Studies
يونيو 2023

روائح المدن وأهميتها الثقافية: المملكة العربية السعودية نموذجًا

تسلط الدراسة الضوء على أهمية الروائح في المساحات الحضرية إلى جانب الاطلاع على أبرز الوسائل المتبعة في تحديد ما يعرف ب"مشهد الروائح" الذي تحول إلى مكون ثقافي يمكن من خلاله التعرف على جوانب مهمة من ثقافة المدن وتاريخها

مصدر الصورة:
قد تواجه بعض المشاكل في التصفح عبر الجوال عند وجود جداول في المنشور، ولتصفح أفضل ؛ ننصحك بالتصفح عبر شاشة أكبر أو التصفح بعرض الشاشة.

نبذة عن الدراسة

منذ منتصف القرن العشرين وحتى يومنا بدأت الروائح تكتسب أهمية متزايدة في استكشاف المدن وتحديد هويتها. لذلك كان لا بد من الشروع في هذه الدراسة لتسليط الضوء على أهمية الروائح في المساحات الحضرية والاطلاع على أبرز الوسائل المتبعة في تحديد ما يعرف ب"مشهد الروائح" الذي تحول إلى مكون ثقافي يمكن من خلاله التعرف على جوانب مهمة من ثقافة المدن وتاريخها، كما أصبح، مؤخراً، عنصراً أساسياً في تعريف معالم المدن السياحية. لذلك اهتمت هذه الدراسة، أولاً، باتباع منهج وصفي تحليلي، بإظهار أهمية الروائح من حيث ارتباطها النفسي الوثيق بذاكرة الأمكنة، وبدراسة الأسباب التي أدت إلى بروز مفهوم "مشهد الروائح" واستكشاف الوسائل المتبعة لتحديد هذا المشهد، إن كان من حيث تنظيم رحلات التشمّم أو رسم خرائط الروائح أو مشاريع حديثة أخرى. ومن ثم انتقلت للتركيز على دراسة حالة متمثلة بمحاولة رسم مشهد الروائح في المملكة العربية السعودية من خلال ما ذكر عن روائحها في النصوص التاريخية والأدبية، وأيضاً، من خلال تحديد أربعة مواقع أساسية فيها تتميز بروائحها الخاصة، وهي: الكعبة المشرفة وجنبات المسجد الحرام، وحقول الورد الطائفي، وأسواق التوابل في المملكة، وطريق البخور في مدينة العلا. وأخيراً، تخلص الدراسة بتقديم بعض التوصيات التي يمكن للمملكة أو أي بلد آخر اتباعها للاستفادة من إرث الروائح الثقافي الموجود فيه والمحافظة عليه للأجيال القادمة.

تركز الدراسة على النقاط التالية:

1-           المقدمة

-      العلاقة التاريخية بين المدن والروائح

-      حاسة الشم والتسلسل الهرمي للحواس

-      الروائح وصعوبة تحديدها

-      ارتباط وثيق بين الرائحة وذاكرة الأمكنة

2-           الروائح وشخصية المدن

-      مفهوم مشهد الروائح

3-           الوسائل المتبعة في رسم مشهد الروائح في المساحات الحضرية

-      رحلات التشمم وخرائط الروائح

-      مشاريع حديثة أخرى

4-           مشهد الروائح: المملكة العربية السعودية

-      روائح المملكة في النصوص التاريخية والأدبية

-      أربعة مواقع أساسية لرسم مشهد الروائح في المملكة

-      الكعبة المشرفة وجنبات المسجد الحرام

-      حقول الورد في الطائف

-      أسواق التوابل في المملكة

-      طريق البخور في العلا

5-           الخاتمة والتوصيات

كلمات مفتاحية استدلاليّة:

-      مشهد الروائح أو smellscape الذي يعبر عن بيئة الروائح في مساحة جغرافية معينة.

-      رحلات التشمّم أو smellwalks التي هي عبارة عن رحلات يتم تنظيمها لاستكشاف المدن من خلال روائحها.

-      خرائط الروائح أو smell maps التي ترسم خريطة الروائح للمدن.

-      موسوعة الروائح أو Encyclopedia of Smells وهي موسوعة للروائح تتضمن مداخل معينة لتوثيق روائح المدن.

-      مستكشف الرائحة أو smell explorer  الذي يستكشف الروائح من خلال مداخل مثل ناقلات الروائح، والمساحات العطرة، ومصادر الروائح.


1-       مقدمة

في وقت مبكر من القرن العشرين، كان عالم النفس الأميركي جميس ج. غيبسون أول من تحدث عن كيفية إدراك المساحات المادية المحيطة بنا من خلال الحواس وهو الذي وضع "نظرية الإدراك المباشر" التي تقول إن إدراك الأمكنة هو نتاج مباشر للتواصل البشري الحسي مع العالم الخارجي، لا سيما من خلال المحفزات البصرية بحيث يكون الإدراك مباشراً وفطرياً، ولا يتضمن أي عمليات نفسية معقدة.<span class="tooltip">(1)<span class="tooltiptext">غيبسون، ج. ج. إدراك العالم البصري. شركة هوتون ميفلين، الطبعة الأولى، 1950</span></span> ولفترة طويلة من الزمن، استمر علماء النفس ومصممو المدن ومهندسو المناظر الطبيعية والمعلنين جميعهم بالتأكيد على الرؤية باعتبارها الطريقة الرئيسية لاختبار الأمكنة، لدرجة أنه عندما كان يتم استخدام مصطلح إدراك المساحات المادية، فغالباً ما تكون الإشارة إلى الإدراك البصري وحده. ولكن في منتصف القرن العشرين، أدرك العلماء الغربيون أن النظرية التي تركز على الرؤية، فقط، للإدراك البيئي الحسي كانت تعاني من نقص خطير فيما يتعلق بتفسيرها لكيفية اختبار الأمكنة التي لا بد أن تكون مركبة ومتعددة الحواس. من هنا بدأ التأكيد على أهمية الحواس الأخرى غير البصرية في الإدراك البيئي، لا سيما في إدراك المساحات الحضرية التي هي في طبيعتها بيئات معقدة ومكونة من مزيج من البشر والثقافات المتنوعة ومختلف أشكال العمارة والطبيعة، وفي الوقت ذاته تكون مسرحاً لعمليات صناعية وتجارية متنوعة. لذلك عند اختبار المدن لا يمكن اعتبار الحاسة البصرية كافية وحدها، بل يجب الذهاب أبعد من ذلك لاستكشاف ثراء المشهد الحضري من خلال الأصوات والروائح وملمس الأشياء فيه. بالنسبة لمصممي المدن حول العالم عادة ما ينحصر اهتمامهم بشكل المدينة وأصواتها، ولكن فيما يتعلق بالروائح يكون التركيز، فقط، على الحدّ منها من خلال عمليات التخلص من النفايات وانبعاثاتها وتنظيف الأماكن غير الصحية. ولكن لحاسة الشم تأثير لا يمكن تجاهله أبداً كونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالذكريات العاطفية عن الأمكنة، وكونها تُبرز الممارسات الثقافية التي ربما تكون غير ظاهرة لولا وجود الروائح التي تنبعث منها، وكونها تمثل العنصر المكمل لاختبار الأمكنة بشكل شامل.

العلاقة التاريخية بين المدن والروائح:

عندما نتحدث عن روائح مدينة ما، نادراً ما تكون أفكارنا الفورية من النوع الإيجابي، بل عادة ما تكون مرتبطة بالروائح الكريهة التي تنبعث من أنفاق المترو في المدن الكبرى مثل باريس ونيويورك ولندن وغيرها، أو بدخان عوادم السيارات الكثيف الذي يحوم فوق بكين، مثلاً، أو الروائح المنبعثة من المجاري المفتوحة في مدينة كلكتا في الهند، أو من تلال مدينة نابولي القذرة المليئة بالنفايات المنزلية، بحيث يبدو أن الروائح الحضرية تُسجل، فقط، عندما تهددنا أو تثير اشمئزازنا. <span class="tooltip">(2)<span class="tooltiptext">فان راتينغين، ويتولد. روائح المدينة: الرائحة والحداثة ووجهات النظر النفسية والجغرافية. أكاديميا، 2017، ص. 1</span></span>قد يكون لذلك علاقة بوظيفة الرائحة كإشارة تحذير بدائية: فالرائحة قبل كل شيء هي التي تجعلنا نتجنب الأوساخ والتلوث والأمراض. وحتى من المنظور التاريخي ترسخ مفهوم روائح المدن بكونها كريهة ومقززة من خلال ما أكده المؤرخون والرحالة والتجار والمستكشفون الذين لم يشيروا إلا إلى الروائح الكريهة في الأماكن التي كتبوا عنها، أو تفاعلوا مع سكانها، لا سيما للتعليق على عجز حضاري للشعوب الغريبة والأمم البعيدة. فكان المنظور الطبي هو السائد، وعلى حد تعبير إدوين تشادويك، المصلح الاجتماعي في القرن التاسع عشر الذي عمل بلا كلل من أجل فقراء المناطق الحضرية في إنجلترا في العصر الفيكتوري، فإن: "كل رائحة هي مرض."<span class="tooltip">(3)<span class="tooltiptext">راينرز، جوناثان. روائح الماضي: وجهات نظر تاريخية حول الروائح. مطبعة جامعة إلينوي، 2014، ص. 188</span></span> وهكذا، فإن علاقتنا بالروائح في المساحات الحضرية لطالما كانت تتراوح بين اللامبالاة، في أحسن الأحوال، والقرف والاشمئزاز في أسوئها، ويبدو فوق كل شيء، أن هذه العلاقة كانت محددة تاريخياً، إذ لا يتطلب الأمر الكثير من الجهد لتخيل مدى التلوث بالمدن في الأيام التي سبقت إدخال مهمات الصرف الصحي والتخلص من النفايات ومكافحة الآفات في نطاق مسؤوليات الدولة التي أخذت في الاتساع في مختلف أنحاء العالم مع تقدم الزمن. ومن ثم كان نشوء تخصص الصحة العامة وعلم الأوبئة بمثابة بداية لما أطلق عليه آلان كوربين، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة فرانسوا رابيليه في تورز، بنظام "اليقظة الشمية" التي نشأت مع الأطباء والكيميائيين والمختصين بالعلوم الطبية الذين اتفقوا جميعاً على وجوب السيطرة على الروائح لمكافحة الأمراض؛ مما أدى إلى إعادة تنظيم واسعة النطاق للبيئة الحضرية، والذي استمر حتى يومنا هذا.<span class="tooltip">(4)<span class="tooltiptext">كوربين، آلان. الكريهة والعطرة: الرائحة والخيال الاجتماعي الفرنسي. دار نشر جامعة هارفارد، 1988</span></span>

حاسة الشم والتسلسل الهرمي للحواس:

