احتفل موقع رؤية السعودية 2030، بالفعل، بعدد من الإنجازات الرائدة للسياحة السعودية. وقد كانت الهيئة السعودية للسياحة مسؤولة عن تطوير البنية التحتية للسياحة وتسويق المملكة محليًّا وخارجيًّا. كما أن خمسة مواقع سعودية، تاريخية وطبيعية، أُدرجت في مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)؛ بما في ذلك حي الطريف في الدرعية، والعلا، وجدة التاريخية، وواحة الأحساء، إضافةً إلى المواقع الأثرية في منطقة حائل.
تضمنت استراتيجية السياحة السعودية استثمارات ضخمة في رأس المال البشري، لضمان بناء القدرات. وشملت المبادرات تشكيل شراكات مع كيانات السياحة والضيافة ومعاهد الطهي العالمية، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية محلية للدراسة في المعهد العالي للسياحة والضيافة في المملكة. وبحلول عام 2020، أتمَّت السعودية بنجاح تدريب أكثر من 100,000 موظف -عن بعد- لتعزيز قدراتهم في مجال السياحية.
كما قدمت المملكة قروضًا لمشاريع سياحية شملت أكثر من 67 مشروعًا في عام 2020، بقيمة تربو على 200 مليون ريال سعودي، بما في ذلك مشاريع في القطاع الزراعي لتفعيل مقدراته السياحية.
لقد كان إطلاق التأشيرات السياحية الإلكترونية، في سبتمبر 2019، لحظة فاصلة للمملكة العربية السعودية؛ إذ فتحت المملكة أبوابها للسياح من 49 دولة، بحيث يمكنهم الحصول على التأشيرات في أقل من 5 دقائق. وبحلول مارس 2020، تم إصدار أكثر من 440,000 تأشيرة.
بالانتقال إلى عام 2022، نرى المملكة في طريقها إلى تطوير صناعة سياحية مميزة. تقدم الآن كل منطقة، من مناطق السعودية الثلاثة عشر، مجموعة من عوامل الجذب التي يتجلى فيها إرثها التاريخي المميز ومعالمها الثقافية وإمكانياتها الترفيهية؛ إذ يمكن للسياح الآن استكشاف صحراء النفود في مدينة حائل الشمالية والتفاعل مع المواقع الأثرية التي يبلغ عمرها 10,000 عام في جبة، والمشي بين أسوار قصر المصمك في الرياض حيث يمكنهم الاطلاع على جذور الدولة السعودية، والانزلاق الحر فوق قمم جبال الهدا بالطائف، وتناول الزيتون العضوي المزروع على مساحة 52,000 فدان في الجوف.
لقد شهد قطاع السياحة معدل نمو بنسبة 14٪ قبل جائحة كوفيد 19، وهو ما جعله الأسرع نموًا في العالم حينذاك. وبلغت مساهمته في الاقتصاد السعودي 9.5% في عام 2019، كما ساهم بنسبة 11.2% من إجمالي فرص العمل.
بدأت وزارة السياحة في المملكة العربية السعودية، مع الهيئات الثقافية التي تم تأسيسها حديثًا مثل الهيئة الملكية لمحافظة العلا ومؤسسات السفر القائمة مثل الخطوط الجوية السعودية، في تنظيم الجهود لإطلاق مواد إعلانية وحملات إعلامية لجذب أنظار الناس حول العالم. وشملت بعض المساهمات، الجديرة بالذكر، حملة #WhereinTheWorld من وزارة السياحة وتطوير وكالة الإعلان (DDB Dubai) التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًّا لها، وكذلك استراتيجية التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتمدتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا. استخدمت الحملات صورًا ومشاهد جذابة للمناظر الطبيعية الجغرافية المتنوعة والمواقع التراثية الثقافية في السعودية للفت انظار الناس حول العالم.
في محاولة لاستيعاب تأثير استراتيجيات الإعلان الحالية، يهدف هذا التقرير إلى إثبات أن السرد -بدلًا من القيمة الجمالية للصور- هو المُتغيِّر الأكثر فعالية واستدامة في بناء الخيال السياحي. وسيتم إثبات ذلك من خلال التعامل مع الأدبيات الأكاديمية الحالية حول ما يسمى بالنقل السردي المرئي ضمن نظرية الإقناع، ومن ثم تطبيق هذه الأدوات النظرية في تحليل المشهد الإعلاني الحالي. ولاحقًا، سنُحلِّل إعلان (Visit UK) الذي نرى أنه يوفر معيارًا قياسيًّا لسرد مرئي جذَّاب وناجح في نقل الجماهير. ويَخلُص تقريرنا إلى أن الصور التي تنقل إلى الجماهير تسلسل الأحداث، وتُحفِّز العواطف، وتطرح الأسئلة القادرة على «دمج المشاهد في قصة»؛ تُسهِم في إحداث تأثير إقناعي أعلى من الصور التي تفشل في تقديم تجربة «ناقلة».
أدى اختراع الكاميرا إلى أن تكون الصورة أداة أساسية تخدم العديد من الأغراض، من الصحافة والإعلان والفن إلى حفظ الذكريات والمشاعر. في عالم اليوم، أصبحت الصور، والوسائط المرئية بشكل عام، محورية في تعاملاتنا اليومية. وأدى انتشار الهواتف المزودة بكاميرات، ومن ثم مشاركة الصور على منصات التواصل الاجتماعي، إلى تغيير الصور والمشاهد المرئية وإضفاء طابع شعبي عليها، بحيث صارت تحلُّ محلَّ الكلمة المكتوبة؛ بسبب قدرة الصورة على نقل المعلومات بشكل أسرع من أي وسيلة أخرى، إذ إنها «عن ألف كلمة».
على الرغم من الانتشار الواسع والتدفق المستمر للصور، الذي نواجهه في حياتنا اليومية في منشورات إنستغرام وقصص سناب تشات، فإن الصورة لم تفقد أبدًا جاذبيتها كناقل فعَّال للمشاعر.
إن قوة الصورة وتأثيرها في أنفسنا أمر مسلَّم به، ولا يزال هذا التأثير موضوعًا بحثيًّا في علم النفس. وتحجيم الصورة إلى مجرد عنصر جمالي، يحد من فهم قيمتها وقوتها في خلق تجربة نفسية وإيصال الأفكار والعواطف.
أدت هذه الصورة الأيقونية إلى تحوُّل معبر مشاة صغير في لندن إلى نقطة جذب للمعجبين من جميع أنحاء العالم، الذين يحاولون يوميًّا إعادة صنع هذه الصورة.
