تهتم الدُّوَل بإبراز جهودها في شتى المجالات، وتحرص على لفت الأنظار إلى أثرها في التنمية، ودورها في تشجيع المثقفين والعلماء والمبدعين، فهي في سبيل تحقيق هذا الهدف تبذل وسعها في إظهار ما قدمته من جهود للإعلام.
وإذا كانت سنّة الحياة قائمة على التدافع بين الدول والتنافس فيما بينها؛ فإن الإعلام يمثل القوة الناعمة التي تتسلح بها الدول. والإعلام لا يقتصر على ما يتبادر إلى الذهن من إعلام مرئي ومسموع ومقروء فحسب، بل إن مجالاته الأخرى قد تكون أكثرَ تأثيراً وأنجع في كسب الولاءات والتأييد، وأقدر على تعزيز الصورة الحسنة للدول الراعية لها، وغرس اسمها في الذاكرة، وإحياء ذِكرها في التاريخ، وإبقاء أصداء دورها تتردد في سمع الزمان، ومن هذه المجالات: المهرجانات، والملتقيات، ونحوها، وتأتي الجوائز الثقافية وجهاً من وجوه القوة الناعمة، مثل: جائزة الملك فيصل، ومسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، وجائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ونحوها من الجوائز التي كانت الريادة والكثافة فيها لدول الخليج العربية، فهي أكثر الدول اهتماماً بالجوائز().
يقاس تقدم الأمم والدول بإسهامها الفكري والعلمي في سياق الحضارات، وهو ما يخلّد ذِكرها ويبقيه مترددا في أذن التاريخ.
ولئن كانت الجوائز على الثقافة والعلم والإبداع مظهراً ثقافياً ضارباً في عمق الزمان، فإنها بصورتها القديمة كانت أشبهَ بالمكافآت التي يقدمها السلطان وعِليةُ القوم إلى المبدع والمؤلف والشاعر مقابلَ كتابٍ ألّفه، ومن يتتبع كثيراً من تراثنا الأدبي يتبين له أن المؤلف إنما صنع الكتاب بناءً على رغبة الخليفة أو الأمير، أو أنه ألّفه من تلقاء نفسه وأهداه إلى الأمير فكافأه عليه، وربما تكون الجائزة مكافأة للشاعر على قصيدة بديعة استحسنها الممدوح.
ثم مرت الجوائز بتحولات وتغيرات إلى أن وصلت إلى العصر الحديث فانتقلت من الطبقة الأرستقراطية وأصحاب السُّلطة وصارت فعلاً شعبياً ومؤسسيّاً يخضع لنظام وإجراءات وقوانين ومعايير، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يعني أن الثقافة تحولت من كونها نُـخْبيةً إلى أن صارت شعبية، أو تساوى فيها النُّخْبي والشعبي، فبعد أن كان الشاعر يكتسب شهرته ومكانته من قربه من السلطة ودورانه في فلَكها أصبح حصوله على جائزة ما من الجوائز المشهورة هو ما يخلع عليه إهاب الشهرة، ويُبقيه في دائرة الأضواء، ويجعل هالة من الإعلام تحوم حوله، وليس هذا الأمر مقتصراً على الشعراء فحسب، بل على سائر المثقفين والمؤلفين والأدباء والمبدعين على اختلاف تصنيفهم ما بين مفكر وناقد وروائي وقاص وفنان تشكيلي ...
إن إعلان دولةٍ ما بدءَ الترشح لجائزة من جوائزها الثقافية يجعل من تلك الدولة قِبلةً للمثقفين الذين يُدركون مقدار مكاسبهم المادية والمعنوية من وراء المشاركة، فضلاً على الفوز، ولا أدلَّ على ذلك من أننا نقرأ كتاباً عنوانه "حصاد القول – محمد عبدالحليم عبدالله روائي الدلتا المصرية وأبو الجوائز الأدبية"()، ومع أن هذا الوصف "أبو الجوائز" لا يخلو من عاطفة، فإنه يؤكد حرص الروائي على المنافسة على الجوائز حتى حصل على كثير منها، يؤيد ذلك أن هذا البحث -إلى جانب المصادر والمراجع، والاجتماع الذي عقده الباحث والمشرف على هذا البحث مع جملة من المثقفين من عدة دول عربية وغير عربية لاستطلاع آرائهم وتداول أفكارهم في هذا الموضوع()-اعتمد على أداة الاستبانة، ، وقد جاء كثير من إجابات المشاركين في الاستبانات التي وُزعت عليهم يعكس أيضاً حرصاً على التنافس على الجوائز والفوز بها، بل ربما أن بعضهم كان يتتبع إعلانات الجوائز تتبّعاً ليشارك فيها.
وموضوع الجوائز "موضوع حاضر في كل وقت ومتصل بكل موسم من مواسم الثقافة"()، فلقد كثرت الجوائز في العصر الحديث كثرةً جعلت منها مظهراً من مظاهر العصر الحديث، وعلامةً عليه()، بل لقد أضحت محاولة حصرها وعدّها عملاً محفوفاً بالصعوبة؛ وتفادياً لهذه الصعوبة حاول هذا البحث أن يجيب عن السؤال المحوري: إلى أي مدى يمكن أن يكون للجوائز العربية دورٌ في تعزيز الصورة الإيجابية للدُّوَل الراعية لها؟ وذلك من خلال عدة جوائز، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛ بالنظر إلى اختلاف إجراءات الترشّح لها والتنافس عليها، وبمراعاة موضوعاتها، وبتأمل ظهورها الإعلامي، ويمكن أن تصدق هذه التصنيفات على معظم الجوائز العربية الأخرى.
والجوائز التي تمثل ميدان هذا البحث هي:
كما أن من أسباب التركيز على هذه الجوائز أنها هي الأقرب إلى بيئة البحث، ولتشابُه الإمكانات فيما بينها، وأن جوانبها الناجحة يمكن أن تصبح نموذجاً يحتذى، إضافة إلى أنها من أبرز الجوائز في العالم العربي، وهذا ما لمسناه من إجابات عينة البحث، ومداخلات المثقفين المشاركين في الاجتماع المنظم لهذا البحث، فقد كانت أسماء هذه الجوائز هي التي تدور على ألسنتهم.
وسيأتي مزيد من أسباب اختيار هذه الجوائز تحديداً في ثنايا الحديث عن أهدافها، وموضوعاتها، ووسائل الترشح لها، وطابع حضورها الإعلامي: النُّخبي، والجماهيري، ويمكن لنا أن نصنف سائر الجوائز تحت الأساليب المتبعة لهذه الجوائز الست كما سبق، إضافة إلى إيراد نموذج لجائزة قد توصف بالضعف؛ نظراً إلى أثرها، مع تحليل أسباب الضعف والقوة في كل تلك الجوائز.
تختلف الأهداف التي تُنشأ من أجلها الجوائز الدولية من جائزة إلى أخرى، ومع أنها جميعَها تشترك في خدمة الثقافة عموماً، فإن لها أهدافاً مضمرة داخلة بطبيعة الحال ضمن هذا الهدف، فالجوائز والدعوات إلى حضور الملتقيات والمهرجانات الثقافية الدولية، والتكريمات التي على هامش الملتقيات إنما هي، بالإضافة إلى دعمها للثقافة، وسيلة تستطيع بها الدول تحقيق جملةٍ من الغايات: لفْت الانتباه إلى جهودها في المجال الثقافي، وأن يُسهم هؤلاء المثقفون في إبراز الجوانب المشرقة للدولة الراعية للجائزة، والتسويق لها.
وأما الأهداف المعلنة فهي دعم الثقافة والتشجيع على العلم والتحفيز على إنتاج المعرفة، وتدخل الأهداف الإعلامية وتعزيز الدُّوَل لصورتها الحسنة في مجالات الجائزة ضمن هذه الأهداف.
فالمملكة العربية السعودية مثلاً بحكم ارتباطها بخدمة الإسلام قد نُظمت فيها جائزة الملك فيصل، وهي من أشهر الجوائز في مجالها، وقد ذهب بعضهم إلى مقارنتها بالجوائز الأخرى التي تضاهيها شهرةً كجائزة نوبل، حتى لقد صارت تسمى في بعض الدول بجائزة نوبل العرب()، وهدفها هو "تقدير العاملين في خدمة الإسـلام والمسـلمين، والـمُسْهمين في سعادة البشرية جميعاً ورُقيِّها"()، ولهذا فإن بعض الفائزين بجائزة الملك فيصل فازوا فيما بعد بجائزة نوبل.
وأما فروعها فهي خمسة:
ولجان الجائزة تحدد في كل عام موضوعاً علمياً لكل فرع من فروع الجائزة، باستثناء جائزة خدمة الإسلام فهي جائزة تقديرية، تمنح لمن له دور ريادي في خدمة الإسلام والمسلمين، فكرياً، وعلمياً، واجتماعياً، من خلال أعمال مختلفة، وأنشطة متنوعة، وبرامج، ومشروعات، ذات أثر في المجتمع المسلم().
ويُلحظ في فروع الجائزة أنها متسمة مع هدف الجائزة، كما أنها أسهمت في تعزيز صورة السعودية في مجالات الجائزة: أولاً: للأمة الإسلامية (خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية)، ثانياً: للأمة العربية (اللغة العربية، والأدب)، ثالثاً: للعالم والإنسانية جمعاء (الطب والعلوم)()، ولعل مما يؤيد دور هذه الجائزة في تعزيز الصورة المثالية للسعودية ما يراه بعض المثقفين من أنها أُنشئت وكأنها ردٌّ على جائزة نوبل التي تجاهلت الثقافة الإسلامية، والثقافة العربية، ثم تفوقت عليها بأنْ جعلت الجدارة وحدها هي المعيار، بصرف النظر عن العنصر، أو المذهب، أو السياسة()؛ ولهذا السبب اكتسبت هذه الجائزة صفة العالمية من قِبل الإعلام والمشاركين والمهتمين، فصار اسمها المتداوَل في الإعلام وعلى ألسنة المهتمين وأقلامهم هكذا: جائزة الملك فيصل العالمية. أما اسمها الرسمي فليس فيه وصف (العالمية)، ومع ذلك فلا يكاد اسمها يُذكر إلا ومعه وصف العالمية().
وهذا الهدف الكبير للجائزة جعل المكرَّمين بها أسماءً بارزةً لها جهود كبرى وإسهامات ضخمة في هذه المجالات؛ ولهذا نجد منهم رؤساءَ دول وملوكاً، وأدباءَ كباراً بذلوا جهوداً في العلم والتأليف، وأطباء كان لابتكاراتهم أثر في تطور الطب، وعلماءَ في مختلف الميادين: الفيزياء، والأحياء، والجيولوجيا ...
وهذه سِيَر موجزة لبعض الفائزين بالجائزة، ومسوغات فوزهم:
الأستاذ الدكتور ستيفن مارك ستريتماتر، الفائز بجائزة الملك فيصل لعام 1422ه/2021م، في فرع (الطب)، وقد مُنح جائزة الملك فيصل في الطب لمسوغات، منها: إسهاماته البارزة في فهم مسببات فشل نمو المحور العصبي ومحدودية الشفاء بعد إصابات الحبل الشوكي. وكان لهذا الإسهام العلمي أثر كبير في إمكانية استعادة نمو المحور العصبي؛ إذ حدد دور بروتين مثبط النسخ الجيني (Rho) في مسار تشكيل بروتين نوجو (Nogo) ومستقبله. لقد ترجم ستريتماتر هذه الاكتشافات لتطوير مناهج علاجية جديدة، ولتجديد الجهاز العصبي المركزي في الثدييات البالغة.
فخامة الرئيس الأسبق علي حسن مويني، الفائز بجائزة الملك فيصل لعام 1443هـ/2022م، في فرع (خدمة الإسلام)، ومن مسوغات منحه الجائزة: أنه أسهم إسهاماً فاعلاً في الدعوة الإسلامية، وأنشأ المدارس الإسلامية، وترجم الكثير من المصادر والمراجع في الحديث والفقه والسيرة، إلى اللغة السواحلية التي يتحدث بها الملايين في شرق إفريقيا، واهتم بتعليم المسلمين والرفع من مستواهم التعليمي والاجتماعي وتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
الأستاذ الدكتور مارتن هايرر، الفائز بجائزة الملك فيصل لعام 1433ه/2022م، في فرع (العلوم – الرياضيات)، وقد مُنح الجائزة تقديراً لأعماله المتميزة في استحداث طرق مبتكرة في تحليل المعادلات التفاضلية العشوائية والوصول لمنظور جديد في مجال الأنظمة العشوائية اللامتناهية، ثنائية الأبعاد المتكررة وغيرها مثل: (معادلات نافييه-ستوكس) و(KPZ)، كما أن تقديمه للتراكيب المنتظمة وفّر إطاراً مرناً وواضحاً لعمليات فصل النواحي الجبرية، والاحتمالية والتحليلية في المعادلات التفاضلية الجزئية العشوائية التي تتطلب إعادة تقييمٍ ذاتي في الميكانيكا الإحصائية().