بالإضافة إلى هذه النظرة السلبية التاريخية لروائح المدن، هناك سبب آخر لإغفال الروائح كأحد العناصر المهمة في استكشاف المساحات الحضرية، وهو الذي يرتبط بحقيقة أنه لطالما كان هناك تسلسل هرمي للحواس فيعمد إلى ترتيبها على أساس تلك التي تعتبر أكثر أهمية بالنسبة لقدرة البشر على اختبار العالم والبقاء على قيد الحياة. فكانت الحاسة العليا هي البصر يليها السمع والشم والتذوق ثم اللمس، وذلك لأن البصر والسمع يسمحان لنا باستشعار الأشياء من مسافة بعيدة وتجنب المخاطر ولذا فقد اعتُبرا حاستين بالغتي الأهمية للبقاء على قيد الحياة، في حين أن التذوق واللمس يتطلبان الاتصال، وقد وقعت حاسة الشم في مكان ما في الوسط. وفي هذا المجال عُرف التسلسل الهرمي الذي وضعه أرسطو<span class="tooltip">(5)<span class="tooltiptext">موندادا، لورنزا. الاستشعار في التفاعل الاجتماعي. مطبعة جامعة كامبريدج، 2021</span></span> بحيث اعتبر أن الرائحة عابرة وغير مستقرة وأنها مرتبطة بالجسد والغرائز البدائية والاحتياجات الفسيولوجية ولا يمكنها منافسة حاستي البصر والسمع، الحاستين الأسمى المرتبطتين بالعقل والروح واللتين يمكن تحديدهما كمياً بشكل موضوعي يسمح بتفسير الواقع بطريقة عقلانية. ومنذ ذلك الوقت تبنى العديد من العلماء والفلاسفة التسلسل الهرمي الذي وضعه الفيلسوف الإغريقي لا سيما أنه ليس من السهل تحديد معيار لتحديد أهمية الحواس، ناهيك عن إيجاد طرق علمية لقياسها وترتيبها، لذلك بدا التسلسل الهرمي لأرسطو منطقياً بشكل كبير. وعلى الرغم من أنه في وقت لاحق تم التأكيد على أن هذا التسلسل قد يكون مختلفا في ترتيبه حسب اختلاف الثقافات، كما أظهر ديفيد هووز في مقالته "الحياة الاجتماعية للحواس"<span class="tooltip">(6)<span class="tooltiptext">هووز، ديفيد. "الحياة الاجتماعية للحواس". مجلة آرس فيفيندي، عدد 3، فبراير 2013، ص. 4-23</span></span>، بحيث اعتبر أن الثقافات التي تعطي قيمة خاصة لتراثها الموسيقي، مثلاً، كانت قادرة على التواصل بشكل أكثر كفاءة في وصف الأصوات، كما أن الثقافات التي تزدهر فيها الحرف اليدوية تكون أكثر قدرة على التحدث عن الأشكال. ومع ذلك، حتى لو اختلفت السياقات والثقافات، وتباعدت الفترات الزمنيّة، فإنّ حاسة الشم لم تكن تعتبر بشكل عام بنفس أهمية البصر أو السمع، لذلك فإن ترتيب أرسطو للحواس بإطاره العام بقي قائماً حتى يومنا هذا.

الروائح وصعوبة تحديدها:

من جهة أخرى، هناك مسألة تعقيدات الروائح وصعوبة تحديدها بحيث أنها عادة ما تكون عابرة وعرضية وغير محددة، قد تقوى أو تخفت؛ ومن ثم تغيب، وقد تختلف باختلاف أوقات النهار وأحوال الطقس، بالإضافة إلى أن إدراكها غالباً ما يكون بعيداً عن الموضوعيّة، بل هو مسألة شخصية بامتياز بحيث يختلف تفسيرها بين شخص وآخر اعتماداً على أحاسيس الشخص الفردية وتجاربه السابقة وعلى عوامل نفسية وعضوية مختلفة. كما أن هناك مسألة عدم كفاية اللغة فيما يتعلق بوصف الروائح، وهو ما تحدثت عنه الكاتبة وعالمة الطبيعة ديان أكرمان في كتابها "التاريخ الطبيعي للحواس"، حيث اعتبرت أنّ هناك ضعفاً في الروابط الفسيولوجية بين الرائحة ومراكز اللغة في الدماغ، لذلك وصفت الرائحة بأنها: "الحاسة الصامتة، التي لا تحتوي على كلمات."<span class="tooltip">(7)<span class="tooltiptext">أكرمان، ديان. تاريخ طبيعي للحواس. فينتاج، 1991، ص.17</span></span> فنحن لا نملك كلمات كافية لوصف الروائح بشكل محدد، وعادة ما نعود إلى الاستعارات المرتبطة بالحواس الأخرى لنوضِح كيف تجعلنا روائح معيَّنة نشعر، كأن تكون الرائحة، على سبيل المثال، "طيّبة" أو "مثيرة للاشمئزاز" أو "ساحرة" أو "مبهجة" أو "مقززة"، أو نميل إلى مقارنة الروائح بالروائح الأخرى عندما نقول إن رائحة معينة هي مثل "المروج الصيفية" أو "كالعفن" أو "كزهر الليمون"، أو أن نشير إلى الروائح باسم الأشياء التي تنبعث منها، مثل رائحة "شجر الأرز" أو "جوز الهند" أو "الخبز الطازج".

ارتباط وثيق بين الرائحة وذاكرة الأمكنة:

لكن، على الرغم من كل هذه التعقيدات التي ذكرناها، هناك علاقة بين حاسة الشم والذاكرة المكانية، كما أن للروائح دوراً أساسياً في بناء خريطة معرفية في بيئة معينة. فقد أشار المهندس المعماري الفنلندي يوهاني بالاسما منذ ما يقرب من ربع قرن، في كتابه: "عيون الجلد: العمارة والحواس"، أن أكثر ذكريات الفضاءات المادية ديمومة عادة ما تكون لها علاقة برائحتها التي يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في التقاط الصور المكانية والمحافظة عليها على المدى الطويل"<span class="tooltip">(8)<span class="tooltiptext"> بالاسما، ج. عيون الجلد: العمارة والحواس. جون وايلي وابناؤه، 2005</span></span>. والحقيقة أن علاقة الروائح الخاصة بالذاكرة يمنحها قوة فريدة، وذلك عندما تسمح لنا في لحظة واحدة بالانتقال عبر المكان والزمان إلى أماكن كنا قد ابتعدنا عنها لفترات طويلة. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما قاله خبير تسويق العلامات التجارية مارتن ليندستروم بأن 75% من المشاعر البشرية تتولد عن طريق الرائحة، وأن الذاكرة البصرية لرؤية صور معينة لا تتعدى 50% بعد فترة ثلاثة أشهر، لكن دقة تذكر الروائح قد تصل إلى 65% <span class="tooltip">(9)<span class="tooltiptext"> ليندستروم، مارتن. براندسينس: كيفية بناء علامات تجارية قوية من خلال اللمس والذوق والشم والبصر والصوت. كوغان بيج ليميتيد، 2005</span></span>. وهنا لا بد من الحديث عن "مادلين بروست" أو "اللحظة البروستية" التي أصبحت رمزاً لعلاقة الروائح بذكريات الماضي، وهي التي تحدث عنها الكاتب الفرنسي مارسل بروست في روايته "في البحث عن الزمن المفقود"، حيث يروي كيف أنه عندما كان مستلقياً على سريره في أحد الفنادق ينتظر وجبة الفطور، وقُدِّمت له كعكة مادلين (وهي الكعكة الفرنسية الشهيرة) أعادته رائحتها إلى بيت عمته الرمادي القديم في مدينة كومبراي الفرنسية، حيث نشأ، وتذكر عندما كان يذهب لتحيتها في غرفتها صباح يوم الأحد، وكانت تقدِّم له كعكة مادلين بعد أن تغمسها في شراب الزيزفون. وهكذا، وبأسلوب أدبي أنيق، كان بروست من أبرز  من أشاروا إلى ظاهرة "الذاكرة اللاإرادية" التي تفسر قدرة التجارب الحسية، لا سيما حاسة الشم العميقة والمعقَّدة، على أن تعيدنا فجأة إلى ذكريات بعيدة بقيت عالقة في أذهاننا، على الرغم من مرور السنين. ولا ينبغي أن يكون ذلك مستغرباً على الإطلاق إذا ما استندنا إلى علم الأعصاب، ففي دراسة قام بها فينكاتيش مورثي، أستاذ علوم الحياة ورئيس قسم البيولوجيا الجزيئية والخلوية في جامعة هارفارد الأميركية، توصل فيها إلى حقيقة أن حاسة الشم والذاكرة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بسبب تركيبة الدماغ. فحاسة الشم وحدها، على خلاف الحواس الأخرى، هي التي تتميز باتصالها المباشر بالجهاز الحوفي، وهو جزء من الدماغ يتعامل مع العواطف والذاكرة، دون المرور عبر تقاطع المِهاد الظهري بالطريقة التي تعمل بها الحواس الأخرى.<span class="tooltip">(10)<span class="tooltiptext"> والش، كولين. "ما يعرفه الأنف". هارفارد غازيت، 2020</span></span> ومن مميزات حاسة الشم البشري، أيضاً، أن نظامها يتفوق بشكل كبير على الحواس الأخرى بوجود مئات من المستقبلات الشمية المختلفة وفي عدد المحفزات المختلفة التي يمكن أن تميزها. وقد أظهر هذا التفوق، البحث الذي قامت به الدكتورة ليندا باك والدكتور ريتشارد أكسل ومُنحا عليه جائزة نوبل لعام 2004م في علم وظائف الأعضاء والطب. فقد أزال ذلك البحث كثيراً من الغموض عن حاسة الشم ونظامها المعقد، عندما استطاع هذان العالمان اكتشاف وجود ما يقرب من 1000 جين حاسة شم في أجسامنا (أي ما يصل إلى نسبة 3 %من الجينوم البشري.) وقدّر العالمان باك وأكسيل متوسط قدرة الإنسان على التعرف على حوالي 10,000 رائحة مختلفة وتذكّرها لاحقاً. كما أن من مزايا حاسة الشم أنها أكثر حضوراً ودواماً من الحواس الأخرى، إذ نحن نرى فقط حيثما يوجد ضوء كافٍ، ونتذوق، فقط، عندما نضع الأشياء في أفواهنا، ونلمس، فقط، عندما نتواصل مع أشخاص وأشياء معيَّنة، ونسمع، فقط، الأصوات ذات الدرجات العالية بما فيه الكفاية لسماعها، لكننا نشم دائماً، ومع كل نفس نأخذه. وهذا ما يجعل تأثير الروائح على إدراكنا ودواخلنا النفسية والعاطفية يتفوق على ما يمكن أن تقدِّمه أية حاسة أخرى أو كما يقول الشاعر البريطاني روديارد كبلينغ: "الروائح هي أقدر من الصور والأصوات على اختراق أوتار القلوب".<span class="tooltip">(11)<span class="tooltiptext"> كيبنانغ، روديارد، تحرير بيتر كيتنغ. بنغوين كلاسيكس قصائد مختارة لروديارد كيبلنع. بينغوين كلاسيكس، الطبعة الأولى، 2006</span></span>

وهكذا، وعلى الرغم من محاولات إلغائها من المساحات الحضرية والتخلص منها، وعلى الرغم من صعوبة وصفها وطبيعتها العابرة، فإنّ ارتباطها الوثيق بالذاكرة وقوتها الحاضرة بفضل قوة نظام الشم وتركيبته البيولوجية ومميزاته الفريدة، تبقى الرائحة الذكرى الأكثر ثباتاً في أي مكان بحيث أنها هي التي تعطي المعاني الشخصية للأمكنة، وتثير الاستجابات العاطفية، وتؤدي إلى تعزيز التجربة الكلية للفضاءات المادية والمساحات الحضرية.