بالنظر إلى الأمثلة المذكورة أعلاه، يتساءل المرء عن العناصر الجوهرية الموجودة في تلك الصور التي أدت -بخِلاف صور أخرى- إلى انطباعها في أذهان جماهير واسعة. هيرت، س. (2019) يجادل بأن الأمر لا يتعلق بجودة التصوير الفوتوغرافي أو القدرة الفنية للمصور؛ بدلاً من ذلك، فإن المشهد المُصوَّر والعاطفة المُلتقَطة في الصورة، هما ما يجعلها تُؤثر في الجمهور. وبعبارة أخرى: العنصر المؤثر هو السرد الكامن وراء الصورة، أو السرد الفوتوغرافي.
تعد «المحفزات والاستجابة» من المفاهيم الرئيسية في علم النفس التي أثرت على مختلف التخصصات الأكاديمية، ومن ثُمَّ امتدَّ أثرها إلى مجال الأعمال. والهدف من الإعلانات -والمجالات الأخرى التي تعتمد على الإقناع- هو استثارة استجابة الجمهور باستخدام المحفزات. وقد ظهرت مؤخرًا أوراق بحثية تدرس «النقل السردي» بوصفه شكلًا من أشكال المحفزات، وتقارن عملياته بالعمليات الإدراكية لـ«التحفيز الذهني».
تعود محاولات تعريف مفهوم السرد إلى القرن السادس عشر، عندما تم تعريفه -ببساطة- على أنه تسلسل أحداث مترابطة. وأصبح النقد الأدبي للمفهوم موضوعًا يكتسي أهمية أكاديمية منذ أواخر السبعينيات فصاعدًا. ولا يشكك الأكاديميون في مفهوم «التسلسل السردي»، ولكنهم يناقشون عناصره الأساسية.
جادل نويل كارول (2001) بضرورة وجود علاقة سببية بين الأحداث في تحديد العلاقة السردية. من ناحية أخرى، رأى ديفيد فيليمان (2003) أن الفهم العاطفي للأحداث عبر الزمن (أي الإيقاع العاطفي) -بدلًا من الارتباط العرضي البسيط للأحداث- هو المكون الأساسي للسرد. ناناي، ب. (2009) يشرح الإيقاع العاطفي عند فيليمان على أنه «أحداث تسبب باستثارة عاطفية، يمكن أن توفر لها الأحداث اللاحقة استجابة». واقترح غريغوري كوري (2006) وجهة نظر وسطى، مُجادلًا بأن الإدراك البشري لما يشكل علاقة سببية هو ما يميز الانخراط في السرد.
فيجين، إس إل. (2007)، يعزو السردية والتكوين السردي إلى العمليات الإدراكية البشرية؛ إذ إن امتزاج المعتقدات والقيم والرغبات عند البشر يشكل سلوكياتهم وأفعالهم الإرادية، كما أن تجاربهم الماضية تشكل أفعالهم المستقبلية. لذلك ينخرطون باستمرار في عملية السببية العقلية، أو -بعبارة أخرى- في عملية البناء السردي.
وتتطابق وجهة نظر فيجين مع التعريف العلمي لعملية «التحفيز الذهني». في المقابل، يُنظر إلى عملية التحفيز على أنها البناء الإدراكي لسيناريوهات افتراضية من خلال القصص والروايات. وتشمل الأمثلة البارزة: الانخراط في التخيلات، وإعادة إحياء الأحداث الماضية، وبناء سيناريوهات افتراضية، والتخطيط للمستقبل. تتطلب جميع العمليات، المذكورة سابقًا، شكلًا من أشكال القصص والتسلسلات المترابطة، أي السرديات.
العلاقة بين التحفيز الذهني والبنية السردية عثر عليها واعتمدها منظرو الإقناع في مجالات الإعلان والتسويق، الذين أدركوا أن النقل السردي (أي الانغماس في القصة أو السرد) طريقة متميزة للإقناع، وأكثر فاعلية من أساليب الإعلان المعتادة التي تستثير مقاومة متوقعة من مستهلك الإعلان.
كان غرين وبروك (2000) هما أول من صاغ مصطلح «النقل السردي». والفكرة هي أن القصص تقنع الجمهور باستخدام النقل، الذي عرَّفاه بأنه «الانغماس في النص» بحيث يصبح القارئ «ضائعًا في القصة». وقد وضع غرين وبروك متطلبات محددة للقصة المقصودة: يجب أن تثير القصة أسئلة لم تتم الإجابة عليها، أو تقدم صراعات لم يتم حلها، أو تصور نشاطًا لم يكتمل بعد؛ وقد تواجه شخصيات القصة أزمة ثم تحلها. أما عن كيفية تعريف غرين وبروك لعملية النقل، فإنهما يريان وجوب توافر العناصر التالية: أولًا، قصة تصنع الحدث. وثانيًا، تجربة الانغماس في عالم القصة ومفارقة العالم الحقيقي. وأخيرًا، التغييرات التي تطرأ على المرء نتيجة الانغماس في عالم القصة. يجد غرين وبروك أن التغييرات المذكورة أعلاه، التي تنتج عن الانتقال إلى عالم القصة، ذات صلة بنظريات الإقناع. لقد قارن الباحثون بين النقل والمعالجة التحليلية، بما أن عملية التفكير التحليلي تؤدي إلى النظر المنطقي وتقييم الموضوع. أما النقل فيؤدي الإقناع الذي يتحقق من خلال تقليل الاستجابات الإدراكية السلبية وزيادة واقعية التجربة والاستجابات العاطفية القوية.
اختبرت مجموعة من التجارب -التي أجرتها إسكالاس (2004)- نظرية غرين وبروك؛ وأظهرت التأثير الإيجابي للإعلانات التي شجعت التحفيز الذهني عبر النقل السردي، على مواقف المستهلكين تجاه تقييم العلامة التجارية. تم إجراء التجربة باستخدام إعلان لأحذية جري يهدف إلى التلاعب بمستويين من التحفيز الذهني؛ أحدهما يتم فيه تشجيع التحفيز، والآخر لا يتم فيه ذلك. ثانيًا، تم تجريب مستويين من قوة الحجة -الحجج القوية مقابل الحجج الضعيفة- من أجل فحص تأثير النقل في قدرة الشخص على المعالجة المنطقية للحجج. أُجريت الدراسة على 168 مشاركًا؛ باستخدام نفس الصورة الإعلانية، يعرض أحد الإعلانين الأحذية وميزاتها في حين يُشجِّع الإعلان الآخر المشاركين على تخيل أنفسهم وهم يركضون في الأحذية عبر المنتزه مع ذكر نفس الميزات المذكورة في الإعلان الأول. وخلصت الدراسة إلى أن نموذج الإعلان الذي يشجع الانغماس العقلي في القصة يؤثر بشدة على مستويات التفكير النقدي، فيزيد من التأثير الإقناعي ويؤثر في السلوكيات. ونظرًا إلى أن التحفيز الذهني يتبع بنيةً سرديةً، فإن المشاركين المنخرطين في عملية التحفيز ينتقلون من خلال القصص المولدة ذاتيًّا وينغمسون في أفكارهم الخاصة بهم. ووجدت إسكالاس أن هذا يصرف انتباه المشاركين عن التفكير النقدي في حجج الإعلانات ويثير مشاعر إيجابية تجاه العلامة التجارية في نفس الوقت، مما يزيد من قابلية التفاعل والاقتناع.