وتزداد أهمية هذه الجائزة بأن الذي يرعى حفل تسليمها للفائزين هو ملك المملكة العربية السعودية.
أما الجائزة فتتكون في كل فرع من فروعها الخمسة من:
وأما جائزة الشيخ زايد للكتاب في دولة الإمارات العربية المتحدة فهدفها هو: تقدير المفكرين والباحثين والأدباء الذين قدّموا إسهامات جليلة وإضافات وابتكارات في الفكر، واللغة والأدب، والعلوم الاجتماعية، وفي ثقافة العصر الحديث ومعارفه.
وهذه سِيَر بعض الفائزين بالجائزة:
د. عبدالله العروي الفائز بشخصية العام الثقافية لعام 2017م، والذي تشكل أعماله اليوم ذخيرة حقيقية للثقافة العربية، لا تنحصر فاعليتها في المرحلة السابقة، أي منذ السبعينيات من القرن الماضي، بل تكمن فيما تفتحه من آفاق واسعة في المستقبل للبحث والدراسة والإبداع. فهي تسير في اتجاهات متعددة ومتقاطعة، تلتقي في منظومة فكرية لها أسسها النظرية في الرؤية الفلسفية وفي المعارف المتصلة بها. ويمكن الحديث عن هذه الأعمال بما هي تؤلف مدرسة راسخة في النظرة النقدية وفي المواقف المعرفية التي عملت على بلورتها.
هاناوا هاروو من اليابان، الفائز بالجائزة في فرع (الترجمة) لعام 2015م، الذي تشكل ترجمته ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية) إلى اللغة اليابانية إنجازاً معرفياً يتجاوز مسألة البعد اللغوي، لتكون حواراً حضارياً بين الثقافتين العربية واليابانية؛ نظراً إلى ما تنطوي عليه الترجمة من أبعاد تتعلق بالتاريخ الاجتماعي الخاص بمصر وثقافتها، وما شهدته من تحولات مجتمعية من عشرينيات إلى خمسينيات القرن الماضي().
وفروع الجائزة تسعة، وهي:
وتُظهرنا هذه الفروع على توسّع في الجائزة، ففرع بناء التنمية مثلاً يشمل "المؤلَّفات العلمية في مجالات الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والإدارة، والقانون، والفلسفة من منظور التنمية وبناء الدولة، وتحقيق التقدُّم والازدهار، سواء كان ذلك في الإطار النظري أو بالتطبيق على تجارب محدَّدة"(). إضافة إلى تشجيع دور النشر، ومواكبتها لروح العصر؛ إذ تشمل "دور النشر والتوزيع الورقية، ولمشاريع النشر والتوزيع والإنتاج الثقافي؛ الرقمية، والبصرية، والسمعية"().
وتبلغ القيمة الإجمالية لكل فروع جائزة الشيخ زايد للكتاب سبعة ملايين درهم إماراتي، تمنح على النحو الآتي:
وأما جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم فهي جائزة تشجيعية على الإنتاج الإبداعي والمعرفي، وفروعها هي:
وتطرح الجائزة سنوياً موضوعاً أو اثنين وربما تصل إلى أربعة في كل فرع من هذه الفروع، ومما يؤكد أن غايتها ثقافية محضة هو أنها تقِّدم مع الموضوعات أفكاراً كلية وجزئية لكل موضوع في صورة أقرب إلى خطة البحث العلمي.
فعلى سبيل المثال كان من بين الموضوعات المطروحة للبحث الثقافي العام: "دراسة حول إحدى الشخصيات التالية:
... ويدور البحث حول أحد هؤلاء العلماء، مع مراعاة ما يلي:
ومع أن هذه البحوث مقتصرة على دراسة شخصيات محلية، وهذا مما قد يحدّ من انتشار الجائزة وإقبال الباحثين عليها، فإننا نجد أن أعداد المتنافسين عليها أعداد جيدة، كما أن الجائزة هنا وظفت قدرات الباحثين في دراسةِ ثلاثِ شخصياتٍ من ثلاثِ إماراتٍ؛ فحققت بذلك هدف تشجيع الباحثين على البحث والدراسة، وحققت هدفاً آخر هو الأهم للدولة، وهو تسليط الضوء على جزء من تاريخ الدولة المتمثل في هذه الشخصيات، وبالتأكيد فإن الحديث عن الشخصية سيمتد إلى الحديث عن الإمارة ورعايتها للثقافة والفكر والعلم ...
وتتفاوت الجائزة من فرع إلى آخر، فالإنتاج الأدبي (الشعر والقصة) جائزة كلٍّ منهما 10.000 درهم إماراتي، وجائزة الدراسة الأدبية 20.000 درهم إماراتي، وجائزة البحوث الثقافية والعلمية 50.000 درهم إماراتي.
يختلف الترشّح لكل جائزة من هذه الجوائز الثلاث، إلا أنه يمكن الوصف الإجمالي لوسيلة الترشح لها بالآتي:
عرض المشاركات وأسماء المرشحين على عدة لجان: لجان الفرز والفحص، ولجان التحكيم، ولجنة الاختيار؛ وذلك لتحقيق أكبر قدر من الحيادية ().
ونلحظ أن استقبال الترشيحات واستعراض الأعمال المرشحة والتحكيم في جائزتي: الملك فيصل، وراشد بن حميد للثقافة والعلوم، كلها تجري في اجتماعات مغلقة بعيدة عن الأضواء وعيون الإعلام، مع أن الإعلام هو الجزء الأهم في إبراز قيمة الجائزة ومكانتها عند الدول الأخرى، وقدرها عند العلماء والمثقفين، ثم تُعلن أسماء الفائزين. وبما أن وسيلة الترشح ومراحل المنافسة يمكن أن تُسهم في لفت انتباه المثقفين إلى الدولة الراعية للجائزة، وتعزيز الصورة الإيجابية لها، فمن المجدي هنا أن نقارن جائزة الملك فيصل بجائزة الشيخ زايد للكتاب مقارنةً موجزة في هذه النقاط:
وهذا استهداف مركّز للجهات التي ينبغي أن تظل ذاكرتها مرتبطةً بهذه الجائزة الضخمة: فالجامعات، والمنظمات، والهيئات الإسلامية، ومراكز البحوث، والمؤسسات العلمية في العالم أجمع هي الجهات الثقافية التي تمثّل الذاكرة والعين والأذن الثقافية في كل دولة، إلا أن ذلك ينبغي أن تصاحبه حملة إعلامية مكثفة تستمر حتى بعد الترشيحات.
وبعد ذلك بشهر يقام حفل تكريم للفائزين متزامناً مع معرض أبو ظبي للكتاب().
إن طريقة جائزة الشيخ زايد للكتاب في إعلانها القائمة الطويلة، ثم إعلان القائمة القصيرة، ثم إعلان أسماء الفائزين، يجعل الجائزة كأنها ثلاث جوائز، ويُبقي أنظار المثقفين المترشحين والمهتمين متوجهةً تلقاء دولة الإمارات العربية المتحدة طَوال زمن التنافس على الجائزة منذ بدء إعلان الترشح حتى إعلان أسماء الفائزين، بل حتى انتهاء حفل تسليم الجوائز، ولعل اختيار توقيت حفل توزيع الجائزة كان موفّقاً بتزامنه مع معرض أبو ظبي للكتاب في كل عام، ومعارضُ الكتاب في الغالب لا يرتادها إلا المثقفون.
وهذه الجوائز الثلاث يغلب عليها أنها جوائز نُـخْبية، إلا أن بعضها استطاع أن يجعل الجمهور والإعلام والمهتمين مستمرين في التطلع إلى معرفة نتائجها طوال مدة المسابقة، فمثّلت بذلك قوة ناعمة جعلت أنظار المثقفين تتجه إلى الدولة زمناً طويلاً، وجعلت اسم الدولة يتردد على ألسنة المثقفين وهم يستعرضون أسماء المثقفين، ويناقشون نتاجهم الثقافي والأدبي، سواء أكان النقاش في المنتديات الأدبية والملتقيات والمجالس الثقافية، أو كان عبر البرامج التلفزيونية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي..
أما الجوائز ذات الطابع الجماهيري فهي الجوائز التي يتنافس عليها المشاركون على الهواء مباشرة وأمام الجمهور الحاضر، وأبرزها: جائزة أمير الشعراء، وجائزة شاعر المليون، وجائزة كتارا لشاعر الرسول، وجائزة شاعر عكاظ.
وهي جائزة في الشعر، هدفها: أن تعيد الشعر العربي الفصيح إلى صلب المشهد الثقافي في المنطقة. وأما الشقّ الثاني للجائزة فهو جائزة شاعر المليون، وقد خُصصت للشعر العامي، والمسابقة تقام على هذا النحو: سنة لجائزة شاعر المليون وسنة لجائزة أمير الشعراء.
وهذه الجائزة بشقيها الفصيح والعامي، هي التي فتحت الباب للمسابقات الشعرية المباشِرة ذات الجماهيرية، وهي التي جعلت الجماهير تشارك في التصويت لشاعرها المفضَّل، ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا: إن هذه الجائزة في نُسخِها الأولى قد مثّلت حركةَ إحياء للشعر، وخاصةً الفصيح.
بل إن الجائزة قد امتد تأثيرها إلى الدول الإفريقية الناطقة بغير العربية، وهذا ما قاله صراحة الشاعر عبدالمنعم حسن من جمهورية مالي، الفائز بالمركز الخامس لجائزة أمير الشعراء في نسختها الثامنة، وذلك في الاجتماع الذي عُقد مع جملة من المثقفين ثم أرسل مداخلته مكتوبةً، قال فيها: "حين قررت المشاركة في مسابقة أمير الشعراء، لم أخبر أحداً، ومع ذلك انتشر خبر فوزي في أوساط دارسي اللغة العربية في مالي والسنغال والنيجر ونيجيريا وغانا وساحل العاج ودول عديدة من إفريقيا السمراء، إضافة إلى شمال إفريقيا، وبدأت تنهال عليّ طلبات الصداقة في الفيس بوك، والاتصالات من أفراد ومؤسسات مهتمة باللغة العربية في مالي ودول غرب أفريقيا، ثم نشرت الصحف الرسمية هذا الحدث، مثل صحيفة لنديباندانس "المستقلة".
وحين فزت بأحد المراكز المتقدمة في المسابقة وعدت إلى مالي، استُقبلت في المطار، وكان قد جاء كثير من أهلي وأقاربي من القرى للاحتفاء بي ولاستقبالي، وطرح أسئلة كثيرة عن المسابقة وعن الجهة التي نظمت المسابقة وعن الإمارات، التي لم يكونوا يعرفون عنها غير دبي، ولكن بعد مشاركتي في المسابقة أصبح اسم أبوظبي، حيث أقيمت مسابقة أمير الشعراء، متداولا في الأوساط التي عرفتني وتابعتني. ثم أصبح كثير من الناس يستوقفونني لمصافحتي والتقاط صورة معي، وتردني دعوات من الجامعات للقاء بي والتحدث عن تجربة مشاركتي في المسابقة، مثل جامعة إفريقيا الفرنسية؛ إذ كرمتني بمنحة دراسية نظير تشريف مالي في محفل ثقافي خليجي كبير، وكذلك كلية إعداد المعلمين في مالي، وغيرها، واستضافات تلفزيونية عديدة، مثل استضافتي في برنامج تمبكتو تناديكم، والذي يعرض على قناة جوليبا Joliba في مالي.
تأثير الجهة المنظمة للمسابقة لن يزول من خاطر الأفارقة الذين مسهم سحر اللغة العربية"().
وقد نشر الشاعر نفسه تغريدة مدرجةً فيها صورة الحوار المطول الذي أجرته معه صحيفة المستقلة المالية عن مشاركته في مسابقة أمير الشعراء، ومعنى هذا أن اسم الجائزة واسم الدولة الراعية لها يترددان في الصحافة هناك.
كما أن تغريدة حساب (مركز لغة الهوسا) تؤيد هذا الامتداد للجائزة، وترجمتها هي: "رجل من الهوسا يتنافس في الشعر العربي، مع شعراء عرب في أبو ظبي! احترس غدا بينما يغني علي لون من نيجيريا طريقه في الجولة الثانية من مسابقة أمير الشعراء في #UAE #الإمارات #أمير_الشعراء" وقد وُضع الوسمان الأخيران باللغة العربية في دلالة على أن الجائزة جعلت اسم الدولة الراعية متداولاً على الألسن هناك .
