التصرف في الخط والعلامات عموما، قد أدى بالفن العربي إلى استكشاف الذات وبناء تجربة تشكيلية جديدة مميزة وغير منغلقة على نفسها؛ وأن الحروفية هي في حقيقة أمرها حروفيات، وأن الهوية الفنية حين تمتح خصائصها من التراث إما تنغلق فيه أو تحرره وتمتلكه وتؤوله وتبدع فيه ابتغاء الاندراج في حركية الفن العالمي. وهذا ما جعل من شاكر حسن وضياء العزاوي ونجا المهداوي ومحجوب بنبلة وأحمد الشرقاوي فنانين عالميين، فيما ظل الحروفيون المتشبثون بقواعد الخط العربي فنانين محليين...
- آل سعيد، شاكر حسن، البعد الواحد أو الفن يستلهم الحرف، ط1، وزارة الإعلام، 1971، بغداد.
- أمهز، محمود، "الحروفية ما بين الحداثة والتراث"، الفنون الإسلامية بين هوية التراثي ومجتمع العولمة، منشورات مركز الفنون البصرية، 2008، الدوحة.
- إينغهاوزن ريتشارد، غرابار أوليغ، جنكينس مارييلين، الفن الإسلامي والعمارة، ترجمة عبد الودود بن عامر العمراني، منشورات هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2012، أبو ظبي.
- الحيدري، بلند، "رحلة الحروف العربية إلى فننا الحديث"، مجلة نزوى، ع. 8، أكتوبر 1996، مسقط.
- جبرا، جبرا إبراهيم، جذور الفن العراقي، ط. 1، الدار العربية، 1986، بغداد.
- الخطيبي، عبد الكبير، الاسم العربي الجريح، ترجمة محمد بنيس، ط. 1، دار العودة، 1980، بيروت.
- الخطيبي، عبد الكبير، الفن العربي المعاصر. مقدمات، ترجمة فريد الزاهي، ط. 1، منشورات عكاظ، 2003، الرباط.
- داغر، شربل، الحروفية العربية، فن وهوية، ط. 1، منشرات شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، 1990، بيروت.
- دوطي، إدمون، السحر والدين في شمال إفريقيا، ترجمة فريد الزاهي، ط. 4، خطوط وظلال، 2021، عمان.
- الزاهي، فريد، الجسد والمقدس والصورة في الإسلام، ط. 2، منشورات إفريقيا الشرق، 2010، بيروت.
- الزاهي، فريد، الجدار والمرايا، تأملات في أعمال الفنان القطري يوسف أحمد، منشورات بيوبيوس، (كتاب نفيس بالعربية والفرنسية والإنجليزية)، 2007، دبي.
- الزاهي، فريد، العتبة والأفق. تجربة الانفتاح في الفن العربي المعاصر، ط. 1، منشورات دائرة الثقافة والفنون (جائزة لجنة التحكيم للنقد التشكيلي بالشارقة)، 2009، الشارقة.
- الزاهي، فريد، من الصورة إلى البصري. وقائع وتحولات، ط. 1، منشورات المركز الثقافي للكتاب، 2017، الدار البيضاء-بيروت.
- الزاهي، فريد، في ثنايا الصورة. قراءات متقاطعة في الفنون البصرية، دار خطوط وظلال، 2021، عمان.
- شقرون، نزار، شاكر حسن آل سعيد ونظرية الفن العربي، ط. 1، الدار العربية للعلوم ناشرون/منشورات الاختلاف، بيروت-الجزائر، 2010.
- شيمل، آن ماري، الجميل والمقدس، ترجمة عقيل يوسف عيدان، ط. 1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008.
- كحلي، عمّارة، "فلسفة البيانات الثقافية الفنية (بيان جماعة أوشام أنموذجا)"، مجلة الحوار الثقافي، المجلد 4، العدد 2، الجزائر، 2015.
- محمد، عبد المستور، الحروفية كحركة تشكيلية من خلال فنون الجرافيك العربي المعاصر، رسالة دكتوراه، جامعة حلوان، 1998.
- النصير، ياسين، الحروفية والحداثة المقيدة، ط. 1، دار نينوى، بغداد، 2015.
- Aziza Mohamed, Patrimoine culturel et création contemporaine en Afrique et dans le monde arabe, les Nouvelles éditions africaines, Paris, 1978.
- Bardaouil Sam, Feltrath Till, Art et liberté, Rupture, guerre et surréalisme en Egypte (1938-1948), éd. Centre George pompidou, Paris, 2016.
- Fatmi Mounir, Fuck the architect, éd. Brussels Biennal 1, Bruxelles, 2008.
- Khatibi Abdelkébir, Mohammed Sijelmassi, L’art contemotrain au Maroc, ACR éditions, Paris, 1989.
- Maraini Toni, «Situation de la peinture marocaine », Souffles, n°6-7, 1967, Casablanca.
- Kandinsk Wassily, Du spirituel dans l’art en général et dans la peinture en particulier, éd. Denoël/Gonthier, Paris, 1969.