إن ربط المناقشة أعلاه بموضوع السياحة يَكْمُن في إدراك مفهوم التخيلات السياحية، التي تُعرِّفها الأبحاث السياحية على أنها: بُنى سردية جماعية، مُحمَّلة بالقيمة، ومُحفِّزة للمشاعر، ترتبط بمكان معين من خلال السياحة. بعبارة أخرى، يمكن القول -ضمن هذا المنظور- إن الروايات والخيالات التي تُبنى حول أماكن معينة هي العوامل التي تجعل السياح يزورونها في المقام الأول.
في عالمية النسبة الغربية، ثمة هذا الانقسام الذي هو الشرق: يُنظر إلى الشرق على أنه الأصل، الذي يُحلم به كنقطة الدوار التي هي مكان الولادة والحنين إلى الماضي ووعود العودة، الشرق الذي يقدم نفسه للعقل الاستعماري للغرب ولكن لا يمكن الوصول إليه إلى أجل غير مسمى، لأنه يبقى دائمًا كحدود، كليلة البداية التي تشكل فيها الغرب ولكن حيث رُسِمَ خطٌّ فاصل. الشرق هو -بالنسبة للغرب- كل ما ليس غربا، ولكن هنا عليه أن يبحث عما يمكن أن يكون حقيقته الأصلية. ومن الضروري تأريخ هذا الانقسام الكبير (فوكو، 1961).
ننطلق -في هذا القسم- من فرضية أن التراث التاريخي والثقافي للمملكة العربية السعودية، والإمكانات الكامنة فيه، ما تزال خفية على الجماهير الخارجية.
على مدى عقود، كانت الصورة العالمية عن السعودية، أنها أرض الدين والنفط. بالنسبة لشخص غريب، من المحتمل أن يؤدي تمرين ذهني بصري بسيط عن المملكة العربية السعودية إلى ظهور صور للحرمين الشريفين وخطوط أنابيب النفط التابعة لشركة أرامكو؛ إذ لا يزال تاريخنا ورواياتنا وقصصنا غير مستغلة.
لا يخفى على أحد أن القرن الماضي لم يكن لطيفًا على العرب من حيث تصويرهم الإعلامي؛ إذ تنتشر التصورات الخاطئة، بشكل يومي، من خلال عدسات تصور العرب وتؤطرهم بشكل سلبي. ولا تزال هذه التصورات -التي يمكن العثور عليها في الكتابات المبكرة لإدوارد سعيد في كتابه الشهير «الاستشراق»- تُستنسَخ في جميع أشكال وسائل الإعلام، وتُسلِّط الضوء على موضوعات مشتركة مثل: اللكنة العربية الثقيلة، والاتصاف بالعدوانية، والميل إلى الانخراط في الإرهاب. كما أن هذه الصور السلبية عن العرب تُتعزَّز أحيانًا في تمثيل العرب لأنفسهم في وسائل الإعلام المرئية الخاصة بهم.
يواجه المشاركون في تطوير الإعلانات السياحية في المملكة العربية السعودية العديد من التحديات الإبداعية؛ أهمها هو القدرة على استخدام السرديات المرئية للتغلب على الأحكام والأفكار المسبقة عن المملكة، وجذب قلوب الجماهير وعقولها.
في السنوات الأربع الماضية، نشرت المملكة عددًا من الإعلانات، محليًّا ودوليًّا، للترويج للمملكة العربية السعودية بوصفها وجهة سياحية. يحلل القسم التالي الحملات الصادرة عن وزارة السياحة (روح السعودية) والهيئة الملكية لمحافظة العلا (استكشف العلا) من منظور النقل السردي. يهدف التحليل إلى قياس ما إذا كانت الإعلانات قد أنتجت أيَّ سرديات، وما إذا كانت السرديات -التي تم إنتاجها- تُلبِّي أيًّا من شروط غرين وبروك للقصة (إثارة أسئلة لم تتم الإجابة عليها، أو صراعات لم يتم حلها، أو نشاط غير مكتمل، أو حل أزمة) والنقل (قصة، أو الانغماس في قصة، أو تغييرات ناتجة عن الخوض في عالم القصة).
قبل أن تعلن المملكة العربية السعودية عن مخطط التأشيرة السياحية الجديد، أطلقت وزارة السياحة حملة دولية بعنوان #WhereinTheWorld. كان موقع الويب الخاص بالحملة في البداية ينقل الزائر إلى صفحة العد التنازلي لإعلان التأشيرة؛ أما الآن فإنه يؤدي إلى موقع Visit Saudi، الموقع الرسمي لمعلومات السياحة.
كانت الحملة تهدف إلى تحفيز خيال الجمهور من خلال إخبارهم بما لا تمثله البلاد، في محاولة للابتعاد عن الارتباط المرئي المُتمثِّل بمشهد «الصحراء القاحلة»؛ فعُرِضَت سلسلة من الصور التي تهدف إلى توصيل التنوع الجغرافي والطبيعي الذي تنعم به المملكة إلى الجمهور، ومقارنتها بالوجهات السياحية الشهيرة. فلقد كُتِبت على صور آثار العلا عبارة «هذه ليست البتراء»، وعلى صور صحراء تبوك عبارة «هذه ليست يوتا»، وكُتِب على جبال الجنوب شبه الاستوائية «هذه ليست فيتنام»، بينما كتب على صورة من البحر الأحمر «هذه ليست سواحل الكاريبي».
السرد: على الرغم من أن الإعلان لم يقدم بالضرورة قصةً -من حيث تعريفنا الراسخ لـ«تسلسل الأحداث»- يمكن القول إن الخيط المشترك الذي تظهره صور المناطق المتنوعة من المملكة العربية السعودية يوفر شكلًا من أشكال التسلسل. إن تأطير الإعلان في إطار لعبة تخمين لتحديد مواقع الصور ينجح في «طرح الأسئلة». كما أنه يزيد من تفاعل الجمهور من خلال المقارنة مع الوجهات السياحية القائمة بالفعل والمألوفة في الذاكرة البصرية الجمعية. كان الجمهور «منغمسًا» -نظريًّا- من خلال تخيُّل أنفسهم في الوجهات التي زاروها سابقًا.
