الكاتب كما يريده ابن قتيبة!
في مقدمة كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى عام 276هـ امتعاضٌ من ضعف الإقبال على العلم، وضعف ثقافة الناس، وتحسرٌ على حال من يوصفون بالعلماء أو -المثقفين كما هم في عصرنا-، وقد حاول أن يجمع بعض التعليمات والوصايا لمن يريد أن يتعلم ويرتقي في مراتب الكتابة، جمعنا لكم بعضها:
في التاريخ وعلم الاجتماع: لا بدَّ له من دراسة أخبار الناس
في العلوم الدينية: لا بد له من النظر في جُمل الفقه، ومعرفة أصوله
في العلوم الطبيعية والرياضيات: لا بد له من النظر في الأشكال لمساحة الأرَضِينَ، حتى يعرف المثلث القائم الزاوية، والمثلث الحادَّ
في الأخلاق وترويض النفس: أن يؤدِّب نفسه قبل أن يؤدب لسانه، ويهذِّب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه
في الكتابة وحسن التعبير: نستحبُّ له أن يدع في كلامه التَّقعير والتَّقعيب
في التحدث الجيّد: نستحبُّ له - إن استطاع - أن يَعْدِلَ بكلامه عن الجهة التي تُلزمه مستثقَلَ الإعراب
في مناسبة الحال والمقام: نستحبُّ له أيضاً أن يُنَزّل ألفاظه في كتبه فيجعلها على قدر الكاتب والمكتوب إليه
"سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول فن الأدب، وأركانه أربعة دواوين، وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي عليّ القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها، وفرع عنه"
ابن خلدون
يهطل المطر في قصائد عدنان بصور عديدة، و"يزعل" أحيانًا..
كيف نقرأ الماء في دواوينك؟
يمكنك أن تقرأه في رسائل المطر، وهي تحمل لنا تلاوينه ورذاذ ايقاعاته على أديم أرواحنا، كأنه قصيدة نثر.
يمكنك أن تقرأه في سطور النهر، وهو في تساوقه وخريره بين ضفتيه، عبر السهوب، كأنه قصيدة عمودية بأوزان مختلفة، ولمصبات مختلفة.
ويمكنك أن تقرأه في بريد بحيرة تتراءى أمامك بأجراسها وانعكاساتها وأسرارها، كأنها قصيدة تفعيلة.
ويمكنك أن تقرأه في كتاب البحر، كلما طويتَ صفحةً أو موجةً، يفتح لك أمواجاً أخرى وأرخبيلات، كأنه نصٌّ مفتوح، لامتناهٍ..
الشعر كالماء، تختلف مناسيبه وأشكاله ودروبه ومصباته، ويبقى هو النابض أبداً في شريان الحياة والروح والفكر والجمال.
في طرقات المنافي..
كيف يواصل الوطن ظهوره؟
تتجلَّى صورته أمامك أينما اتجهت في مسالك النأي والترحال.. فتراه حيناً جلياً أو خفياً في المرايا والحنايا، وتلمسه في أَثَر فراشة أو ظل فكرة، وتتذوّقه في الندى، وتتسمعه في بحة الناي في الجسور التي تعبرها، وتتحسسه في شجن الأغاني التي تسمعها في أنفاق المترو والمقاهي وعتمة الطرقات.
في قصيدة (طفولة) من ديواني الأول (انتظريني تحت نصب الحرية) بغداد 1984 أقول فيها:
"وكانَ المعلّمُ…
حين يُعَلِّمُني…
كيفَ أَرْسُمُ.. فوقَ الكراريسِ
شَكْلَ الوطنْ
أُغَافِلُهُ....!!
ثمَّ ألْصقُهُ فوقَ قلبي
وأبكي...
بين إيقاع القصيدة الكلاسيكية ونبض قصيدة النثر..