وقد اختارت الهيئة المنظِمة أن تجري المسابقة في مسرح شاطئ الراحة في أبو ظبي، لكي تسلط الضوء على إمكانات أبو ظبي السياحية، وتُبرز ما تتمتع به من مواقع جذب سياحي.
وسيلة الترشح:
وتسير المنافسة على هذا المنوال: أن يرسل الشاعر إلى اللجنة قصيدة تتراوح بين 20-30 بيتاً، وتختار اللجنة مَن تنطبق عليه الشروط، وقد بلغ عدد الذين اُختيروا للمقابلة 150 شاعراً من 27 دولة، من بين ما يزيد على ألف متقدم، لتنتخب اللجنة عشرين فائزاً يتنافسون أمام الجمهور في برنامج منقول على الهواء، مع إتاحة الفرصة للجمهور حضوراً ومتابعين للتصويت للشاعر الذي يرون أنه أحقّ باللقب، وتستمر المنافسة أمام الجمهور عشرةَ أسابيع(). أما لجنة التحكيم فتنتمي إلى ثلاث دول، وعلى هذا المنوال أيضاً ان الترشح لجائزة شاعر المليون.
وتبلغ جائزة الفائز بالمركز الأول وبلقب "أمير الشعراء" مليون درهم إماراتي، إضافة إلى البردة التي تمثل الإرث التاريخي للعرب والخاتم الذي يرمز للقب الإمارة، ولصاحب المركز الثاني 500 ألف درهم إماراتي، ولصاحب المركز الثالث 300 ألف درهم إماراتي، ولصاحب المركز الرابع 200 ألف درهم إماراتي، ولصاحب المركز الخامس 100 ألف درهم إماراتي().
هذا إضافة إلى تكفّل إدارة المسابقة بإصدار دواوين شعرية للفائزين.
اختارت المؤسسة العامة للحي الثقافي المنظِّمةُ للمسابقة اسمَ (جائزة كتارا لشاعر الرسول)؛ لكي تحقق بذلك ثلاثة أهداف معلنة، هي:
"أولاً: تسليط الأضواء على العمق الحضاري والبعد التاريخي لدولة قطر، فـ(كتارا) (Catara) هو أول وأقدم اسم استخدم للإشارة إلى شبه الجزيرة القطرية في الخرائط الجغرافية والتاريخية منذ العام 150 ميلادي، وقد ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في خرائط كلوديوس بطليموس عام 150م التي صدرت عام 882ه/1477م.
ثانياً: تسمية (كتارا) بالحي الثقافي يعكس اهتمام دولة قطر بالثقافة والمعارف والفنون، ونشأت فكرة الحي الثقافي من حلم تكون فيه قطر منارة ثقافية عالمية تشع من الشرق الأوسط من خلال المسرح، والآداب، والفنون، والموسيقى، والمؤتمرات، والمعارض.
ويكون الحي الثقافي نظرة على مستقبل عالم يتمكّن فيه الناس من كل المرجعيات الثقافية المختلفة من تخطّي حدودهم الوطنية الجغرافية، وتبنّي قضايا مشتركة في دعم الوحدة الإنسانية.
لتكون كتارا ملتقى يمزج بين جمال الماضي بإشراقة المستقبل"().
ثالثاً: تعميق حب المصطفى في قلوب الأجيال المعاصرة، وتشجيع المواهب وصقلها وتنميتها والأخذ بيد الشباب ليترجموا نبوغهم إلى أشعار تخدم الإسلام، وتأكيد أهمية الشعر في وحدة الأمة الإسلامية والعربية، وربط شباب الأمة بحضارتها وتدعيم الهوية العربية، وتعريف الجمهور بقيمة فن الشعر ومدى تأثره بواقعنا وتأثيره فيه().
إن هذه الأهداف تحاول تحقيق حضور ثقافي لقطر في وجدان المثقف العربي من خلال اهتمامها بـ(الشعر) وهو النشاط الثقافي الأقرب إلى مشاعر المتلقي، وله جمهور واسع، كما تحاول ترسيخ بُعد حضاري وعمق تاريخي لقطر من خلال اختيارها للمكان الذي تجري المسابقة على مسرحه، بل وإدراج اسمه في اسم الجائزة، فلم تكتفِ بأن يكون الاسم (جائزة شاعر الرسول) فقد أضافت إليه اسم الحي الثقافي الذي يدل على بُعدها التاريخي (جائزة كتارا...) كما أن هذا الحي حيٌّ تاريخيّ، إضافة إلى أنها بهذه الجائزة التي تحمل صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- تستثمر العاطفة الدينية لمليار ونصف المليار مسلم لتعزز صورة عنايتها بالجانب الديني المتمثل في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الشخصية التي لا يكتمل الإيمان إلا بأن يحبها المسلم أكثر من حبه لنفسه.
وسيلة الترشّح:
ثم تختار اللجنة 15 شاعراً؛ ليتنافسوا أمام اللجنة في مسابقة منقولة للمشاهدين.
وأما جائزة شاعر عكاظ فأوّل ما يلفت الانتباه إلى هذه الجائزة هو أن الجهة المنظمة قد حقّقت أهدافاً عدةً؛ وذلك باختيارها للاسم وللمكان ومجالات الجائزة، فهي بالمجالات المطروحة للمنافسة تعزّز صورة الدولة الراعية لها واهتمامها بالثقافة والفن والتراث والعلم، كما أن الاسم (عكاظ) مرتبط بالذاكرة الثقافية للعرب جميعاً، فهو اسم مرتبط بالتراث، والتراث له حضور قوي في وجدان الشعوب، مبدعين ومتلقين، والوصول إلى وجدان الشعوب أو الذاكرة الجمعية بوسيلة التراث هو من أقوى الوسائل تأثيراً فيه؛ فكل معطىً من معطيات التراث يرتبط دائماً بهالة من القِيَم الفكرية والروحية، بحيث يكفي استدعاء هذا المعطَى أو ذاك لإثارة كل الإيحاءات والدلالات التي ارتبطت به في وجدان المتلقي تلقائياً()، وعكاظ اسم يرسّخ الدلالة الحضارية والعمق التاريخي للدولة الراعية/ المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن السوق ضارب في التاريخ، ومتجذر في الذاكرة التاريخية بوصفه من أشهر الأسواق العربية().
بدأت جائزة سوق عكاظ في فروع مختلفة تغطي كثيراً من جوانب الثقافة والفن، وما زالت الجائزة تتطور وتُدخِل مجالاتٍ أو فروعاً أوسع، حتى وصلت في عام 1439ه (2019م) إلى (15) جائزة ومسابقة، وهي: جائزة عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح (شاعر عكاظ)، وجائزة سوق عكاظ التقديرية للأدب «جائزة الأدب لسوق عكاظ»، وجائزة سوق عكاظ الدولية للحرف والصناعات اليدوية، وجائزة سوق عكاظ الدولية للخط العربي، وجائزة سوق عكاظ الدولية للسرد العربي، وجائزة سوق عكاظ للابتكار، وجائزة سوق عكاظ لريادة الأعمال، ومسابقة سوق عكاظ للتصوير الضوئي، ومسابقة شاعر شباب سوق عكاظ، ومسابقة سوق عكاظ للفنون الشعبية، ومسابقة سوق عكاظ للعروض المسرحية، وجائزة سوق عكاظ للفن التشكيلي، ومسابقة سوق عكاظ لريادة الأعمال، ومسابقة أشبال سوق عكاظ للفنون الشعبية، ومسابقة خطيب سوق عكاظ للنشء.
ثم أصبح اسمها جائزة شاعر عكاظ، وذلك في موسمها الأخير عام 1440ه، واقتصرت على الشعر فقط.
ومع هذا التطور للجائزة تغيرت وسائل الترشح والتنافس، فبعد أن كان الشعراء يرسلون قصائدهم ودواوينهم إلى اللجنة، ثم تعلن اللجنة أسماء الفائزين، استفادت الجائزة من طريقة الترشّح والتنافس التي تسير عليها جائزة أمير الشعراء، وجائزة كتارا لشاعر الرسول، فأخذ التنافس عليها طريقة أخرى أقرب إلى الجذب الإعلامي وإثارة المشاهدين، وهي على هذا النحو:
وتجاوز عدد المتقدمين 280 شاعراً من كافة الدول العربية، ومن دولٍ غير عربية، واستعرضت لجنة التحكيم الأولية إنتاجهم فصار من تنطبق عليهم الشروط 141 شاعراً، ورشحت اللجنة 22 شاعراً حضروا إلى عكاظ في الطائف، وأصبحوا يُنشدون أشعارهم أمام لجنة مكونة من ثلاثة نقاد كبار من: السعودية، والعراق، والمغرب، وقد سُجلت المنافسة وعُرضت على الجمهور في قناة mbc؛ لكي يتنافس منهم عشرة فقط على المراكز العشرة الأولى.
أما حفل توزيع الجائزة فهو في مقر سوق عكاظ التاريخي. وينال شاعر عكاظ 1.000.000 ريال، وينال صاحب المركز الثاني 500.000 ريال، وصاحب المركز الثالث 250.000. أما أصحاب المراكز من الثالث إلى العاشر فلكل واحد منهم 50.000 ريال.
بالإضافة إلى طباعة دواوين الشعراء الفائزين وتوزيعها.
وبمقارنة جائزة أمير الشعراء وشاعر المليون بجائزة كتارا وجائزة شاعر عكاظ في استثمارها لمرحلة التنافس في جذب الجمهور، ولفت انتباهه إلى عناية الدولة بالثقافة؛ يتبين الآتي:
كل جائزة تنظمها دولة ما يكون لها أهداف عدة، ومن أبرز تلك الأهداف تشجيعُ الثقافة والعلم والإبداع، إلا أن بعض الدول تستثمر هذه الجائزة في تعزيز صورتها الحسنة، وتسليط الأضواء على ما تبذله من جهود للتنمية الثقافية، وإبراز دورها في المشهد الثقافي العام، وهذا هو الهدف المضمر للجائزة.
ولهذا تحرص الدولة على أن يكون الإعلام مواكباً لهذه الجائزة منذ الإعلان عن إطلاقها أو بدء موسمها إلى آخر لحظة من الأنشطة والبرامج المصاحبة، وسنستعرض في هذا الجزء أبرز التجارب الناجحة للجوائز.
إن مقارنة جائزة الشيخ زايد للكتاب بجائزة الملك فيصل من حيث الإعلام تُبين لنا أن جائزة الشيخ زايد للكتاب استطاعت إطالة زمن الجائزة بحيث تعلن قائمة طويلة للفائزين، ثم قائمة قصيرة، ثم تعلن أسماء الفائزين النهائية، وبعد ذلك جعلت حفل توزيع الجوائز متزامناً مع معرض أبو ظبي للكتاب، مستفيدة من الإعلام الذي يغطي معرض الكتاب، ومستفيدة من حضور المعرض الذين هم في الغالب من طبقة المثقفين.
أما جائزة الملك فيصل، فربما لأن هدفها الأبرز هو تكريم المثقفين والعلماء الذين أسهموا في خدمة البشرية والإنسانية، اكتفت بتنظيم حفل على مستوى عالٍ من الرعاية يحضره الفائزون، ويُدعى إليه المثقفون، ويتسلم الفائز جائزته ثم يغادر إلى بلده.
وهذه الطريقة يُمكن أن تطوّرها الدولة الراعية لتوظّف مكانة الجائزة في تعزيز صورتها، وقد جاء هذا السؤال في الاستبانة: كيف يمكن للدولة الراعية أن تُبرز الجوانب الأخرى لها، وتطورها في المجالات الأخرى: الطب، السياحة، الآثار، الثقافة، التنمية الاجتماعية ...؟ وأجاب عنه أحد أبرز الحاصلين على جائزة من كبريات الجوائز بهذا النص: "بألا يقتصر الأمر على الانتقال من النُّزل إلى مكان الاجتماع جيئةً وذهاباً، وإذا تمت الجلسة الأخيرة تقع مرافقة كل عضو إلى طائرته أو وسيلة أخرى من وسائل الرجوع إلى بلده".
وأما الضيافة فإن أبرز ما يلفت الانتباه هو تطور الضيافة والتنظيم في جائزة عكاظ.