النقل: استحوذت الصور الجميلة على انتباه الجمهور. ومع ذلك، يمكن القول إن التعليقات كان لها تأثير معاكس في نقل الجمهور بعيدًا عن المملكة العربية السعودية وإلى البلدان المشار إليها. إحدى العناصر التي يحتمل أن تكون غير مقصودة ولكنها إشكالية في هذا الإعلان هو أنه يجرد المشهد من قصته الخاصة. قد يؤدي تعريف الذات في مقابل الآخرين إلى تقويض الطبيعة المميزة للمملكة وهويتها النابضة بالحياة.
للتوضيح، خذ على سبيل المثال مدينة أملج، التي تم وصفها في الإعلان بأنها «ليست جزر المالديف». أدى هذا التعليق إلى إنشاء ارتباط ذهني بالشواطئ الجميلة في وجهة شهر العسل، الأمر الذي ربما أدى إلى إنشاء إسقاطات شبيهة عن بلدة أملج. ومع ذلك، فإن المدينة تتمتع بأهمية تاريخية غنية ومتميزة. فخلال الثورة العربية، كانت أملج نقطة التقاء للعديد من القبائل التي انضمت إلى الحركة ضد الإمبراطورية العثمانية، سعيًا وراء الاستقلال العربي. ثم انتقلت هذه القبائل إلى الوجه للقاء فيصل ملك العراق (الأمير فيصل في ذلك الوقت)، وتوماس إدوارد لورانس (لورنس العرب)، وعودة أبو تايه (شيخ فرع من قبيلة الحويطات)، وغيرهم. وبالانتقال إلى الشمال، استولت على ميناء العقبة، وهي قرية ذات موقع استراتيجي على البحر الأحمر بين شبه الجزيرة العربية ومصر؛ مما سمح للجيوش العربية بالارتباط مع القوات البريطانية القادمة من الغرب، وأدى لاحقًا إلى إضعاف قبضة العثمانيين.
تتوافر في الحكاية التاريخية الصغيرة أعلاه مقومات تلبي معايير غرين وبروك للقصة والنقل.
السرد: هناك تسلسلات محددة للأحداث. لا يزال تاريخ المنطقة المتنازع عليه يثير أسئلة لم تتم الإجابة عليها، ويتجلى هذا في المناقشات العلمية الجارية في الدراسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية؛ فهي تمثل صراعات لم تُحل بعد، وتشمل العديد من الشخصيات التاريخية البارزة في قلب الأزمات العالمية.
النقل: ما تزال مغامرات لورانس العرب تأسر قلوب وعقول عشاق التاريخ والسفر. ولقد تم استخدام قصصه واستثارتها في الكتب والأفلام، وغيرها من المُنتجات. وفي جميع أنحاء العالم، وجد الكثيرون أنفسهم «منغمسين» في كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» ومغامرات لورانس الأسطورية. ويمكن قياس هذا التأثير كميًّا من خلال أرقام مبيعات شباك التذاكر والإرث الثقافي الشعبي لفيلم «لورانس العرب» عام 1962. يمكن القول إن هذا قد يكون دليلًا كافيًا على تلبية معايير «النقل» الخاصة بغرين وبروك.
في عام 2021، طورت DDB Dubai حملة لاحقةً لحملة #WhereinTheWorld بعنوان: «مرحبًا بكم في الجزيرة العربية - رحلة لم تتخيلها أبدًا». وفقًا لمقال نشره موقع Arab Ad، فإن DDB تهدف من خلال حملة «مرحبًا بكم في الجزيرة العربية» إلى بناء وعي الجمهور وجذب موجة جديدة من السياح الذين لم تخطر في بالهم المملكة العربية السعودية أبدًا كوجهة سياحية. تتضمن الحملة «تصويرًا فوتوغرافيًّا مذهلًا» لمختلف المناطق والمناظر الطبيعية في البلاد. وتم التعليق على الصور على النحو التالي: «مرحبًا بك في رحلة لم تتخيلها أبدًا». بُني فيديو الحملة على عرض صور جميلة تهدف إلى خلق شعور بالغموض ورسم المملكة العربية السعودية من زاوية مختلفة عما يعرفه المشاهد، لأجل عرض مشهد «لم يتخيل المشاهد وجوده في المملكة العربية السعودية».
على الرغم من أن الصور جذابة، إلا أن المشاهد الترويجية التي قدمها الفيديو يمكن أن تُنتقد لأنها تضخم الصور النمطية التي يمكن أن يحملها المرء عن شبه الجزيرة العربية. سيحلل القسم التالي لقطات شاشة محددة من الفيديو، ويقدم مقارنات بين صور الحملة والصور الاستشراقية القديمة.
صوَّرت اللوحات، التي رسمها الأوروبيون في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، العالم العربي بوصفه مكانًا غريبًا وغامضًا يتصف بالرمال والنساء والراقصات الشرقيات؛ وهذا يعكس تاريخًا طويلًا من الأخيلة الاستشراقية.
تؤكد هذه الصورة السردية القائلة بأن الصحراء العربية المفتوحة غير صالحة للسكن، وأنه لا يمكن استكشافها إلا باستخدام وسيلة سفر قديمة. ويوحي رداؤها بسحر الصحراء، وهو لون مشرق يتناقض مع الخلفية البيج عديمة اللون.
تعكس هذه الصورة الفرق الصارخ بين القديم والجديد. يزور سائحُ العالم «الجديد» العالمَ «القديم»؛ ولم يتم توفير أي سياق آخر للمشاهد بخلاف ذلك. وهذا يجعل البلد جزءًا من حضارة «بعيدة»؛ يمكن رؤيتها، ولكن لا يمكن الوصول إليها.
تعرض هذه الصورة تاريخ البلاد في الخلفية، مما يشير إلى أنها متاحة فقط كشكل من أشكال الترفيه للسياح وليس كبوابة للتعريف بالثقافة والتراث العربيين الأكثر عمقًا.
في هذه الصورة ، نرى بأن يتم ترفيه السائح من قبل السكان المحليين، والذين لم يكن لهم حضور في المشاهد السابقة في لإعلان. وجودهما يقدهما كشكل من أشكال الترفيه للسائح.
هنا -كما في الصورة السابقة- يُقدَّم السعوديون كأدوات ترفيهية بدلًا من أشخاص يمكن للسائح التواصل معهم.
