يوجّه الكلام للسامع، بأن يحسن الإنصات ويحسّ بالكلمات، وتُنقل حاسةُ الذوق من اللسان، لتصبح الشعور الذي نتلقى به كافّة الآداب والفنون، فلا بدّ من تذوّق اللوحات والمنحوتات والموسيقى والصور والسينما وبلا شك، علينا أن نتذوّق النصّ..
والذوق حالةٌ أولى يتلوها الوجد، فمن ذاق ولم يجد الطعمَ في وجدانه فما وقَرَ فيه، فكأنَّ حال النكهة التي طالت شعوره ولم تلامس وجدانه إلى زوال، أمّا ما توصّل إلى الوجد فقد أوتي الثبوتَ والبقاء..
وطالب أبو مدين الغوث المتحدثَ أن يشعر باللفظ قبل أن يطالبه بالوصول إلى السامع قائلا: "من قال (التمر)، ولم يجد حلاوته في فمه فما قال (التمر)" وقد وضّح صحّارَ بن عيّاش العبدي مصدر بلاغة قومه قائلا: "شيءٌ تجيشُ به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا" وفي الموضعين شعور باللفظ أثناء قوله وشعورٌ به قبل تكوّنه، وقد لام الحسن -رحمه الله- رجلا يعظ ولم يشعر بما يقول: "إن بقلبك لشرًّا أو بقلبي" فالشعور الخالص الذي يقع في القلب يجعل اللفظ قادرًا على التأثير بالمستمع، وهذا من ناحية الكلمة والإلقاء أيضًا.
وبين من يقول ومن ينصت جسر يشترك في صنعه الاثنان، فاستعدادهما هو من يمنح الكلام والنصّ قدرته على التأثير.
"الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان"
عامر بن عبد قيس
كيف ترين حضور المرأة الروائية السعودية وتأثيرها على المجتمع بوصفها مشاركة في صنع المخيلة السردية؟
تجربة المرأة الروائية السعودية ليست قصيرة في عمر الرواية حيث يجمع النقاد على أن عام 1914م يمثل الميلاد الحقيقي للرواية العربية، وميلاد الرواية السعودية كان في عام 1930م عندما أصدر عبد القدوس الأنصاري روايته "التوأمان " وشهدت أوائل الستينات ظهور الرواية النسائية السعودية بعد ثلاثين عامًا منذ صدور رواية الرجل عندما نشرت سميرة خاشقي رواياتها "ودّعت آمالي" و"ذكريات دامعة " ورواية "بريق عينيك" و"قطرات الدموع" ولم تكن الروايتان الأولى والثانية تمثلان في الثيمة المجتمع السعودي وهذا عائد إلى ثقافة الروائية ومرجعيتها، وفي "قطرات الدموع" كتبت عن المجتمع السعودي محاوِلةً سبر أغوار المجتمع وتكويناته لكنها لم تكن دقيقة، وهناك روائيات كتبن في هذه المرحلة وهنّ هند باغفار وعائشة أحمد وهدى الرشيد.
هذه المرحلة التأسيسية للرواية النسائية كانت بمثابة رسم خريطة طريق للرواية النسائية السعودية، توالت بعدها التجارب الروائية حتّى فترة الثمانينات التي شكّلت المرحلة الحقيقية لظهور الرواية النسائية السعودية نتيجة للتحوّلات العلمية والاجتماعية في تلك الفترة فألقت الرواية بظلالها على تجربة المرأة في تلك الفترة وحضورها في المشهد الروائي السعودي، فكانت الرواية الملجأ لطرح مشاكل المرأة السعودية وصوتها في المشهد الثقافي، وهذا جعل الروائية السعودية أكثر وعيًا ونضجًا بالمعمار الروائي والخطاب النسوي الذي يطرح مشاكله خارج عباءة الرجل، ويمنحها هويتها الخاصة، لتشارك في القضايا الاجتماعية وتطرح رأيها في القضايا العربية والعالمية.
وفي المرحلة الحالية هناك عوامل عديدة منها ما يمسّ شخصية الروائية السعودية من أفكار ومعتقدات، وما يرتبط بالتحولات العامة للمجتمع، بالإضافة إلى التدرّج التاريخي للنضج الروائي للمرأة السعودية، أسهمت في الكشف عن هوية المرأة السعودية وقدراتها الإبداعية وتأثيرها في النقلة الثقافية والأدبية التي تعيشها المملكة.