2-       الروائح وشخصية المدن

تختلف الروائح بين المساحات الحضرية والمدن المختلفة وفقا لأنشطة سكانها وطبيعتها ومناخها فيما تظهر معها السمات المميزة للأمكنة، وتنعكس الخصائص الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، فتكون لكل مدينة رائحتها المميزة التي تضفي عليها شخصيتها المميزة، وذلك حسب الفيلسوف الألماني جيرنو بوهمي عندما قال إن: "المدينة من دون رائحة هي كالإنسان بدون شخصية."<span class="tooltip">(12)<span class="tooltiptext"> بوهمي، جيرنو. "جو المدينة". جماليات الغلاف الجوي. لندن: روتليدج. 2017، ص. 339</span></span> أو كما أشار إليها الكاتب الإنكليزي إي. إم. فورستر في روايته "غرفة مع منظر" الصادرة في 1908 في المقطع التالي: "اندفعت الآنسة لافيش تحت ممر الثيران البيضاء؛ ومن ثم توقفت وصرخت: رائحة! رائحة فلورنسية حقيقية! اسمحوا لي أن أخبركم أن لكل مدينة رائحة."<span class="tooltip">(13)<span class="tooltiptext"> إ. م. فورستر. غرفة مع منظر. Digireads.com،2017 ، الجزء الأول، الفصل الثاني، ص. 16</span></span>

وإذا ما عدنا إلى الأوصاف التي ذكرها بعض الكتاب الكلاسيكيين والرحالة المعاصرين يمكننا ذكر روائح بعض المدن على سبيل المثال لا الحصر. فرائحة مدينة طنجة في المغرب تشبه رائحة مركز الشرطة،<span class="tooltip">(14)<span class="tooltiptext"> توين، م. البريئون في الخارج. أيرمونت، نيويورك، 1967، ص. 54</span></span> ومدينة مراكش، أيضاً، في المغرب، لها رائحة الإبل <span class="tooltip">(15)<span class="tooltiptext"> وارتون، إي. "أسواق مراكش". كتاب روايات الرحالة. طبعة إي نيوباي، بيكادور، 1985، ص. 85</span></span> ورائحة مدينة بيروت هي كرائحة السمك النيء <span class="tooltip">(16)<span class="tooltiptext"> ج. موريس. بين المدن. هارموندزمورث: بينغوين، 1985، ص. 57</span></span>ولاغوس في نيجيريا لها رائحة الغاز.<span class="tooltip">(17)<span class="tooltiptext"> ب. مارنهام. "زحمة السير النمط الأفريقي". كتاب حكايات المسافرين. تحريرنيوباي، إد.، بيكادور، لندن، 1985، ص. 100-101</span></span>ويمكننا العودة إلى ما ذكره محمود درويش في كتابه "في حضرة الغياب" عندما قال إن: "المدن رائحة: (عكا) رائحة اليود البحري والبهارات، (حيفا) رائحة الصنوبر والشراشف المجعلكة،........ (القاهرة) رائحة المانجو والزنجبيل، (بيروت) رائحة الشمس والبحر والدخان والليمون،....... (دمشق) رائحة الياسمين والفواكه المجففة، (تونس) رائحة مسك الليل والملح، (الرباط) رائحة الحناء والبخور والعسل، وكل مدينة لا تُعرفُ من رائحتها لا يُعوَّل على ذكراها".<span class="tooltip">(18)<span class="tooltiptext"> درويش، محمود. في حضرة الغياب. الأهلية للنشر والتوزيع، 2016</span></span> ناهيك عن الروائح التي تصادف كل زائر للمدن السعودية، مثلاً، بحيث تعتبر روائح العود والبخور والقهوة بالهيل المنبعثة من شوارعها وأسواقها معبرة عن سمات المجتمع السعودي وتقاليده وعاداته المتوارثة بين الأجيال في أساليب الضيافة وطرق الاحتفاء بالمناسبات الاجتماعية والدينية، والروائح المنبعثة من سوق الإبل في مدينة أم درمان في السودان التي تعرفنا على تجارة قديمة لطالما مثلت جانباً مهماً من أوجه النشاط التجارية فيها. وكذلك الأمر بالنسبة للروائح المنبعثة من سوق "أكبر مندي"، أحد أكبر أسواق البهارات في العالم في مدينة لاهور الباكستانية، وروائح العطور والأجبان في باريس، أو تلك التي نستنشقها في شوارع مدينة نيويورك بحيث تتراوح بين رائحة الكاري من المطاعم الهندية ورائحة الصويا من البيوت الصينية ورائحة فطيرة "الدينيش" من المخابز الدانماركية لتخبرنا عن تاريخ المدينة الحديث ومزيج الثقافات المتنوِّع فيها. وهذه التدفقات المتعددة للروائح تخلق تضاريس متحركة وغير ملموسة في بيئة المدينة الثابتة، فتغير تصورنا للبنية المكانية والزمانية للمدن من خلال رسم مساحات الماضي والمستقبل في اللحظة الحالية، فتضفي: "طابعاً خاصاً على الأشياء والأماكن، مما يعزز تميزها، ويسهّل التعرف عليها وتثبيتها في الذاكرة".<span class="tooltip">(19)<span class="tooltiptext"> توان، يي فو. المساحة والمكان. أكاديميا، 1977، ص. 11</span></span>

مفهوم مشهد الروائح

عام 1985، اقترح عالم الجغرافيا الكندي، الذي يعتبر الأب الروحي لعلوم الروائح المتنقلة، دوغلاس بورتس، مفهوم "مشهد الروائح" أو<span class="tooltip">(20)<span class="tooltiptext"> بورتيس، ج. دوغلاس. مشهد الروائح. سيج جورنالز، 1985</span></span>"Smellscape" ، وذلك في موازاة المشهد البصري الذي له علاقة بالإدراك البصري للمشهد الحضري في المدن، والذي يتأثر إلى حد كبير بالرؤية البشرية والتخطيط المكاني الديناميكي. أما مشهد الروائح فهو الذي يعبر عن بيئة الروائح في مساحة جغرافية معينة بحيث يتكون من روائح من مصادر متعددة كما هي متصورة ومفهومة، فيكون هناك مزيج من الروائح، وليس رائحة واحدة فقط؛ مما يخلق ذاكرة شمية فريدة. فضلا عن ذلك، ففي مشهد الروائح الواحد يتطور هذا المزيج بمرور الوقت، ويتحرك في الفضاء، ويفقد قوته تدريجياً أو دفعة واحدة اعتماداً على حركة الهواء، ومع ذلك، فإن جزيئات الرائحة المختلفة لا ترتبط فقط بسرعة الهواء، ولكنها تتأثر، أيضاً، بمستوى الرطوبة والعوامل المناخية الأخرى. لذلك هناك في مشهد الروائح شبكة ديناميكية ومتقلبة من الروائح تتغير من نقطة إلى أخرى، أو بين لحظة وأخرى في المكان نفسه. وهكذا فإن مفهوم مشهد الروائح يشير إلى أن الروائح، مثلها مثل الانطباعات المرئية، مرتبطة بالمكان، ولكنها مجزأة وغير متواصلة ومحدودة بالزمان والمكان، ولكنها، على الرغم من ذلك، لها قدرة كبيرة على تعريف الأمكنة ورسم هويتها.

منذ عدة عقود أصبح مفهوم "مشهد الروائح" في المساحات الحضرية موضع اهتمام خاص عبر التخصصات المختلفة، كما ظهر هناك نمو في الأدبيات حول التصورات عن الأماكن من خلال الروائح، لا سيما في العقد الماضي. ومما لا شك فيه أن دراسة الروائح الحضرية توفر بُعداً إضافياً لفهمنا للمدن، وتسهم في إظهار جوانب المدن غير المرئية، وتثري التجارب الحسية في اختبار الأمكنة، بالإضافة إلى كونها توفر مدخلات جديدة للتصميم والعمارة الحضرية. ولكن اهتمام هذه الدراسة ينحصر بتسليط الضوء على الروائح كعنصر ثقافي تاريخي يميز المدن ويرسم هويتها بحيث يمكنه أن يتحول إلى عنصر سياحي يغني التجربة السياحية للأمكنة الحضرية. ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة، باتباع المنهج الوصفي التحليلي، لاستكشاف الوسائل المتبعة في تحديد العناصر المكونة لمشهد الروائح في البيئات الحضرية، إن كان من خلال الطرق المستحدثة في تنظيم رحلات التشمّم أو رسم خرائط الروائح، أو من خلال مشاريع حديثة أخرى. ومن ثم تسعى إلى التركيز على دراسة حالة من خلال محاولة رسم مشهد الروائح في المملكة العربية السعودية، كمثال على رسمه في المدن الحضرية المختلفة، وذلك من خلال النصوص التاريخية والأدبية التي تم فيها ذكر روائح المملكة أو شبه الجزيرة العربية، بشكل عام، ومن خلال التركيز على أربعة مواقع أساسية تتميز بروائحها الخاصة، وهي: أولا، الكعبة المشرفة وجنبات المسجد الحرام، وثانياً، حقول الورد الطائفي، وثالثاً، أسواق التوابل في المملكة، ورابعاً، طريق البخور في مدينة العلا الأثرية خاصة مع الوسائل العلمية لإعادة إحياء روائح البخور القديمة من خلال المباخر الأثرية التي وجدت فيها، وأخيراً، هناك الخاتمة مع كل الاستنتاجات والتوصيات التي يمكن استخلاصها.