تُذكِّر هذه الصور بقصة علي بابا والأربعين حرامي من «ألف ليلة وليلة»، حيث يقف رجل عربي أمام باب سري ويصرخ قائلًا: «افتح يا سمسم!»؛ إذ يفتح الصبي هنا الباب أمام السائح إلى عالم «غامض» لم يختبره السياح أبدًا.
لم تغفل وزارة السياحة والمؤسسات الثقافية الأخرى، بما في ذلك وزارة الثقافة، أهمية التسويق من خلال المؤثرين في عالم اليوم الذي تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي. لدى المؤثرين والمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي قواعد معجبين وشبكات وجماهير راسخة تتمتع بثقة ومصداقية قوية. ويعمل المؤثرون، الذين يستخدمون منصاتهم للإعلان، على بناء الثقة بسرعة في علامة تجارية معينة وتحسين وضعها في السوق ووعي الجمهور بها. بالإضافة إلى ذلك، يعمل المؤثرون على تسهيل الوصول الفوري إلى الجماهير المستهدفة اعتمادًا على قاعدة متابعيهم المخصصة.
كان جزءًا من الجهود المبذولة لجذب السياح إلى البلاد هو تشجيع المشاهير والمؤثرين في مجال السفر على زيارة المملكة وتسجيل الفيديوهات ومشاركة جمهورهم الدولي الجوهر الحقيقي للمملكة العربية السعودية، سواءً أكان ذلك طبيعتها، أم شعبها، أم ثقافتها.
بعض المحتوى الذي شاركه المؤثرون لاقى انتقادات الجمهور، لأنه أظهر أو عزز الصور الاستشراقية عن البلاد. يمكن القول إن هذا قد يكون نتيجة لغياب السرديات الأصيلة الراسخة التي يمكن أن تُشكِّل خيالهم السياحي.
في المنشور أعلاه، يقع المؤثر الأمريكي بريندون هايوارد في الكليشيهات المعتادة عن شبه الجزيرة العربية: الشعور «بالضياع» في الصحراء، مع وجود حضارة قديمة وراءه لا تزال قائمة. إن تغطيته لوجهه يشير أيضًا للمشاهد إلى أن هذه الأرض يصعب التنفس فيها بسبب العواصف الترابية.
هنا نرى المؤثرة الأمريكية آجي لال تستخدم نفس الكليشيهات. الصورة على اليسار تُمثِّل نظرةً استشراقية عن النساء العربيات: تصورهن على أنهن غامضات وغريبات وبعيدات عن المتناول. في الأسفل أمثلة من أغلفة كتب، على مر السنين، تُصوِّر النساء العربيات على هذا النحو. في الصورة، السعودي الذي يرافق لال ينظر بعبوس إلى الكاميرا. يشير عدم وجود ابتسامة وطريقة تقديمه للمشاهد إلى أن الثقافة غير مضيافة وأن الرجل العربي غير ودود. توفر هذه الصور النمطية التقليدية صورًا ذهنية تمثل تبسيطًا مبالغًا فيه للثقافة، مما يجعل الناس يتبنون ويستوعبون دون وعي المواقف والمعتقدات والقيم التي يمكن أن تضر بالمجموعة الثقافية المستهدفة بهذه الصور النمطية.
في 10 يناير 2021، أطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العلا حملتها الأولى التي طورتها بالتعاون مع المدير التنفيذي الإعلاني الأمريكي ليو بورنيت بوصفه شريكًا إبداعيًّا. وقد هدفت الحملة إلى تعميق فخر المملكة بالعلا. سيحلل القسم التالي بعض الصور المرئية المقدمة في حملة الفيديو.
السرد: وصف رئيس إدارة الوجهات والتسويق في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فيليب جونز، تحفة العالم بأنها «تجمع ما بين الفن الماهر للحضارات القديمة التي نحتت أعمالًا فنية متقنة في النتوءات الصخرية، والجمال النقي وغير الملوث للتكوينات الصخرية الجيولوجية والمناظر الطبيعية المنحوتة طبيعيًّا».
تتأمل شابة سعودية -بصفتها الشخصية الرئيسية في الفيلم- الوقت الذي قضته في العلا بزيارة مواقع رئيسية مثل جبل الفيل والحِجر. وتوفر الصور المرئية التجربة للمشاهد من خلال عيون السكان الأصليين، مما يخلق على الفور إحساسًا بالألفة من خلال إضفاء طابع إنساني على التجربة. تروي المرأة عواطفها من خلال شعر الأطلال، باستخدام عناصر ما قبل إسلامية. وما قد يبدو للمستمع كقصيدة حب، هو في الواقع قصيدة في تقدير التاريخ والتقاليد وإرث المواقع الأثرية.
النقل: إن اختيار الشعر كموضوع ينجح بنقل الجماهير من اللحظة الحالية -حيث توجد الشخصيات- إلى الفترة القديمة المُلائمة للمواقع الأثرية.
تم استخدام الرابطة بين الأم وابنتها مع خلفية الصحراء، في بداية الفيديو، للسماح للمشاهد بالتماهي في علاقة: «الأم والطفل، الماضي والمستقبل»، حيث يقوم الكبار بتذكير الصغار بأرض منشأهم.
تقدم هذه الصورة نظرة على التقنيات السابقة دون مقارنتها بشيء جديد. كما أنها تثير شعورًا بالمغامرة والتساؤل حيال ما يوجد في الأعلى.
هنا يتم تقديم التاريخ السحيق للجزيرة العربية بشكل إيجابي. لقد تم تصوير الشخصية وهي تمشي عبر التاريخ. لم تُقدَّم المساحة في الخلفية كوسيلة ترفيهية، وإنما كموقع يستحق التقدير والإعجاب.
تعرض هذه الصورة ارتباطًا عميقًا بالتراث، وتقدمه من خلال إظهار المشاعر والارتباطات الإنسانية الأساسية. ويمكن فهم مثل هذه الإيماءات على الفور بسبب بساطة الرسالة.
تستثير هذه الصورة مشاعر المحبة تجاه الأسرة والأمومة لدى المشاهد، وهو ما يدل على القيمة العميقة للروابط العائلية في شبه الجزيرة العربية.
تُظهِر هذه الصورة جمال الطبيعة التي تُحيط بالمسافرين، دون الترويج لسردية الأرض الغريبة.
في أغسطس 2022، أطلقت وزارة الثقافة حملة تثقيفية بعنوان القهوة السعودية؛ عادات وسلوم. ضمت الحملة مشاهد ولقطات عن القهوة السعودية وأهميتها داخل البيت السعودي.