هل تغير حضور المرأة بوصفها أحد شخوص الرواية مع التغيّر الاجتماعي في السعودية؟
بالتأكيد، أي تغير اجتماعي أو اقتصادي يتبعه تغير في حضور المرأة، وهذا يرجع إلى مخيلة السارد والهدف من الرواية وثيمتها، والواقع أنه مع التطورات والتحولات التي نعيشها كان لا بدّ من تغير في تناول شخصية المرأة في الرواية، ومع ترقّيها في التعليم والعمل سيكون تناول شخصيتها موازيًا لهذا التغير، وهذا لا يمنع حقيقة أن المجتمع أصبح متعددًا ومختلفًا وما زال هناك شخصيات مختلفة للمرأة تتعاطى مع الحياة بشكل مختلف، هذا الاختلاف والتعددية وتحول النمط الواحد والشخصية الواحدة هو ما يشكل الثيمات المختلفة عند كتابة الرواية وتناول الشخصيات النسائية فيها.
هل وصلنا إلى مرحلة يجب فيها أن نتفرغ للكتابة؟ وأن يكون لدينا كتاب محترفون؟
نمط الحياة الحالي والرأسمالية العالمية يحتمان علينا الاستثمار في الانسان والثقافة ووجود الاحترافية في الكتابة واتخاذها مهنة لا هواية فقط، الكتابة تحتاج إلى تفرغ واستمرارية وصفاء ذهن وتركيز والتقاط كلّ ما يدور حولنا إقليمياً وعالمياً، لذلك التفرغ للكتابة يحتاج إلى مؤسسات تتبنّى هذه الفكرة وتتبنّى صناعة النجوم مع الاستمرارية في دعمهم والترويج لهم كما يحدث في دول أوروبا وأمريكا.
كيف نقرأ ارتباط الرواية بالفلسفة؟ ومتى نضطر أن نفلسف الرواية أو القصة؟
إن ارتباط الفلسفة بالقصة أو الرواية هو (القصة) ذاتها؛ فهو موضوع مميز ومهم سواء أ كانت القصة تمثل مشهدًا من مشاهد الحياة أو تحكي تاريخًا ما، أو تروي علاقة البشر بعضهم ببعض، أو علاقتهم بالزمان والمكان، فإنها غالبًا تقدم شيئاً ملهمًا..
بينما في المقابل تتجه الفلسفة إلى البحث عن الحقيقة. وهنا نتساءل كيف أمكن للفلسفة أن تدخل في القصة أو الرواية وتجعلها تابعًا لها، مع اختلاف الموضوع في كل منهما؟
يرى"شلنج" أن الفن ليس أمرًا غريبًا عن الفلسفة، وليس آلة لها، بل هو في حقيقة الأمر مصدرها وينبوعها الأول، فلقد انبثقت التأملات الفلسفية المبكرة عند اليونان من روائع الشعر وإبداع الفنانين، ولا شك أن الإلياذة والأوديسة تعدان خير دليل على هذا الرأي؛ ولا بدّ في نظره من أن تعود الفلسفة فتقطع مسيرتها الأولى، أي أن تصدر في عصرنا هذا عن الفنّ وترتبط به وتتفاعل معه. وقد كان للفلسفة تأثير كبير على الأدب فنجد فولتير يدخل عالم الابداع من باب القصة والرواية والمسرح والفلسفة، وقد كتب الكثير في القصة الفلسفية فشهرته الأدبية ترجع إليها، والتي كانت عند فولتير وسيلة مهمة للتعبير عن نقده، وآرائه في السياسة والدين والمجتمع، لذلك نحن لا نضطر أن نفلسف الرواية أو القصة بل الفلسفة تعني التفكير بطريقة مختلفة لكل كاتب أو سارد وطرح رؤيته بشكل مغاير.
من الشفاهية إلى الكتابة، هل استفادت القصة من التراث الممتلئ بالحكايات شفهيا، أم هناك قطيعة بين الأجيال؟
لا اعتقد أن هناك قطيعة بين الأجيال وأكبر شاهد على ذلك ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص اليوتيوب فهناك شباب متخصصون في سرد القصص التاريخية وبعض القصص المبنية على القصص المنقولة مشافهة، وتاريخنا العربي والإسلامي مليء بالحكايات سواء ما وثق في الكتب أو ما تم تناقله شفاهيًا، وهي تشكل منبعًا وكنزًا للقصة والرواية، ومازال لها عشاق ومحبون سواء من الجيل الجديد أو الأجيال التي قبله، وأجمل القصص والروايات هي التي انطلقت من حكاية أو قصة تاريخية.