لقد مرت الجائزة في بدايتها بالضعف الذي يعتري البدايات غالباً، فكان الخلل في التنظيم، وحسن الاستقبال والضيافة أمراً متوقعاً، وخاصةً بسبب قلة الفنادق الفاخرة في الطائف، وضعف مهارات وخبرات المنظمين، وعدم وجود فريق متخصص في إدارة المؤتمرات والمنظمات.
إلا أن الجائزة في موسمها الأخير 1440ه/2019م قد طورت من هذا الجانب، فالمتسابقون يصلون إلى مطار الطائف الذي صُمِّم وأُثِّث ليعكس هوية الطائف بصورة تراثية فيبدأ المتسابق، بل وكل سائح، يندمج مع هوية الطائف بمجرد وصوله إليها، ثم يصل إلى الفندق الـمُعدّ لسكنه فيُستقبَل بالضيافة السعودية في فندق أُثِّث بصورة تعكس هوية الطائف، بل إن جميع الطائف من فنادق وشقق مفروشة ومطاعم ومقاهٍ وشوارع ... كانت تعكس هوية الطائف؛ لأن الجائزة قد تزامنت مع موسم الطائف.
إنه يُفضَّل للدولة الراعية أن تستقبل ضيوفها بصورة تعكس هُويتها، وتقاليدها؛ لأن مثل هذه التجارب هي التي تبقى راسخة في ذاكرة الضيف، يقول الدكتور/ أحمد زويل وقد جاء إلى الرياض من أمريكا: "أذكر أنني عندما حضرت إلى الرياض إبان فوزي بجائزة الملك فيصل العالمية في الفيزياء (عام 1989م) قام الأمير بندر بن سعود بن خالد بدعوة جميع الفائزين بالجوائز إلى طعام الغداء في البر حيث جلسنا في الخيمة وتحلقنا حول صواني الأكل العربي وأكلنا بأيدينا كما كان يفعل القدماء.. تلك لمسة كل لها أبلغ الأثر في نفسي"().
هكذا عبّر العالم الفيزيائي القادم من أمريكا.
إضافة إلى ذلك فإن المشاركين في جائزة الشيخ زايد للكتاب يحظون بزيارات للمواقع السياحية، والمتاحف، والمراكز السياحية، ومثل ذلك ما يحظى به المشاركون في جائزة أمير الشعراء.
إلا أن جائزة الشيخ زايد للكتاب تذهب إلى أبعد من ذلك فتنظم بالتعاون مع جهات ثقافية وإعلامية خارجية ندوات وملتقيات ثقافية ذات موضوعات كبرى مشتركة بين الشعوب، وقد يكون مقر الندوة في دول أخرى، وهذا مما يجعل النظرة إلى هذه الجائزة تتجاوز المحلية والإقليمية إلى العالمية، ومن هذه الندوات:
ولعل من أكثر الندوات تعزيزاً لصورة الدولة الراعية، ومدى تأثيرها في الثقافة الندوةَ التي نظمتها الجائزة بالتعاون مع مجلة "ببلشنغ بيرسبكتفز" وفيها يناقش الناشرون العرب الفائزون بـجائزة الشيخ زايد للكتاب مدى تأثير الجائزة على أدائهم وعلى درجة الوعي العام بأعمالهم الفائزة().
وفي جائزة كتارا لشاعر الرسول نجد جملة من البرامج المتنوعة، فقد أقامت الجائزةُ مهرجانَ "حب الرسول صلى الله عليه وسلم" على هامش الجائزة()، "بمشاركة نحو 20 مؤسسة ومركزاً، منها: المركز الثقافي للطفولة، ومركز الفنون البصرية، ومركز قطر التطوعي، ومركز إبداع الفتاة، ومركز فتيات الدوحة، ومركز فتيات الخور، ومركز «دريمة»، ومركز أدب الطفل، كما تشارك مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية «راف»، ومؤسسة الشيخ عيد الخيرية، ومركز الشيخ عبدالله بن زايد آل محمود، ومؤسسة قطر الخيرية، بالإضافة إلى مجلس الشعر، وقناة الرسول، وغيرها من المراكز والجهات الثقافية والاجتماعية"().
ونلحظ في أسماء المؤسسات والمراكز المشاركة في هذا المهرجان أنها متنوعة بين مركز للطفل، ومركز فني، ومركز تطوعي، ومركز للفتاة، ومركز للخدمات الإنسانية، ومؤسسة خيرية، وقناة دينية، ...، وهذا كله من شأن أن يعطي انطباعاً عن الشمولية الثقافية في الدولة الراعية.
وكذلك جائزة شاعر عكاظ في موسمها الأخير، فقد استثمرت كثيراً من الأنشطة المواكِبة لها، وأهمها سوق عكاظ، فبينما تجري المنافسة على الجائزة هناك أنشطة وفعاليات في سوق عكاظ "وتتضمن الفعاليات التي تستمر على مدى أسبوع عدداً من الأنشطة المتمثلة في الندوات الثقافية والأدبية، والأمسيات الشعرية التي تمتد لثلاث ساعات، من بينها ندوات عن فيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، والرواية العربية الجديدة، والتحول والمضمون، وطاهر زمخشري الشاعر والإنسان، وريادة الأعمال واقع وتحديات، القيم الإعلامية في العصر الجديد، اللغة العربية في آسيا الوسطى، والنص الرقمي وسؤال المرحلة، الدراما السعودية تجارب وشهادات، واقتصاديات الفنون، العمل التطوعي عطاء وانتماء"()، وهي مكثفة وثرية حتى صار معها السوق مقصداً للسياح من أهل الطائف ومن غيرهم من السعوديين وغير السعوديين، وأصبح الإعلام فيه مكثفاً تغطيه مواقع التواصل الاجتماعي، وأشهر القنوات التلفزيونية مثل MBC.
وأما حفل توزيع جائزة شاعر عكاظ فهو في موقع سوق عكاظ التاريخي، برعاية وتشريف صاحب السمو الملكي الأمير/ خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، وهو شخصية ثقافية، وإبداعية: شاعر، وفنان تشكيلي، وناثر، ورئيس مؤسسة الفكر العربي، وإن رعاية شخصية تحمل هذه الصفات المرتبط دينياً بمكة المكرمة، وأدبياً بالشعر والنثر، وفنياً بالفن التشكيلي، وثقافياً باهتمامه بالثقافة ومبادرته بتأسيس مؤسسة الفكر العربي - تعطي رسائل كثيرة لتعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية: دينياً، وثقافياً، وإبداعياً، وفنياً، فكيف إذا اجتمع مع هذا الاسمِ الارتباطُ الحضاري والتراثي للدولة الراعية بعكاظ؟ حتى في أسلوب تقديم الجائزة فإن الشخصية الراعية للحفل تُلبس الفائز بُردة جائزة عكاظ، وهو أسلوب يُحيل ذهن المتلقي إلى الطريقة التراثية في مثل هذه الجوائز والمكافآت كقصة إلباس الرسول -صلى الله عليه وسلم- بردته لكعب بن زهير -رضي الله عنه- بعد أن أنشده قصيدته: بانت سُعاد...
قد تكون الجائزة بوابة عبور نحو جوانب إنسانية، فالشاعر إبراهيم حلّوش قبل فوزه بإحدى الجوائز بنحو سنتين قد أصيب بعمى مفاجئ، وقد صارت مشاركته في جائزة في السعودية وجائزة في الإمارات العربية المتحدة فرصةً لانتشار قصته المأساوية، فتكفّل سمو وزير الثقافة في السعودية الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود بعلاجه، وما زال حتى الآن يواصل علاجه على نفقة سمو الوزير().
ومما يمكن ذِكره في هذا الصدد أن كثيراً من المشاركين في المسابقات، وحتى ضيوف المهرجانات والملتقيات في السعودية، يجدون أن الفرصة سانحة لهم لأداء العمرة، فيطلبون من منظمي الجوائز والعاملين بها تنظيم رحلة لهم إلى مكة المكرمة، ويتحقق لهم ذلك()، وهذا ما نصّ عليه أحد الفائزين بجائزة شاعر عكاظ أنه استفاد: أداء العمرة، والصلاة في المسجد النبوي.
وللدكتور علي بن تميم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب تغريدة عن عيادته لأحد من فازوا بالجائزة بعد أن أجريت له عملية جراحية، وهذا نصها: "زرنا اليوم الكاتب المصري المهم، إبراهيم عبد المجيد الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب 2016 بمنزله العامر في حدائق الأهرام، بالقاهرة، وقد منّ الله عليه بالتعافي بعد أن أجرى عملية جراحية معقدة، نسأل الله أن يستمر كما هو دوما يبعث الأمل والخيال في أعماله السردية المميزة.."، وقد أدرج بها صوراً للزيارة. وإن نشر مثل هذه الزيارة بهذه التغريدة لَيرسّخ صورة اهتمام المثقفين في الدولة الراعية والقائمين على الجائزة بمتابعة المثقفين وأحوالهم الشخصية، وكذلك غرّد عن زيارته للدكتور صلاح فضل قائلاً: "زرنا (دارة أندلسية) بالمعادي، منزل رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة أخي العلامة الأستاذ الدكتور صلاح فضل بعد أن حالت وعكة صحية دون حضوره لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب ليثري فعالياته، ونسأل الله له الشفاء العاجل، فهو مثال الوفاء والإخلاص للثقافة العربية التي زهت به وازدهرت بعلمه"()، وهي تغريدة توحي بأن القائمين على الثقافة في هذه الدولة يتفقدون المثقفين وأحوالهم فإذا منعهم عارض صحي مثلا عن حضور الملتقيات والمعارض الثقافية فإنهم سيزورونه للاطمئنان عليه، وهذه زيارات تعزز الصورة الإنسانية للدولة الراعية.
إن نجاح الدول الراعية للجوائز في ربط الجائزة بعمقها الحضاري، وجانبها التاريخي، وبُعدها الديني، وقدرتها على إبراز جهودها الثقافية، إن ذلك كله كفيلٌّ بأن يُبوّئ تلك الدول مكانة عالية في نفوس المثقفين ووجدانهم.
ولعل مما يؤيد الرسوخَ في الوجدان الثقافي ما تعكسه أعداد المتنافسين من تصاعد، فعلى سبيل المثال: عُمر جائزة الملك فيصل أربعة وأربعون عاماً، فاز بها على مدى هذه الأعوام مئتان واثنان وثمانون فائزاً، من أربع وأربعين دولة()، ومعنى هذا أن عدداً كبيراً من العلماء والمثقفين في دول العالم تشرئب أعناقهم سنوياً نحو الدولة الراعية لها؛ للحصول على الجائزة السخيةً مادياً، الكبيرة اسماً وشهرة وسمعةً، وهم يدركون أن الهدف الأبرز لهذه الجائزة هو: خدمة الإسلام والمسلمين، والإسهام في سعادة البشرية ورقيّها.
كما أنه في الدورة الخامسة لجائزة كتارا لشاعر الرسول عام 2021م بلغ عدد المتقدمين للمنافسة 1358 مشاركاً، وفضلا على العدد الهائل للمتقدمين للمنافسة فإن هذا العدد قد زاد عن الدورة السابقة بنسبة 29%().
وإذا كان الوجدان والمشاعر لا يمكن أن يقاسا إلا من خلال تعبيرات المثقفين؛ فإن ما نطالعه من تصريحات للفائزين بالجوائز أو المشاركين في التنافس عليها، ولو لم يفوزوا، وما نقرؤه من قصائد الشعراء التي أنشؤوها بمناسبة مشاركتهم، أو بعد مشاركتهم بزمنٍ، يؤكد أن الجائزة قد تركت أثراً واضحاً ملموساً ومعبَّراً عنه في وجدان هؤلاء المشاركين.
يقول الدكتور مقداد يالجن الفائز بجائزة الملك فيصل: "إن هذه الجائزة في رأيي رمز للمملكة، وعنوان على اهتمامها بالعلوم، وتقديرها للعلماء"().
ويقول الدكتور أحمد زويل: "إنني أحترم الطريقة التي تبني بها هذه الدولة نفسها، لقد بدأ الشعب السعودي يعي بنفسه وبالدور الذي يلعبه على مسرح العلوم والتقنية.
إن الروح التي وجدتها لدى السعوديين تشبه ما حدث في اليابان وكوريا والولايات المتحدة الأمريكية ...
هذه واحدة، والثانية أنه في الوقت الذي يتعامل السعودي مع أحدث معطيات العلوم والتقنية، فإنه شديد الحرص في الحفاظ على التراث"().