السرد: تدور القصة في الفيديو حول شاب سعودي، دعا والده الأصدقاء والعائلة إلى تجمع كبير ، على أمل أن يكون هو الشخص الذي يقدم القهوة للضيوف. ولما رأى أن ابنه غير قادر على معرفة التقاليد، دعا أبو ضاري لمساعدته. أبو ضاري، شخصية معروفة في مسلسل كوميدي سعودي، يندفع لمساعدة صديقه ويعلم الابن كيفية حضور الضيوف على الطريقة السعودية.
النقل: يتعلم المشاهد مع الشاب السعودي كيفية صب القهوة بالإضافة إلى عادات وسلوم الضيافة. استخدام شخصية معروفة والتعليمات المرئية يعزز إحساس الانتقال عند المشاهد.
تعكس هذه الصورة كيف تبدو العائلات السعودية. تعطي اللقطة التي تم التقاطها المشاهد الإحساس بأنهم يجلسون أيضًا بجانب العائلة.
تنقل هذه الصورة المشاهد إلى غرفة المعيشة في منزل سعودي. تعكس أيضاً التقاليد العربية وتعطي نظرة للمشاهد عن الحياة الاجتماعية في السعودية.
في هذا المشهد، يمكن للمشاهد أن يرى العناصر اللازمة لصنع القهوة السعودية. هذه المقدمة للعناصر الثقافية مهم في القصة.
تُظهر الصورة من خلال اللقطة الواسعة المكان، والطريقة التي يجلس بها الرجال، مما يسمح للمشاهد بالانغماس في غرفة سعودية تقليدية.
في هذه اللحظة المضحكة، يمكن للمشاهد أن يتصل بحالة الشاب في عدم قدرته على حمل الدلة لفترة أطول، مضطرًا إلى المرور بهذه اللحظة التدريبية المكثفة. نظرًا لأن الإعلان موجه للسعوديين، فقد تم إحضار الحس العاطفي المشترك هنا، وهي ذكرى مشتركة تتمثل في الاضطرار إلى حمل الدلة لفترة طويلة.
في بداية الدرس نرى أبو ضاري يشرح للشاب كيف يسكب القهوة. تجبر الإضاءة الخافتة المشاهد على الانتباه إلى الأشياء الموجودة في المشهد، بالإضافة إلى الإرشادات المرئية.
هنا يظهر أبو ضاري صورة مرئية لكمية القهوة التي يجب سكبها في فنجان. مشهد آخر مضحك يستطيع المشاهد الاتصال به، حيث ينتقل إلى الشعور بأنه داخل حصة دراسية.
في مشهد النهاية، نرى الشاب يحقق الدروس التي تعلمها - يصبح مضيفًا جيدًا لضيوفه من خلال سعادتهم في العديد من اللقطات، وبهذا يعرض الجوهر الحقيقي للثقافة السعودية.
في أكتوبر 2022، أطلقت هيئة تطوير بوابة الدرعية إعلانًا سياحيًا على منصتهم في تويتر بعنوان "اكتشف الدرعية" .
السرد: على الرغم من عدم وجود قصة داخل الإعلان، فإن المشاهد المعروضة تعطي إحساسًا للمشاهدين بأنهم سيختبرون أصالة المكان. يتم جذب المشاهدين إلى مشاهد معينة تحتوي على نصوص والتي تلعب دورًا في توجيه عملية تفكيرهم.
النقل: يتم نقل المشاهد عبر الدرعية من خلال المشاهد المختلفة التي يتم عرضها..
في هذا المشهد نقرأ التسمية التوضيحية "هنا حيث مهد البداية" بخلفية أحد القصور القديمة. وهذا يوجه المشاهد ويلفت انتباهه إلى إدراك أن الدرعية هي المكان الذي بدأت فيه المملكة العربية السعودية.
في هذا المشهد، امرأة تفتح الباب وتنظر في المسافة. يتم حث المشاهد على أن يكون مفتونًا وفضوليًا لما تراه المرأة - كما أنه يثير شعورًا بالإثارة.
هنا تعتبر صورة الفن التقليدي مهمة، لأنها تعكس إحساسًا عميقًا بالتراث والتقاليد. كون الرجل يبتسم وهو يحمل سيفًا تكسر أيضًا الصور النمطية.
مشهد لسوق تقليدي في الدرعية، هنا يرى المشاهد ما يشاهده عادة في الأسواق، ومع ذلك فإن الاستعارات النمطية غير موجودة. يتيح استخدام الظلال والضوء تجربة غامرة للمشاهد أيضًا.
يتيح النص "يجمعنا معًا" على خلفية احتفالات السعوديين للمشاهد أن يفهم أن السعودية أمة مضيافة. هنا صور إيجابية للسعوديين.
هنا يظهر زوار المملكة وهم يشاهدون حدثًا مع السعوديين وليس عنهم، ولا يستمتعون بهم. إنهم جميعا يستمتعون بالحدث معا.
صورة عائلة سعودية تنظر حول الدرعية. يرى المشاهد أن السعوديين أيضًا يشاركون في استكشاف الموقع - وأنهم جزء من التجربة التي يمكن أن يكون المشاهد جزءاً منها.
في هذا المشهد نرى حياة الدرعية الليلية. وهذا يعكس وجود مجتمع مفعم بالحيوية ليلاً والأنشطة العديدة التي قد يشارك فيها المشاهد.
في عام 2012، أطلقت (Visit UK)، جنبًا إلى جنب مع المجالس السياحية في اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، حملة سياحة محلية للترويج لـ«العطلات الوطنية» خلال عام الألعاب الأولمبية 2012 واليوبيل الملكي.
ضمت الحملة المشاهير البريطانيين ستيفن فراي وروبرت غرينت وجولي والترز وميشيل دوكري، وكل منهم يمثل منطقة في إنكلترا.
يبدأ الفيديو باستيقاظ زوجين على صوت منبه الساعة 4:15 صباحًا. أثناء حزم أمتعتهم في اللحظة الأخيرة، أدركوا أنهم لا يجدون جوازات سفرهم.
تقوم الكاميرا بتكبير الصورة للكشف عن فراي، في غرفة نوم الزوجين، وهو يطرح استفهامًا مجازيًّا على المشاهد. هنا نرى أول مؤشر للثقافة البريطانية من خلال وجود الشاي الإنجليزي.
هنا نرى فراي يراقب العائلة وهي تتدافع للخروج من الباب بجوازات سفر بريطانية، وهي علامة أخرى على الهوية.
يظهر فراي لاحقًا وهو ينزل على درج ما يبدو أنه قصر باكنغهام برفقة أحد الكلاب الشهيرة التي تملكها الملكة الراحلة.