3-       الوسائل المتبعة في رسم مشهد الروائح في المساحات الحضرية

رحلات التشمم وخرائط الروائح

غالباً ما كان يتم التعرف على الروائح من خلال ما تم تسجيله في النصوص التاريخية وأدب الرحلات، ولكن، مؤخراً، ظهرت هناك محاولات جديدة للتعرف على مشهد الروائح في المدن بطرق حديثة ومختلفة. على الرغم من أن مشهد الروائح هو في العادة كيان مكاني يتميز بكونه هشاً وزمانياً وجزئياً، ومع ذلك، فقد أمكن استكشافه من خلال ما تم استحداثه بما يعرف ب "رحلات التشمّم" و"رسم خرائط الروائح". فقد أمضت الدكتورة كيت ماكلين، رئيسة قسم التصميم الجرافيكي في كلية الهندسة المعمارية، جامعة كنت، المملكة المتحدة، العقد الماضي في مسح مناطق الروائح في مدن مختلفة وترجمة خصائصها الحسية إلى خرائط.<span class="tooltip">(21)<span class="tooltiptext"> ماكلين، كيت، ولوكا، ماريا. خرائط الرائحة: الحياة الرقمية لمشاهد الروائح الحضرية. شبكة خدمات النشر PKP ، 2015</span></span> فقامت بتنظيم رحلات مع مجموعات مختلفة من المتطوعين لتشمم روائح مدن عديدة من إدنبره إلى أمستردام إلى سنغافورة وغيرها الكثير. وقد بنت الدكتورة ماكلين عملها هذا على أعمال من سبقوها من المهتمين بالبيئة الحضرية، لا سيما على ما قام به الطبيب الفرنسي "جان نويل هالي" الذي كان قد انطلق بأول نزهة مسجلة لاتباع الروائح عام 1790 في باريس بحيث كان سيره لمسافة عشرة كيلومترات على طول نهر السين عبارة عن مسح صحي من أجل التحقق من الروائح الضارة التي كان يُعتقد، وقتئذ، أنها كانت سبباً مباشراً للأمراض (والجدير بالذكر أنه تم استكشاف مذكرات جان نويل هالي في دراسة آلان كوربين الكلاسيكية للروائح وتصوراتها المنشورة عام 1982).<span class="tooltip">(22)<span class="tooltiptext"> كوربين، آلان. الكريهة والعطرة: الرائحة والخيال الاجتماعي الفرنسي. 1988</span></span> ثم، وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بدأت فيكتوريا هينشو، المحاضرة في التصميم والتخطيط الحضري بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، في مناقشة الرائحة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من التخطيط والتصميم الحضريين، وكانت هي من بدأت استكشاف مشهد الروائح من خلال رحلات تشمم قامت بها في مدن إنكليزية عدة. وكان كتابها الذي يحمل عنوان "مشهد الروائح الحضرية: فهم وتصميم بيئات الروائح في المدينة"<span class="tooltip">(23)<span class="tooltiptext"> هينشو، فيكتوريا. مشاهد الروائح الحضرية: فهم وتصميم بيئات روائح المدينة. روتلدج، 2013</span></span> الأول من نوعه في دراسة دور الروائح في التجارب المعاصرة وتصورات البلدات والمدن الإنجليزية، كما ساهم في تسليط الضوء على تصور مشاهد الروائح الحضرية باعتبارها مرتبطة بإدراك الأمكنة، ووصف كيفية مساهمة الروائح بالإحساس العام بالمكان، وذلك من خلال دراسات الحالة في المصانع والمتنزهات الحضرية وبيئات الرائحة التجريبية في مدينة مانشستر الإنكليزية ومدينة غراس الفرنسية. وكانت هينشو قد اقترحت أنه بالإمكان استكشاف مشهد الروائح الحضرية على ثلاثة مستويات: 1) المستوى الجزئي - مقياس محدد يعتمد على الموقع؛ 2) المستوى المتوسط – الذي يعتمد على المنطقة أو الحي؛ 3) المستوى الكلي – الذي يكون على مستوى المدينة بأكملها، مما يكشف عن السمات متعددة الطبقات لمشهد الروائح.

وبالعودة إلى مساهمات الدكتورة كيت ماكلين، فهي كانت تقود جولات للتشمّم في المدن المقصودة بحيث كان يتم توجيه مجموعات صغيرة من المتطوعين للتنقل عبر مواقع معينة في كل مدينة، والتركيز على المحاكاة الشمية ووصف ما كانوا يشعرون به من خلال اعتماد شكل نشط من التشمّم يختلف عن إدراك الرائحة الطبيعي، بحيث كانت ماكلين تنصح المشاركين بالتشمّم، وليس مجرّد التنفس، موضحة أنّ نحو 10% فقط من جزيئات الرّوائح الموجودة تتلامس مع مستقبلات الشّم لديهم عندما يتنفسون، ولكنها تتضاعف عند التشمّم.  وفي رحلات التشمّم تلك كان يتم تزويد المشاركين بمجموعة أدوات لتصور الروائح تتضمن بطاقات تسجيل وأقلام ملونة لمساعدتهم على تسجيل الروائح أثناء المشي، بحيث أنه كان عليهم اختيار الرائحة التي يمكنها أن تلخص المنطقة من المدينة التي مروا بها؛ ومن ثم يختارون اللون الذي كانوا يعتقدون أنه أكثر ما يرمز إلى تلك الرائحة، وبعد ذلك، ومن دون الكثير من التفكير، كان عليهم وصف الرائحة وتسجيل قوتها ومدتها ودرجة إعجابهم بها على مقياس من 1 إلى 7، وأخيراً، كان يُطلب منهم كتابة تعليق صغير عن تلك الروائح المختلفة التي سجلوها وعما إذا كانت متوقعة بالنسبة إليهم أم لا والروابط العاطفية التي شعروا بها حين إدراكها. وبعدها تحول ماكلين كل هذه المعلومات إلى تصورات جميلة، وترسم خريطة الروائح لكل مدينة مؤلفة من بقع ملونة ودوائر متحدة المركز تشبه المجرات، بحيث تكون عبارة عن توليف مرئي للتجارب المختلفة التي أبلغ عنها المشاركون. ولكن ماكلين توضح أن هذه الخرائط، عوضا عن تقديم الحقائق الثابتة والمخطط لها مكانياً، فإن الأمر يتعلق أكثر بالتأثيرات الفردية والزمانية، إذ إنه من غير المحتمل أن يشم شخصان يقفان في نفس المكان الرائحة نفسها، لذا عوضاً عن البحث عن تعريفات وتصنيفات دقيقة، بالطريقة التي يعمل بها رسم الخرائط العلمي الكلاسيكي، يكون الاهتمام بالتفاوض على تصورات مختلفة. ولكنها، بالرغم من ذلك، تستطيع هذه الخرائط أن تكون بمثابة ترجمات مرئية واضحة لـ "مشهد الروائح" المدرك في المكان.

مشاريع حديثة أخرى

بالإضافة إلى جولات التشمّم وخرائط الروائح، هناك مشاريع ظهرت في العالم لإبراز علاقة الروائح بالمدن وضرورة المحافظة عليها، وهنا يمكن الإشارة إلى اليابان التي كانت أول دولة اتخذت واحداً من أكثر المواقف تقدماً تجاه حاسة الشم وعلاقتها بالمكان. ففي 2001 تم الإعلان عن مشروع باسم "مائة موقع من الروائح الطيبة" حيث صنف وزير البيئة الياباني أفضل 100 موقع في البلاد تم اختيارها من بين 5600 موقع مرشح من حيث الرائحة. تضمن هذا المشروع مواقع طبيعية وثقافية من بينها الينابيع الساخنة الكبريتية وحدائق أزهار الخزامى ونبات الويستريا والروائح المنبعثة من المكتبات القديمة ورائحة الصمغ المميزة حول منازل الحرفيين في مدينة كورياما. والجدير بالذكر أن هذه المواقع المئة باتت مواقع محمية، وتحمل ختماً مكتوباً عليه "الروائح التي سيتم نقلها للأجيال القادمة"، كما أن تحديد هذه المواقع من حيث روائحها المميزة قد حوّلها إلى مواقع جذب من الناحية السياحية على خارطة اليابان الجغرافية.<span class="tooltip">(24)<span class="tooltiptext"> "تجمع الوزارة قائمة بأفضل 100 موقع في البلاد من حيث رائحتها". The Japan Times، أكتوبر، 2001</span></span>

هناك أيضاً كل ما يقوم به مشروع "أودوروبا" أو Odeuropa الذي هو مشروع بحثي أوروبي يسعى إلى توثيق الروائح في مختلف أنحاء أوروبا والمحافظة على تراثها الشمي. يقوم الباحثون في هذا المشروع بتطوير طرق جديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لتحديد روائح التراث الأوروبي وجمع المعلومات المتعلقة بالروائح من مجموعات متنوعة من النصوص والصور. من بين أبرز المشاريع المثيرة للاهتمام التي يقوم بها "أودوروبا" مشروع وضع موسوعة مجانية لتاريخ وتراث الروائح في أوروبا. تتألف الموسوعة من 120 "مشاركة" يكتبها خبراء في تاريخ الرائحة وثقافة الرائحة والتراث الشمي، وتختص بالفترة الممتدة من أوائل القرن السابع عشر إلى أوائل القرن العشرين، كما تتضمن سلسلة من 24 "قصة" تستكشف الروابط بين الروائح وبعض الموضوعات الرئيسية. والجدير بالذكر أن هذه المداخل والقصص تعتمد في بعض الأحيان على مجموعة واسعة من البيانات التي كانت "أودوروبا" قد جمعتها سابقاً من خلال "مستكشف الرائحة"Smell Explorer الذي يتضمن حوالي 218903 نموذجاً من المقتطفات النصية و4690 صورة.<span class="tooltip">(25)<span class="tooltiptext"> باتشولر، توم. "سيتم إنشاء "موسوعة الروائح" للحفاظ على ماضي أوروبا المعطر." The Independent ، نوفمبر، 2020</span></span>

4-       مشهد الروائح: المملكة العربية السعودية

روائح المملكة في النصوص التاريخية والأدبية

إذا ما أردنا رسم مشهد الروائح في المملكة العربية السعودية يمكننا استكشافه من خلال طريقتين اثنتين: الأولى، العودة إلى أبرز ما ذُكر عن روائحها في النصوص التاريخية والأدبية منذ العصور الماضية، والثانية، من خلال تحديد بعض المواقع الأساسية التي تتميز بفيض روائحها وخصائصها العطرية المميزة. فمنذ زمن بعيد كانت شبه الجزيرة العربية مكاناً غامضاً بالنسبة للإغريق والرومان القدماء، وكانت المناطق الساحلية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط قد تعرضت للتأثير اليوناني منذ ما قبل زمن فتوحات الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، ومن ثم تلاها تطويق الإمبراطورية الرومانية للبحر الأبيض المتوسط بعد عدة قرون، لكن أيّاً من هذه القوى التوسعية لم تستطع التوغل في أعماق شبه الجزيرة العربية لفترة طويلة من الزمن. ولكن النتيجة كانت أن حمل المفكرون اليونانيون والرومانيون الانطباعات والأفكار عن شبه الجزيرة العربية، بعضها واقعي وبعضها الآخر كان من نسج الخيال. ومع ذلك، إذا كان هناك من شيء واحد قد اتفق عليه الجغرافيون والمؤرخون من العصور القديمة حول شبه الجزيرة العربية، فهو الرائحة الطيبة التي كانت تنبعث منها. ففي معظم الروايات التاريخية المتعلقة بشبه الجزيرة العربية، مثل الروايات التي أوردها المؤرخ الإغريقي- الروماني سترابو (القرن الأول قبل الميلاد) والمؤرخ الإغريقي ديودور الصقلي (القرن الأول قبل الميلاد) - لا بد أن نجد ذكراً للجزيرة العربية كونها مكاناً تفوح منه الروائح المشبعة بالبخور والتوابل والنباتات العطرية.