ومن الشواهد الناصعة على ذلك أن الدكتورة شفيقة وعيل، وهي جزائرية عملت أستاذاً في الجامعة الأمريكية ببيروت وشاركت عام 2019م في جائزة شاعر عكاظ، أنشأت قصيدة بمناسبة اختيار الطائف عاصمة للشعر العربي عام 2021م، جاء فيها:
"الوَرْدُ في حَرَمِ المعاني واقِـفُ
فأَتَـيْـتُ لا شيءٌ يَليقُ بطُهْرِها
الصُّورةُ اكتَمَلَتْ: مقامٌ واحد
كُونِي القصيدةَ إنّ هٰذي (الطـائِـفُ)"
إلّا العُروجُ وكُلُّ مَسْرًى زائِـفُ
والعالَمونَ قَبائلٌ وطوائفُ ()
وغرّدت الشاعرة بقصيدتها في تويتر ممهدة لها بقولها: "(هذا الطائف) كما يقول أهلي هناك، لكنّي ومنذ أوّل مرّة وقعت في حبّها منذ سنوات طويلة لا أستطيع إلّا أن أؤنّثها: هل لأنّها أمّ القلب أم لأنها بنت الروح؟ للطائف التي منحتني الحبّ، قصيدتي"في جبل الطــا...""()، وبتغريدة أخرى نصُّها: "(من جبل الطــا...) لمرآة روحي الطائف!"()، ولها تغريدات يضيق عنها مجال البحث، ومنها: "لا أدري لماذا يهفو قلبي للطائف هذا المساء... الله يا أرضاً ملأتني بالمحبة والطيبة"()، و"في قلبي المملكة وأهلي الطيبون فيها..."().
واختيارها عبارات مثل: (في قلبي، أهلي هناك، وقعت في حبها، مرآة روحي، أرضاً ملأتني بالمحبة والطيبة) تُشعِر بأن مثل هذه الجوائز قادرة ليس على تعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية فحسب، بل على أن تنغرس في وجدان المثقفين حتى يعدّوها وطنهم الثاني، يؤيد ذلك أنها ترى الطائف -المدينة التي نافست فيها على جائزتين (جائزة شاعر عكاظ، وجائزة الثبيتي)- هي أميرة الدنيا وسائر البلاد وصيفات لها لولا وطنها الجزائر، وهذه المثقفة تحلف على حبها لهذه البلاد التي أضافتها مرتين على جوائز ثقافية، تقول عن السعودية: "والله إنّ لهذا البلد عليّ ما لا تفيه القصائد... بيني وبينه حبل سِرّيّ ممدود إلى السماء! ولكن من أين لي بلغةٍ تفيهِ مقامَه؟!
حفظ الله السعوديّة وأهلي فيها وحفظ الطائف وأحبابي وخلّاني فيها...وحفظ لي ذكرياتها المعتّقة في السحر والحبّ"().
وللشاعرة في عام 2021م 26 تغريدة كلها ثناء على الطائف وأهلها.
وللشاعر السعودي الدكتور سلطان السبهان الفائز بجائزة أمير الشعراء في عام 2019م أبيات يهنئ بها دولة الإمارات في يوم العلم الإماراتي، يقول: "نشارك بفرحٍ أهلَنا في الإمارات ذكرى #يوم_العلم_الإماراتي
إماراتٌ يَزيْنُ بها خليجٌ
بناها زايدٌ وتعاهدَتْها
كما قد زيّنَ الرأسَ العِقالُ
رجالٌ دون هِمّتِها الجبالُ()
وللدكتور السبهان تغريدات تؤكد مكانة دولة الإمارات العالية في وجدانه من حيث هي دولة مهتمة بالثقافة والمثقفين.
وقريباً من هذا الشعور ما نجده لدى الشاعر المصري الدكتور علاء جانب الفائز بجائزة أمير الشعراء، يقول مهنئاً الإمارات العربية المتحدة بيومها الوطني:
الإمارات التي أحببتها
وطني الثاني الذي أطلعني
وجرت مثل دمائي في الوريد
مثل نجمٍ لامع الضوء جديد()
ووصفُه لدولة الإمارات بأنها وطنه الثاني يجلّي لنا مكانة هذه الدولة في نفسه، بل يذهب في أبيات إلى أن يجعل حبه لدولة الإمارات أَمارةً وعلامةً عليه، ويودّ لو كان إماراتياً، يقول:
حب الإمارات شيء من أماراتي
والله لولا وفاء النيل يمسكني
مُذ قرّ في مهجتي ينداحُ في ذاتي
وددت لو كنت من أهل الإمارات()
وفي تغريدة ثالثة يقول مدافعاً عن دولة الإمارات التي نجح برنامجها الشعري (أمير الشعراء) في تحريك الشعر الفصيح والارتقاء به وإعادة الوهج إليه: "الذي ينكر فضل دولة الإمارات ودور هذا البرنامج على الشعر جاحد للحق"().
وللشاعرة منى حسن، وهي مثقفة من السودان شاركت في جائزة شاعر عكاظ، قصيدة تتغنّى فيها بعكاظ، وعنوانها: حيث الزمان عكاظ، يعبر عن رأي الشاعرة في العمق الثقافي للدولة الراعية ممثلة في عكاظ، فكأن هذه الدولة الراعية بامتداد اهتمامها بالثقافة والأدب إنما هي امتداد لمسيرة الثقافة العربية التي ترمز لها بعكاظ، تقول في بعض أبياتها:
ما بين ضـفة أمسـه والحاضر
حيثُ الزمانُ "عُكـاظُ" بيتُ قصائـــــــــــــد الـ
ينسابُ نَهرُ الـمُفرداتِ بِخاطِرِي
ـدنيا وقـبـلةُ كُل قـــــلبٍ شاعر()
ولا يخفى ما في تصويرها لعكاظ بأنه قِبلةٌ لكل شاعر ما تُكنّه هذه المشاعر نحو الدولة الراعية من عرفان بفضلها على الثقافة.
وللشاعرة نفسها قصيدة عنوانها (عروج إلى أبو ظبي) أنشأتها على إثر مشاركتها في مسابقة جائزة أمير الشعراء، تقول واصفةً أبو ظبي بأنها قِبلة الشعراء وسفيرة الشعر ...:
آمنتِ بالشّعَرا، فكنتِ سفيرةً
وحضنتنا في خيمة الحبِّ التي
للشعرِ ترفعُ رايةَ الترغيبِ
مُلئت بصافي البِشْرِ والترحيبِ()
بل إن من نتائج هذه الجوائز، حتى ولو لم يفز المثقف بها، أن تجعل من هذا المثقف لساناً مدافعاً عنها، تقول الشاعرة منى حسن مغردّة ضمن وسم #أنا_بدوي: "كان أبي رحمه الله حين يستنكر شيئاً أو حين يلام على فرط كرمه وإيثاره يقول: "أنا بدوي راعي إبل"، يقصد أنه بدوي، كان يرعى الإبل، ذلك أن أصوله من الحجاز. حيا الله البدو أهل الأخلاق والشهامة والمروءة في كل مكان وزمان، وأخص أهلي الذين ولدت ونشأت معهم في السعودية #أنا_بدوي"().
تمثل الجائزة جزءاً من الدولة الراعية لها، وتكتسب أهميتها ومكانتها من مكانة الدولة الراعية، ولا يمكن للمال وحده بمعزل عن السياق العام للجائزة من منظم، ودولة، ومجال... أن يعطي الجائزة قيمةً وقَدْراً().
وإذا طالعنا الجوائز العربية، وخاصةً الجوائز التي حاولنا من خلالها أن نجيب عن سؤال البحث، وجدنا أنها كانت أداة فاعلة بقوة في الحَراك الثقافي، يدل على ذلك أن الأعداد التي تتنافس عليها هي أعداد كبيرة قياساً إلى الزمن الوجيز للترشح، فجائزة شاعر عكاظ على سبيل المثال تقدّم لها أكثر من 280 شاعراً()، وبلغ عدد المتنافسين في بعض دورات هذه الجائزة التي كانت متعددة المجالات (441) متنافساً()، وتقدم للمنافسة على جائزة كتارا لشاعر الرسول (الشعر الفصيح – عام 2021م) 1358 مشاركاً()، وإن إقبال هذه الأعداد من جميع الدول العربية، ومن الشعراء غير العرب الذين ينظمون الشعر العربي ليس إلا صورة جلية لمكانة الجائزة في وجدان المشاركين.
وبموازنة أعداد المشاركين في جائزة شاعر عكاظ والمشاركين في جائزة كتارا؛ يتبين أن كثرة العدد في جائزة كتارا لعدة أسباب، وهي:
حتى في مجال البحوث التي تتطلب جهداً ذهنياً وعلمياً ووقتاً وقُدرة على مطالعة الكتب والتأليف نجد كذلك أن العدد كبير جداً، ففي «جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم – الدورة الـ38» تنافس 251 عملاً في البحوث العلمية التطبيقية والعلوم البحتة والهندسة والدراسات الإنسانية والإبداع الأدبي().
هذا ما تقوله لغة الأرقام، فما الذي يقوله المثقفون؟
يمكن أن نقيس مكانة الجائزة في وجدان المثقفين من تصريحاتهم، وتعبيراتهم عنها، فعلى سبيل المثال: الشاعر السوري محمد دركوشي قال عن جائزة كتارا لشاعر الرسول: "إن جائزة كتارا تحمل اسم أعظم إنسان عرفته البشرية"().
ونلحظ هنا أن العاطفة الدينية حاضرة في الحديث عن هذه الجائزة، وهو ما نقرؤه في تهنئة الدكتور الشريف الهجاري لعبدالله العنزي الفائز بجائزة كتارا لشاعر الرسول: "شاعرنا الجميل المبدع الهائم في سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحائز بجدارة واقتدار وافتخار"()؛ ولهذا أصبح بعض الشعراء يمدح الجائزة لأنها تخصصت في هذا الموضوع، كتب الشاعر محمد السادة:
لأحرُفِ الشِّعرِ ضِياءٌ إذا
فكيفَ إنْ صِيغَتْ لِهادِي الوَرى
قيلَتْ بِشَوقٍ في الفُؤادِ استَعَرْ
تجَمَّلَ الشِّعرُ بِخَيرِ البَشَرْ()
وقد ضمنها العبارةَ الذي اتخذتها الجائزةُ شعاراً لها (تجمل الشعر بخير البشر).
وللكاتب قاسم حول مقالة عنوانها "كتارا.. نحن نتعلم منكم"، تحدث فيها عن دور جائزة كتارا في الحراك الثقافي، وأبدى فيها بعض السلبيات التي لاحظها على التحكيم ونحوه().
وجمعة عبدالله الماجد الفائز بجائزة الملك فيصل في مجال خدمة الإسلام "أعرب عن سعادته وسروره بفوزه ونيله لهذه الجائزة العالمية الهامة معتبراً أن جائزة الملك فيصل العالمية وفي نظر الكثير من العالم العربي والدولي توازي جائزة نوبل على مستوى العالم".
كما أن الدكتور مقداد يالجن أهدى كتابه "إلى روح الملك فيصل ... ثم إلى سمو الأمراء أبناء الملك فيصل الذين تجسدت فيهم روح والدهم في المسارعة إلى الخيرات التي تتمثل في بناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ثم استحداث جائزة الملك فيصل العالمية تكريماً للعلماء المتميزين، وتشجيعاً لهم على المضي قدماً إلى إنجاز مشروعاتهم وطموحاتهم في خدمة العلوم وتطوريها وخدمة الإنسانية وبناء الحضارة الإنسانية الخيّرة"().
والدكتور سعيد العلوش من المغرب الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال الأدب العربي كذلك "أعرب عن سعادته بهذا الفوز الكبير والغالي كما وصفه، واعتبر فوزه بهذه الجائزة إعادة وتعميق التواصل بين البلدين الشقيقين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية".
ولا يخفى ما في تعبير الدكتور العلوش من أن مثل هذه الجوائز تُعدّ آصرةً ووشيجةً ثقافية بين الدول، فهي قادرة على تعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية لها، بل وقادرة على أكثر من ذلك وهو تحسين علاقة الدولة الراعية بالدول الأخرى.
وهو ما نجده كذلك في قول الدكتور ريوجي فويوري من اليابان الفائز بجائزة العلوم: "إن فوزي بالجائزة جعلني أكون قريباً من المملكة العربية السعودية وفرصة كبيرة للتعاون مع العلماء السعوديين في هذا المجال، خصوصا أنه لم يسبق له زيارة المملكة من قبل"، وقد "أشار إلى أن معرفته بجائزة الملك فيصل العالمية كان عن طريق زميل سابق قد فاز بها وحدثني كثيراً عن زيارته للمملكة العربية السعودية إبان حضوره وتسلمه لجائزة الملك فيصل العالمية"، ويدلنا حديث صاحبه له عن السعودية أن مثل هذه الجوائز وما يُنظم على هامشها يُمكن أن تُستثمر في تعزيز صورة الدولة الراعية للجائزة، والتسويق لها، والترويج لإنجازاتها.