تظهر والترز في الريف الشمالي محاطة بالخضرة الإنجليزية المورقة، وفي هذا المقطع تُلوِّح للنساء اللاتي يرتدين ملابس شمالية تقليدية ويقدمن الشاي في مقهى تقليدي في يوركشاير، أثناء احتساء الشاي الإنجليزي وتناول كعك مربى الفراولة.
النساء يشربن ما يبدو أنه شاي الإفطار الإنجليزي في أكواب خزفية بريطانية تقليدية.
الكعك طبق بريطاني تقليدي يُقدَّم في أطباق خزفية.
تأتي دوكري، بعد ذلك، مرتديةً ملابس فيكتورية ثم في مشهد الذي يلي تغير لباسها والذي يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، على صخور شاطئ «ممر العمالقة» في إيرلندا الشمالية.
يُختتم الإعلان بجميع المشاهير الأربعة يقولون بصوت واحد: «بدون جوازات. بدون لقاحات. بدون تأشيرات. بدون يوروات. لا عجب أن العطلات في الوطن رائعة جدًا».
يعرض الإعلان مشاهد بصرية أخرى لم تُعرض هنا، مثل ظهور روبرت غرينت بجانب فنار في أنغلزي، وهي جزيرة في ويلز، ويشير إلى الأسرة المالكة في سؤاله: «ماذا عن أنغلزي؟ حسنًا، ما دامت تُعجِب [الأمير] ويليام وكيت».
السرد النقلي:
في حين أن الإعلان، الذي تبلغ مدته دقيقة واحدة و30 ثانية، موجه إلى الجماهير المحلية؛ إلا أنه كان له أيضًا تأثير مماثل على الناس حول العالم التي تعرفت على فراي ووالترز وغرينت ودوكيري بوصفهم أربعة من الصادرات الثقافية الأكثر شعبية في المملكة المتحدة، والتي يعدها الجمهور البريطاني أيضًا من الكنوز الوطنية. إن وجود هؤلاء المشاهير يثير الشعور بالألفة، وبالتالي يشعر المشاهد بالمشاركة في محادثة مع هذا الشخص المشهور.
لقد تم وضع كل واحد من المشاهير في الفيديو لتقديم الثقافة الفريدة للمملكة المتحدة، من خلال تصويرهم في مواقع مميزة تشير إلى الرموز واللحظات البريطانية الشهيرة.
كانت صورة فراي أثناء سيره في قصر باكنغهام -التي ظهرت في المشاهد الأولى- بمثابة نافذة إلى التاريخ المعماري والمجتمعي البريطاني؛ وكلاهما من عوامل الجذب الشهيرة للسياح، بسبب الأهمية الثقافية والتاريخية للأسرة المالكة والصور المرئية المرتبطة بها.
تعد الأسرة الملكية البريطانية مصدرًا رئيسيًّا لجذب السياح في المملكة المتحدة؛ فالجماهير العالمية منجذبة إلى تاريخ الأسرة المالكة، ومفتونة بالقصص المحيطة بها. ولن تكون المملكة المتحدة كما هي من دون الأسرة المالكة. لذلك، على مدى العقود القليلة الماضية، كان هناك زيادة في مجال السياحة الملكية.
يهتم السياح بزيارة قصور الملكة الراحلة ومشاهدة مجموعاتها (الألماس والهدايا المقدمة إليها من حكام آخرين، وما إلى ذلك) حتى إنهم يستغرقون في التاريخ الجمالي البصري للأسرة المالكة. وقد أثبتت العروض الملكية -التي تشمل العودة المظفرة من الحرب والتتويجات وحفلات الزفاف والمآتم- منذ فترة طويلة أنها جاذبة للسياح المحليين والأجانب على حد سواء.
بين عامي 2012 و2022، جلب اليوبيل الماسي وولادة الأمراء وزواج الأمير هاري وميغان ماركل ومؤخرًا وفاة الأمير فيليب والملكة إليزابيث، اهتمامًا جماهيريًّا للأسرة؛ مما أدى إلى تعميق حضورها في الثقافة الشعبية، حيث كانت دائمًا موضع اهتمام (سواء في الكتب أو الأفلام، وما إلى ذلك). تمت الإشارة إلى سياحة الثقافة الشعبية في مناسبة ثانية في الإعلان، عندما أدلى غرينت بتعليقه في المشهد الرابع: «ما دامت [أنغلزي] تُعجِب ويليام وكيت، [فستعجبك]». وقد تم إيصال الموضوعات المذكورة أعلاه بنجاح في لمحة قصيرة جدًا لفراي وهو يسير على الدرج وفي الخلف الصور الأيقونية التي نقلت الجماهير إلى السرديات والقصص اليومية الملكية.
نجح الظهور القصير لوالترز (20 ثانية) في استحضار عدد من الموضوعات الكبيرة إلى الخيال؛ أحدها هو المطبخ الإنجليزي التقليدي والعادات التي يُرمز إليها في «الشاي الإنجليزي والكعك»، ولاحقًا ثقافة المأكولات البحرية متمثلة في سرطان البحر. سيقوم المشاهدون الدوليون على الفور بربط المَشاهد بعلامتهم التجارية المفضلة، كالشاي الإنجليزي ومحلات الأسماك والبطاطس المقلية. كما تطرقت والترز إلى الأدب الإنجليزي -وهو تخصص عالمي- في إشارتها إلى الشاعر الإنجليزي ويليام وردزورث؛ فنقلت هذه الإشارة المشاهدين، تلقائيًّا، إلى رواياتهم وقصصهم المفضلة التي كتبها مؤلفون إنجليزيون. بالإضافة إلى ذلك، ذكَّرت الجمهور بالفن الغني والتراث الثقافي من خلال تذكيرهم بأن معرض الفنون الشهير والمحبوب، «تيت»، موجود أيضًا في ليفربول. وقد تم توصيل كل هذه الأفكار بشكل فني باستخدام الحد الأدنى من المرئيات والإيماءات.
في فستانها الفيكتوري، ذكَّرت الممثلة الإنجليزية دوكري المشاهدين بالتقاليد والتاريخ العريق للمملكة المتحدة، الذي تم التأكيد عليه أيضًا في اختيار الكلمات: «تعلمون بأن الناس يأتون لزيارة ممر العمالقة منذ قرون»، ويتم إعادة الجماهير على الفور إلى التراث الغني للمملكة المتحدة، الذي يمكنهم اختباره من خلال المشي على صخور ممر العمالقة.
من خلال الاستخدام الذكي، للصور والكلمات الموجزة، نجح الإعلان القصير جدًا -الذي تبلغ مدته دقيقة واحدة و30 ثانية- في استحضار مجموعة معقدة للغاية من المحاور والموضوعات إلى أذهان الجماهير. وقد أفسحت القرائن المرئية المجال للفضول والدهشة والحنين إلى الماضي وتقدير التقاليد والرغبة في أن تكون جزءًا من العالم المعاصر، واستثارت في النفس صور التيجان والتتويجات وبسكويت وشاي المساء والأدب الرفيع. وحري بنا القول إن المشاهدين شعروا بإحساس «الانغماس في القصة البريطانية، وتركوا العالم الحقيقي وراءهم».