يمكن العثور على سرد مفصل للجزيرة العربية في كتاب سترابو "الجغرافيا" بحيث يعكس في وصفه للجزيرة العربية (الجزء السادس عشر من كتابه) التصورات التي كانت لدى ذلك العالم اليوناني -الروماني عن جغرافية شبه الجزيرة العربية ومشهدها السياسي إبان حكم أغسطس قيصر في روما. ووفقاً لسترابو، فإن شعبين عربيين معروفين باسم السبئيين والجرهائيين أصبحا شديدي الثراء من تجارة النباتات العطرية المزدهرة، بما في ذلك البخور والتوابل والعطور وغيرها من المواد العطرية. وبالتركيز على السبئيين، كتب سترابو:

"إن بلاد السبئيين هي....... الأكثر خصوبة على الإطلاق، فهي تنتج المر واللبان والقرفة. يوجد على ساحلها البلسم ونوع آخر من الأعشاب ذات الرائحة العطرة القوية، ولكنها سرعان ما تتبدد. هناك أيضاً أشجار النخيل ذات الرائحة الطيبة وجذور الكالاموس العطرية... يزرع الناس الأرض، أو يعملون في تجارة العطريات، سواء من النوع المحلي أو ذلك الذي يتم استيراده من إثيوبيا، ومن أجل الحصول عليها كانوا يبحرون عبر المضيق في سفن مغطاة بالجلود. هناك وفرة من هذه العطريات، حيث يتم استخدام القرفة والكاسيا والتوابل الأخرى... عن طريق التجارة [في هذه العطريات] أصبح كل من السبئيين والجرهائيين الأغنى بين القبائل جميعها، وكانوا يمتلكون كميات كبيرة من الأدوات المصنوعة من الذهب والفضة."<span class="tooltip">(26)<span class="tooltiptext"> سترابو. الجغرافيا. ترجمة ه. س. هاملتون، و. فالكونر، طبعة 1903، أعيد طبعه في. أعمال سترابو الكاملة. ديلفي كلاسكس، 2016، الجزء السادس عشر، الفصل الرابع</span></span>

أما بالنسبة لرواية ديودور الصقلي، فإن عرضه لشبه الجزيرة كان أكثر عمومية وخيالية، ولكنه، مثل سترابو، وصف شبه الجزيرة العربية بأنها أرض العطريات وكان قد ذكر عدداً أكبر من التوابل وأنواع البخور والعطور التي يمكن العثور عليها في المنطقة. كتب ديودور الصقلي:

"[في شبه الجزيرة العربية] يتم إنتاج القصب والعشب [عشب الزنجبيل] وكل نبتة أخرى لها رائحة حارة يتم إنتاجها بكثرة، كما هو الحال أيضاً، بشكل عام، بالنسبة لكل نوع من المواد العطرية المستخرجة من الأوراق [أوراق الأشجار والنباتات]، كما تتميز الأرض في أجزائها المتعددة برائحة أنواع اللحاء المتنوعة التي تسيل منها؛ فالمر واللبان اللذان هما الأعز بالنسبة للآلهة واللذان يتم تصديرهما إلى جميع أنحاء العالم المسكون، يتم إنتاجهما في أقصى أجزاء هذه الأرض [أرض شبه الجزيرة العربية]."<span class="tooltip">(27)<span class="tooltiptext"> ديودور الصقلي. المكتبة التاريخية. تحرير لورين، جيل. سوفرون ايديتور، 2014، المجلد الثاني، ص. 49</span></span>

وفي مقطع لافت ادعى ديودور الصقلي أنه، إلى جانب إنتاج أرض الجزيرة العربية للنباتات العطرية، كانت الأرض العربية، بالمعنى الحرفي للكلمة، هي أيضاً عطرة بطبيعتها، فكتب ليقول: "في الواقع، أن الأرض نفسها بطبيعتها مليئة بالبخار الذي يشبه العطر الطيب، وعندما يتم حفر الأرض في مناطق معينة من شبه الجزيرة العربية يتم اكتشاف جذور ذات روائح عطرة".<span class="tooltip">(28)<span class="tooltiptext"> ديودور الصقلي. المكتبة التاريخية. تحرير لورين، المجلد الثاني، ص. 49</span></span> ومن ثم أضاف في مقطع آخر أن جميع أرجاء الجزيرة العربية كانت تنضح بأرق أنواع العطور؛ وحتى البحارة الذين كانوا يمرون بالجزيرة العربية كان يمكنهم استنشاق رائحة العطر القوي الذي يمنح الصحة والحيوية. وقبل سترابو وديودور الصقلي بزمن بعيد، وتحديداً، في القرن الخامس قبل الميلاد، كان المؤرخ الإغريقي هيرودوتس قد قدّم وصفاً رائعاً لمنطقة جنوب الجزيرة العربية بأنها تلك البلاد الواقعة في حدود العالم المأهول التي يأتي منها البخور والمُرّ والقرفة وصمغ اللَّاذِن، والتي تفوح منها الرائحة العطرة للذَّات الإلهية.<span class="tooltip">(29)<span class="tooltiptext"> هيرودوتس، تاريخ، تحرير جون إم مارينكولا ، بينغوين كلاسيكس، طبعة 2003، الفصل الثالث صفحة 107-113</span></span> وهناك في التراث العربي، لا سيما في كتاب "التيجان في ملوك الحمير"، الذي يعتبر أقدم كتاب للتاريخ العربي، حديث عن يعرب بن قحطان الذي حينما اشتم رائحة المسك راح يتتبعها ويسير في اتجاهها حتى وصل إلى مكة المكرمة وعاش هناك. ولم يقتصر حضور أوصاف عطور شبه الجزيرة العربية على السجلات التاريخية الرومانية أو الإغريقية أو حتى على الكتب التاريخية العربية، بل تعداها حتى وصل إلى الأدب الإنكليزي، أيضاً، إذ إنه في مسرحية وليم شكسبير "ماكبث" في القرن السابع عشر، ورد هذا المقطع على لسان ليدي ماكبث عندما كانت تنتحب وتقول: "رائحة الدم على يدي لم تزل، وكل عطور الجزيرة العربية لن تستطيع تطييب هذه اليد"<span class="tooltip">(30)<span class="tooltiptext"> شكسبير، وليم. ماكبث. منصة CreateSpace المستقلة للنشر،2021، الفصل 5، المشهد الأول</span></span>، أما الشاعر والمؤلف الإنكليزي روديارد كيبلينغ فنجده يذكر رائحة الإبل التي ترتبط ارتباطا مباشراً بشبه الجزيرة العربية، فيقول: "يتكلمون عن الإبل- الإبل الأصيلة- بحيث أن مجرد نفحة واحدة منها ستذكرك بالجزيرة العربية." <span class="tooltip">(31)<span class="tooltiptext"> كيبلينغ، روديارد."بعض جوانب السفر". كتاب الكلمات. دوبليداي، دوران وشركاه؛ الطبعة الأولى، 1928.الجزء الثاني عشر</span></span>

أربعة مواقع أساسية لرسم مشهد الروائح في المملكة

-     الكعبة المشرفة وجنبات المسجد الحرام

هذا من الناحيتين التاريخية والأدبية، أما من ناحية تحديد بعض المواقع المتميزة بروائحها الخاصة التي تبرز كأماكن مهمة في رسم مشهد الروائح في المملكة العربية السعودية، ربما على الطريقة اليابانية التي حددت مئة موقع عطري مميز، فلا بد من الذهاب أولاً، إلى مدينة مكة المكرمة، لا سيما إلى الكعبة المشرفة وجنبات المسجد الحرام المعتبران أماكن عطرية بامتياز بحيث تنبعث منهما، وبشكل دائم، روائح العود والبخور. فجنبات المسجد الحرام تستقبل المصلين بروائح زكية طوال اليوم، بحيث يتولى موظفون في الرئاسة العامة للحرمين الشريفين توفيرها يومياً، وعلى مدار الساعة، فتنحصر مهمة هؤلاء الموظفين بتطييب الكعبة على الدوام، وتعطير الحجر الأسود والركن اليماني والملتزم خمس مرات يومياً بكمية تصل إلى خمسة كيلوغرامات من الطيب يومياً من أجود أنواع البخور باستخدام 60 مبخرة. والجدير بالذكر أنه لطالما كانت هناك علاقة وثيقة بين الدين الإسلامي والروائح الطيبة بحيث أن هناك العديد من النصوص التاريخية التي ذكرت العمل الدائم على تعطير أماكن الحج الإسلامية كأعمال تقوى وإحسان.<span class="tooltip">(32)<span class="tooltiptext"> انظر: الفاكهي، أبو عبد الله. أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه. دار خضر، بيروت، ص. 352. الأزرقي، أحمد بن محمد. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار. دار الأندلس للنشر، بيروت، ص. 324. أخبار الدولة العباسية. تحرير د. عبد العزيز الدوري و د. عبد الجبار المطلبي، دار الطليعة، بيروت، 1971، ص. 140</span></span> وعملية تطييب الكعبة تتم على طريقتين: الأولى، من الجهة الخارجية وبشكل يومي ودائم، والتي استمرت عبر العصور المختلفة بحيث كان يتم "تجمير" الكعبة، أي وضع البخور حولها ودهانها بالطيب، والثانية، بحيث يكون التطييب من الداخل وقت غسل الكعبة، وهذا الأمر كان يحصل منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث كان قد غسل الكعبة بنفسه ثم سار من بعده الخلفاء والملوك والولاة. وقد بدأ تطييب الكعبة في العصر الأموي، وكان أول من طيبها معاوية بن أبي سفيان بالخلوق، الذي يتكون من الزعفران ومواد أخرى، بالإضافة إلى المجمر وهو ما يوضع فيه الجمر مع البخور عند كل صلاة، وكان يرسل إليها الخلوق والمجمر مرتين في العام. كما أن عبد الله بن الزبير كان يعتني أيضاً بتطييب الكعبة شخصياً، حتى إنه جعل لها في كل يوم رطلاً من الطيب، وفي يوم الجمعة كان يجعل لها رطلين، وكان عبد الملك بن مروان يرسل إليها الطيب والمجمر، ومن ثم تعاقب بعده العباسيون وصولاً إلى العهد السعودي الذي يولي اهتماماً خاصاً بالحرمين الشريفين بأعداد كبيرة من المباخر والبخور على مدار الساعة. <span class="tooltip">(33)<span class="tooltiptext"> الثقفي، طارق. "وحدة خاصة لتطييب المسجد الحرام بأفضل أنواع العود والبخور". صحيفة الشرق الأوسط، 23 مايو 2019</span></span>

هكذا كان هذا الموقع الديني المقدس، ولا يزال، يقدم لزائريه تجربة روحانية غنية من خلال مجموعة متنوعة من الطقوس بما فيها تلك التي تنطوي على الروائح التي تعتبر مكوناً رئيسياً فيه، فلا يعمد الزوار إلى استنشاق تلك الروائح، فقط، بل هي تخترق ملابسهم أيضاً، وهم يطوفون ويحتضنون الكعبة. ومع ذلك، فإن تفاعل الحجاج مع روائح هذا الموقع المقدّس لا يقتصر على وجهات الحج نفسها بحيث أنه، في بعض الحالات، كان الحجاج يأخذون معهم عينات من هذه الروائح كنوع من تذكار وهدايا من رحلتهم إلى الحج إلى بيت الله الحرام.