وإذا كان هناك مجال للقول بأن ظروف المقابلة الصحيفة في حفل توزيع الجوائز هي التي دفعت بعض المثقفين إلى مثل هذه التصريحات مجاملةً؛ فإن المجاملة لا يمكن أن تدفع الدكتور ستيفن هولقيت من بريطانيا الفائز بجائزة خدمة الطب ليعتبر "الفوز بالجائزة تشريفاً للمملكة المتحدة وللجامعة قبل أن يكون تكريماً أو تشريفاً له شخصياً"()، فالمجاملة قد تدفعه إلى اعتبار الجائزة تشريفاً له فقط، ولكنه اعتبرها أيضا تشريفاً للمملكة المتحدة.
وقال عبدالله بيلا من بوركينافاسو، وهو أحد المشاركين في جائزة شاعر عكاظ: "تأتي مسابقة عكاظ للشعر العربي الفصيح هذا العام كتتمةٍ لمنهج التحديث والتطوير"، وفي وصفه للجائزة() ما يدل على أن ربط الجائزة بالمشترك الثقافي والذاكرة الجمعية كسوق عكاظ يمنح الجائزة بُعداً وعُمقاً ومكانةً.
ونجد جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في وجدان د. ليلى حسن الصقر – البحرين؛ إذ تقول: "لقد أسهمت الجائزة بما لا يقبل الشك في إثراء الحياة الثقافية في منطقة الخليج خاصة بتحفيزها لعدد كبير من الكتاب والأدباء على الإنتاج وإخراج مواهبهم إلى النور، فساعدت على تشكيل بيئة خصبة للإبداع، كما يمتد أثرها على نطاق العالم العربي عامة بما تقدمه من نشر للبحوث الفائزة، وإن هذا مما تتميز به الجائزة من الكثير من الجوائز الأخرى"().
وكثير من المشاركين في هذه الجوائز وغيرها يعتزّ بفوزه بها، فتجده يضع اللقب مثلاً في تعريفه في تويتر هكذا:
أو يضع خبر فوزه في التغريدة المثبتة، على هذا النحو:
وبعضهم يعتز بحصوله على مراكز متقدمة ولو لم يكن الأول، مثل:
بل إن بعضهم يعتز بمجرد وصوله إلى مراكز ومراحل متقدمة لا ينال عليها جائزة إلا إعلان اسمه ضمن المترشحين فقط، مثل: الأستاذة بدرية البدري التي تعبر عن اعتزازها بأن روايتها جاءت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب:
كما أن الصحافة والقنوات أصبحت تتداعى إلى هؤلاء الفائزين بالجوائز لتجري معهم حوارات، أو تنشر بعض نتاجهم، بل إن بعض المجلات تحرص على كتابة الجائزة التي فاز بها المثقف، كمجلة أقلام عربية التي وضعت تحت اسم محمد إبراهيم يعقوب: الحاصل على جائزة شاعر عكاظ لهذ العام. وتحت اسم عبدالله محمد عبيد: الحاصل على المركز الثاني بجائزة عكاظ.
كما أن الوزارات والجهات الحكومية تهنئ منسوبها علناً إذا فاز بجائزة ما، فوزارة التعليم بحسابها الرسمي في تويتر هنّأت محمد إبراهيم يعقوب بهذه التغريدة:
#وزارة_التعليم تهنئ #المعلم الشاعر محمد إبراهيم يعقوب من #تعليم_جازان بفوزه في مسابقة #شاعر_عكاظ وتَقلُّده بردة #عكاظ
فالوزارة هنا تعتزّ بفوز أحد منسوبيها بالجائزة، وكأنما تَعده فوزاً لها.
وكذلك تلقى الدكتور عبدالله الغذامي بمناسبة فوزه بجائزة الشيخ زايد (شخصية العام الثقافية 2022م) مئات التهنئات، سواء من شخصيات دبلوماسية، كالسفير تركي الدخيل والملحقية الثقافية السعودية في تونس، أو من جهات حكومية كدارة الملك عبدالعزيز، أو من جهات إعلامية كصحيفة الجزيرة الثقافية، أو من مؤسسات ثقافية كمؤسسة سلطان العويس.
ونظراً إلى أن الجوائز الشعرية الثلاث هي التي جذبت المثقفين وجعلتهم يتفاعلون معها أكثر من غيرها؛ فمن المناسب هنا أن نقارن هذه الجوائز ببعضها بمقياس تفاعل المثقفين في تويتر في موسم واحد، على هذا النحو:
جائزة أمير الشعراء: عدد مرات الظهور (4.888.818)، وأكثر الدول تفاعلاً: الإمارات فالسنغال. ويغلب عدد الإناث على عدد الذكور قليلاً جداً. والانطباعات المحايدة بنسبة 95%، والانطباعات الإيجابية 4%، والانطباعات السلبية 1%.
ويمكن تفسير ارتفاع عدد مرات الظهور وربطه مع كون أكثر الدول تفاعلا هي الإمارات، وكون نسبة التفاعل المحايد هي الأكثر – بأن هذا مؤشر على الضخ الإعلامي القوي من دولة الإمارات، فمعظم التغريدات أخبار عن الجائزة أو إعلان لها، كما أن طول مراحل التنافس سبب مقنع لكثرة عدد مرات الظهور.
كما أن وجود السنغال في المرتبة الثانية يدل على انتشار الجائزة وتأثيرها في الدول الإفريقية غير العربية. إضافة إلى أن وجود شعراء من السنغال يجعل التفاعل من هذه جيداً.
وبتأمّل الانطباعات المحايدة نجد أنه غلب عليها الحديث المحايد بصيغة الخبر عن الجائزة من مراحل تنافس أو تأهل شاعر ... أما الانطباعات الإيجابية فغلب عليها الإشادة بريادة هذه الجوائز في مجالها، وأنها جددت دماء العربي، والتهنئة كذلك بفوز البرنامج نفسه بجوائز أخرى كجائزة الأمير عبدالله الفيصل. وأما الانطباعات السلبية (المنصفة) فهي استياء من نظام التصويت وأن الجائزة جائزةُ من يدفع أكثر.
جائزة كتارا لشاعر الرسول: عدد مرات الظهور (126) مليوناً، وأكثر الدول تفاعلاً: سلطنة عمان، فقطر. ويغلب عدد الذكور على عدد الإناث كثيراً. والانطباعات المحايدة بنسبة 70%، والانطباعات الإيجابية 28%، والانطباعات السلبية 2%.
ويمكن تفسير العدد الكبير لعدد مرات الظهور إذا ربطناه بمجيء قطر ضمن الدول الأكثر تفاعلا مع قلة سكّانها (2.677.001 نسمة()) - بما تملكه دولة قطر من قوة إعلامية، ووضع إستراتيجية منظمة لإعلان الجائزة وبثّ أخبارها، ولذلك نجد حتى الشخصيات الرياضية القطرية تغرّد عن هذه الجائزة، كما أن ذلك مؤشر على العاطفة الدينية التي وظّفتها هذه الجائزة للفت الانتباه إلى عناية الدولة بجناب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ويضاف إلى ذلك كثرة الشعراء المشاركين، وأن الجائزة لها شِقّان: فصيح، وعامي، وهذا سبب قوي أيضاً لارتفاع عدد مرات الظهور.
أما كون سلطنة عمان في المرتبة الأولى من الدول الأكثر تفاعلاً فسببه مشاركة الشاعرة العُمانية بدرية البدري وفوزها بالجائزة.
وإذا تأملنا الانطباعات المحايدة وجدنا أنه غلب عليها الحديث المحايد بصيغة الخبر عن الجائزة من مراحل تنافس أو تأهل شاعر ... أما الانطباعات الإيجابية فمعظمها إشادة بموضوع الجائزة ونأيها عن المواقف السياسية، وإنصاف لجنة التحكيم، وإذا تحدثنا عن 126 مليون تغريدة تتحدث عن جائزة اسمها (جائزة كتارا لشاعر الرسول) فمعنى هذا أن قطر قد نجحت في استثمار العاطفة الدينية، ولذلك جاء من أكثر الوسوم المستخدمة:
#الدوحة_عاصمة_الثقافة_في_العالم_الإسلامي
أما الانطباعات السلبية فهي استياء من لجنة التحكيم، وانحياز إلى شاعر لم يفز.
جائزة شاعر عكاظ: عدد مرات الظهور (8.050.000)، وأكثر الدول تفاعلاً هي السعودية، فالإمارات. ويغلب عدد الذكور على عدد الإناث بنسبة كبيرة جداً. والانطباعات المحايدة بنسبة 89%، والانطباعات الإيجابية 10%، والانطباعات السلبية 1%.
ولعل عدد مرات الظهور يُعد قليلاً قياساً إلى العدد في جائزة كتارا، وسبب هذا -كما تقدم- أن الاستعداد للجائزة في موسمها الأخير بدأ متأخراً، كما أن موضوع الحج قد صرف بعض اهتمام المغردين عن الحديث عن الجائزة، وكذلك لقلة عدد المتنافسين قياساً إلى الجوائز الأخرى. ولكن عدد مرات الظهور ضِعفُ العدد في أمير الشعراء، وهذا يعود إلى أن السعودية هي أكثر الدول تفاعلاً، وعدد سكان السعودية أضعاف عدد سكان الإمارات، كما أن جزءاً من الحديث عن الجائزة يأتي ضمن الحديث عن موسم الطائف السياحي، وهذا مما زاد العدد.
وحين ننظر في الانطباعات المحايدة نجد أن أغلبها حديث محايد بصيغة الخبر عن الجائزة والمتنافسين ... أما الانطباعات الإيجابية فهي عن أثر الجائزة في الحراك الثقافي، وأما الانطباعات السلبية فهي عن أخطاء التحكيم، وضعف التنظيم الناتج عن الاستعداد المتأخر.
لقد بدأت الجوائز المعاصرة بدايةً قويةً، وجاءت أصداؤها قوية أيضاً، إلا أن الكثافة الإعلامية والزخم الجماهيري لم يبدأ إلا مع ظهور جائزة شاعر المليون، ولعل السبب في ذلك أنها جائزة للشعر العامي الذي جمهوره أكثر من جمهور الشعر الفصيح الذين يغلب عليهم أنهم نخبة، إضافة إلى أن الفوز يخضع لعدة معايير، ومن أهمها في هذا الجانب معيار التصويت، وقد نجح التصويت في تكثيف الجماهيرية لأن كل شاعر صار يذكر اسمه واسم قبيلته فأصبح كل مهتم بالشعر من تلك القبيلة يصوّت لمصلحة شاعرها، وكأن التنافس على كثرة أعداد القبيلة لا على مستوى الشعر! بل إن بعض الدول فتحت خطوط الهاتف مجاناً لكل مواطن أراد التصويت لشاعر تلك الدولة المحسوب على السُّلطة، ولا بد قبل الحديث عن الضعف الذي بدأ يتسرب لمتابعة المسابقات الثقافية، من أن نشير إلى أن التصويت سلاح ذو حدين؛ لأنه قد يهيّئ للفوز مَن لا يستحق الفوز، والأسوأ من ذلك أن هذه البرامج قد أذكت روح العصبية القبلية، والقبيلة مرتبط في الذهن بالماضي، ولها إيحاءات رجعية تنافي المدنية الحديثة؛ ولهذا فقد تعطي المتلقي انطباعاً بأن تلك الدول ما يزال فيها شيء من شوائب التخلف والرجعية.
وأما بروز الجوائز الثقافية والأدبية وقوة متابعتها، فالملحوظ في السنوات الأخيرة أن وهجها قد بدأ في الخفوت، ربما هو كثرة الجوائز كثرةً جعلت المتابعة أمراً عسيراً واعتمادها على الإعلام التقليدي بدلا من مواكبة العالم الرقمي وحضور الناس فيه، ففي السعودية مثلاً لا حصراً جملة من جوائز الشعر: جائزة عكاظ، جائزة الأمير عبدالله الفيصل، جائزة محمد الثبيتي، وهذه الجوائز الثلاث في الطائف وحدها! فضلا على جوائز الأندية الأدبية في كل منطقة من مناطق المملكة الثلاث عشر، وجوائز اللجان التابعة للأندية الأدبية، وجوائز وزارة الإعلام، والجوائز الشخصية كجائزة حسن القرشي، ... إلخ، ومن المعلوم أن ندرة الشيء تُكسبه قيمةً واهتماماً، فإذا كثرت الجوائز واعتمدت على الإعلام التقليدي، غيّبت تفاعل المتلقي، وأفقدته شغفه، وفقدت الجائزة جزءاً من بريقها، فلا يبقى في ذاكرة الناس إلا ما جاء بصورة مشوقة، ويعتمد أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، مثل: تويتر، وفيس بوك...