كيف يحدد عدنان الصائغ طريقة التنزّه الأمثل؟
لا أرى تفاضلاً بين كل أشكال الشعر، بأي شكل وإيقاع كان.. فلا تفاوت ولا ترجيح عندي لشكل ما أو إيقاع ما، على آخر. عدا التفاوت في منسوب الشعر والجمال وقيم الفكر والدهشة.
وقد جرَّبتُ الأنواع الشعرية كلها على مدى نصف قرنٍ: القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، والنص المفتوح. كما كتبتُ القصيدة المدوّرة، والقصيدة الطويلة جداً والقصيرة جداً وما بينهما.
وقد يستغرب الكثيرون حين أقول إن أصعبها كان قصيدة النثر، والأصعب منها هي القصيدة القصيرة جداً – الشذرات أو الومضات..
أبوابٌ عديدة لابد من مشاكستها للمرور ونوافذ (نصف مفتوحة) لابد من مجاراتها لاقتباس النور..
كيف يتعامل عدنان مع موضوع موصد، وقصيدة ترفض الانصياع؟
نعم، حدث لي ذلك كثيراً. وهو يحدث لأي شاعر مهما امتدت تجربته - وإن باختلافاتٍ شتى من شاعرٍ لآخر ومن حالٍ لآخر.
وأنا لا أجبر نفسي أو قصيدتي على الانصياع، فهذا قد يرهِّل القصيدة. وبالمقابل لا أستسلمُ.. أحاول وابتكر طرقاً لها ولي لتتواصل..
وإذ نعرف أن شاعراً مثل سان جون بيرس، حردت عنده الكتابة لأكثر من عقدين، لكنه منحنا بعدها "ضيِّقة هي المراكب"..
وقد ترك لنا الشاعر الأمريكي والت ويتمان ديواناً واحداً وبضع قصائد، لكنه غيَّر وأثّر كثيراً في مسار الشعر الأمريكي والعالمي. ومقابله نرى للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس ترك لنا حوالي 100 ديوانٍ، وأثَّر وغيَّر الكثير أيضاً.
فندرك أن العبرة ليست بالتدفق من عدمه أو كثرة الإصدارات أو قلتها. ذلك أن المعيار هو قيمة النص، لا العدد ولا الحجم ولا الشكل ولا الإيقاع ولا المضامين حتى..
نعم قد تأتي القصيدة بمعاييرها الإبداعية بسلاسة وتدفق، دفعةً واحدة، أو على مهلٍ وكدٍّ، وقد تستعصي إلى آخر المطاف، فلا أحد يمكنه أن يتوقع مزاجها أو يستدرجها أو يرشيها.
كتبت في الدراسات الشعرية، فهل أسهم ذلك في تغيير زاويتك الشعرية ورؤيتك للأشياء؟
ما كتبته وما أكتبه ليس دراسةً أو نقداً بمفهوميهما الأكاديمي المعروف، وإنما هي انطباعات تمخّضت خلال قراءاتي المتواصلة في الأدب العربي والعالمي، شرقاً وغرباً، قديماً أو حديثاً، وما بينهما.
هذه العصارة من التجاريب ولّدت أفكاراً ومسحت أوهاماً ومنحت رؤيةً وتصورات شاملة وواضحة ومذهلة في الكتابة الشعرية. أحببتُ أن أطرحها للحوار والتساؤل، مع خلاني وقرائي، أو لي للتذكير في متاهات الدروب والنسيان
وكل ما لدي هما كتابان (اشتراطات النص الجديد)، ويليه (في حديقة النص). جمعت في الأول تلك الانطباعات واللمحات والمفاهيم الجمالية الجديدة، عبر المتابعة الدؤوبة والسؤال الدائم في الشعرية العربية والعالمية؛ تجريباً وغموضاً ومخيلة ومعماراً وإيقاعاً وموروثاً ومعاصرةً ولغةً وبنىً ووظيفةً وذائقة وتناصاً وانزياحاً...