-     حقول الورد في الطائف

أما الموقع الثاني فهو في محافظة الطائف حيث هناك نوع واحد من الأزهار الوردية الرقيقة ذات العطر الجميل الذي يحول سنوياً جبال الهدا وجبال الشفا في منطقة الطائف إلى مساحات عطرية ساحرة. على مدى ثلاثة قرون، تمت زراعة الورد الدمشقي الغني بالزيت المكون من 30 بتلة (Rosa x Damascena trigintipetala) (وهو الاسم اللاتيني للورد الدمشقي) على هذه الجبال ومعالجته لتحويله إلى عطر ثمين ونظيره الشهير - وحتى الأقدم - ماء الورد.

في الأيام الأولى، أي منذ ما يصل إلى 200 عام، كانت بتلات الورد في الطائف تُجمع في أكياس لنقلها بواسطة الجمال لمسافة 65 كيلومتراً تقريباً وصولاً إلى مكة المكرمة، وهناك كان الصيادلة الهنود يقومون بتقطيرها لاستخراج العطر منها باستخدام عملية لا تختلف عن تلك المستخدمة اليوم. وقد أصبح هؤلاء الحرفيون أساتذة لنوع خاص من العطر الذي قاموا بإنتاجه عن طريق نقع نواتج تقطير الورد في زيت خشب الصندل؛ مما أدى إلى مزيج من الروائح الزهرية والخشبية المنعشة. ومن المثير للاهتمام أنه لا يزال من الممكن العثور على هذا المزيج في الهند، على الرغم من ندرته اليوم في أسواق المملكة العربية السعودية. ومن ثم جلب العاملون في تقطير العطر حرفتهم إلى الطائف نفسها، وفي ذلك الموقع، بالقرب من حقول الورد، كان تصنيع زيت الورد أكثر كفاءة؛ لأن زيوت الورد المتطايرة تتبخر بسرعة من البتلات المقطوعة. وبعد فترة وجيزة من إنشاء معامل التقطير بدأ زيت ورد الطائف يحظى بإشادة من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكان أي حاج قادر على تحمل تكلفتها يشتري قارورة واحدة على الأقل - تسمى "تولة" - من العطر الشهير كتذكار للحج. وغالباً ما كان الحجاج الذين يسافرون براً من الشرق يسلكون الطريق عبر الطائف تحديدا لشراء زيت الورد. وإلى يومنا هذا، ما زال زيت ورد الطائف يعتبر الصنف المفضل لدى أهل مكة حيث يستخدم عطره لتطييب الركن اليماني من الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة.

ولكن في حين أن زجاجة العطر التي يتم إغلاقها بشكل محكم تدوم لسنوات، وربما إلى أجل غير محدد، فإن عطر ورود الطائف نفسها سريع الزوال. يستمر إزهارها في شهر أبريل فقط، ويبدأ حصادها كل يوم عند الفجر، وينتهي بحلول الصباح لأن أشعة الشمس القوية قد تؤدي إلى تطاير العطور الزكية منه. ولكن خلال هذا الحصاد، تفوح الروائح العطرة من كل مكان في الهدا والشفا، وتتغلغل في نسمات هواء الجبل الساكن، بينما تتكشف آفاق اللون الوردي مع انسكاب الشمس المشرقة على التلال. وقد أصبح الورد الطائفي جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الطائف بحيث أصبحت المدينة تقيم احتفالاً سنوياً يُعرف باسم مهرجان الورد الطائفي بين مارس وأبريل في وقت الإزهار. وحينها يمكن لكل زائر للمكان أن يتمتع بفرصة التنزه في حدائق الورود الرائعة ومشاهدة عروض الرقص الشعبي التقليدي وشراء باقات من الزهور الجميلة. وكل ذلك يحول تلك المنطقة من الطائف إلى موقع مهم على مساحة مشهد الروائح في المملكة يحدد هويتها، ويكمل التجربة الحسية للمكان على الخلفية الجبلية المذهلة.<span class="tooltip">(34)<span class="tooltiptext"> هيوارد، ر. مايكل. "ورود الطائف". أرامكو وورلد، 2004</span></span>

-     أسواق التوابل في المملكة

تجربة حسية بامتياز تقدمها أسواق التوابل المنتشرة في المملكة مثل أسواق عسير وسوق القيصرية وسوق البلد في جدة وأسواق مكة المكرمة وغيرها. تمتلئ تلك الأسواق بأكوام التوابل والمساحيق والبتلات بحيث تمتد في بحر من الألوان التي تتراوح بين البني والأصفر والأخضر والقرمزي، وعادة ما تكون مكدسة في سلال مستديرة أو في أكياس من الخيش. أما الروائح المنبعثة منها، فتقدم تجربة شمية ثرية تفرض وجودها في مختلف أرجاء السوق لترسم سمفونية متداخلة من الروائح الجذابة التي تقوى أو تخفت عند التنقل من نقطة إلى أخرى. فهناك روائح غنية من الزنجبيل والقرنفل والقرفة والفلفل والكمون والحلبة وحبوب السمسم واليانسون النجمي وأعواد القرفة وخيوط الزعفران والكركم والكركديه، بالإضافة إلى روائح الهيل الذي يعتبر أشهر أنواع التوابل في شبه الجزيرة العربية كونه يضفي نكهة مميزة على العديد من الأطباق العربية، ويعد مكوناً أساسياً في القهوة العربية السعودية.

عندما تخترق روائح تلك التوابل الأنوف وكأننا نخترق معها طبقات من التاريخ الثقافي لتلك الأمكنة ومكونات التوابل وطرق تجارتها وتاريخها في شبه الجزيرة العربية الذي يمتد على مدى آلاف السنين. عندما نستنشق أعواد القرفة، مثلاً، قد نعود بمخيلتنا إلى قصة طائر القرفة الشرس أو ال"سينامولوجوس" الذي من المفترض أنه كان يعيش في شبه جزيرة العرب دون غيرها. فعلى مدار أكثر من خمسة آلاف عام، كان التجار العرب من باعة القرفة يروون حكاية طيور القرفة العملاقة التي كانت تجمع أعواد القرفة من بلاد مجهولة تنمو فيها أشجار القرفة، وتستخدمها لبناء أعشاشها على قمم الأشجار العالية أو المنحدرات السحيقة. وكان العرب يقومون بتقطيع الذبائح إلى قطع كبيرة من اللحم، ويضعونها إلى جانب أعشاش الطيور تلك، ثم يتوارون عن الأنظار بالقرب من المكان. وبعد ذلك، تقوم الطيور بنقل هذه الفرائس إلى الأعشاش التي كانت تتهاوى بفعل وزن الفرائس، وتسقط إلى الأرض ليجمعوا منها أعواد القرفة، ويقوموا ببيعها في أماكن متفرقة حول العالم. وبالرغم من كونها حكاية شيقة تكاد ترقى لمستوى أساطير العالم القديمة، إلا أن الحقيقة أن التجار العرب كانوا يستوردون القرفة من الهند وسريلانكا، وأن هذه الفانتازيا التاريخية هي مجرد قصة منسوجة بالدهاء والفطنة رواها هؤلاء التجار لتضليل المنافسين وإحكام قبضتهم على تجارة القرفة لقرون طويلة خلت. إلى جانب القرفة قد تذكرنا أصناف أخرى من التوابل بتاريخ شبه الجزيرة العربية مثل الزنجبيل والهيل وجوزة الطيب والفلفل التي اشتهر بها التجار العرب على مدار قرون من الزمان، وكانوا ينقلونها إلى البندقية، ويتم توزيعها من هناك إلى جميع أنحاء أوروبا. <span class="tooltip">(35)<span class="tooltiptext"> سلاغ، مايكل. "زيارة حافلة بالمغامرات والنكهات على ساحل البحر الأحمر". البحر الأحمر الدولية، يوليو، 2021</span></span>

-     طريق البخور

هناك في مدينة العلا ما يعرف بطريق البخور بحيث يمكن السير في قلب طريق البخور القديم الذي يعود إلى حوالي 2500 عام، وفي ظلال التراث العمراني الفريد الذي يميز منطقة العلا الأثرية. كان وادي العلا بمثابة نقطة عبور مهمة على درب البخور الذي كان يربط بين الشرق والغرب، والذي كان يمر باليمن وجنوب الجزيرة العربية. كان التجار يقودون قوافل الجمال في رحلات تستغرق أشهراً على مسافة أكثر من ألف ميل عبر الصحراء من جنوب الجزيرة العربية إلى دادان في العلا، وكانت القوافل الأولى تحمل مواد عطرية مثل اللبان والمر وأكثر من أي شيء آخر البخور، بالإضافة إلى الأحجار شبه الكريمة من جنوب الجزيرة العربية، مثل العقيق، إلى جانب سلع أخرى كالمنسوجات والجلود ومختلف الأدوات والأسلحة، ومن ثم، مع تطور الشبكات، توسعت التجارة لتشمل التوابل من شبه القارة الهندية وما وراءها.

ومع الوقت تراجعت التجارة وتدفقها، لكن تلك السلعة الفاخرة الحيوية التي استندت إليها الأحلام الكبيرة والمغانم والنزاعات بين الإمبراطوريات - البخور- لم تفقد أبداً قوتها على الحضور في مختلف جوانب الحياة في جنوب الجزيرة العربية حتى يومنا هذا، إذ لا يزال حرق البخور جزءاً رئيسياً من التفاعلات الثقافية في أجزاء كثيرة من العالم العربي وما وراءه، وفي المملكة العربية السعودية تحديداً، حيث تملأ رائحته الغنية غرف الاستقبال وقاعات الاجتماعات. ولا يزال التاريخ الطويل لهذا الرمز الطبيعي للوفرة والضيافة متجذراً في المهارة التجارية للشعوب القديمة في العلا.