يُضاف إلى كثرة الجوائز أن الحالة السياسية التي تمر بها المنطقة العربية صرفت اهتمام بعض الناس بالثقافة والأدب إلى متابعتها، والانغماس في دهاليزها، ومطالعة أحداثها.
ولا يخفى ما أحدثته جائحة كورونا على العالم بأسره من تعطيل لكثير من جوانب الحياة، ومنها الثقافة؛ إذ صار أكبر اهتمام الناس منصرفاً إلى هذا الوباء ومعرفة تفاصيله، ومتابعة أرقام الإصابات به، وأعداد حالات الشفاء منه.
كما أن الإعلام الجديد وظهور بعض الشخصيات التي اكتسبت الشهرة بغير الجدّ والرُّقي صرف شيئاً من اهتمام الناس إليه، وجعل الاهتمام بالثقافة يتراجع إلى مستوى أقل.
الاستبانة البحثية هي من أهم الأدوات لقياس الأثر الوجداني في نفوس المشاركين في أي قضية أو موضوع، وقد غلب على عينة البحث أنهم من المهتمين بالشعر، فإذا كانت الجوائز عامةً ذات تأثير في تعزيز الصورة للدول الراعية لها، فإن الجوائز الأدبية والشعرية خاصةً أكثرُ أثراً في تعزيز الصورة وإبرازها؛ وذلك لعدة أسباب يمكن إجمالها فيما يأتي:
لهذا كله؛ فالشعراء المشاركون، والمتابعون لمسابقات الجوائز الشعرية الثلاث الأشهر على الإطلاق في العالم العربي يمثلون جزءاً كبيراً من العينة، مع عدم إغفال الشرائح الأخرى، والجوائز هي: جائزة أمير الشعراء، وجائزة شاعر عكاظ، وجائزة كتارا لشاعر الرسول. ولقد صِيغت أفكار الاستبانة المحكَّمة() وأسئلتها لتناسب المثقفين، سواء أكان المشارك فيها فائزاً بجائزة، أو مشاركاً فيها، أو مهتماً بصفته محكَّماً أو مشرفاً، أو متابعاً، ووُزِّعت على 50 من المثقفين والأدباء والمبدعين في مجالات شتى: النقد، والشعر، والرواية، ...، وكلهم مهتم بشأن الجوائز الثقافية، وكثير جداً منهم مَن فاز بواحدة من تلك الجوائز أو باثنتين أو ثلاث، فضلا عن الجوائز المهمة الأخرى، وبعضهم قد فاز بإحدى أهم الجوائز الكبرى كجائزة الملك فيصل، وجائزة الملك عبدالله للترجمة، وفيهم من يعمل مستشاراً في جائزة كبرى كجائزة الملك فيصل، أو محكّماً فيها، وفيهم مَن أشرف على جوائز مهمة على مستوى العالم العربي، ومن حكّم جوائز مفتوحة على مستوى العالم العربي أيضاً، كما حرصتُ على أن تشمل الاستبانة الجنسين ذكوراً وإناثاً.
واستجاب للعينة 46 منهم، وينتمي هؤلاء المشاركون إلى ست عشرة دولة، هي: المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، وقطر، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، واليمن، والعراق، وسوريا، والأردن، ولبنان، ومصر، والسودان، وتونس، والجزائر، وبوركينا فاسو، كل هذا لكي يكون معيار الصدق في الاستبانة واضحاً، وتعطي الإجابات صورة واضحة لدور الجوائز في تعزيز صورة الدولة الراعية لها.
وهذه هي أعداد ونِسَب آرائهم، مع تحليلها والتعليق عليها:
<div><table><span id="docs-internal-guid-ab6a7c1b-7fff-f183-e835-4bb49d782b35"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><thead><tr><th rowspan="2" scope="col"><p dir="rtl"><span>#</span></p></th><th rowspan="2" scope="col"><p dir="rtl"><span>الفكرة</span></p></th><th colspan="2" scope="col"><p dir="rtl"><span>موافق</span></p></th><th colspan="2" scope="col"><p dir="rtl"><span>محايد</span></p></th><th colspan="2" scope="col"><p dir="rtl"><span>غير موافق</span></p></th></tr><tr><th scope="col"><p dir="rtl"><span>العدد</span></p></th><th scope="col"><p dir="rtl"><span>النسبة</span></p></th><th scope="col"><p dir="rtl"><span>العدد</span></p></th><th scope="col"><p dir="rtl"><span>النسبة</span></p></th><th scope="col"><p dir="rtl"><span>العدد</span></p></th><th scope="col"><p dir="rtl"><span>النسبة</span></p></th></tr></thead><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>الجوائز التـي تنظمها الدُّول العربية محفزةٌ ومشجعةٌ على العلم، والثقافة، والتنمية، والإبداع.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>44</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>95.7%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>2</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>4.3%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>0</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>-</span></p></td></tr></tbody></table></div>
وهذه النسبة العالية لـ(موافق) تؤكد دور الجوائز في التشجيع على العلم والثقافة والتنمية والإبداع، وهو دور ينعكس كذلك على تعزيز صورة الدولة الراعية للجائزة؛ لأنه يُنظر إلى الجائزة على أنها نتاج لاهتمام تلك الدولة بالثقافة.
<div><table><span id="docs-internal-guid-6a12e703-7fff-85e7-ef3a-d4554f4c459e"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>كانت وسائل الترشح لتلك الجوائز واضحةً.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>38</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>82.6%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>7</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>%15.2</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>1</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>2.2%</span></p></td></tr></tbody></table></div>
ومع ارتفاع نسبة (موافق) على وضوح وسائل الترشح، فإن كثيراً من عينة البحث اقترحوا ألا يقتصر الترشيح على المؤسسات والهيئات والجهات الثقافية فحسب، بل أن يتاح للأفراد ترشيح أنفسهم.
<div><table><span id="docs-internal-guid-4de90822-7fff-0ed9-9762-5ac5dcf39ed6"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>كانت وسائل التحكيم للجائزةً واضحةً وعادلةً. </span></p></td><td><p dir="rtl"><span>12</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>30.4%</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>19</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>41.3%</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>13</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>28.3%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
إن تدني نسبة (موافق) تؤكد أن الجائزة قد تصبح محورَ جدلٍ وتفسيراتٍ سيئةٍ إذا كانت وسائل التحكيم ومعاييرُه غيرَ واضحة، وربما كانت موضع اتهامات تنطلق من عاطفة غاضبة إذا لم يفز المشارك()، فمع أن محكّمي إحدى الجوائز ينتمون إلى ثلاث دول ليس منها الدولةُ الراعية للجائزة، فإن اتهام اللجنة قد يصبح ضمنياً اتهاماً للدولة الراعية ويسيء إلى صورتها؛ ولذلك ينبغي أن يخضع التحكيم لإشراف ومعايير ومقاييس صارمة ودقيقة، وأحكام معللة.
<div><table><span id="docs-internal-guid-f5545f86-7fff-8c2f-f19d-2f71548f27bf"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>جاءت أهداف تلك الجوائز متناسبة مع الدور الريادي للدولة التي تنتمي إليها الجائزة.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>34</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>73.9%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>10</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>21.7%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>4.3%</span></p><br></td></tr><tr><td><ol start="2"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>موضوعات ومجالات الجوائز ملائمة للدور الثقافي المؤمَّل من الدولة الراعية، أو الجهات المانحة.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>34</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>73.9%</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>11</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>23.9%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>1</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2.2%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
ومع ارتفاع نسبة (موافق) فإن معظم الموافقين على هاتين الفكرتين هم من الذين شاركوا في جوائز عربية (خليجية بالتحديد) من غير الخليجيين، وهذا يؤيد أن دول الخليج العربية قِبلة للثقافة والمثقفين، وهذا ما نجده في التقرير الإعلامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره()، ولكنه أيضاً يلقي على عاتق هذه الدول عبء النهوض بالثقافة بما أنعم الله عليها، ويحتم عليها أن تكون أكثر تنظيماً للجوائز وأهدافها وموضوعاتها.
<div><table><span id="docs-internal-guid-d45edcb0-7fff-2218-18ca-9430e78e548e"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>تخضع الجوائز لاعتبارات أخرى، كعلاقة الفائز بالدولة الراعية، وولائه لها.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>15</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>32.6%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>21</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>45.7%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>10</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>21.7%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
إن ارتفاع النسبة لـ(موافق، محايد) يضع علامة استفهام حول حيادية الجائزة، وخاصةً أن مِن المشاركين مَن عقّب بأن الشأن ليس في علاقة الفائز بالدولة الراعية للجائزة، بل في علاقته بالمنظمين للجائزة!
<div><table><span id="docs-internal-guid-ad84e511-7fff-4712-e5dd-e1129b21b2b8"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>أسهمت مراحل الترشح والتنافس على الجائزة في إبراز الجوانب الأخرى للدولة الراعية: السياحة، الآثار، الثقافة، الجوانب الإنسانية، ... </span></p></td><td><p dir="rtl"><span>39</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>84.8%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>5</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>10.9%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>4.3%</span></p><br></td></tr><tr><td><ol start="2"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>أسهمت الجائزة في إبراز الدور الثقافي للدولة الراعية للجائزة.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>39</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>84.8%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>6</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>13%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>1</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2.2%</span></p><br></td></tr><tr><td><ol start="3"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>أدى الإعلام دوره في إبراز جهود الدولة الراعية في نفس مجال الجائزة. </span></p></td><td><p dir="rtl"><span>26</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>56.5%</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>14</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>30.4%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>6</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>13%</span></p><br></td></tr><tr><td><ol start="4"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>أدى الإعلام دوره في إبراز جهود الدولة الراعية في المجالات الأخرى. </span></p></td><td><p dir="rtl"><span>19</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>41.3%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>20</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>43.5%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>7</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>15.2%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
وهذه الفِكَر الأربع من أهم فِكَر هذا البحث، إلا أن إبرازها يكاد يقتصر على المتنافسين فحسب، وتحديداً في الجوائز الجماهيرية كمسابقات الشعر، ومن أجل أن تحقق الجوائز أهدافها المتعلقة بتعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية؛ فإن عليها أن تضع إستراتيجية إعلامية متكاملة، وسترد مفصلة في التوصيات.
<div><table><span id="docs-internal-guid-a857c115-7fff-099a-d7f7-a8f08040347e"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>أسهمت الجائزة في تعزيز العلاقات الثقافية بين المشاركين ودولهم وبين الدولة الراعية.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>33</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>71.7%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>12</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>26.1%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>1</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2.2%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
ويدل ارتفاع نسبة (موافق) على أن دور الجوائز قد تجاوز تعزيز الصورة إلى تعزيز العلاقات بين الدول، مما يجعل استثمار الجوائز أمراً أساسياً في العلاقات السياسية.
<div><table><span id="docs-internal-guid-a7ce1e28-7fff-9194-939c-7db6762ce40d"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>عكست الضيافة الجانب الاجتماعي للدولة الراعية للجائزة.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>44</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>95.7%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>4.3%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>0</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>-</span></p></td></tr></tbody></table></div>
ومع ارتفاع نسبة (موافق) فإن المشاركين يعنون بذلك كرم الدولة الراعية، وسيأتي في توصيات البحث كيف يمكن أن تستفيد الدول من الضيافة في إبراز هويتها.
<div><table><span id="docs-internal-guid-0917e659-7fff-1356-a534-499e1ef94974"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>الجوائز الثقافية تُحسّن صورة الدول الراعية لها.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>43</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>93.5%</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>3</span></p></td><td><p dir="ltr"><span>6.5%</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>0</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>-</span></p></td></tr><tr><td><ol start="2"><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>الفوز بالجائزة يؤثر في صورة الدولة الراعية لها عند الفائز.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>32</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>69.6%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>11</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>23.9%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>3</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>6.5%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
تؤكد نسبة (موافق) على هاتين الفكرتين أن الجوائز مؤثرة في هذا الجانب، وبما أنها كذلك فينبغي مراعاة حياديتها وعدم انحيازها لأي سبب؛ وحسناً فعلت الجوائز الستُّ بأن شكّلت لجاناً للتحكيم من جنسيات مختلفة؛ لتغلق بذلك الباب دون وصفها بالتحيّز.