ماذا يشكل السرد لدى الدكتورة زينب الخضيري؟ وهل مر بتغيرات في كل مراحله؟
السرد بالنسبة لي له فعل الحرية، وبقدر ما أسقط عليه من حمولات فكرية وذوقية ووعي آخر، يعطيني شعورًا بالرضا، وفي الأساس لم أكن أعد نفسي لأكون كاتبة، لذلك لم أقلد أحدًا وأسير على خطاه، ولم أكن ذات يوم ملتزمة بكتاب أو كاتب معين، إلا أنني كنت نهمة في قراءة الكتب وعاشقة للقراءة، وكان مرور برنارد شو، جان بول سارتر، دوستويفسكي، أوسكار وايلد، طاغور، ديكنز، وطه حسين، أنطون تشيخوف، وغي دو موباسان في حياتي ليس عابرًا فمن خلالهم بدأت في إعادة اكتشاف قراءة الحياة وقراءة نفسي وتوجهاتي، لذلك آمنت أن العالم مكتبة كبيرة ومن يؤمن بذلك سيحشد العالم في عقله وقلبه، وستتمكن الحكمة منه ويتعلم من الجميع، لذلك كنت منذ طفولتي حتى الآن أتعلم فنون السرد ومهاراته فهو ذائقة تكبر وتنضج معنا، لذلك أتعرف على مراحل نضجي من خلال المراحل التي مررت بها في كتاباتي السردية، فبعض النصوص الأدبية مربوطة بحيثيات وظروف خاصة، ففي رواية "هياء" كتبت عن الموت وجسّدت مشاعري بفقد والدتي -رحمها الله- وحين يغادرنا من نحبّ إلى العالم الآخر تصبح المسافة بيننا مستحيلة وتبدأ عجلة الذكريات والحنين بالدوران والتسلل إلى عمق الشعور فتكون الكتابة اشتغالًا على استعادة تلك اللحظات والذكريات. فالسرد بشكل عام يجعلنا نستعيد تلك اللحظات ويمكّننا من البوح بما لدينا، فاللغة هي الوسيلة التي نعبر بها عن جمال كل هزة سعيدة أو صعبة في حياتنا.
حين يلتقي غريبان قد يكون الطقس هو مصدر أول تجاذبٍ للحديث بينهما..
لكننا نملك شيئا آخر وهو النكتة، فاشتراكنا في معرفة ما هو مضحك قد يجعلنا ننخرط في تفاعل اجتماعي عميق..
وحين تتقاطع ضحكتان يذوب الجليد عن الملامح، وتتسابق ذاكرتان إلى استحضار النكت الصالحة للسياق حتى تتكوّن العلاقة..
وعلى منصة مبادرة المنور دراسة بعنوان: سوسيولوجيا النكتة في المجتمع السعودي للباحث: عبدالله بن حمد الزيد ألقت الضوء على العديد من النكت المتداولة في المجتمع
اللغة والإنسان:
عن سحر اللغة وعالمها الخلّاب، رحلة فلسفيّة شيّقة يبحر بها ماكس في تأمّلاته الرائقة عن سر هذا الكائن العجيب "اللغة".
النص المُعنف:
حديثٌ ماتعٌ عن فعل القراءة وعالم النصّ، يمسك فيه المؤلف مبضع الجراح ليشرّح النصوص ويستبطن كنهها ويبين عن فنّ تذوقها بأسلوب أدبيّ بديع.
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء:
كتابٌ نفيس من كتب الأخلاق والتهذيب، يطوف قارئه بنزهة عقليّة رائعة وذوق أدبيّ بديع.
نُشرت أولى المقالات ضمن سلسلة حفريات معرفية في تاريخ الثقافة السعودية للدكتور مسفر بن علي القحطاني تحت عنوان: "المطاوعة.. تاريخ المفهوم وتحولاته المجتمعية" وقد تناولت نشأة المصطلح وتطوّره