على الرغم من أن طريق البخور الحالي هو مجرد محاكاة لطريق البخور الذي كان قائماً قديماً، ولكن ما قد يزيد من أهميته كعنصر أساسي في رسم مشهد الروائح في المملكة هو المحاولات العلمية الجارية لإعادة تركيب الروائح القديمة من خلال المخلفات الأثرية التي وجدت في العلا ومحافظة تيما التي تقع على بعد 200 كم شمال شرق منطقة العلا. وهذه المحاولات هي جزء من مشاريع بحثية جديدة تهدف إلى فهم طبيعة روائح الماضي وتحديد الروائح المعاصرة التي يجب المحافظة عليها للأجيال القادمة. وفي هذا الإطار تقول باربرا هوبر، الباحثة في علم الآثار في معهد ماكس بلانك لعلم الجيو أنثروبولوجيا في مدينة جينا، بألمانيا، أن الروائح كانت ذات أهمية كبرى في الماضي، لا سيما في تحديد الأمكنة التي تتواجد فيها، وربما كانت أكثر أهمية مما هي عليه في عصرنا الحالي؛ بسبب غياب وسائل التعقيم الموجودة اليوم. أما التحدي المتمثل في استخراج روائح الماضي فهو كيفية التقاط ظاهرة عابرة وسريعة الزوال، إذ عادة ما يدرس علماء الآثار الأشياء المرئية لفهم جوانب الحياة في التاريخ القديم.<span class="tooltip">(36)<span class="tooltiptext"> هانت كاتي. "كيف يقوم العلماء بفك تشفير رائحة الماضي". سي إن إن، 27 مارس 2023</span></span>

ولكن مركبات الروائح متطايرة بطبيعتها وبمجرد زوال مصدرها، فإنها تزول معه أيضاً، وتتبخر في الهواء، وقد أوضحت هوبر أن معظم الروائح تنبع من مواد بيولوجية مثل، النباتات والأغذية والأجسام البشرية والحيوانية التي تتحلل بسرعة. ولكن على الرغم من كل هذه التحديات، وعلى الرغم من أن مفتاح الكشف عن روائح الماضي يكون غير مرئي بالعين المجردة، ولكن بعض أساليب الجزيئية الحيوية الجديدة قد ساعدت العلماء على فك رموز الروائح القديمة بحيث مكنتهم من دراسة المخلفات الجزيئية الحيوية غير المحسوسة المتبقية على المباخر وزجاجات العطور وأواني الطهي وتخزين الطعام باستخدام تقنيات مثل الكروماتوغرافيا، أو الاستشراب، أو التفريق اللوني، الذي هو عبارة عن طريقة لفصل وتنقية المواد الكيميائية المختلطة، بالإضافة إلى تقنية القياس الطيفي الكتلي التي يمكن من خلالها اكتشاف المركبات عن طريق حساب وزن الجزيئات المختلفة. ووفقاً لهوبر <span class="tooltip">(37)<span class="tooltiptext"> هانت كاتي. "كيف يقوم العلماء بفك تشفير رائحة الماضي". 2023</span></span> فإن الجزيئات الحيوية الأكثر إفادة تشتمل على الدهون والشموع والزيوت غير القابلة للذوبان في الماء التي غالباً ما يتم العثور عليها في السيراميك المسامي، بعد استخدامها في أشياء مثل وقود المصابيح والمراهم المعطرة التي كان الناس يضعونها على أجسادهم، أو على الجثث المحنطة.

وقد استطاع فريق البحث بقيادة هوبر استخراج رائحة اللبان من خلال التحليلات الكيميائية والجزيئية للراتنجات المتفحمة في مبخرة على شكل مكعب تم اكتشافها في الحي السكني في مدينة تيماء، ورائحة المر في مبخرة مخروطية الشكل تم وضعها في قبور خارج سور المدينة، ومادة عطرية من أشجار المصطكى الصغيرة في كؤوس كانت تستخدم كمباخر في مبنى عام كبير.<span class="tooltip">(38)<span class="tooltiptext"> هوبر، باربرا، هوزليتر، أرنولف، دينيس، ميشيل، وكريستوفر، جان. "علم آثار الروائح. دليل كيميائي للعطريات القديمة في واحة تيماء، شمال غرب شبه الجزيرة العربية"، ResearchGate، أبريل 2018</span></span>  ثم عمل الفريق مع أحد العطارين لإعادة تركيب الروائح ومحاولة تصور مشهد الأمكنة التي كانت تتواجد فيها تلك الأدوات والمباخر منذ آلاف السنين.

5-       الخاتمة والتوصيات

لا يمكن اختبار المدن بشكل تام إلا من خلال تجربة متعددة الحواس بما فيها الروائح التي تعتبر من أبرز مكوناتها. لذلك، ومنذ زمن ليس ببعيد، ظهرت محاولات لاستحداث المعايير والوسائل واعتماد البيانات العلمية لتحديد روائح المدن ورسم "مشهد الروائح" فيها باعتباره إرثاً ثقافياً غير ملموس وضرورة المحافظة عليه واستثماره كمصدر جذب في مجال السياحة الثقافية. أما أبرز التوصيات التي يمكن تقديمها للمملكة العربية السعودية أو أي بلد آخر مهتم بإبراز روائح المدن فيه، فهي:

1-                 تنظيم رحلات للتشمم في مناطق معينة بهدف استكشاف المدن من خلال الروائح الخاصة التي تنبعث منها، وذلك على غرار جولات التشمم التي قامت بها المصممتان فيكتوريا هينشو وكيت ماكلين.

2-                 تحديد مواقع معينة في المدن يمكنها أن ترسم مشهد الروائح فيها وتتحول إلى محميات ثقافية، من خلال ترشيح عدد من المواقع التي تتميز بروائحها الخاصة على الطريقة التي اتبعتها وزارة البيئة اليابانية.

3-                 إنشاء موسوعة للروائح تميز شبه الجزيرة العربية، مثلاً، أو حتى المملكة العربية السعودية وحدها، من خلال مجموعة من المداخل التي يساهم بها فنانون ومهتمون بالإرث الثقافي على غرار الموسوعة التي تقوم بوضعها مجموعة "أودوروبا" للمحافظة على إرث الروائح في القارة الأوروبية.

المصادر والمراجع

-       أكرمان، ديان. تاريخ طبيعي للحواس. فينتاج، 1991.

-       إ. م. فورستر. غرفة مع منظر.  Digireads.com،2017.

-       ب. مارنهام. "زحمة السير النمط الأفريقي". كتاب حكايات المسافرين. تحريرنيوباي، إد.، بيكادور، لندن، 1985.

-       باتشولر، توم. "سيتم إنشاء "موسوعة الروائح" للحفاظ على ماضي أوروبا المعطر." The Independent ، نوفمبر، 2020.

-       بالاسما، ج. عيون الجلد: العمارة والحواس. جون وايلي وابناؤه، 2005.

-       بورتيس، ج. دوغلاس. مشهد الروائح. سيج جورنالز، 1985.  

-       بوهمي ، جيرنو. "جو المدينة". جماليات الغلاف الجوي. لندن: روتليدج. 2017.

-       "تجمع الوزارة قائمة بأفضل 100 موقع في البلاد من حيث رائحتها". The Japan Times، أكتوبر، 2001.

-       توين، م. البريئون في الخارج. أيرمونت، نيويورك، 1967.

-       توان، يي فو. المساحة والمكان. أكاديميا، 1977.

-       الثقفي، طارق. "وحدة خاصة لتطييب المسجد الحرام بأفضل أنواع العود والبخور". صحيفة الشرق الأوسط، 23 مايو 2019.

-       ج. موريس. بين المدن. هارموندزمورث: بينغوين، 1985.

-       درويش، محمود. في حضرة الغياب. الأهلية للنشر والتوزيع، 2016.

-       ديودور الصقلي. المكتبة التاريخية. تحرير لورين، جيل. سوفرون ايديتور، 2014، المجلد الثاني.

-       راينرز، جوناثان. روائح الماضي: وجهات نظر تاريخية حول الروائح. مطبعة جامعة إلينوي، 2014.

-       سترابو. الجغرافيا. ترجمة ه. س. هاملتون، و. فالكونر، طبعة 1903، أعيد طبعه في. أعمال سترابو الكاملة. ديلفي كلاسكس، 2016، الجزء السادس عشر، الفصل الرابع.

-       سلاغ، مايكل. "زيارة حافلة بالمغامرات والنكهات على ساحل البحر الأحمر". البحر الأحمر الدولية، يوليو، 2021.

-       شكسبير، وليم. ماكبث. منصة CreateSpace المستقلة للنشر، 2021.

-       غيبسون، ج. ج. إدراك العالم البصري. شركة هوتون ميفلين، الطبعة الأولى، 1950.

-       فان راتينغين، ويتولد. روائح المدينة: الرائحة والحداثة ووجهات النظر النفسية والجغرافية. أكاديميا، 2017.

-       الفاكهي، أبو عبد الله. أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه. دار خضر، بيروت، ص. 352. الأزرقي، أحمد بن محمد. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار. دار الأندلس للنشر، بيروت، ص. 324. أخبار الدولة العباسية. تحرير د. عبد العزيز الدوري و د. عبد الجبار المطلبي، دار الطليعة، بيروت، 1971، ص. 140.

-       كوربين، آلان. الكريهة والعطرة: الرائحة والخيال الاجتماعي الفرنسي. دار نشر جامعة هارفارد، 1988.

-       كيبنلينغ، روديارد، تحرير بيتر كيتنغ. بنغوين كلاسيكس قصائد مختارة لروديارد كيبلنع. بينغوين كلاسيكس، الطبعة الأولى، 2006.  

-       كيبلينغ، روديارد."بعض جوانب السفر". كتاب الكلمات. الجزء الثاني عشر. دوبليداي، دوران وشركاه؛ الطبعة الأولى، 1928.

-       ليندستروم، مارتن. براندسينس: كيفية بناء علامات تجارية قوية من خلال اللمس والذوق والشم والبصر والصوت. كوغان بيج ليميتيد، 2005.

-       ماكلين، كيت، ولوكا، ماريا. خرائط الرائحة: الحياة الرقمية لمشاهد الروائح الحضرية. شبكة خدمات النشر PKP ، 2015.

-       موندادا، لورنزا. الاستشعار في التفاعل الاجتماعي. مطبعة جامعة كامبريدج، 2021.

-       هانت، كاتي. "كيف يقوم العلماء بفك تشفير رائحة الماضي". سي إن إن، 27 مارس 2023.

-       هوبر، باربرا، هوزليتر، أرنولف، دينيس، ميشيل، وكريستوفر، جان. "علم آثار الروائح. دليل كيميائي للعطريات القديمة في واحة تيماء، شمال غرب شبه الجزيرة العربية"، ResearchGate، أبريل 2018.

-       هووز، ديفيد. "الحياة الاجتماعية للحواس". مجلة آرس فيفيندي، عدد 3، فبراير 2013.