<div><table><span id="docs-internal-guid-c5a41f4d-7fff-889b-5612-d81ee0bd561f"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>تَواصُل الجهة المنظمة للجائزة مع الفائزين والمشاركين دورياً يُسهم في تعزيز الدور الثقافي للجائزة ومنظميها.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>38</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>82.6%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>7</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>15.2%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>1</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>2.2%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
وهذه النسبة العالية لـ(موافق) تشجع اللجان المنظمة للجوائز على أن تستمر في تواصلها مع الفائزين والمشاركين، بل وحتى بعض المهتمين؛ لكي تضمن المحافظة على ولائهم وشعورهم تجاه الدولة الراعية، وفي التوصيات سترد بعض الاقتراحات للتواصل.
<div><table><span id="docs-internal-guid-6e09e69c-7fff-141f-a4c8-f0ffa9b98f3b"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>احتفاء دول الفائزين بالجوائز ذو تأثير في ترويج الجائزة والدولة الراعية لها.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>43</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>93.5%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>3</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>6.5%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>0</span></p><br></td><td><p dir="rtl"><span>-</span></p></td></tr></tbody></table></div>
وهذا عامل مساعد لتعزيز صورة الدولة الراعية للجائزة، فإن كثيراً من الفائزين، وتحديداً في الجوائز الجماهيرية، تستقبلهم دولهم استقبال الفاتحين، وتحتفي بهم وتكرّمهم، ومن ذلك أن جامعة الملك سعود حين فاز عضو التدريس فيها الدكتور عبدالعزيز المانع بجائزة الملك فيصل عام 1430ه، أنشأتْ تكريماً له كرسياً علمياً اسمه (كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية و آدابها)، وقد نظّم الكرسي محاضرات وندوات داخل السعودية وخارجها، وأصدر ستين إصداراً من كتب التراث ونحوها لمحققين ومؤلفين من دول كثيرة، كالمغرب وتونس والجزائر ومصر وسوريا والأردن والعراق والبوسنة والهرسك()، وكل مثقف، أينما كان، يرى هذا الكرسي أو أحد إصداراته أو أنشطته سيعرف أنه أنشئ على إثر الفوز بالجائزة.
<div><table><span id="docs-internal-guid-3adeea52-7fff-8a06-42c1-5b10378607dc"><div dir="rtl" align="right"></div></span><colgroup><col width="39"><col width="253"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="66"><col width="47"><col width="77"></colgroup><tbody><tr><td><ol><li dir="rtl" aria-level="1"><br></li></ol></td><td><p dir="rtl"><span>الجائزة المالية المجزية أجدى من الجائزة التقديرية مهما كان قدرها.</span></p></td><td><p dir="rtl"><span>22</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>47.8%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>13</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>28.3%</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>11</span></p><br></td><td><p dir="ltr"><span>23.9%</span></p><br></td></tr></tbody></table></div>
وتُظهر نسبة الموافقين على أن الجائزة المالية أجدى من الجائزة التقديرية وأنه ينبغي العناية بهذه المسألة.
كما تضمنت الاستبانة جملةً من الأسئلة، وقد انتقيتُ من إجابات العينة وآرائهم ما رأيتُه مفيداً لاستثمار الجوائز وتطويرها فيما يخدم تعزيز صورة الدولة الراعية لها، والأسئلة هي:
كثير من الإجابات يدور، إضافة إلى المكسب المادي، حول الآتي:
وبمقارنة هذه النماذج التي نجح بعضها في جانب كالإعلام وأخفق في جانب، أو نجح في حيادية التحكيم ووضوح وسائل الترشح وقصّر في الإعلام والبرامج المساندة والضيافة، مع بعض النماذج الأخرى التي كانت دون المأمول، نجد أن بعض الجوائز حين يُذكر اسمها لا يُعرف اسم الدولة الراعية لها، إلا إذا جاء اسمها مرتبطاً باسم الدولة، وما ذاك إلا بسبب ضعف الإعلام أولاً، ثم بسوء التنظيم والضيافة، وضعف البرامج المساندة، ولعل السبب الأقوى في ضعف الإعلام والتنظيم والبرامج المساندة هو الضعف المادي، ولذلك من النادر أن تؤدي الجائزة دورها في تعزيز صورة الدولة الراعية لها إذا كان اقتصاد الدولة ضعيفاً، بل إنها قد تصبح عبئاً على صورة الدولة.
كتب أحد الفائزين بجائزة كتارا لشاعر الرسول وقد شارك في مسابقات في أربع دول مختلفة: "في ذهني مشاهد إيجابية وأخرى سلبية في هذا الباب، من المشاهد الإيجابية:
وعلى النقيض في بعض الدول تجد مظاهرَ في الضيافة والاستقبال تعكس صورة سلبية عن الدولة المنظمة، ومنها:
وحين نتأمل بعض الجوائز العربية الأخرى نجد أن عدم نجاحها يعود إلى جملةٍ من الأسباب، علماً أن الحكم بعدم النجاح هو أمر نسبي، ومن الأسباب:
وهذه الأسباب المجملة يمكن أن تجد بعضها في جائزة ناجحة في تعزيز صورة الدولة الراعية لها، ولكنها تتلاشى أمام مقومات القوة، إلا أنه يمكن تفصيل مقومات نجاح الجائزة في تعزيز صورة الدولة الراعية لها، وأسباب الضعف، فيما يلي:
لعل مقومات النجاح في جائزة الشيخ زايد للكتاب قد غطت على جوانب الضعف التي يمكن أن تُلحظ، فإعلام الجائزة قد أسهم في تعزيز صورة دولة الإمارات من حيث عنايتها بالثقافة، والجائزة نفسها قد تمكنت بفضل طريقتها في إعلان القوائم من جعل الأضواء الإعلامية متجهة إليها، كما أن عناية دولة الإمارات بالسياحة جعل الضيافة للمهتمين والمشاركين على مستوى عالٍ من الجودة، إضافة إلى أن البرامج المساندة حافلة بالتنوع واللقاءات الثقافية المتميزة، يؤيد هذا ما نقرؤه في تغريدة الدكتور عبدالله الغذامي الفائز بشخصية العام الثقافية عام 2022م، يقول واصفاً أيام استضافته في أبو ظبي: "ثمانية أيام من الثراء العقلي في أبو ظبي الشامخة، أشكر سمو الشيخ سيف بن زايد، والدكتور علي بن تميم أمين جائزة الشيخ زايد للكتاب، وأشكر اللجنة العلمية للجائزة أن تقلدوني صفة (الشخصية الثقافية) فهذا طوق تشرفني رمزيته، وسيظل شارة فارقة في سيرتي ومساري العلمي"()، فعباراته تدل على أن الأيام الثمانية حافلة بالبرامج، وأنه كذلك قد استقبله شخصيات سياسية كالشيخ سيف بن زايد، وشخصيات ثقافية كالدكتور علي بن تميم، وفي ظهور الشخصية السياسية مع المثقف واستقبالها له ما يعكس اهتمام سياسيي تلك الدولة بالثقافة والمثقفين.
كما رأى محمد إبراهيم يعقوب أن الجوائز والمسابقات ذات الطابع الجماهيري ربما تناسب فئة عمرية محددة. أما الأسماء الكبيرة فتحتاج إلى إخضاع تجاربهم وأعمالهم للجان فحص وتحكيم دقيق.
1- المحتوى البصري في موقع الجائزة أقل من مستوى الجائزة، وفيه أخطاء لغوية لا تليق بمستوى الجائزة.
في أثناء الاجتماع المنظم مع المثقفين تحدث معظمهم عن الجائزة الحلم، وفكرة هذه الجائزة تقوم على تعدد فروع الجائزة، وخضوعها لمعايير دقيقة في التحكيم، ونأيها عن الانحيازات السياسية والإيديولوجية(). ولكونها جائزة عربية فقد اقترح بعضهم أن تكون هذه الجائزة تحت مظلة جامعة الدول العربية، إلا أن الجائزة تحت مظلة جامعة الدول العربية تلبي رغبات المثقفين وتحقق حلمهم المنتظَر، ولكنها لا تعزز صورة دولة من الدول.
بعد مطالعة الجوائز العربية من جميع جوانبها، وتحليل استبانات العينة، وتأمل إجاباتهم؛ يمكننا القول: إن الجوائز العربية كانت ذات دور فاعل وتأثير جيد في تعزيز صورة الدول الراعية لها، والترويج لها.
كما أن تأمّل أهداف الجوائز الثقافية الست في دول الخليج العربية وموضوعاتها، ومقارنتها مقارنةً سريعة بغيرها من الجوائز في بعض الدول العربية الأخرى؛ يبيّن أنها هي الأقدر على تعزيز صورة الدولة الراعية لها، وأنها كانت هي الأنجح من حيث جودة التنظيم، والضيافة، وأن بعضها قد استثمر الإعلام ووظفه لتعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية لها ثقافياً، وكل ما يرتبط بالثقافة كالتاريخ والحضارة...، وهذا ما أكّده حديث المثقفين من السعودية ولبنان ومصر ومالي في الاجتماع المنظم لهذا الموضوع، وكذلك إشارات المثقفين غير الخليجيين في استباناتهم، التي طغى عليها الحديث عن الجوائز في دول الخليج العربية، ومما يجعل دول الخليج العربية من أهم الدول الراعية للجوائز هو سخاء الجوائز التي تُمنح للفائزين.
كما تبيّن أن ارتباط تعزيز الصورة بالإعلام هو ارتباط وثيق، ولا يمكن أن يصبح للجائزة أثر يُذكر إلا بالإعلام، بل إن كل ما تقدمه الدول على كافة الأصعدة والمجالات كالإعانات والمساعدات والمؤتمرات... لا يُبرزه إلا الإعلام، فهو المرآة التي من خلالها تستطيع الجائزة أن تؤدي دورها، وهذه الجوائز تتفاوت من حيث استثمارها للإعلام وتوظيفه التوظيفَ الأمثل ليكون مسانداً للجائزة في أداء وظيفتها.
وتبيّن كذلك أن سوء التنظيم للجائزة من حيث: الإعلام، والضيافة، والبرامج المساندة، يمكن أن يقدم صورة سلبية عن الدولة الراعية لها.
ويمكن إجمال نتائج البحث في الآتي:
الجوائز بصورة عامة ذات أثر ودور فاعل في تعزيز صورة الدولة الراعية، وخاصةً الجوائز التي هي ميدان هذا البحث، فجائزة الملك فيصل مثلا قد احتلت مكانتها العالمية لعدم عنصريتها، ولحيادها، ولجدتها، ولشموليتها وتغطيتها مجالات الفكر الإنساني()، ولكن ذلك لم يكن إلا لدى النُّخَب فحسب، بسبب عدم توظيفها للإعلام، كما أنها لم توظف البرامج الموازية، وتستثمرِ الضيافة في إبراز هُوية السعودية ...، بل يمكن أن نقول بوضوح: لقد قصرت جائزة الملك فيصل في توظيف الإعلام واستثمار الجوانب المساندة والضيافة لإبراز الصورة المشرقة للسعودية.
وعلى العكس من ذلك جاءت جائزة عكاظ في دورتها الأخيرة -موضع هذه الدراسة- فقد كانت متزامنة مع موسم الطائف المليء بالأنشطة التراثية التي رسّخت عراقة السعودية كتقديم مسرحيات للشعراء العرب القدماء، مع تأدية الشخصيات التراثية بزيها المستقر في الذهن، كما أنها تزامنت مع برامج وأنشطة عكست هوية السعودية، وهوية الطائف تحديداً من ضيافة وبرامج ورقصات شعبية.
وبين هذين المستويين: توظيف الإعلام والبرامج الموازية، وعدم توظيفها، جاءت الجوائز العربية الأخرى محل هذه الدراسة.
وبناء على ما يمكن أن تؤديه الجوائز من دور في تعزيز الصورة الحسنة للدولة الراعية لها، فإن هذه الدراسة توصي بأن تكون الجائزة مشروعاً وطنياً، ويتحقق ذلك بأن تضع الجهةُ المنظمة للجائزة هدف تعزيز الصورة للدولة نصب عينيها، إلى جانب تشجيع الثقافة، وذلك بمراعاة الآتي:
ولتحقيق النجاح للجائزة يمكن الاحتذاء بالخطى التي سارت عليها أكاديمية الشعر العربي، فقد عقدت اجتماعات مكثفة من المثقفين البارزين المحليين، وخاصةً مَن ارتبط اسمه بجائزة ما، سواء أكان مشرفاً عليها، أو ضمن المنظمين فيها، أو كان فائزاً بها، ...؛ وذلك لمناقشة كافة السبل التي من شأنها إنجاح الجوائز، وتلافي السلبيات.