سعت هذه الدراسة إلى استكشاف وتطوير فهم لتأثير التصوير السردي في جذب الجماهير والسياح. يمكن توظيف الصور لخدمة أهداف تتجاوز الغايات الجمالية؛ إذ يمكن أن تكون وسائل وأدوات قوية تحقق التأثير على النفس، والتعريف بالأفكار والعواطف وإيصالها، والأهم من ذلك: إقناع الجماهير. من خلال التعاطي مع الأدبيات المعاصرة حول السرد المرئي والنقل، أظهرنا أن نماذج الإعلان التي تشجع الانغماس العقلي في القصص لها تأثير قوي على زيادة الإقناع والتأثير في السلوكيات.
من خلال تحليل المشهد الإعلاني السعودي الحالي لتقييم فعاليته، استخدمنا نموذج غرين وبروك للنقل السردي، الذي يتطلب قصصًا تحمل أسئلة لم تتم الإجابة عليها، وتعرض صراعات لم يتم حلها، وتصور الأنشطة التي لم تكتمل بعد، وتُنتِج تجربة من الانغماس في عالم القصة. نظرنا أولًا في حملة #WhereinTheWorld، التي ظهر ضعف قوتها الإقناعية بسبب تجريد المناظر الطبيعية من سردياتها الغنية. لقد قارنَّا الإعلان بحملة #TheWorldsMasterpiece، التي نجحت في رسم سردية أصلية تمنح المشاهد إحساسًا بالتفاعل وتُحقِّق التأثير المقصود المتمثل في نقل الجمهور إلى المشهد.
ولقد أوضحنا أيضًا كيف يمكن لبعض السرديات -على الرغم من جاذبيتها- أن تؤدي إلى تعزيز الكليشيهات الاستشراقية التي تجعل الصور تعكس مكانًا «لا يمكن الوصول إليه إلى أجل غير مسمى، ولكن حقيقته أصلية». ولسوء الحظ، يمكن أن تتسبب المفاهيم الخاطئة البسيطة في عواقب وخيمة، وتؤثر بشكل خاص في قرارات المسافرين. لذلك، من الضروري التمتُّع بالمسؤولية والحذر في عملية البناء السردي.
استخدمنا -أخيرًا- مثال إعلان (Visit UK)، الذي يستخدم الصور المرئية والإشارات اللفظية لنقل الجماهير إلى تجربة كاملة للقصة البريطانية. بدأ الإعلان بمثال لسردية جذابة تنطبع في خيال السياح: الأسرة المالكة في بريطانيا. لقد كان حضورها في الإعلان محسوسًا ومُشاهدًا، ليس فقط من خلال الإشارة المباشرة إليها وإنما بشكل غير مباشر من خلال عرض مشاهد يمكن التعرف عليها فورًا، كقصر باكنغهام وكلب الملكة. وهنا يمكن للمرء أن يستشعر بشكل مباشر مدى قوة السرديات المحيطة بالأسرة. والأسرة المالكة السعودية تتمتع بحضور مماثل وتاريخ مهم.
حتى خارج الأسرة المالكة، لا تفتقر المملكة العربية السعودية إلى الحكايات والقصص والرموز التي يمكننا نظمها ونسجها لتقديم رواياتنا الشاملة الخاصة. نقدم هنا صورًا مأخوذة من التاريخ الحديث والقديم، تعرض جانبًا آخر من القصة السعودية؛ وهو جانب لا يراه الغرباء كثيرًا.
الفن الصخري القديم الذي قد يبدو وكأنه من كوكب آخر، ولكنه في الواقع موجود داخل المملكة العربية السعودية؛ وهو ارتباط بماضٍ غير معروف.
نرى هنا مدافن أسلاف مشتركين، حيث ينشأ شعور بالرهبة والدهشة؛ إذ لا يُعرَف الكثير عن هذه المواقع.
تعكس الصورة العلاقة الحميمة التي ننعم بها مع الإبل الشامخة؛ فبدلًا من عرض هذه العلاقة من خلال العدسة النمطية، يتم هنا ترسيخ وفهم سردية علاقة الاعتماد المتبادل بيننا وبين الإبل.
يتمثَّل الكرم العربي في بساطة مشاركة القهوة وتبادل الأحاديث؛ إذ إن الثقافة العربية ليست ثقافة مهووسة بالأموال والثروات، وإنما تسعى إلى إقامة صلات حميمة مع الغرباء وخاصة عند تناول القهوة.
تعرض الصور لحظات السرور التي يتم التعبير عنها من خلال عروض معينة؛ فبدلًا من ربط ثقافتنا بالعنف، تنقل هذه الصور رسالة مفادها أن استخدامات معينة للأسلحة تُترك فقط للاحتفال بلحظات مهمة في الحياة مثل الزواج أو الختان، تمامًا كما هو الحال في الصورة.
الابتعاد عن الاعتقاد النمطي بأن العديد من السعوديين يقيمون في الخيام أو الصحراء، وتقديم صور تثير ارتباطًا مألوفًا بالهندسة المعمارية التي نراها في بلدان أخرى (مثل إسبانيا ومالطا واليونان).
تنوع الأطعمة السعودية لا حصر له. ويمكن أن يكون عرض هذا الجانب من ثقافتنا، وربطه بتقاليد المشاركة والكرم، مفتاحًا لنقل جوهر الثقافة.
الوجوه غير المألوفة: يتم تنميط السعوديين في وسائل الإعلام على أنهم رجال قذرون ومخيفون. تكسر الصورة هذا التنميط من خلال تقديم الرجال في المملكة العربية السعودية بشكل أصلي، بالإضافة إلى إظهار الجانب الرقيق من السكان.
تقديم لحظات تاريخية كما هي: لطالما كان السعوديون جزءًا من المجتمع العالمي. تم التقاط هذه الصورة عام 1976.
في الختام، يجب على المرء النظر في الفرص المختلفة التي يقدمها الابتكار السردي من خلال التصوير الفوتوغرافي. عبر القيام بذلك، هناك إمكانية لخلق شعور بالألفة والاتصال مع تجنب مخاطر تغذية التصورات النمطية التي قد تلقى -في الوهلة الأولى- صدى لدى الجماهير الأجنبية، ولكن تفشل في النهاية بسبب افتقارها إلى الدقة والأصالة والعمق.