أما الثاني فقد تحدثت فيه عن مدارات الإبداع والتجربة من خلال بعض الذكريات واللقاءات التي جمعتني والعديد من رموز الغابة السامقة، مثل: عبد الوهاب البياتي، سعدي يوسف، توماس ترانسترومر، آنا بلانديانا، نازك الملائكة، نزار قباني، شيركو بيكه س، لاسا سودربيرغ، علي الرماحي، عبد الرزاق الربيعي، وآخرين من الذين صادفتهم في حياتي الشعرية ومَن تمحصتهم ومَن تأثرتُ بهم، فأضاؤوا لي الكثير.
وقد جمعت الكتابين في مجلد واحد بـ (502) صفحة، ووضعت بينهما تلك اللازمة التراثية (ويليه)، صورةً ومعنىً لمفهوم (التراث - الحداثة). وللتأكيد أيضاً أنك مهما شرَّقت وغرَّبت في حداثتك فلا بد لك لأن تسند على إرثٍ عظيم كهذا التراث اللغوي الأدبي الذي خلّفه لنا الأسلاف وغيرهم..
”
طَرْقَتانِ على البابِ
طَرْقَتانِ على القلبِ
ينفتحُ البحرُ:
لا سفنٌ في دمي للرحيلِ
“
”
جالساً
على الرصيفِ
أمامَ صندوقهِ
يرنو
لأيامِهِ التي
ينتعلها الناس
“
عدنان الصائغ شاعر عراقي ولد عام 1955م في الكوفة، عمل في الصحافة وكتب في الدراسات الشعرية وصدرت له العديد من الدواوين التي جمعت في "أعماله الكاملة" تنتمي قصائده إلى شعر الحياة اليومية، بالتقاطات بارعة من زوايا مختلفة، أسهمت في تجديد الشعر.
هناك كتب يمكن أن تدل قارئها إلى طرق للكتابة، نقترح منها:
ست نزهات في غابة السرد - أمبرتو إيكو
الروائي الساذج والحساس - أورهان باموق
صنعة الشعر - بورخيس
كيف تحكى حكاية - غابرييل ماركيز
لمنصات التواصل الاجتماعي دور في التأثير على الفنون البصرية، فمكان النشر وطبيعة السهولة في المشاركة، والتلقي السريع، وانتظار ردود الفعل، عوامل مؤثرة في الصنعة، وتؤدي إلى آثار عديدة..
اطلعوا على دراسة الباحثة الأستاذة فوز الجميل على منصة المنور من هنا
وُقعت في معرض الرياض الدولي للكتاب ٢٠٢٣م اتفاقية احتضان مركز الرياض للدراسات والأبحاث لمبادرة المنور للأبحاث الثقافية، يأتي ذلك في إطار عمل مركز الرياض وتحقيق مستهدفاته بتفعيل وتطوير المحتوى الثقافي، ودعم المبادرات والبرامج الثقافية التي تخدم سبل التنمية في جميع المجالات.
مثّل مركز الرياض للدراسات والأبحاث في التوقيع الرئيس التنفيذي للمركز سعادة الأستاذ ريان الوابل ومثّل مبادرة المنور مديرها الأستاذ عبدالله الفارس، وجرى التأكيد على السعي الدؤوب نحو تطوير المشهد البحثي، وبث المزيد من الفاعلية والتمكين، للنهوض بالدراسات والأبحاث المثمرة، والتي تصب في مصلحة الثقافة السعودية، لتمد الجسور نحو العالم.
سعدنا باستقبال المقترحات البحثية للموضوعات المعلن عنها عبر حسابات المنور في مواقع التواصل الاجتماعي، ونفيدكم بأن لجنة التحكيم تدرس المقترحات وتقيّمها لاختيار الأنسب من بينها.
نفخر بجميع الأسماء المميزة التي تواصلت معنا، والتي ترغب بإثراء المحتوى العربي البحثي، وسنواصل العمل لتعزيز سبل التعاون والدعم لخدمة ثقافتنا.