-       هيرودوتس، تاريخ، تحرير جون إم مارينكولا ، بينغوين كلاسيكس، طبعة 2003.

-       هينشو، فيكتوريا. مشاهد الروائح الحضرية: فهم وتصميم بيئات روائح المدينة. روتلدج، 2013.

-       هيوارد، ر. مايكل. "ورود الطائف". أرامكو وورلد، 2004.

-       وارتون، إي. "أسواق مراكش". كتاب روايات الرحالة. طبعة إي نيوباي، بيكادور، 1985.

-       والش، كولين. "ما يعرفه الأنف". هارفارد غازيت، 2020.  

المصادر والمراجع كما وردت بالانكليزية

-       Ackerman, Diane. A Natural History of the Senses. Vintage, 1991.

-       Batchelor, Tom. “Encyclopaedia of Smells to be created to preserve Europe’s scented past.” The Independent, Nov. 2020.

-       Böhme, Gernot. 2017 [1998]. “The atmosphere of a city”. In: Böhme, Gernot. The Aesthetics of Atmospheres. London: Routledge. 2017.

-       Corbin, Alain. The Foul and The Fragrant: Odor and the French Social Imagination. Cambridge, Mass.: Harvard University Press. 1988.

-       Diodorus Siculus. The Library of History. Edited by Giles, Laurén, Sophron Editor, 2014.

-       E. M. Forster. A Room with a View.  Digireads.com Publishing, 2017.

-       Gibson, J.J. The Perception of the Visual World; Houghton Mifflin: Boston, MA, USA, 1950.

-       Hayward, R.Michael . “The Roses of Taif.” Aramco World, 2004.

-       Henshaw, Victoria. Urban Smellscapes: Understanding and Designing City Smell Environments. Routledge, 2013.

-       Herodotus. The Histories. Edited by  John M. Marincola, ‎Penguin Classics; Reissue edition, 2003.  

-       Howes, David.”The Social Life of the Senses,”Ars Vivendi Journal No.3 ,February 2013.

-       Huber, Barbara, Hausleiter, Arnulf, Denies, Michèle, and Christopher, Jan. “An archaeology of odours. Chemical evidence of ancient aromatics at the oasis of Tayma, NW Arabia”. ResearchGate, April, 2018.

-       Hunt, Katie. “How scientists are decoding what the past smelled like.” CNN, March 27, 2023.

-       Kipling, Rudyard.A Book of Words. Doubleday, Doran & Company; First Edition, First Printing,1928.

-       Kipling, Rudyard. Edited by Keating, Peter. Penguin Classics Selected Poems of Rudyard Kipling. Peter Keating , Penguin Classic; First Edition, 2006.

-       Lindstrom, M. Touch, Taste, Smell, Sight, and Sound. Audio Tech Bus. Book Summ. 2006.

-       Marnham, P. “Traffic jams African style”. In A Book of Travellers’ Tales, ed. E. Newby, London: Picador.1985.

-       McLean, Kate. Luca,Maria.  Smelly Maps: The Digital Life of Urban Smellscapes, PKP Publishing Services Network, 2015.

-       “Ministry compiles list of nation's 100 best-smelling spots”, The Japan Times, Oct. 2001.

-       Mondada, Lorenza. Sensing in Social Interaction. Cambridge University Press, 2021

-       Morris, J. Among the Cities. Harmondsworth: Penguin, 1986.

-       Pallasmaa, J. The Eyes of the Skin: Architecture and the Senses; John Wiley & Sons: New York, NY, USA, 2005

-       Porteous J., Douglas. Environmental Aesthetics: Ideas, Politics and Planning. Routledge, 1996.

-       Porteous,  J. Douglas. Smellscape. Sage Journals,1985.

-       Reinarz, Jonathan. Past Scents: Historical Perspectives on Smell. University of Illinois Press.

-       Rindisbacher, H. The Smell of Books: A Cultural–historical Study of Olfactory Perception in Literature. Ann Arbor: University of Michigan, 1992.

-       Shakespeare, William. Macbeth. CreateSpace Independent Publishing Platform, 2021.

-       Strabo. Geography. Translated by H.C. Hamilton and W. Falconer. 1903 edition, republished in The Complete Works of Strabo. Delphi Classics, 2016.

-       Twain, M. The Innocents Abroad. New York: Airmont. 1967.

-       Van Ratingen, Witold. The Smells of the City: Scent, Modernity, and Psychogeographic Perspectives. Academia,2017.

-       Walsh,Colleen. “What the nose knows.” The Harvard Gazette, 2020.

-       Wharton, E. “The souks of Marrakesh.” In A Book of Travellers’ Tales. ed. E. Newby,.London: Picador.1985.

-       Yi Fu, Tuan Space and Place, Academia, 1977.


[1] غيبسون، ج. ج. إدراك العالم البصري. شركة هوتون ميفلين، الطبعة الأولى، 1950.

[2] فان راتينغين، ويتولد. روائح المدينة: الرائحة والحداثة ووجهات النظر النفسية والجغرافية. أكاديميا، 2017، ص. 1.

[3] راينرز، جوناثان. روائح الماضي: وجهات نظر تاريخية حول الروائح. مطبعة جامعة إلينوي، 2014، ص. 188.

[4] كوربين، آلان. الكريهة والعطرة: الرائحة والخيال الاجتماعي الفرنسي. دار نشر جامعة هارفارد، 1988.

[5] موندادا، لورنزا. الاستشعار في التفاعل الاجتماعي. مطبعة جامعة كامبريدج، 2021.

[6] هووز، ديفيد. "الحياة الاجتماعية للحواس". مجلة آرس فيفيندي، عدد 3، فبراير 2013، ص.  4-23.

[7]أكرمان، ديان. تاريخ طبيعي للحواس. فينتاج، 1991، ص.17.

[8] بالاسما، ج. عيون الجلد: العمارة والحواس. جون وايلي وابناؤه، 2005.

[9] ليندستروم، مارتن. براندسينس: كيفية بناء علامات تجارية قوية من خلال اللمس والذوق والشم والبصر والصوت. كوغان بيج ليميتيد، 2005.

[10] والش، كولين. "ما يعرفه الأنف". هارفارد غازيت، 2020.  

[11] كيبنانغ، روديارد، تحرير بيتر كيتنغ. بنغوين كلاسيكس قصائد مختارة لروديارد كيبلنع. بينغوين كلاسيكس، الطبعة الأولى، 2006.  

[12]بوهمي، جيرنو. "جو المدينة". جماليات الغلاف الجوي. لندن: روتليدج. 2017، ص. 339.

[13] إ. م. فورستر. غرفة مع منظر.  Digireads.com،2017 ، الجزء الأول، الفصل الثاني، ص. 16.

[14]توين، م. البريئون في الخارج. أيرمونت، نيويورك، 1967، ص. 54.

[15] وارتون، إي. "أسواق مراكش". كتاب روايات الرحالة. طبعة إي نيوباي، بيكادور، 1985، ص. 85.

[16][16]ج. موريس. بين المدن. هارموندزمورث: بينغوين، 1985، ص. 57.

[17] ب. مارنهام. "زحمة السير النمط الأفريقي". كتاب حكايات المسافرين. تحريرنيوباي، إد.، بيكادور، لندن، 1985، ص. 100-101.

[18] درويش، محمود. في حضرة الغياب. الأهلية للنشر والتوزيع، 2016.

[19] توان، يي فو. المساحة والمكان. أكاديميا، 1977، ص. 11.

[20] بورتيس، ج. دوغلاس. مشهد الروائح. سيج جورنالز، 1985.  

[21] ماكلين، كيت، ولوكا، ماريا. خرائط الرائحة: الحياة الرقمية لمشاهد الروائح الحضرية. شبكة خدمات النشر PKP ، 2015.

[22] كوربين، آلان. الكريهة والعطرة: الرائحة والخيال الاجتماعي الفرنسي. 1988.

[23]هينشو، فيكتوريا. مشاهد الروائح الحضرية: فهم وتصميم بيئات روائح المدينة. روتلدج، 2013.

[24] "تجمع الوزارة قائمة بأفضل 100 موقع في البلاد من حيث رائحتها". The Japan Times، أكتوبر، 2001.

[25] باتشولر، توم. "سيتم إنشاء "موسوعة الروائح" للحفاظ على ماضي أوروبا المعطر." The Independent ، نوفمبر، 2020.

[26]سترابو. الجغرافيا. ترجمة ه. س. هاملتون، و. فالكونر، طبعة 1903، أعيد طبعه في. أعمال سترابو الكاملة. ديلفي كلاسكس، 2016، الجزء السادس عشر، الفصل الرابع.    

[27] ديودور الصقلي. المكتبة التاريخية. تحرير لورين، جيل. سوفرون ايديتور، 2014، المجلد الثاني، ص. 49.

[28] ديودور الصقلي. المكتبة التاريخية. تحرير لورين، المجلد الثاني، ص. 49.

[29]هيرودوتس، تاريخ، تحرير جون إم مارينكولا ، بينغوين كلاسيكس، طبعة 2003، الفصل الثالث صفحة 107-113.  

[30] شكسبير، وليم. ماكبث. منصة CreateSpace المستقلة للنشر،2021، الفصل 5، المشهد الأول.

[31] كيبلينغ، روديارد."بعض جوانب السفر". كتاب الكلمات. دوبليداي، دوران وشركاه؛ الطبعة الأولى، 1928.الجزء الثاني عشر.

[32] انظر: الفاكهي، أبو عبد الله. أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه. دار خضر، بيروت، ص. 352. الأزرقي، أحمد بن محمد. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار. دار الأندلس للنشر، بيروت، ص. 324. أخبار الدولة العباسية. تحرير د. عبد العزيز الدوري و د. عبد الجبار المطلبي، دار الطليعة، بيروت، 1971، ص. 140.

[33] الثقفي، طارق. "وحدة خاصة لتطييب المسجد الحرام بأفضل أنواع العود والبخور". صحيفة الشرق الأوسط، 23 مايو 2019.

[34] هيوارد، ر. مايكل. "ورود الطائف". أرامكو وورلد، 2004.

[35] سلاغ، مايكل. "زيارة حافلة بالمغامرات والنكهات على ساحل البحر الأحمر". البحر الأحمر الدولية، يوليو، 2021.

[36] هانت كاتي. "كيف يقوم العلماء بفك تشفير رائحة الماضي". سي إن إن، 27 مارس 2023.

[37] هانت كاتي. "كيف يقوم العلماء بفك تشفير رائحة الماضي".  2023.

[38] هوبر، باربرا، هوزليتر، أرنولف، دينيس، ميشيل، وكريستوفر، جان. "علم آثار الروائح. دليل كيميائي للعطريات القديمة في واحة تيماء، شمال غرب شبه الجزيرة العربية"، ResearchGate، أبريل 2018.

اطّلع على منشورات أخرى

تم تسجيلك .. ترقب ضوء معرفة مختلفة!
عذرًا، أعد المحاولة