نمرر الضوء

وقوفًا بها

أيّها المارّ بهذه الكلمات، تحيّة عطرة، وبعد..
يفتح الزمن أبوابه، فندخل من باب ونترك آخر، ونضل أحيانًا في تعداد الأيام والشهور، والسنوات أيضًا فمع سرعتها صرنا نخطئ في عدّها..
ونعلن استسلامنا -دون سبب- ونقبل سرعة الوقت والتقدّم في العمر دون تمعنٍ في الأحداث، ودون ذاكرة غائرة في الحكايا والقصص، ليظلّ معنا ما يشبه الأحلام!
إن التدفق الهائل للمعلومات اليومية يجعلنا أمام اختبار صعب، يفرض علينا أن نحدّ منها لا أن نستزيد، وأن نختار من بينها ما يضيف لحياتنا لا ما ينقص منها.
وإن سهولة الوصول إلى المتع الحياتية، أجّلَ مشاريعنا الطويلة للدهشة، وتركنا أمام شبه ذاكرةٍ لأشياء نظنّ أنها مرّت!
وصار علينا أن نفكر أكثر بتعميق ما يمر، وتدوين ما نريد فعله، واختيار أن نعيش حياةً مكتملة بدلا عن شبه الحياة التي يختارها السياق، حتى لا تتشابه السنوات، ونتذكر التاريخ بتفاصيله.

حوار المنور

لا أنتظر قارئاً تقليدياً


نلتقي في هذا العدد من نشرتنا البريدية مع الشاعر الكبير دخيل الخليفة..

في عناوين الدواوين والقصائد اعتناءٌ من الشاعر دخيل الخليفة، ماذا تنتظر من القارئ حين يمرّ بها؟

ـ العنوان في السابق كان للتعريف بالمضمون، الآن بات مواكباً لحداثة النص الشعري، ويجب أن يكون عنصرَ جذبٍ للعين والعقل والقلب، فلم يعد شارحاً للنص، أو المجموعة، بقدر ما هو مكمل لهما. والمؤكد أنني لا أنتظر قارئاً "تقليدياً" ولا يهمني رأيه، لأنني أكتب لمتلقٍّ يمكن أن يعيد كتابة النص في ذهنه، ويسهم في إعلاء شأنه.

من أين استوحيت ثيمات الشعر لديك، وهل تطلب من كلماتك أن تخوض في فضاء مختلف دائمًا؟
ـ وجود الإنسان مع محيطه قضية، لذا فهو محارَب في وجوده، وثيمات شعري جزء من معركة حياة خسرتُ فيها الكثير من أحلامي كإنسان يؤكد تفوقه قدر استطاعته، وكانت محاولاتي المستمرّة للغوص في الباطن، في الذات المنكسرة، هدفها تقديم نص مغاير، لأتوازن وسط الخراب، بدءًا من معركة أجدادي مع الصحراء، ثم إلى حياة يومية صعبة.. أليست هذه فضاءات مختلفة؟

ماذا تقدم القصيدة للشاعر الذي يكتبها بكل أشكالها،العمودية والتفعيلية والمنثورة، هل تنفتح نوافذ جديدة، هل تنكسر حدودٌ ما بينها؟

ـ علينا أن نكسر حدود الشكل كونها حدوداً وهمية، هي مجرد أطر، ولا تعد شرطاً لتَحقّق الشعرية، إدراكنا لماهية النص وتجاوزنا لما سبق هو الفارق. الشعر تجربة حياة، اقتناص حالات مغايرة للسائد، والشكل صناعة بشرية وليس فعلاً مقدساً، هناك من يمارس الأشكال الثلاثة، وفي كل مرة يقدم نصاً مختلفاً ومتفوقاً على الشكلين الآخرين.. هل العلّة إذن في الشكل؟ أم في الذهنية الثابتة؟

إن أهم ما يجب تجاوزه هو "القناعة النهائية" بمسألة الشكل الشعري، وتلك القناعة أسهمت مناهجنا المدرسية التقليدية بثباتها مع الأسف.

حين تكتب نصاً متجاوزاً، فإنك تضيء عتمتك أولاً قبل أن تساهم في بناء أرواح الآخرين.

يكمل شاعر مشوار شاعر آخر، وربّما تصب قصيدة في أخرى، هل يجب أن يعرف الشاعر موضعه في تاريخ الشعر حتى يعرف دوره؟

ـ على الشاعر أن يعرف دوره في الحياة، بدءاً من همومه الخاصة، ثم هموم مجتمعه وأمته، لكنه لم يعد يقود الشارع كما كان، نتيجة تحولات الشعر ذاته وانحيازه إلى الذات وارتطامها بمختلف القضايا، الشاعر كان مؤثرًا في مجتمعه، لكن تحولات العالم وسطوة الآلة، وسط حياة مباشرة تقودها مواقع التواصل والقنوات الإخبارية، همّشت دور الشاعر، فانحاز لقضاياه الخاصة، علاقته بالمرأة والوطن والحلم، علاقته بالأشياء حوله، وتأملاته في الوجود وهذا العالم الغامض الماكر.

يدفع الزمن المتسارع إلى كتابة متسرعة، تظهر جلياً على مستوى القصائد وتشابهها، كيف ينجو الشاعر من هذا الفخ؟

ـ كل نص عالم مكتمل، غارق بالتساؤلات، بعض المباشرة فن، لكن قلةً مَن يتقنون حيَلها. في النص أسرار، يلغيها التسرّع، حين نكتب نصاً علينا إعادة صياغته مراراً والتفكير بكيفية تجاوز ما سبق. لم أعد أؤمن بكتابة نص سريع، أريد التأثير بالآخر، أن أجرحه بصورة حسية أستلّها من اللا وعي، أن أمحو جرحه بتعبير رمزي عن قضيته، هكذا يمكننا أن ننجو.

كيف ترى تأثير "عام الشعر" في السعودية على الحراك الشعري العربي؟

ـ السعودية خارطة شاسعة متعددة الهويات، وهذا ما أعطاها غنى، وهي الآن تقود العالم العربي، على كل الصعد، وتشهد تحولات عظيمة يضيئُها الشاب المبدع "الرائي" سمو ولي العهد محمد بن سلمان، ولعله انتبه إلى أن الثقافة عنصر مهم في كل التحولات، بما فيها السياسة كفعل عميق ومؤثر في البناء. ومن هنا جاء "عام الشعر" كفكرة خلاقة تجاورت مع أنشطة بديعة ومسابقات كبرى انطلقت المؤسسات الثقافية السعودية الرسمية والخاصة بإنجازها بسواعد وأفكار سعودية.

لذا، فإن غنى المشهد الثقافي السعودي، وكثافة الأنشطة، بمشاركة المبدعين العرب، سيؤثر إيجاباً على الشعر العربي، ويسهم بإعلاء شأنه، بعد أن تناسته المؤسسات الرسمية في جوائزها، وخصوصاً الشعر الحديث، بعيداً عن أية شروط مسبقة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالشكل الكلاسيكي كشرط أول لدخول أية مسابقة.

الشاعر دخيل الخليفة، من كبار الشعراء العرب، قدم النصوص من زوايا مختلفة، ووضع عدسته المجازية على معانٍ إنسانية عديدة، منحت شعره ثراءً متفردًا.

توصيات المنور

روايات مؤثرة يمكن قراءتها في جلسة واحدة:

الحمامة – باتريك زوسكند

لاعب الشطرنج – ستيفان زفايغ

المسخ – فرانتس كافكا

منشورات المنور

تم تسجيلك .. ترقب ضوء معرفة مختلفة!
عذرًا، أعد المحاولة