يسافر المرءُ لأسباب كثيرة، تختلف خلالها نواياه وفق الوجهة التي يذهب إليها والحالة الوجدانية التي يهرب منها.
يسافرون للتسوق والتمتع بالطبيعة وحضور الفعاليات والتثقف ومعرفة الحضارات والتاريخ، ويسافرون لئلا يفعلوا شيئًا، ليوقفوا الزمنَ ويعطّلوا عقارب الساعة، ويغوصوا في فضاء عميق من اللا شيء، لعلهم يجدون ذواتهم هناك.
السفر رغبةُ المتن بالتنازل عن مكانته والانسياب في الهوامش، وترك الخطوات تسيل في صفحات لم يُقدر لها أن تختبرها، فيعرف موجةً هاربة من البحر، وقصةً محفورة على طاولة مقهى عتيق، وفنجان منسيّ لم يقرأ أحدٌ وجهه القديم.
اصطبغت التسعينات بنغمة صوت محمد عبده وهو يجرح المنتظرين بشجنِ أغنية "طال السفر" من كلمات سمو الأمير خالد الفيصل، إنه زمن انتظار العائدين من رحلات بعيدة في صالة المطارات الضاجّة بنبض الشوق، حين كان العالم مجهولا وبعيدًا، لا قريبا على رفوف شتى التطبيقات، حيث تتقاطع الحدود وتنعدم الحوائط.
نحاور في هذا العدد من نشرة المنور الروائي الكويتي والرحالة الأستاذ عبدالوهاب الحمادي وهو صاحب مشروع باب للرحلات الذي يقدم رحلات ثقافية معرفية تعمّق الأمكنة وتاريخها في نفوس زائريها.
هل يقوي الأدب شغفنا بالسفر؟
الأدب بحد ذاته سفر، وقد يكتفي البعض بالقراءة عن تجربة السفر ومتاعبها المعروفة، وتزداد المتعة خاصة مع الانغماس في قراءة أدب الرحلات، لكن الحقيقة أن السفر الحقيقي مختلف ومتاعبه جمال وتجربة حياة، تزداد متعتها عندما نقارن خيالنا حين قرأنا بما نراه أمام أعيننا، ونقارن المعلومات ونعدل عليها ونزيد وننقص.
كيف انطلق "باب للرحلات"؟
الانطلاقة الأساسية كانت مع تحويل كتابي "دروب أندلسية" إلى رحلة تطوف حواضر الأندلس في إسبانيا، ثم تعدتها إلى دول أخرى. وعندما أسسنا باب للرحلات مع أ.تسنيم المذكور كان الهدف أن ندمج التاريخ والثقافة والأدب في رحلة تنشد أرقى تجارب السفر من فنادق ومواصلات وبالإضافة لتجارب الطعام المحلي وثقافات البلد وغيرها. لذلك كان "باب للرحلات" وسيلة لتنفيذ أحلامنا لاكتشاف الحضارات مع المجموعات المهتمة، ثم طورناها عبر تحويل سير الأدباء إلى رحلات مثل رحلة قاهرة نجيب محفوظ وتحويل الروايات لمسارات في الأماكن التي عرفها أبطال الرواية، وكأننا نريد تدشين نوع معاصر من أدب الرحلات، أدب يستطيع كل محب أن يلتحق به ويكتشفه ويراه.
بوصفك روائي، ما الذي منحتك إياه المدن والطرقات والأبواب؟
منحتني أكثر مما توقعت في الحقيقة وأنا ممتن لها، وذلك عبر اكتشاف المدن والاحتكاك والتعامل مع أهلها، بالإضافة للاختلاط بشخصيات متنوعة وأطياف عدة من الإخوة العرب. كل ذلك زاد خزين الشخصيات والأحداث في ذاكرتي وصار يحرضني على الكتابة.
ما سبب ارتباطك الوثيق بالتراث الأندلسي؟
هو ارتباط قديم وعشق للأدب والتاريخ العربي بالإضافة إلى أن التاريخ الأندلسي في كل محطاته خير مثال لفهم الشخصية العربية / الإسلامية / الإنسانية وتناقضاتها وما تكتنفه من خصوصية تختلف عن الشعوب الأخرى في أمور وتتماثل في أمور. كل ذلك جعلني أقرب للتراث الأندلسي بالإضافة للجمال الخارق الذي تتمتع به إسبانيا وتنوع مدنها وقراها.
طلبنا من الأستاذ عبدالوهاب الحمادي أن يوصي بكتب تتناول أدب الرحلات:
في الحقيقة كتب أدب الرحلات أكثر من أن أوصي بعناوين محددة، لذلك سأوصي بسلسلة من أفضل السلاسل وهي "ارتياد الآفاق" وهو مشروع من أفضل وأثرى مشاريع أدب الرحلات وقد ارتبط بجائزة قيمة وهي جائزة ابن بطوطة. لذلك أدل القارئ عليها وأنا على يقين من المتعة والفائدة التي تنتظره.
للمدن روائحها
هل شعرت في مداخل المدن وبعد تجاوز بوابات المطارات أنّ رائحة خاصة تخامرك؟ هل ميّزت ذلك العبقَ الخاص بالأمكنة، عندما علق بذاكرتك واستدعى تلك الأماكن وذكرياتها بغتة حين استشعر أنفك ذلك البخور القديم أو الملح القادم من شاطئ ملأ طفولتك، أو كانت دكاكين العطارين مفاتيح لمسافات كنت أغلقت عليها ذاكرتك؟
اطلع على البحث المنشور على منصة المنور بعنوان: روائح المدن وأهميتها الثقافية – السعودية أنموذجًا